القائمة الرئيسية

الصفحات

مبدأ "سقوط الخصومة" والعيب الجسيم في قانون أصول المحاكمات العربية


المحامي عارف الشعال 

يُعْتبر قانون المرافعات المصري أحد المصادر التي استقى قانون أصول المحاكمات السوري رقم 84/ 1953 منه معظم أحكامه، وقد أخذ في المادة 134 منه بكل وضوح بمبدأ "سقوط الخصومة" فأعطى لكل ذي مصلحة من الخصوم، في حالة عدم السير في الدعوى بفعل المدعى أو امتناعه، أن يطلب الحكم بسقوط الخصومة متى انقضت {ستة أشهر} من آخر إجراء صحيح من إجراءات التقاضي.

مبدأ "سقوط الخصومة" والعيب الجسيم في قانون أصول المحاكمات العربية


أما قانون أصول المحاكمات اللبناني، وهو المصدر الثاني الذي استقى منه القانون السوري أحكامه، فقد نصَّ صراحة في المادة 509 منه على هذا المبدأ قائلاً بأنه إذا تركت المحاكمة، أياً كان موضوعها، بلا ملاحقة مدة {سنتين} منذ آخر إجراء صحيح تم فيها، جاز لكل من الخصوم أن يطلب إسقاطها.


من المسلم به أن الخصومة لا تنتهي إلا بحكم قضائي يبتّ بالنزاع بين الخصمين، إما إيجاباً بالنسبة للمدعي بقبول دعواه أو جزءً منها، أو سلباً برفض دعواه. 
أما الأحكام التي تصدر بسبب عوارض الخصومة، كاستئخار الدعوى، أو شطبها، أو قطع الخصومة فيها نتيجة الوفاة، فهي لا تنهي الخصومة بين الطرفين، وإنما توقفها فقط.

فعلى سبيل المثال:
إذا كلفت المحكمة إسلاف نفقات خبرة فنية دقيقة قد تستلزم جلب خبراء من خارج سورية، وإرسالها للخارج، وتقدر النفقات بمئات الآلاف من الليرات السورية، وتقاعس المدعي عن إسلاف النفقات، (لدينا دعوى رصدت المحكمة سلفة للخبراء المهندسين فيها حوالي 220 ألف ل.س)،

أو إذا كلفت المحكمة المدعي إسلاف نفقات انتقال وإقامة شاهد طلبه لإثبات الدعوى، سيأتي بالطائرة من خارج سورية، مبلغاً كبيراً أيضاً وتقاعس المدعي عن الإسلاف، فاستأخرت المحكمة الدعوى لحين إسلاف هذه النفقات، (وهذا أمر مألوف في المحاكم)، 
تتمثل المشكلة في هذه الحالة بإهمال المدعي متابعة دعواه، والخروج من حالة الإيقاف هذه، وتزداد المشكلة تفاقماً بما سبق أن تفرع عن الدعوى (المشطوبة – المستأخرة – المقطوعة خصومتها) من قرارات أو إجراءات تمس حقوق المدعى عليهم بالدعوى، مثل قرارات الحجز أو وقف التنفيذ، أو إشارات الدعوى، أو المبالغ المودعة لحساب الدعوى،

فما هو مصير هذه القرارات أو الإجراءات التي تفرعت عن الدعوى؟؟
وإلى متى ننتظر المدعي المتقاعس عن متابعة السير بالدعوى؟؟

إن القصور التشريعي الذي يعتور قانون أصول المحاكمات السوري، بإهمال تقنين مبدأ "سقوط الخصومة" لا يعالج باللجوء لرد الدعوى شكلاً بسبب عدم الجدية، (وهذه بدعة ليس لها أصل)، ولا بالقول: إنه بإمكان المدعى عليه السير بالدعوى، ودفع هذه النفقات الباهظة نيابة عن المدعي الذي أشهر الخصومة بوجهه، فنحمّله عبئاً ملقى على عاتق المدعي بالأصل الذي يتوجب عليه السعي وراء دعواه والإنفاق عليها لغاية البتَّ بموضوعها،

لقد عالج القضاء السوري هذا القصور التشريعي في حالة الشطب، فأقرً أحقية إلغاء القرارات المتفرعة عن الدعوى، في حال تبليغ قرار الشطب للمدعي وعدم استئنافه أو تجديد الدعوى المشطوبة خلال مدة الاستئناف المعروفة، وهذا العلاج هو مسألة اجتهادية بحتة لا تستند لنص أو مؤيد قانوني،

ولكن القضاء السوري وقف عاجزاً أمام إهمال المدعي متابعة دعواه في الحالات الأخرى غير شطب الدعوى كالاستئخار أو قطع الخصومة، مما اضطره للعمل بالمبدأ العام في التقادم الذي يسقط الحق بمضي 15 سنة، وهو التقادم الطويل، وهذه مسألة غير منطقية،

ومن هنا تأتي أهمية تقنين مبدأ "سقوط الخصومة" كجزاء للمدعي جراء إهماله دعواه، كجزاء الشطب للغياب عن حضور الجلسة المقررة.

وهذا ما فعلته القوانين المقارنة جميعها مع تفاوت بمدة الإهمال التي تستوجب سقوط الخصومة، وهذا ما سنتطرق له في القسم القادم من هذه الدراسة إن شاء الله.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع