القائمة الرئيسية

الصفحات

هل يتوجب على المشرع التدخل والحدّ من ارتفاع أجور العقارات؟؟

هل يتوجب على المشرع التدخل والحدّ من ارتفاع أجور العقارات؟؟

هل يتوجب على المشرع التدخل والحدّ من ارتفاع أجور العقارات؟؟

-----------------------------------------------------------------

(لماذا لم يلحظ قانون الإيجارات الجديد الجنون في بدل الايجار السائد حالياً في البلد؟؟)
تمَّ توجيه هذا السؤال الكبير والمحرج مباشرة للقاضي المستشار "كمال جنيات" رئيس اللجنة التي أعدّت القانون الجديد على إحدى صفحات التواصل الاجتماعي، فأجاب بكل جرأة قائلاً:

((جنون الأسعار لا يعالجه قانون الإيجار بل هو شأن يتعلق بأزمة أخلاق أولاً، وهو يتطلب مشاريع إسكان شبابية وشعبيه، أي يتطلب تدخل الدولة لحل أزمة ذات أولوية.
... إن قانون الإيجار يقنن العلاقة بين طرفي العقد، وليس دائرة تموين تفرض على المالك استثمار ملكه خلافاً لرغباته، فالأمر أخلاقي في ظروفنا هذه، ولا يمكن للقانون الاعتداء على ملكية مصانة بالدستور))

في الواقع لقد وصفنا رأي الأستاذ كمال بيك بالجريء لأنه خالف المذهب الذي انتهجه المشرع في القرن الماضي الذي قال صراحة في الأسباب الموجبة للمرسوم التشريعي 24 لعام 1965 عندما قضى بتخفيض بدلات الإيجار 25%، أن:
((تحديد بدلات الإيجار يجب ألا يختلف عن تحديد أسعار السلع والخدمات الأخرى، فالبائع هو الذي يجب أن يطبق تعرفة الأسعار ويلتزم بالقانون، وإذا ما خالف ذلك أو تأخر فعلى الدولة أن تجد الوسائل الكفيلة بتطبيق التعرفة، لا أن ترمي عبء ذلك على المشتري))

كما خالف الرأي الفقهي القانوني لإمام الحقوقيين العرب العلّامة السنهوري عندما تحدث في مرجعه النفيس "الوسيط" عن أساس تحدد الأجرة في عقد الإيجار، فلم يدعو لتركها لإرادة المتعاقدين، وإنما دعا منذ العام 1929 في كتاب له عن عقد الإيجار إلى التضامن فيها بين المؤجر والمستأجر فقال:
((أما عن الأجرة فيجب أن يقوم تحديدها على أساس التضامن اللازم بين رأس المال والعمل، بحيث لا يجحف أحدهما بالآخر، فكلا العاملين ضروري للإنتاج.....فإذا أريد تحديد الأجر الذي يؤديه المستأجر للمؤجر، وجب أن يراعى في ذلك تحقيق المساواة بين هذين العاملين))
واستطرد السنهوري داعياً المشرع للتدخل بالعلاقة بينهما قائلاً بذات المرجع:
((.... والمشرع في ذلك يرقب ألا يجحف المؤجر بالمستأجر في ظروف استثنائية، كالظروف التي جدت عقب الحرب وسبقت الإشارة إليها وعالجها المشرع علاجاً خاصاً))
السنهوري – الوسيط – ج 6 /1 – فقرة 18

وبالرغم من هذا الرأي المهم والاتجاه السابق ففي الواقع يجب الاعتراف أنه لا يوجد رجل قانون منصف في هذا الوقت يمكن أن يدعو لتدخل المشرع في العلاقة بين المؤجر والمستأجر بالنظر للتاريخ السلبي للمشرع في تدخلاته السابقة التي أدت لاختلال خطير بالتوازن المفترض تحقيقه بينهما، فأدت تدخلاته لرجحان كفة المستأجر بشكل غير عادل سواء لجهة الأجرة المنخفضة والتي باتت رمزية، أو لجهة التمديد للعقد لأجل غير محدود، والذي أدى بالمشرع لمنحه نسبة 40% من ثمن المنزل حتى ينهي هذا العقد.

هذا التاريخ المخجل لمشرع الإيجارات الذي لا يفارق أذهان رجال القانون، بالإضافة لاعتراف مشرع الإيجارات نفسه بعجزه عن تحقيق هذا التوازن عندما قال في الأسباب الموجبة لأحد أهم قوانين الإيجارات التي صدرت بالقرن الماضي وهو القانون 111 لعام 1952 إذ قال بكل وضوح:
((....إن مصالح المستأجر والمؤجر المتباينة تجعل وضع نص تشريعي يؤمّن هذه المصالح جميعها بحكم المستحيل...))
يجعلهم يرفضون أي شكل من أشكال التدخل في هذه العلاقة، ويحضون على الاستمرار بالنهج الذي اختطه المشرع منذ العام 2001 بجعل العقد شريعة المتعاقدين، إضافة إلى وجوب تحمل الدولة بجدية لمسؤولياتها في حل أزمة السكن.

مع الأخذ بالاعتبار أن النهج الذي اقترحه العلامة السنهوري بقي في إطار العموميات مفتقداً لآليات تطبيق عملية عادلة يمكن أن تحقق هذا التوازن المطلوب، ناهيك عن وجود رأي مرموق في الفقه القانوني عبر عنه الدكتور أنور الخطيب في كتابه المبادئ العامة في القانون الصفحة 12 قائلاً بأن:
((القانون هو نتيجة لا سبب، إنه نتيجة للعلاقات الاجتماعية التي تتغير كما تتغير الحياة، ويؤدي تغيرها حتماً إلى تغيير في القانون، لذلك قيل إن القانون لا يسيطر على علاقات الناس، على الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل إن هذه الظواهر هي التي تسيطر على القانون، ويجب على القانون أن يتبعها لا أن تتبعه.))

هذا الرأي الحصيف يستند لرأي الفيلسوف الفرنسي الشهير جان جاك روسو الذي قال في العقد الاجتماعي:
((المشرع الحكيم كالمهندس الذي يتأمل الأرض ويسبر غورها ليتحقق من أنها تقوى على حمل ثقل البناء الكبير الذي يريد إشادته، فلا يشرع في صياغة القوانين ولو كانت صالحة قبل أن ينظر إن كان المجتمع أهل ليحمل عبئها))
العقد الاجتماعي – ترجمة بولس غانم – بيروت – طبعة 1972

لذلك نرى أن المشرع أحسن بعدم التدخل مجدداً في عقد الإيجار ، لأنه لا يساورنا الشك بأن أي تدخل جيد له سيتسبب بآثار قانونية واجتماعية سلبية لا يتسع المجال لتناولها الآن.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع