القائمة الرئيسية

الصفحات

كتاب حوار بين قرار القاضي والمبدأ التمييزي والشروحات

كتاب حوار بين قرار القاضي والمبدأ التمييزي والشروحات


قريبا في مكتبة السنهوري في شارع المتنبي . 


القاضي / ربيع محمد الزهاوي

هذا الكتاب هو جزء مني لأنه عبارة عن أكثر من مائة قرار اصدرتها في محكمة الاحوال الشخصية .. بعد أن انتقيتها بدقة وعناية من بين أكثر من ألف قرار .. ألبستها ثوبها في كتاب عنونته بحوار .. وذهبت إلى الكتب والشروحات انتقي منها ما يناسب كل قرار .. فالأولى هي قراري والثانية هي الشروحات واكملت لوحتي بمبادئ تمييزية منتقاة .. إنها كصانع العطور حينما يمزج زهر البرتقال مع عصارة أوراق الكاردينا مع المسك والسفرجل لصنع عطر يفوح عبقه في الأرجاء ..


المقدمة ..


لابد أن تكون الصورةُ واضحةً .. ولابد ان يدخلَ القارئُ داخل (أطار الصورة) لكي يكونَ بين اكتاف المشاهير .. لكي ترى العينُ لونَ بياض القطن وصفاء زرقة السماء والبحر .. يراقب عن كثب ماذا كتب الفقهاءُ والشرّاح والشيوخ ايام زمان .. ان يجلسَ على كرسي التلميذ .. والمعلم الذي قرأ كتبَه وتتلمذ عليها وعاش في زمان بعيد يحاضر له في هذا الزمان .. يحاصر المعلومات ويجمعها (كعصفور بحجم قبضة اليد) السمو في العقل والفكر حينما تطالع أحاديثَ وآراءَ وأفكار فقهائنا الكبار .. مع دقةِ وانسيابية وعذوبة نصوص قانون الأحوال الشخصية التي استقت مبادئَها من المتفق عليه بين الفقهاء والمذاهب ..


ويحسم دمجها (بالسهل الممتنع) من مبادئ محكمة التمييز .. أية عجينة رائحتها تفوح (مسك وعنبر) وهي تُزرَعُ صباحاً وخيوط الشمس فيها لم تكتمل بعد في جوف تنور طيني .. يستخرج منها خبزاً (كوجه القمر) .. وقبل ان يوضع إبريق الشاي على النار الزرقاء .. أية توليفةٍ رائعة ان تختلط افكار وشروحات فقهائنا مع نصوص مواد قانونية قد تكون جافة وجامدة مع (قطرة العسل) في المبدأ التمييزي .. (حينها تتفقد ما اخضر لديك من فسائل) ... أي عبير للأزهار لن يبارح انفاسي كرائحة الكتب حينما تخرج للتو من المطبعة (كرائحة قداح الطلع والخوخ والمشمش والفاكهة) وتجعل المكان يمتلئ برائحة كل العطور .. ولن أبارحَ تواجدي في رفوف المكتبات على أمل ان تتلقفني احدى سطور كتب التاريخ وتأخذني معها لأقابلَ رجالاً زرعوا البذرةَ الأولى في الفكر . 


لكي أسيرَ في أزقة وحواري ودروب مَنْ سار منهم فيها .. واكونَ اولَ مَنْ يحضر الدرس لديهم واخر من يغادر .. واكونَ انا الراوي لاحاديثهم .. لتطأ قدماي (بغداد الأساطير) بعد ان اخترع الاجداد (المكتبات في أشور والحروف في سومر والقانون والدولاب في بابل) ..


اجلس مستمعاً ومستمتعاً في احدى حلقات الدراسة في المدرسة المستنصرية .. او زائراً للقصر العباسي .. او اضبط ساعتي على دقات (ساعة القشلة) .. وتتسع حدقة عيني السوداء لتصبح كبغداد المدورة ودولاب الهواء الخشبي وحلقة كوكب زحل ودوران كوكب المشتري وحلقات (القفف) في نهر دجلة الخير .. او ان اقف امام طول وبهاء نخلة عراقية .. واقطع الرطبَ من عذق فيها مستدل سيثمر بعد فترة ..


أن جُبة شهريار تعتمر سقفَ رأسي حين انثر بذوري على اوراق بيضاء .. احرث ارضي بالشروحات واراء الفقهاء واسقي زروعي بالمبادئ التمييزية (كما يفيض بستان بماء رقراق كثير) .. واسمدّها مما تربى عليه عقلي وفكري لسنين طوال والشاهد عليها مكتبتي العامرة أدباً وفقهاً وكتب قانونية ليتعلم لساني كيف ينطق وقلمي كيف يكتب وكيف يتميز .. وكيف تتكلم اسطري (لؤلؤاً وفيروزاً وزمرداً) ولكي تكون الليالي عندي اكثر من (الف ليلة وليلة) لأنك لا يمكن أن تبدأ من حيث بدأ الاجداد بل من حيث انتهوا .. أن تنطق اسطري ترنيمات (القيثارة السومرية) .. وان يتخيل قارئ اسطري اني كنت اعيش في زمان بعيد حين كانت بغداد قبلة الانظار والاسماع .. وان قصر الخلافة يرسل بطلبي بين الحين والاخر لحل مسألة مستعصية .. كان علي ان استنسخ الكتب من (دار الحكمة) قبل أن يرميها المغول في نهر دجلة لتتحولَ مياهَه للونٍ اسود من كثرة الحبر الذي سال من الكتب الملقاة فيه .. واللون الأحمر لكثرة الدماء التي سالت فيها . 

لكي الحق بالسوط الذي انهال على ظهر العالم والفقيه واعرض جسدي مقابلاً لذلك .. والقي كلمتي ان كتب ومؤلفات هذا الفقيه ستقرأ وتطبع وتدرس فيما بعد القرن العشرين .. ولا يمكن لسوط ان يلحق الاذى لمن سالت انامله حبراً يعرض حالياً في القاعات الكبرى من متاحف العالم .

استمتع بدروس ومحاضرات الفقهاء في بيت الحكمة من بلاد (مابين النهرين) واخبرهم اني رجل من القرن الحادي والعشرين .. وان كتبكم ومحاضراتكم هي أساس قوانين بلادي وتغلغل الامر حتى في مبادئنا التمييزية (مثل شريان في القلب يربط وريدين) .

انتم من جعل (بساط الريح) يطير .. وانتم من اخرج (المارد) من الفانوس السحري .. وانتم الليالي العربية ما بعد الألف .. في رحلتي كانت معي كاميرا .. صورت فيها كيفية الالقاء والاقناع وكيفية طرح المعلومات (كالأواني المستطرقة) .. سحبت بيدي اطوالاً من الامتار (للصوتيات) التي تخرج كالعسل من افواه الفقهاء .. واستعملت (علبة الأدوات الهندسية) لقياس تحركات صاحب الالقاء (مجيئاً وذهاباً) وما يؤكده على مسامعنا من كلمات ومفردات يجب ان تضع تحتها الخطوط .. او يكبر حجم كتابتها لمستوى قيمتها .. جمعت الاقلام التي دونت اوراقهم من (البردي) .. وقبل ان تتمزق اوراقهم وكراريسهم وكتبهم .. او ان تحرق او تتلف كنتُ انا مَنْ حضر لإنقاذ ما يستحق الانقاذ .. واسطر ما لم تستطع النيرانُ ان تأكلُها خوفاً منها واحتراماً لها ..


أنا مَن احضرها لبغداد الحديثة .. ودونتُ منها في اوراق كتابي هذا .. ستجدها تشتعل نوراً وضياء .

حينما انهيت حواري في هذا الكتاب .. اعطيت لنفسي مساحةً لإخراج (النكتف) من حوض الماء .. لا تتطلع اليها وهل ان الصورةَ واضحةٌ والوانَها متناسقة .. ام أني سأكسر قلمي بعد هذه الرحلة لأجده امام احدى عيادات (طبيب الكسور) .


ام ان قلمي اصبح كشجرة اقطع منها عناقيد العنب .. ام اني كنت أحاول تسلق عمتنا النخلة بكلتا يدي العاريتان دون استعمال آلة تسلق الجذع (التبلية والفروند) المصنوعة من الياف جوز الهند والكمبار والحبال المستخدمة في السفن وبعروتين من الخشب .. طمعاً في تناول (تمرة عمرانية) عمرها الاف السنين .

ما الذي يمكن ان يدرج في المبدأ التمييزي لم يمر بأسطر اوراقي .. واي لون من الوان المبدأ التمييزي لم ادرجه (ومكعب الالوان العجيب) بين يدي .. لن اقع في الخطأ مجدداً .. فكل كلمات وتعابير ومفردات القرار التمييزي اليفة ووديعة (كالفراء) على اكتافي في ليلة شتاء باردة .

وهكذا وبعد ان صافحتُ اغلبَ الفقهاء والشراح .. وجلستُ معهم ونقلت ما استطعته .. وبعد ان تلاعبتُ بأوتار المبدأ التمييزي وأضفتُ (الوتر الخامس) بعد أَنْ كانت اربعةً .. واصدرت بعدها قراري .. وانزويت جانباً انظر الى يدي واتلمس وجهي هل اصبحت شيخاً لأني مررت بكل الازمان والعصور .. ولكني تذكرت اني شربتُ ماءَ الخلودِ في (اناء الوركاء) ولا زالتْ في جيبي (عشبة الخلود) التي اخذتها من كلكامش .. 

ستجد كل ذلك نافذاً مع سطور القرار (الصادر من قبلي) (كصانع العطور) الذي يخلط زهر البرتقال بالمسك والسفرجل لإنتاج عطر جديد .. الاوراق والكراريس التي انقذتها من بغداد القديمة مع حكمة وبصمات الزمن التي زرعها فيَّ .. مع سحرِ وقيمةِ واقتدارِ المبادئ التمييزية في المسائل الشرعية تتغلغل في داخل اغلب الاسر العراقية على هيئة قرار حكم صادر .. قرار بطول جذع نخلة عراقية وامتداد السعفات فيها والعذوق .. وحلاوة الرطب والتمر فيها ..

بعد ذلك هل يتساوى قرار الحكم الذي يفوح منه عبق الشروحات والمبادئ التمييزية .. مع زنابلَ مملوءة رطباً ويقطين وقثاء واعناب واسماك .. مع قرار الحكم الذي يسطر على مسودة ويبقى على علاته وعواهنه .. قرار يضع على رأسه (طاقية الإخفاء.. أو يدفن رأسه في الرمال) وبقي صاحبه يعتني بأقلامه (الباركر الذهبية) بدلاً من اقلام الرصاص التي تطلق ظروفها وتملأ الجوَ برائحةِ البارود .

هل يستوي السكر مع الملح .. مع ان قوافل الملح كانت تعبر الحدود دون ضرائب لضآلة قيمتها المادية وبخس ثمنها .. مع أَنّ للملح قيمتَهُ .. وغيابَهُ له وطأةٌ على مذاقِ اللسان .. وكيف (لغاندي) ان ينتصرَ دون ثورة الملح .. وهل هناك ثورةٌ للمترفين سميت بثورة (الكيك والسكر) بين قصب السكر والبنجر .. وهل يستوي اختراع المصباح لأديسون وبين الشمعدان الذي سُرِقَ في رواية البؤساء .. وهل يستوي الالتفات حول القمر كما فعل (غاغارين) الروسي .. بدلاً من أن تطأ أقدامه القمر كما فعل (ارمسترونغ) الأمريكي والتقطت الكاميرات صوره عليها .. مع ان المشككون يدعون ان التصوير حدث في صحراء نيفادا وليس على سطح القمر .. وهل يستوي ان أبعثر الكتب والشروحات واحمل بندقيتي (البرنو) وأترقب لعل غزال يخرج من بين السطور لأصطاده واضعه في قراري .. وبين ان اكتب القرار وليس لي (ممحاة) لأني لا أدقق فيه بعد ذلك .. عقارب الساعة تسير إلى الغد ولا يمكن لها مطلقاً العودة للوراء .. الا إذا تلاعبت بها الأصابع الشريرة .. وفي قراري (اتحرك على اميال ساعتي وليس على الرقاص فيها) ..

- ختاماً .. إِنّ فكرةُ هذا الكتاب هو الألقُ والسحرُ الذي يفوح من قراراتٍ رصينةٍ صدرت في قضاء محاكم الاحوال الشخصية انصهر فيها قرار السيد القاضي بالشروحات التي استخلصها من كتب الفقه وطعمّها ايضاً بمبادئ محكمة التمييز الاتحادية .. كنت اتلقفُها واتمنى ان يسعفني الزمن بالسير على خطاها .. (وكان ما كان بالفعل)

وأصدرتُ بدوري قراراتٍ لها قيمة ما سبق ذكره .. ولابد للقرارات المتميزة الصادرة من قبلي ان تلبس ثوبها الانيق في هكذا كتاب على هذه الشاكلة التي افخر واعتز بها .. اسلم مفاتيحها للأقفال التي استعصت عن الفتحِ والأَقفال التي صدئت لعدم استعمالها .. انها حواراتٌ حيةٌ ودائمةٌ ومستمرةٌ في كل زمان ومكان .. أقدمها كإرثٍ عراقيٍ لا ينضب .


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع