القائمة الرئيسية

الصفحات

تاريـخُ التشــريعـات والنُظـم القانونيّـة في فلســطينْ (الحلقــة الرابعــة)


قانون-يرجّح علماء التاريخ ومعهم الكثير من المدوّنين أن أسم (فلسطين) مشتقٌ من اللفظ (بلست) وهم من شعوب البحر (Sea Peoples) التي دخلت أرض كنعان من جزيرة كريت اليونانيّة في الألف الثاني قبل ميلاد السيّد المسيح عليه السلام، وأقاموا فيها ممالكهم، وامتزجوا بالسكان الأصليين، أي الكنعانيين، وهكذا أعطوا البلاد أسمهم بعد أن كانت تعرف باسم ارض كنعـان.

وكما يقول هؤلاء، فإن الكنعانيين هم من الشعوب والقبائل السامية العربية التي دخلت فلسطين من شبه الجزيرة العربية في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد.

وقد عرفت فلسطين منذ القدم باسم أرض كنعان (Canaan) نسبة إلى هؤلاء، وقد ورد ذلك في الوثائق العراقيّة والسوريّة والمصريّة القديمة بصيغة (كناخني) أو (كنياخي) كما ورد أسمها أيضاً ( pelest).

أما الاسم (فلسطين) فقد عُرف في الأزمنة التي تلت تلك التواريخ، وجاء ذكره في الوثائق المصرية القديمة بصيغة (بلست) وفي المصادر الآشورية بصيغة فلستيا أو فلستو (بلستو)، وفي توراة النبي موسى عليه السلام بصيغة (إيريتس بلشيتم) أي أرض الفلسطينيين، وبلفظه الحالي عن المؤرخ اليوناني (هيرودوتس) أبو التاريخ. 

وكما يقول المؤرخين، فإن أهل فلسطين الحاليين ينتمون إلى الشعوب والقبائل الكنعانيّة العربيّة، وهم المكوّن الرئيسي للسكان الأصليين في هذه البلاد.

وظلت "فلسطين" كغيرها من الأصقاع مغمورة بالمياه لملايين السنين، كجرف للقارة بعد الشاطئ مباشرة، ومع الارتفاع البطيء لرواسب الجرف عبر تلك السنين، بدأت ترتفع تدريجيًّا عن مستوى سطح البحر، حتى وصلت إلى حدودها الحالية قبل حوالي مليوني سنة على وجه التقريب كما تشهد بذلك الحفريات الجيولوجية.

كما كانت هناك بحيرة كبيرة، أو خليج ممتد من "البحر المتوسط" إلى (وادي الأردن) قبل أن تنكمش ثم تأخذ في التناقص بعد ذلك، وهي ما يسمى اليوم بحيرة طبريا.

ونظراً لما تمتّعت به (فلسطين) منذ الأزل بالموقع المتميز، وما حباها الله من خصوبة التربة، واعتدال المناخ وتميّز الطقس، وهذه مجتمعة شكلت روافداً للحضارة على أرضها، وسبباً من أسباب الاستقرار الذي يبني العمران، وعامل جذبٍ للوجود الإنساني فيها منذ أقدم العصور، مما هيَّأ لها أن تقوم بدور بارز في عملية الاتصال الحضاري بين المناطق المختلفة في العالم؛ وذلك بحكم موقعها المتوسط منه، كما كان ذلك من أهم الأسباب التي ساعدت على كتابة تاريخها منذ القدم.

وقد دلت الحفريات الأثرية التي اكتشفت على أرض فلسطين، على وجود بعض الهياكل العظمية للإنسان القديم، وهو ما يدل على وجود حياة بشرية مبكّرة في هذا الجزء من العالم منذ وقت مبكّر، وكان هؤلاء الأسلاف يعيشون حياة بدائية، ويعملون بالصيد البحري والبري، ولم يعرفوا حياة الاستقرار بالمعنى المفهوم، وإنما كانوا يعيشون متنقلين؛ سعيًا وراء قطعان الحيوانات المختلفة، ومواطن الصيد السهلة.

وقد تميَّزت الفترة الثالثة من العصر الحجري بظهور نوع من التطوّر في حياة وأنماط معيشة الإنسان البدائي، كما بدأ يطوّر أساليب صيده، واستخدام أدواته المصنوعة من حجر الصوان، وعثر على عدد من الحفريات التي تمثل الحياة البشرية الأولى لهذا لإنسان داخل بعض الكهوف في فلسطين، ومنها كهف "الأميرة" و"عرق الأحمر" و"كبارة" و"الواد". 

كما عُثر كذلك على بعض الأدوات البدائية البسيطة التي كان يستعملها في هذه الفترة في مواقع أخرى في صحراء النقب الجنوبية، وبالرغم من أن الإنسان في هذه المرحلة كان لا يزال يعيش على الصيد والقنص وجمع الثمار، فإن هذه المرحلة تمثل بداية التجمعات البشرية التي أصبحت تشكل أنماطًا معيشيّة متطوّرة من حياة البشر على تلك الأرض. 

ثم ما لبث الإنسان أن تحول من مرحلة الجمع إلى مرحلة الإنتاج، فجدَّ في البحث عن مصادر المياه، واستقرَّ حولها، وبدأ يعرف نوعًا من حياة الاستقرار بعد أن تحوَّل إلى الزراعة، فبدأ يزرع بعض النباتات، كالقمح والشعير، واتجه كذلك إلى صيد الحيوانات البحرية، وأصبح منتجاً لقُوْتِه، وتميزت الفترة الأخيرة من العصر الحجري بحدوث تغيير واضح في وسائل المعيشة والإنتاج، كما حدث التغيير كذلك في أنماط البناء والعمران.

وباستعراضٍ سريع لموقع فلسطين، فهي تعتبر جزءاً من بلاد الشام أو سوريا الطبيعية والتي تضم بالإضافة إلى فلسطين كل من سوريا ولبنان والأردن، وتقع في وسط الشرق الأوسط، عند الطرف الجنوبي الغربي من قارة آسيا، على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. 

يحدّها لبنان شمالاً، وسوريا والأردن شرقًا، والبحر الأبيض المتوسط ومصر غربًا، والبحر الأحمر جنوباً ، وتبلغ مساحتها 27027 كلم2، وتحتل موقعاً استراتيجياً فريداً، فهي عدا عن كونها قلب الوطن العربي وصلة الوصل بين جزئيه الآسيوي والإفريقي، فهي تشكل كذلك عقدة التقاء القارتين الآسيوية والإفريقية، وممرًا عالمياً بين القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وأفريقيا، وصلة وصلٍ بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. 

كما تمتاز فلسطين أيضاً بمكانتها المقدسة في نظر أتباع الأديان السماوية وتشتهر بمدنها المقدسة وخاصة القدس والخليل وبيت لحم والناصرة.

ونظرًا لموقعها الإستراتيجي الذي حباها به الله، ولمكانتها الدينية في نظر الأديان السماوية شكلت فلسطين ملتقى لطرق برية وبحرية منذ أقدم العصور وأدت دوراً مهماً في التجارة الدولية والتبادل والتفاعل الحضاري بين الأمـم.

بقلم المستشار/ أحمد المبيض
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع