القائمة الرئيسية

الصفحات

الخصوم في دعوى مخاصمة القضاة وفق القانون السوري

الخصوم في دعوى مخاصمة القضاة في القانون السوري

 الخصوم في دعوى مخاصمة القضاة:

حدد القانون الجديد بدقة أطراف دعوى المخاصمة ومن هو المدعى عليه الذي يتوجب على المدعي طالب المخاصمة اختصامه فيها فقال:

يجب اختصام كل من القضاة، ووزير العدل، والخصوم في الدعوى الأصلية، (المادة 471/ ب)
وفي حال كان الحكم موضوع دعوى المخاصمة صادراً عقب طعن بالنقض للمرة الثانية، فيجب اختصام الهيئة الأخيرة التي اصدرت هذا الحكم فقط. (المادة 471/ ج)

وإذا كان الحكم موضوع دعوى المخاصمة صادرا عن أكثرية المحكمة فيجب حصر دعوى المخاصمة بهذه الأكثرية فقط دون القاضي المخالف. (المادة 471/ د)

وإذا كان الحكم موضوع دعوى المخاصمة صادرا في دعوى جزائية، فيجب اختصام ممثل النيابة العامة أيضاً. (المادة 471/ هـ)

في الواقع هذه المبادئ الجديدة تكريس للاجتهاد المستقر بهذا الصدد، إذ يقول إحداها على سبيل المثال:

((الاجتهاد مستقر على أن مخاصمة أحد المدعى عليهم في الدعوى الأصلية دون باقي المدعى عليهم أمام المحكمة المخاصمة، مدعاة لرد الدعوى شكلاً)) (مخاصمة – ق 493 – تا 23/ 7/ 1995 – مجموعة الدركزلي في المخاصمة – قا 522)

وعلى ما يبدو أن الطبيعة الخاصة لدعوى المخاصمة هي التي سوغت للمشرع الخروج عن مبدأين أساسيين من مبادئ التقاضي: 
  • الأول: حق المدعي باختيار خصومه، 
  • الثاني: جواز اختصام أي من المتضامنين. 

وإلزام المدعي باختصام أشخاص محددين على سبيل الحصر تحت طائلة الردّ شكلاً،

وبالرغم من هذا المنحى الذي اتجه إليه المشرع، يجدر بنا ملاحظة الآتي:

أولاً:
بالنسبة لما ورد في المادة 471/ ج من وجوب اختصام أعضاء الهيئة الأخيرة التي أصدرت القرار إذا كان الحكم محل المخاصمة صادراً عقب الطعن بالنقض للمرة الثانية، يطبق في حال كان القرار الخطأ المهني الجسيم واقعاً في القرار الصادر بالطعن للمرة الثانية، 

أما في حال كان الخطأ مرتكب من الهيئة مصدرة القرار الناقض الأول فيتوجب اختصام أعضاء هذه الهيئة فقط، وليس أعضاء الهيئة الأخيرة التي وردت بالنص، ولا يتوجب بالأصل الانتظار حتى يصدر قرارهم لاختصامهم إذ يمكن اللجوء للمخاصمة بعد صدور القرار مباشرة، بحسبان أن محكمة الاستئناف والهيئة الناظرة بالطعن للمرة الثانية ملزمة باتباع القرار الناقض الأول، حيث ينص اجتهاد الهيئة العامة لمحكمة النقض الصادر في هذا الصدد:

((يتحتم على محكمة الموضوع التي تحال إليها الدعوى وعلى الغرفة ذات العلاقة في محكمة النقض اتباع النقض ومراعاة حجية الحكم الناقض عندما يطعن في نفس القضية للمرة الثانية، متى فصل الحكم الناقض في تطبيق القانون على واقع مطروح على المحكمة، ولو كان يتعارض مع اجتهاد أحدث أو اجتهاد أقرته الهيئة العامة لمحكمة النقض، والعدول عن كل اجتهاد مخالف)) (الهيئة العامة – قرار 25 – تا 10/ 6/ 1978 – المحامون ع 9, 11 – ص321)

مما يوجب اختصام الهيئة الأولى التي نقضت القرار المطعون فيه، إذا كان الخطأ المهني الجسيم منسوب لها.


ثانياً:
في حالة إنكار العدالة (عدم البت بالدعوى رغم الإعذار) فيجب اختصام كامل الهيئة لتعذر تحديد المسؤول عن عدم فصل الدعوى، بسبب سرية المداولة التي تمنع من تحديد القاضي المسؤول عن هذا الخطأ. (أبو الوفا – المرجع السابق – ص72)

 وجوب طلب التعويض صراحة في دعوى المخاصمة:

نصان جديدان أتى بهما المشرع في القانون الجديد، بالإضافة لمنظومة النصوص القديمة الناظمة للحكم بالتعويض، يصبان في إطار سعيه الحثيث للتأكيد على طبيعة دعوى المخاصمة بأنها تعويض أساسه المسؤولية التقصيرية، وليست طريق غير عادي من طرق الطعن.


النص الأول: 

يجب على المدعي أن يطلب التعويض صراحة في استدعاء الدعوى. (المادة 471/ ح)

وفي الحقيقة لا يوجد جديد في هذا المبدأ، فقد استقر التعامل القضائي عليه، حيث تقول الهيئة العامة لمحكمة النقض"
((إن تقديم طلب المخاصمة بغاية إبطال الحكم فقط دون المطالبة بالتعويض، يخرج دعوى المخاصمة عن المسار القانوني الذي حدده لها المشرع)) (هيئة عامة – ق 203 – تا 11/ 11/ 1996 – مجموعة الدركزلي في المخاصمة – قا 475)

النص الثاني:
لا يجوز للمحكمة أن تحكم بأن ابطال الحكم يقوم مقام التعويض (المادة 475/ ب)

مبدأ مفاجئ وثوري قرره القانون الجديد يناقض الاجتهاد القضائي المستقر القائل:
((إبطال الحكم يغني عن الحكم بالتعويض)) 
(مخاصمة – ق 858 – تا 26/ 12/ 1995 – مجموعة الدركزلي في المخاصمة – قا 460)

ومؤدى هذا المبدأ أنه في حال قبول دعوى المخاصمة فيتوجب على المحكمة بالإضافة للحكم بإبطال القرار المخاصم، أن تحكم القضاة الذين أصدروه بالتعويض المادي النقدي، بالتكافل مع وزير العدل بالطبع، عملاً بقواعد مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه!!

ولا يعني هذا المبدأ أن للمحكمة الناظرة بالدعوى الخيار بأن تحكم بالتعويض بدلاً من إبطال القرار المخاصم، لأن النص السابق له مباشرة (المادة 475/ آ) يلزمها بإبطال تصرف القاضي المخاصم، (القرار موضوع دعوى المخاصمة)

لا شك أن أحد أهم المرامي التي يهدف إليها المشرع من وراء إقرار هذا النص الجديد، هو التأكيد على طبيعة الدعوى بأنها تعويض عن عمل غير مشروع وليست طريق غير عادي للطعن بالحكم المبرم،

فهل أصاب المشرع هذا الهدف؟؟

بالتأكيد لم يفلح المشرع في مسعاه هذا، بدليل مجموعة القواعد التي تمسك بها في القانون نفسه، والتي تشير بوضوح لجوهر هذه الدعوى، من أنها تستهدف النيل من الحكم موضوعها، مثل إبطال التصرف أو الحكم المخاصم (المادة 475/ آ)، وجواز الحكم بموضوع النزاع إذا كانت القضية جاهزة للفصل (المادة 476/ آ)، ووجوب اختصام الخصوم في الدعوى الأصلية التي صدر فيها الحكم موضوع دعوى المخاصمة (المادة 471/ ب)، ووجوب اختصام ممثل النيابة العامة إذا كان الحكم موضوع دعوى المخاصمة جزائي (المادة 471/ هـ) فهؤلاء الأطراف لم يتسببوا بالخطأ الذي بنيت عليه دعوى المخاصمة ولن يحكم علهم بالتعويض، وإنما الغاية من اختصامهم أن يتم إبطال الحكم المخاصم بمواجهتهم في حال قبول دعوى المخاصمة.

من جهة ثانية فإن طبيعة دعوى المخاصمة في الأصل كما وردت في المهد الذي ولدت به وهو القانون الفرنسي، أنها طريق غير عادي من طرق الطعن كما يؤكد الدكتور أحمد أبو الوفا قائلاً:

((ليس الغرض من رفع دعوى المخاصمة هو مطالبة القاضي بالتعويض فحسب، وإنما هو أيضاً طلب الحكم ببطلان ما اتخذه من أحكام وقرارات، ولهذا نص المشرع الفرنسي على دعوى المخاصمة في الباب المتعلق بطرق الطعن غير العادية، وهذا الاتجاه محل نقد من الشراح لأنه قد ترفع الدعوى على القاضي دون أن يكون قد أصدر أي حكم كما في أحوال إنكار العدالة)) (المرافعات المدنية – ط1975 – ص67)

وتبعه في ذلك المشرع اللبناني أيضاً الذي أوردها في عداد طرق الطعن في الأحكام لأنها ترمي لإبطال الحكم أو التصرف موضوع المخاصمة (إدوار عيد – أصول المحاكمات – ج2 – ص644)

من ناحية أخرى وبالرغم من أن الاجتهاد القضائي المتواتر لدينا ما انفك يؤكد: 

((إن دعوى المخاصمة ليست طريقاً من طرق الطعن في الأحكام وإنما هي دعوى ذات طبيعة خاصة، وهي دعوى مبتدئة توجه ضد القاضي أصلاً وليس ضد الخصم...)) (هيئة عامة – ق 203 – تا 11/ 11/ 1996 – مجموعة الدركزلي في المخاصمة – قا 475)

غير أن الهيئة العامة نفسها أكّدت أكثر من مرة، أن هذه الدعوى تعتبر طريق غير عادي يستهدف ثلم الحكم موضوعها فقالت:
((إن المراد الحقيقي من دعوى المخاصمة هو الطعن الاستثنائي بالأحكام المبرمة، بالإضافة إلى مساءلة القضاة، فمن سلك سبيل هذه الدعوى مرة ورُفض ادعاؤه شكلاً أو موضوعاً، حيل بينه وبين العودة لسلوك طريق هذه الدعوى بذات الموضوع، وقد سار الاجتهاد القضائي على ذلك {نقض قرار 50/ 52 لعام 1962})) (هيئة عامة – ق 41 – تا 3/ 4/ 1995 – مجموعة الدركزلي في المخاصمة – قا 532)

((إن دعوى المخاصمة طريق استثنائي للنيل من الأحكام المبرمة مع المطالبة بالتعويض، وإن تقديمها لابد أن يكون من قبل أحد أطراف الخصوم الممثلين في القرار المخاصم لأن صحة الخصومة من النظام العام......)) (هيئة عامة – ق 25 – تا 5/ 2/ 1996 – مجموعة الدركزلي في المخاصمة – قا 535)

كذلك (هيئة عامة – ق 97 – تا 13/ 5/ 1996 – مجموعة الدركزلي في المخاصمة – قا 160)

كما قَبل القضاء دعاوى مخاصمة لم تستهدف التعويض عن الخطأ المرتكب من الهيئة المخاصمة وإنما إبطال قرارها:
((دعوى مخاصمة القضاة تتناول الأحكام كما تتناول الأوامر ومجموعة الأعمال التي تفضها متطلبات الفصل بالنزاع ويمارسها القاضي، ولو لم يكن هناك ادعاء بالتعويض)) (نقض – ق 480 – تا 10/ 4/ 1978 – المحامون ع 5، 8 – ص226)

ومن الأدلة على جنوح الاجتهاد بالتعامل مع هذه الدعوى بأنها تستهدف الطعن بالقرار موضوعها، وليس التعويض عنه، استقراره على عدم قبول سماعها ثانية إذا سبق له أن ردّها شكلاً، شأنه في ذلك شأن التعامل مع الطعون بالأحكام، في حين أن القضاء عادة ما يقبل سماع الدعوى ثانية بعد استدراك النواقص، إذا سبق له أن رد الأولى شكلاً، فقد استقر الاجتهاد على:

((الاجتهاد مستقر على أنه إذا سبق رد دعوى المخاصمة شكلاً لأي سبب كان، فليس لمدعي إقامة الدعوى مجدداً بعد استكمال النواقص التي ردت بسببها، ولا يجوز السماح بمخاصمة القاضي لأكثر من مرة لذات السبب، حتى لو كان رد الدعوى السابقة المقامة عليه كان لأسباب شكلية)) (هيئة عامة – ق 28 – تا 16/ 3/ 1997 – مجموعة الدركزلي في المخاصمة – قا 531)

جميع هذه المؤشرات تؤكد أن الاتجاه الذي يعتبر هذه الدعوى طريقاً غير معتاداً للطعن بالحكم، يعتبر مستساغاً ومقبولاً لدى العديد من رجال القضاء، ويتعامل معها كذلك، وإن كانت تستهدف التعويض عن الخطأ في ظاهرها.

ولا نعتقد أن المشرع سيفلح كثيراً في مسعاه لاعتبارها دعوى تعويضية بحتة، من خلال النصوص الجديدة التي أقرها، إذ سيبقى النيل من الحكم موضوعها هو الغاية المنشودة منها.

وأخيراً يجدر بنا التنويه لناحيتين هامّتين:

  • 1 – إن السهو عن طلب التعويض باستدعاء الدعوى سيتسبب بردها، ولو استدرك ذلك بطلب عارض، حيث ينص الاجتهاد على:
((إذا لم يطلب مدعي المخاصمة في استدعاء الدعوى التعويض عن الضرر الذي يدعي لحوقه به من الحكم المشكو منه، ثم تقدم بطلب لاحق لتقديم الدعوى بالحكم له بالتعويض، فإن هذا الطلب لا يلتفت إليه أصولاً، لأن الاجتهاد مستقر على أنه لا يجوز إبداء أي دفع أو إبراز أية وثيقة بعد تقديم الدعوى، وقبل أن يتقرر قبولها شكلاً)) (مخاصمة – ق 71 – تا 13/ 2/ 1996 – مجموعة الدركزلي في المخاصمة – قا 529)

  • 2 – يجب أن يلحق ضرر من القرار موضوع الدعوى بطالب المخاصمة بالذات، إذ أن الاجتهاد يشترط ذلك قائلاً:
((لا تقبل دعوى المخاصمة مهما كان الخطأ المهني الذي ارتكبه القاضي جسيماً، إلا إذا نجم عنه ضرر للمدعي، وبانتفاء الضرر تنتفي معه مقومات المسؤولية التقصيرية الأساس الذي تقوم عليه دعوى المخاصمة)) (مخاصمة – ق 786 – تا 28/ 11/ 1995 – مجموعة الدركزلي في المخاصمة – قا 530)
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع