القائمة الرئيسية

الصفحات

التحكيم في قانون أصول المحاكمات السوري /1/ لعام 2016



 التحكيم في قانون أصول المحاكمات السوري /1/ لعام 2016

بقلم المحامي عارف الشعال

في التحكيم:


اختتم القانون الجديد مبادئه بالمادة /503/ التي تقول:
((أ - تلغى احكام المرسوم التشريعي رقم /84/ تاريخ /28/9/1953/ وتعديلاته ويستثنى من ذلك احكام المواد من /506/ إلى /534/ الاجرائية منها والموضوعية المتعلقة بالتحكيم التي تبقى نافذة وسارية فقط بالنسبة لاتفاقيات التحكيم المبرمة قبل نفاذ قانون التحكيم رقم /4/ لعام /2008/ سواء أكانت إجراءات التحكيم قد بوشرت أم لم تباشر.
ب - يلغى كل نص تشريعي يخالف هذا القانون أو لا يأتلف مع أحكامه))


وبذلك ألغى صراحة قانون أصول المحاكمات السابق، وألغى ضمناً كل نص يخالف القانون الجديد ولا يأتلف مع أحكامه.


واستثنى من الإلغاء المواد من 506 إلى 536 من القانون السابق التي كانت تنظم قواعد التحكيم وإجراءاته، قبل صدور قانون التحكيم رقم 4 للعام 2008.

وبالرغم من صدور قانون مستقل للتحكيم فإن إبقاء هذه الأحكام سارية له سبب نذكره فيما يلي:


كان القانون السابق ينظم قواعد التحكيم، ومن أهمها أنه يعطي سلطة تعيين المحكم في حال عدم الاتفاق على تسميته، للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، أي من الناحية العملية كانت محكمة البداية المدنية هي من تعيين المحكم.

وعندما صدر قانون التحكيم نص على أحكام جديدة ومختلفة جذرياً عن الأحكام السابقة، ومن أهمها إناطة سلطة تعيين المحكم لمحكمة الاستئناف المدنية، التي أصبح لها ولاية كاملة في الإشراف على شؤون التحكيم.

وقد نصًّ في المادة 65 منه على ما يلي:

((تبقى اتفاقيات التحكيم المبرمة قبل نفاذ هذا القانون خاضعة للأحكام التي كانت سارية بتاريخ إبرامها سواء أكانت إجراءات التحكيم قد بوشرت أم لم تباشر))

هذه المادة سببت تنازع واستقطاب شديدين بين محكمة الاستئناف ومحكمة البداية فيمن يحق له تسمية المحكم في اتفاقيات التحكيم السابقة لصدور القانون، إذ أعلنت المحكمتان اختصاصهما في تسمية المحكم، وكانت المفارقة أن كلتيهما تتصدى لتسمية المحكم إذا رفعت الدعوى لديها.

فقد تذرعت محكمة البداية باستمرار اختصاصها بتسمية المحكم في الاتفاقيات المبرمة قبل نفاذ قانون التحكيم، بالمادة 65 منه، بينما استندت محكمة الاستئناف على المادة الأولى من قانون أصول المحاكمات التي تقول: 

((تسري قوانين الأصول على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها))
وعلى اجتهاد قديم للهيئة العامة لمحكمة النقض يقول:

((تبديل المرجع لطائفة من الدعاوي، وسلخها عن محكمة وإلحاقها بغيرها، إنما هو من موضوعات قوانين الأصول التي تطبق فور صدورها على سائر الدعاوي التي لا تزال قيد النظر، ولم يصدر بشأنها حكم مبرم مكتسب الدرجة القطعية))
(الهيئة العامة – قرار 4 – تا 13/ 4/ 1950- المحامون لعام 1950 – ص215 – قا 66)


وشاطر محكمة الاستئناف أيضاً رأيها هذا اجتهاد للهيئة العامة صدر عام 2011 يقول:
((وحيث ان الاجتهاد القضائي استقر على أن ما جاء بالمادة (65) من قانون التحكيم رقم / 4 / لعام 2008 لجهة اتفاقيات التحكيم وخضوعها للأحكام التي كانت سارية بتاريخ إبرامها إنما يتعلق بالحقوق الموضوعية والاتفاقيات الدولية وليس الإجراءات)) 
(هيئة عامة – قرار 77 - أساس 1565 - تا 8 / 6 / 2011)


وهكذا اعتبرت محكمة البداية أن قانون التحكيم وإن كان قانون أصولي ولكنه قانون خاص، وأحكامه تُبدى على أحكام قانون أصول المحاكمات العام، وبالتالي فإن ولايتها بنظر دعوى تسمية المحكم في العقود والمشارطات المبرمة قبل صدور القانون ما تزال قائمة.
في حين أن محكمة الاستئناف فسرت نص المادة 65 المذكور بأنه ينطبق على الحقوق الموضوعية والاتفاقيات الدولية وليس الإجراءات الشكلية.


واستمر الخلاف حتى العام 2013 حيث صدر اجتهاد حاسم بالموضوع، حيث قضت غرفة المخاصمة بمحكمة النقض بالقرار 269، أساس 546 تاريخ 9/ 10/ 2013 بأن:

((المادة 65 من قانون التحكيم هي نص خاص واجب الإعمال، وليس أحكام المادة الأولى من قانون أصول المحاكمات باعتبار أن الخاص مقدم على العام))

فحُسم هذا الأمر المربك وقتها لصالح اختصاص محكمة البداية بتسمية المحكم في الاتفاقيات المبرمة قبل نفاذ قانون التحكيم.
وأتى قانون أصول المحاكمات الجديد ليكرس هذا الاجتهاد.

وبالتالي: 

فإن أية اتفاقية أو مشارطة تحكيم مبرمة قبل تاريخ نفاذ قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008، فيسري عليها الأحكام المنصوص في المواد من 506 إلى 534 من قانون أصول المحاكمات السابق، 
بينما تطبق أحكام قانون التحكيم على الاتفاقيات المبرمة بعد نفاذه.

انتهى بفضل من الله.


خاتمة:

تم بحمد الله إلقاء الضوء على كافة المبادئ الجديدة والمستحدثة في قانون أصول المحاكمات الجديد، مع تعليقات وشروح مناسبة لها، استقيناها من واقع الممارسة القانونية العملية، بالإضافة للمعرفة النظرية المتراكمة طيلة سنوات ممارسة المحاماة، راجين أن نكون قد قدمنا لبنة متواضعة في صرح القانون الشامخ، تسهم في إنارة الدرب أمام بني جلدتنا من رجال القانون.

قد نكون أصبنا أو أخطأنا، ولكن نلتمس لنفسنا عذراً بأن الشخص الذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل، وهذا عملنا راجين فيه وجهه الكريم عزَّ وجلّ.

هذا وسنعمل قريباً إن شاء الله على تنقيحها، ومراجعة الآراء الواردة فيها، ونشرها في كتاب ليكون مرجعاً في هذا الصدد، متمثلين قولاً حكيماً لإمام الحقوقيين العلاّمة السنهوري حينما قال:

((إذا كُنت قد رجعت قد رجعت عن بعض الآراء الفقهية التي سبق لي أن اعتنقتها ,, فتلك سنّة العقل البشري، لا يقيم على خطة واحدة من النظر، فهو لا يستطيع أن يستوعب الحقائق مطلقة، ويدرك اليوم ما لم يكن قادر على إدراكه بالأمس))
الوسيط – ج1 - الصفحة ب

والله من وراء القصد، وهو من قبل ومن بعد
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع