القائمة الرئيسية

الصفحات

ضوابـطُ تفتيش الإنـاث في القوانيـنِ الجزائيّـة العربيّـة والاجتهــاد القضائي المُقارنْ


التفتيشُ إجراء جنائي يتضمن في جوهره اعتداء على حقّ الإنسان في الاحتفاظ بسرّه وحرمة مسكنه، وينظمه القانون لتحقيق مصلحة المجتمع في الوصول إلى أدلّة الجريمة والكشف عن الحقيقة.

ويعرّفهُ بعضٌ من فقهاء القانون الجزائي بأنه إجراءٌ من إجراءات التحقيق تقوم به سلطة حدّدها القانون، يستهدف البحث عن الأدلة الماديّة لجنايةٍ أو جنحةٍ تَحقّق وقوعها، في محلٍ خاص يتمتع بالحرمة بغضّ النظر عن إرادة صاحبه.
وهو بذلك يشكّلُ تعرضاً قانونياً لحريّة المتهم الشخصية، أو لحرمة مسكنه بغير إرادته ورغماً عنه، بحيث يترك للقانون الموازنة بين حق المجتمع في العقاب دفاعاً عن مصالحه التي يُعتدى عليها بارتكاب الجرائم، وبين حقوق الفرد المحمية دستورياً، فيبيح إجراء التفتيش جبراً، ورغم إرادة صاحب الحق.

ومصلحةُ المجتمع في تتبّع وكشف الجريمة بعد وقوعها، هي وحدها التي تحرك المساس بحقوق الفرد، شريطة وجود قرائن قويّة على أن صاحب حق السرِّ هو الفاعل أو الشريك فيها، أو من يحوز على أشياءٍ تفيدُ في كشف الحقيقة.

وباعتبار تفتيش الأنثى جسدياً هو مناقضٌ لمقتضيات حماية الحياء والآداب العامة، فلا يجب انتهاكها وإلا اعتبر انتهاكاً للعرض المعاقب عليه في قوانين العقوبات العربيّة، وإنما يجب تفتيشها بمعرفة أنثى تُنتدبُ لذلك.

وقد تطرّقت المادة (38) من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم (3) لسنة 2001م للتفتيش، فأجازت لمأمور الضبط القضائي في الأحوال التي يجوزُ القبض فيها قانوناً على المتهم، أن يفتّشهُ ويحرّر قائمةً بالمضبوطات يوقّعها والمقبوض عليه ويضعها في المكان المخصّص لذلك، على أن يُسلّم المقبوض عليه صورةً من قائمة المضبوطات إذا طلب ذلك، بينما جاء بالمادة (47) من ذات القانون أنه " إذا كان الشخصُ المراد تفتيشه أنثى، فلا يجوزُ تفتيشها إلا بواسطة أنثى ينتدبها لذلك القائمُ بالتفتيش".

كما أعطت المادة 94 من قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري لسنة 1950م لقاضي التحقيق إن يفتش المدعى عليه، وله إن يفتش غيره إذا اتضح من إمارات قوية انه يخفي أشياء تفيد في كشف الحقيقة، واذا كان المفتش أنثى، وجب إن يكون التفتيش بمعرفة أنثى تنتدب لذلك.

أمّا الفصل الرابع من قانون الإجراءات الجزائية العربي الموحّد لسنة 2005م (وثيقة الرياض)، فقد نظّم في موادّه ذات العلاقة ضوابط تفتيش الإناث، فأجاز لمأمور الضبط القضائي أن يفتش المتهم في الأحوال التي يجوزُ فيها قانوناً القبض عليه ويجرى تفتيش المتهم بالبحث عما يكون بجسمه أو ملابسه أو أمتعته من آثارٍ أو أشياء تتعلق بالجريمة أو تكون لازمةً للتحقيق فيها، وإذا كان المتهم أنثى، يجبُ أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى تُندبُ لذلك بمعرفة عضو النيابة العامة (الادّعاء العام) بعد تحليفها يميناُ بأن تؤدي أعمالها بالأمانة والصدق إذا لم تكن من مأموري الضبط القضائي، ويجوزُ في حالات التلبّسِ بالجريمة أن يصدُر الندبُ من مأموري الضبط القضائي.

وإذا كان في المنزل المرادُ تفتيشه نساء، ولم يكن الغرضُ من الدخول ضبطُهنَّ ولا تفتيشهنَّ وجب على مأمور الضبط القضائي أن يراعي التقاليد المتّبعة في معاملتهنَّ وأن يمكّنهنَّ من الاحتجاب أو مغادرة المنزل وان يمنحهُنَّ التسهيلات اللازمة لذلك بما لا يضرُ بمصلحة التفتيش ونتيجته.

نشيرُ في هذا السياق، إلى ما تضمّنته المادة (70) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي، والتي فتحت الباب واسعاً أمام إمكانية إجراء الكشفِ على الأنثى بواسطة رجلٍ، بقولها "أن يكون الكشف عن جسمِ الأنثى (المتهمة) بواسطة أنثى قدر الإمكان !! وهو ما يُفسّر بأنه أمرٌ غير وجوبي.

أمّا المواد (354 – 356) من تعليمات النيابة العامة الفلسطينية رقم (1) لسنة 2006م، فقد نظّمت بصورةٍ أكثر تفصيلاً ضوابط هذا التفتيش، فإذا كان الشخص المراد تفتيشه أنثى، فلا يجوزُ تفتيشها إلا بواسطة أنثى، ينتدبها لذلك القائم بالتفتيش، وهذه القاعدة توجبها مقتضيات حماية الحياء والآداب العامة، ويجوزُ المساس بالمواضع الحسّاسة من جسم الأنثى بمعرفة الطبيب بوصفه خبيراً، بشرط أن يكون بالقدر الذي تستلزمُه عمليّة التدخل الطبي اللازم لإخراج الشيء من موضع إخفائه في جسمها، وفيما عدا ذلك، فإن مخالفة القانون هنا تستوجب بطلاناً من النظام العام، لا يسقط برضاء الأنثى، أمّا إذا لم يتمكن القائم بالتنفيذ من استدعاء إحدى العاملات بالضبط القضائي لتفتيش أنثى، فإن له أن ينتدب أنثى أخرى للقيام بالتفتيش، بشرط وجوب إثبات هويتها في المحضر، ولا يجوزُ لمأمور الضبط أن يحلّفها اليمين القانونية، إلا إذا خيف ألا يُستطاع سماع أقوالها فيما بعد، طبقاً للقواعد العامة بشأن سماع الشهود .

وقد قضت محكمة النقض المصرية بقرارها بالجزاء لسنة 51 قضائية الصادر بتاريخ السابع من آذار/ مارس 1966م أن التفتيش الباطل هو التفتيش الذي يقعُ على الأنثى في موضعٍ من جسمها لا يجوزُ لرجل الضبط القضائي الإطّلاع عليه ومشاهدته باعتباره من عورات المرأة التي يخدش حياءها إذا مُسّ.

أخيراً، فقد قضت ذات المحكمة بقرارها بالجزاء الصادر بتاريخ الرابع من كانون ثاني/ يناير 1976م أن الكشف عن المخدرِ في مكانٍ حسّاسٍ من جسم الطاعنة بمعرفة طبيب المستشفى لا تأثير له على سلامة الإجراءات، ذلك أن قيامه بهذه الإجراءات إنما كان بوصفهِ خبيراً، وما أجراه لا يعدو أن يكون تعرّضاً للطاعنة بالقدر الذي تستلزمهُ عمليّة التدخل الطبي اللازمة لإخراج المخدّر من مواضع إخفائه في جسمِ الطاعنة.
بقلم: المسـتشار/ أحمـــد المبيض

ضوابـطُ ,تفتيش, الإنـاث, في القوانيـنِ, الجزائيّـة ,العربيّـة, والاجتهــاد, القضائي والمُقارنْ

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع