القائمة الرئيسية

الصفحات

بقلم المحامي عارف الشعال 

يقع كثير من الناس في مطب اكتساب المعرفة في أمر من الأمور عن طريق الملاحظة الشخصية، أو الممارسة المتكررة التي تحدث أمامه "العادة"، بدون الرجوع للأصل الذي تستند له هذه المعرفة، 

مسائل في المخالعة

ومع مرور الوقت تصبح هذه المعرفة بالنسبة لهم بمثابة المسلمات أو البديهيات التي لا تقبل النقاش حتى لو كانت تخالف أصلها، 
ولأن المحامي يمارس مهنة علمية، ترتكز على البحث والدراسة، فلا يجوز له أن يقع بهذا المطب، وألا يقف عند حدود الملاحظة والعادة، وإنما يفترض به الرجوع لأصل العلم والذي ترتكز له هذه المعرفة، ويبحث عن سندها في القانون أو الفقه.

ومن هذه المعارف المكتسبة بحكم "العادة" البعيدة عن أصلها، ما نلحظه بمحاكمنا في موضوع "المخالعة الرضائية" إذ يعدُّ ما يجري في هذه المحاكم من الناحية العملية بوادٍ، وأحكامها في الفقه بوادٍ آخر.

إذ ما أن يتفق الزوجان على فصم عرى الزوجية مقابل براءة ذمّة الزوج من حقوق الزوجة، أو مقابل أن يدفع (هو) لها جزءً من هذه الحقوق، يكسى هذا الاتفاق لبوس المخالعة الرضائية التي نراها في المحاكم، ومن أندر النوادر أن تتم هذه المخالعة في وقتنا هذا مقابل بدل تدفعه الزوجة لزوجها، مما أدى لتشكل قناعة مغلوطة عند الكثير من الناس ومنهم بعض المحامين أن "بدل الخلع" يلزم به الزوج عادة،

ويساعد على تفشي هذا الفهم المغلوط، أن النصوص التي قننت أحكام المخالعة في قانون الأحوال الشخصية، غير واضحة بما فيه الكفاية، وملتبسة بعض الشيء، ولعل مرد ذلك لتشعب الموضوع الشديد في الفقه، في حين أننا تلحظ أن نصوص قدري باشا أفضل بكثير في هذا الصدد، هذا الأمر يطرح على الباحث مهمة الغوص في بحور الفقه لاستخلاص السند الصحيح لهذه المسألة، وهي مهمة ليست سهلة بالتأكيد بالنظر لوعورة المسلك، وشدّة تشعباته، ولكن هذا قدر من يعمل بمهنة علمية كمهنتنا.

وبغية إعادة الأمور لنصابها، نطرح المسائل التالية:
1- من يلتزم بدفع بدل الخلع، الزوج أم الزوجة؟؟
2- ما مدى صحة المخالعة المعقودة بدون بدل خلع؟؟
3- ما حكم المخالعة المعقودة بدون شهود ؟؟

ونقول:
أما لجهة وجوب دفع الزوجة لبدل الخلع:
فهذه مسألة لا خلاف فيها بين الفقهاء، إذ يقول الأحناف أنه:
{لا بأس أن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به} (ابن ابي اليمن – لسان الحكام – ج1 – ص329)
وعرّف الفقيه المالكي الكبير "ابن رشد" الخلع بأنه: 
{بذل المرأة العوض على طلاقها} (بداية المجتهد – ج2 – ص50) 
وكذلك تعريف الحنابلة:
{إزالة العصمة بعوض من الزوجة أو غيرها} (النفراوي – الفواكه الدواني – ج2 – ص34)
والشافعية:
{مفارقة المرأة بعوض} (النووي – تحرير الألفاظ – ص408) 


وسندهم بذلك كما هو معروف، آية الفداء (البقرة 229) وحديث البخاري عن امرأة ثابت بن قيس، حينما سألها النبي عليه الصلاة والسلام أن تردّ عليه حديقته مقابل تطليقه.
وهذا ما ذهبت إليه الهيئة العامة لمحكمة النقض: ((المخالعة شرعاً: فراق الزوجة على عوض تدفعه للزوج، ولا حدود له...)) (هـ.ع – ق319 – س149 – تا 5/ 6/ 2000 – مجموعة الآلوسي – قا 11)

أما بالنسبة للخلع بدون عوض:
فهذه مسألة خلافية ين الفقهاء، 
وقد اعتبره الأحناف طلاقاً رجعياً، مخالفين بذلك المالكية الذين اعتبروه بائناً، (تحفة الفقهاء – السمرقندي – ج2 – ص201 – دار الكتب العلمية) 
وخالف من الأحناف الفقيه الكبير "أبو يوسف" فقال: لا يقع به شيء إذا لم يكن ثمة بدلٌ، لأن البدل مقصود لذاته في الخلع (ابن عابدين – الحاشية – ج3 – ص441)

ويرى المالكية أنه يقع بكل الأحوال، 
بينما يرى الشافعية وقوع الخلع وإلزام الزوجة بدفع مهر المثل للزوج. (الإقناع - الماوردي – ج1 - ص152)

أما الحنابلة الذين يعتبرون الخلع من عقود المعاوضة، فيأخذون بنيّة الزوج في حال عدم تحديد البدل، فإن نوى الطلاق وقع، وإن لم ينوه، لم يقع (المغني – ابن قدامة – ج7 – ص257) وخالفهم بذلك "ابن تيمية" الذي قال بأنه لا يقع به شيء إذا كان بدون بدل. (ابن تيمية – مجموع الفتاوى – ج32 – ص303)

وبالنسبة للقانون السوري الذي أخذ بالرأي الراجح بالمذهب الحنفي فتصح بالنسبة له المخالعة بدون بدل، وهذا ما تؤكده المادة 275 من كتاب قدري باشا الذي يرجع إليه عادة عند فقدان النص فتقول:
((العوض ليس بشرط في الخلع فيقع صحيحاً به وبدونه سواء كانت المرآة مدخولاً بها أم لا))

أما بالنسبة للإشهاد في الخلع:
فلا جدال أن المخالعة تصح بدون شهود إذ يعتبر وجودهم حين عقدها وسيلة لإثباتها وليس لصحتها، وهي تثبت بوسائل أخرى كالإقرار أو اليمين.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. بارك الله بك استاذ على هذه مقاله الرائعة
    ياحبذا التطرق لموقف المشرع العراقي من موضوع المخالعة

    ردحذف

إرسال تعليق

اذا أعجبك الموضوع فلماذا تبخل علينا بالردود المشجعة

التنقل السريع