القائمة الرئيسية

الصفحات

ظاهرة أزدياد حالات الطلاق في المجتمع العراقي

ظاهرة أزدياد حالات الطلاق في المجتمع العراقي

بقلم المحامي والباحث القانوني وليد محمد الشبيبي

من خلال تجاربنا في الترافع في العديد من دعاوى تصديق الطلاق وأيضا دعاوى التفريق القضائي نستطيع أن نقول ، أن من أهم أسباب أزدياد حالات الطلاق في العراق ما يأتي :

تنقسم حالات الطلاق إلى :

  • 1 – حالات عامة .
  • 2 – حالات خاصة .

1 – الحالات العامة : وهي الحالات التي تكاد تكون متشابهة في حالات الطلاق والتفريق القضائي في الدعاوى المنظورة أمام المحاكم الشرعية اليوم ويمكن إجمالها بما يأتي :

أولا: الحالة الأمنية : كلما تردى الوضع الأمني كلما ازدادت حالات الطلاق والعكس صحيح .

ثانياً : الحالة الاقتصادية : كلما تحسن المستوى الاقتصادي تناقصت حالات الطلاق والعكس صحيح ، أي التناسب هنا يكون عكسياً .

ثالثاً : الحالة الاجتماعية : كأن يكون المتزوجين يسكنون في بيت أهل أحد الزوجين وهذا ما يؤدي إلى مشاكل بين أحد الزوجين مع أهل الزوج الآخر .

رابعاً : الحالة العلمية والثقافية : وهو تدني مستوى أحد الزوجين أو كليهما من ناحية التعلم وحتى الثقافة مما يؤثر كثيراً على مداركهما ويجعلهما كثيرو المشاكل وصعوبة رأب الصدع بينهما والحيلولة دون إمكانية عودة تلك المشاكل وعدم استيعابها لافتقادهما إلى الحكمة والروية والصبر الذي تتطلبه الحياة الزوجية وهذه الحالات تكون عامة وخاصة أيضاً .

رابعاً : حداثة سن أحد الزوجين أو كليهما : وهذه تجتمع في حالات عامة وخاصة أيضاً ويلاحظ ان قلة تجارب هؤلاء في الحياة عموماً وعدم النضج الكافي.

2 – الحالات الخاصة : وهي الحالات التي تكون متنوعة وليست متشابهة وهي أقل كثيراً من حالات الطلاق العامة المذكورة أعلاه من حيث العدد ومن هذه الحالات :

أولاً : عدم وجود تكافؤ تعليمي وثقافي : وهذا عندما يكون هناك تناشزاً في الشهادة بينهما وأيضا الوعي الثقافي فتجد تكبر احدهما على الآخر مما يجعل استمرار الحياة الزوجية بينهما شبه مستحيلة وتواصل الحياة الزوجية بينهما مجرد جحيم وتعذيب مستمر لأحدهما أو لكليهما .

ثانياً : عدم وجود تكافؤ اقتصادي : كأن يكون الزوجين موظفين مع تباين في رواتبهما ومراكزهما الوظيفية وخصوصاً تفوق الزوجة على الزوج في السلم الوظيفي والراتب الذي تتقاضاه يزيد على الزوج .

ثالثاً : عدم وجود تكافؤ اجتماعي : وهو عدم الانسجام الحاصل بسبب اختلاف بيئة كل منهما

رابعاً : عدم وجود تكافؤ من حيث السن : وهذه الحالة مررنا عليها في الحالات العامة أيضاً وهي تتجلى بقلة التجارب وعدم اكتمال الشخصية وعدم النضج الكافي.

خامساً : حالات تخص الأخلاق وعدم العفة والانحراف : كأن يكون الزوجين أو احدهما يرتكب الخيانة الزوجية وغير ملتزم أخلاقياً وأيضاً يأتي زوجته من غير ما يوجبه الشارع الحكيم الخ وهذا يستدعي على القاضي إيقاع التفريق القضائي بينهما (في مذهب أهل السنة والجماعة وبالنسبة للمذهب الجعفري اختلفت المراجع العليا بين محرم وبين مكره والمكره لا يوجب التفريق القضائي لو وجد قبولاً من الزوجة لا أكراهاً فاذا كان إكراهاً فهو موجب للتفريق القضائي أيضاً).

سادساً : حالات تخص شخصية المتزوجين أو أحدهما : كضعف الشخصية وسيطرة الوالدين أو احدهما على الزوجين أو احدهما

سابعاً : حالات تخص الصحة والعنة الخ : كأن يكون الزوج في حالة مرضية تخص عدم استطاعته القيام بواجباته الزوجية (العنة أو عدم الإنجاب أي العقم) وعدم الإنجاب تخص الزوجين وأيضاً قد يكون احدهما مصابا بمرض معدي يوجب إيقاع التفريق كالجرب والسل الخ .

ثامناً : حالات فردية أخرى : وهي حالات قد تجتمع فيها الحالات الخاصة مع الحالات العامة كأن يقوم أحد الزوجين بافتعال المشاكل للحصول على الطلاق أو التفريق لتحقيق غاية ما في نفسه كأن يزمع السفر إلى خارج البلد لوحده ويريد التخلص من قيد الزوجية أو يريد الزواج من ثانية فيسعى للتخلص من الزوجة الأولى والتملص من واجباته الزوجية او تجد احد الزوجين قد سافر خارج العراق لسبب صحي أو اجتماعي او أي سبب ويرفض العودة مما يخل في واجباته الزوجية ويتملص منها نهائيا فتحدث حالات الطلاق والتفريق القضائي وهذه الحالات أيضاً تعج بها المحاكم اليوم ، أيضاً قد يحصل الخلاف لسبب أو لآخر خارج العراق فتحدث حالات الطلاق والتفريق القضائي في ذلك البلد أو بعودتهما أو احد الزوجين إلى العراق وطلب التفريق القضائي أمام المحاكم الشرعية .

وعموماً كلما أرتفع مستوى الزوجين الاقتصادي والاجتماعي كلما تناقصت حالات الطلاق العامة أعلاه وصارت حالات خاصة والعكس صحيح .

محاولات المشرع العراقي ومجلس القضاء الأعلى الحيلولة إلى تقليل حالات الطلاق بعد أزديادها بشكل مطرد منذ عام 2003 وإلى الآن

رغم ان حالات الطلاق تصاعدت بشكل مهول ومخيف منذ عام 2003 مما يهدد نسيج المجتمع العراقي وتماسكه المعروف به منذ مئات السنين الآن ان المشرع العراقي كانت له الأسبقية في التقليل من حالات الطلاق والتفريق القضائي قدر الإمكان منذ عام 1985 عندما أصدر العدل آنذاك (بما له من سلطة تشريعية وقتها)(1) التعليمات رقم (4) لسنة 1985(2) حيث أعطى مساحة واسعة للباحث الاجتماعي في محاكم الأحوال الشخصية لمحاولات التقليل من حالات الطلاق والتفريق القضائي وثني الأزواج عن هذا الطريق المدمر للنسيج الاجتماعي والذي يكون أول ضحاياه أولاد هؤلاء المطلقين بما يتركه من آثار نفسية واجتماعية عليهما بالدرجة الأولى ، لكن هذه الحلول التي كانت ربما ناجعة عام 1985 لم تعد تستطيع التصدي لهذا التزايد المريع لحالات الطلاق والتفريق القضائي الذي طرأ على المجتمع العراقي بعد الاحتلال في 2003 ، وإزاء ذلك حاول مجلس القضاء الأعلى هذه المرة أن يوضع الحلول التي قد توقف هذا التزايد المطرد لحالات الطلاق والتفريق القضائي منذ عام 2003 فأصدر مجلس القضاء الأعلى (قواعد تنظيم البحث الاجتماعي رقم (1) لسنة 2008)(3) لكن هذه القواعد أيضاً لم تحد الا بجزء يسير من بعض الحالات الخاصة عموماً وأحياناً الحالات العامة أعلاه وان كانت حلولاً مؤقتة سرعان ما تعود المشاكل وتطرأ مجدداً على الحياة الزوجية لعدم وجود حلولاً جذرية لمنع الطلاق أو التفريق القضائي بينهما لأن المشاكل ليست قانونية بقدر ما هي تجمع كل تلك الأسباب المذكورة أعلاه من عامة وخاصة والمشرع العراقي والقضاء العراقي لا يملك الأدوات التي تجعله يحل تلك المشاكل الاقتصادية والأمنية والاجتماعية وما شاكل وهي من مهمات السلطة التنفيذية بالدرجة الأساس بل وحتى السلطة التشريعية أما السلطة القضائية الممثلة بالمحاكم المختلفة فهي تمثل للزوجين (آخر الدواء الكي أو البتر) فهي تنظر دعاوى الطلاق وتصديق الطلاق والتفريق القضائي فحسب مع أسلحة وأدوات بسيطة كالبحث الاجتماعي وهي ليست حلولاً ناجعة بل وسائل وقتية وربما (تخديرية) وهي لا تؤتي أكلها لو لم تنهض الحكومة بمسؤولياتها ازاء أفراد هذا المجتمع من النواحي الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الخ ، وحتى ذلك الحين عجزت وستعجز المحاكم من الحد من ظاهرة ازدياد حالات الطلاق والتفريق القضائي بين المتزوجين .

الحل للحد من ظاهرة ازدياد حالات الطلاق والتفريق القضائي ومن ثم التقليل منها قدر الإمكان

كما مر بنا ، يتبين بأن مجلس القضاء الأعلى والمحاكم الشرعية والباحث الاجتماعي لا يستطيعون الحد من هذه الظاهرة التي تهدد المجتمع العراقي في الصميم ، لذا نجد ان الحلول الجذرية تكون بأختصار كالآتي :

1 – الحل الأمني : جعل المجتمع العراقي خال من المظاهر المسلحة وفرض الأمن فيه والحد من التسليح للأهالي ومكافحة ثقافة العنف كي يجد الاستقرار مكانا له في هذا المجتمع وبين نفوس أبنائه وبالتالي إنهاء ثقافة العنف والتسلح والحروب التي بدأت من عام 1980 وما زالت مستمرة .

2 – الحل الاقتصادي : وهو ان تقوم الحكومة بنهضة عمرانية شاملة وهذا له العديد من الفوائد أهمها :

أولاً : إيجاد فرص عمل لكل العاطلين عن العمل وبالأخص للمتزوجين منهم ولشريحة الشباب عموماً.

ثانياً : فضلاً عن بناء مجمعات سكنية .

ثالثاً : وأيضا منح قروض بناء بأقساط مريحة جدا مع تخفيضات عن الشباب والمتزوجين الجدد ممن لا يملكون بيوتاً تؤويهم وعوائلهم 
رابعاً : زيادة رواتب الموظفين والعمال المتزوجين إلى الحد اللائق إنسانياً بما يجعل رب الأسرة يستطيع تلبية حاجات الأسرة وحاجات الشريك والأولاد من حيث السكن والنفقة على المدارس والجامعات وأيضاً التطبيب وما إلى ذلك ومحاولة جسر الهوة الواسعة في رواتب موظفي الدولة والعاملين فيها على الملاك الدائم أو العقود المؤقتة فهناك رواتب شهرية إجمالية قد تصل إلى عشرين مليون دينار ورواتب شهرية إجمالية {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم : 22] والمفروض تكون الرواتب لغرض العيش الكريم لهم ولعوائلهم وبشكل يحفظ كراماتهم وحاجاتهم الإنسانية الاقتصادية والاجتماعية والصحية {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات : 154] .

خامساً : زيادة الحد الأدنى من الرواتب التقاعدية والضمان الاجتماعي للمستحقين .

3 – الحل الاجتماعي : عن طريق رفع مستوى المتزوجين وعوائلهم من الناحية الثقافية عن طريق تشريع قوانين تشجع على الاهتمام بالأسرة وتوفير نوادي اجتماعية خاصة تحض على الترابط الأسري وأهميته من الناحية الدينية والاجتماعية وتوعية المتزوجين بأهمية الأسرة المترابطة المتماسكة على أفراد الأسرة نفسها وعلى المجتمع ككل وأيضا توكيد التربية الصحيحة القويمة على النشء الجديد والتشدد بخصوص التعليم الإلزامي المجاني على الجميع والحد كلياً من ظاهرة التسرب من التعليم أو عدم التعليم من المدارس الابتدائية للأطفال المستحقين ممن أكمل ستة أعوام فما فوق وغير ذلك من حلول جذرية .

وهناك حلول أخرى ثقافية وتعليمية تشجع على مواصلة التعليم للجميع بما يلقي بنتائجه الايجابية على المجتمع عموما وعلى الأسرة خصوصا مما يزيد من تماسكها وأيضا تشجيع العودة للبلد وعدم السعي للسفر لان هذا من أهم أسباب ظاهرة العزوف عن الزواج أو الرغبة بالطلاق والتفريق القضائي لغرض السفر وإيجاد حياة مستقرة خارج البلاد وهذا العامل يرتبط بالوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي أيضا.

الخلاصة

يتبين أعلاه بأن المشكلة ليست قضائية تحلها المحاكم والباحث الاجتماعي فيها بل هي مشاكل تحتاج إلى حلول جذرية ينهض بها المشرع العراقي وأيضاً الحكومة نفسها وبالتالي سيتم السيطرة على ظاهرة الطلاق والتفريق ومن ثم التقليل من هذه الظاهرة الخطيرة والمدمرة للنسيج الاجتماعي وبخلاف ذلك ستبقى حلول المحاكم الشرعية والباحث الاجتماعي فيها مجرد حلول وقتية لا تؤتي أكلها على المدى البعيد وهي لا تغني ولا تسمن من جوع وأرقام حالات التفريق القضائي والطلاق التي تطلقها رسمياً المواقع الرسمية الحكومية التابعة لمجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل وغيرها تؤكد صحة ما ذهبنا إليه والله تعالى أعلم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لعدم وجود مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث في دستور 16 تموز 1970 المؤقت بخلاف دستور 2005 الذي كرس هذا المبدأ بشكل واضح وصريح .

(2) وهي تعليمات رقم (4) لسنة 1985 (خاصة بالبحث الاجتماعي في محاكم الأحوال الشخصية) وهي تتكون من (11) مادة مذيلة بتوقيع (وزير العدل) نشرت في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3062) الصادر بتأريخ 9/9/1985، صفحة (634) .

(3) عند مطالعتها نكتشف انها مأخوذة من تعليمات رقم (4) لسنة 1985 مع تعديلات واضافات طفيفة تواكب ما حصل من تزايد حالات الطلاق والتفريق القضائي وعلمناً بأن الذي كتب هذه القواعد عام 2008 هو أحد السادة القضاة الأفاضل والذي مارس مهنة المحاماة كذلك قبل ان يصبح قاض وقد أكد لنا بأنه بالفعل قد كتب تلك القواعد وعندما أخبرناه بأنها مأخوذة من تعليمات رقم (4) لسنة 1985 قال بالفعل أخذتها من هذه التعليمات وأضفت إليها مما يزيد من حرية الباحث الاجتماعي للحد من ظاهرة تزايد حالات الطلاق والتفريق لكن لم تكن غايتي تلك مما يجري من تشدد وتعنت بعض السادة القضاة في الاحوال الشخصية في التفسير المغالى به لتلك القواعد الذي فرض حتى على وكيل المدعية خارج العراق وجوب حضورها أمام الباحث الاجتماعي عندما تطلب زوجها او طليقها بالنفقة بالرغم من ان سفرها مثلاً كان لحالة مرضية او علاجية لحالات مرضية مزمنة !
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع