القائمة الرئيسية

الصفحات

بحث النظام العربي وإصلاح جامعة الدول العربية

النظام العربي وإصلاح جامعة الدول العربية

بحث النظام العربي وإصلاح جامعة الدول العربية
بحث النظام العربي وإصلاح جامعة الدول العربية

عرض الدكتور خليل الاعسم. 

منذ أن قامت جامعة الدول العربية بوصفها منظمة دولية إقليمية كما بعض الكتاب أو قومية كما يراها آخرون, والعرب تنازعهم مواقف مختلفة منها, تتراوح بين الشك في أسباب نشأته وكيفية تكوينها وبين اليقين في عجزها عن تحقيق نقلة نوعية في الواقع العربي المعاصر. فلقد كانت في البداية مجرد فكرة نظرية وضعت على مقياس مختلف. هو أعلى من المقياس النسبي للدولة القطرية المشكلة لها وأدنى من المقياس المطلق لفكرة الامة الواحدة.


وقيام الجامعة في حد ذاته سواء تم بدوافع ذاتية من الدول المؤسسة أو بدوافع مصلحية من القوى الكبرى المهيمنة ذات النفوذ آنذاك, يشكل اعترافا لا لبس فيه ولا غموض بأن المطامح العربية إلى الوحدة. هي مطامح مشروعة وواقعية وتفصح عن إرادة الامة.
ولقد استقر الحال بالدول الاعضاء في الجامعة على الرضا بالتعاون المشترك, غير أن جدلية التعاون كثيرا ما كانت تصطدم بجدلية نقيضة تدور حول المصالح القطرية العاجلة التي تحكمها ظروف وتقلبات الاوضاع السياسية للدول العربية حكوماتها وحكامها.
وكم كانت تلك الثنائية مشكلة المشاكل في العلاقات العربية وسببا في قض مضجع النظام العربي, جعلته لا ينعم كثيرا بالاستقرار اللازم للنمو والتقدم والفاعلية.

إن التعامل مع هذه الثنائية على اختلاف المقاصد والنوايا والوسائل, أصاب العلاقات العربية في أحوال كثيرة بنوع من الانفصام بين الادعاء والمصانعة من جهة والسلوك السياسي الفعلي من جهة أخرى.

وفي كلا الحالتين كانت الجامعة صدى هذا الواقع تردده في أجواء المحيط العربي كما هو, لا بوصفها كيانا تنظيميا له إرادة ذاتية متميزة عن إرادة أعضائه, ولا بوصفها جزءا من مكونات النظام العربي, وإنما باعتبارها واجهة سلبت في أكثر الاحوال حق التمتع بالإفصاح عن شخصيتها, ومع ذلك لم تسلم من جعلها أسهل المشاجب التي أعتاد الاعضاء تعليق إخفاقات النظام العربي عليه.
ولأي سبب كان فإن جامعة الدول العربية وهي الجهاز التنظيمي القيم على رعاية النظام العربي والنهوض بمسؤولياته وقضاياه لم تستطع أن تؤدي رسالتها على النحو الذي ترجوه الامة وتأمله.

وهو ما يثير أسئلة, لعل أقصاها يتجه صوب جدوى بقاء الجامعة واستمرارها, وأدناها يدور حول كيفية تعديلها وإصلاحها وتقويم أدائها.


وحيث إن فرضية البحث تقوم على استبعاد أقصى الاسئلة منكرة بذلك فكرة الالغاء أو إمكانية حلها وابدالها بتنظيم أكفأ وأفضل, لشك يساور الباحث ربما وصل إلى درجة اليقين في تعذر إيجاد جامعة دول عربية لو لم ترث الحكومات العربية هذه المنظمة.
وإذن فلا مندوحة من البحث في إمكانات الاصلاح وأوجهه ونواحيه, وهي دعوة تتجاوز التعديل وإعادة النظر في ميثاق الجامعة ومواثيق العمل العربي المشترك في نطاقها, والتطلع نحو إصلاح أعم وأشمل قد يبدأ بالمواثيق والاجهزة والهياكل التنظيمية, لكنه لا ينتهي بها, وإنها قد يمتد إلى البحث في وسائل تعزيز دور هذه المنظمة وزيادة فاعليتها, وقد يكون من بينها تعديل أحكام الميثاق والمواثيق المتصلة به فعلا, وقد يكون بتفسير أحكامه بطريقة مبدعة وحسب الاقتضاء, وقد يعزز بإعلانات وصكوك وملاحق تستدرك ما فات وتواكب المتجدد والمستحدث من القضايا والمشكلات في واقع العلاقات العربية.


وقد يرتقى الامر من مجرد إصلاح النهج وقد يقتضي الحال ترتيب أولويات النظام العربي برمته وإعادة النظر في مثله وقيمه وقضاياه.


هذا هو موضوع البحث وتلك بعض المسائل المثارة مما نحاول دراستها, وهو في كل الاحوال لا يقدم مشروعا لتعديل الميثاق أو إعادة النظر في أجهزة الجامعة وهيكلها التنظيمي أو إصلاح جوانب الاداء الفعلي فيها وإنما يهتم بمناقشة أفكار تتعلق بهذه الكليات وأحيانا ببعض تفاصيلها, فهو إذن يتناول أطروحات للفهم والمناقشة والتأمل والنظر مما نحسبه يشكل مباحث فكرية تقتضيها دعوة إصلاح الجامعة العربية على وجه الخصوص في نطاق النظام العربي, وليس مشروعا لتعديل الميثاق واصلاحه يضاف إلى مشاريع سابقة, وما أكثرها مما شهدته مسيره العمل العربي المشترك والعلاقات العربية.


أما منهج البحث فكان ثمرة مستخلصة من تراكم معرفي أنطوى على مواكبة قضايا النظام العربي بعامة ومؤسسته التنظيمية الممثلة بالجامعة, وذلك لربع قرن ونيف خلا من المتابعة والقراءة والبحث, شكلت حصيلة استنطقت فيها النصوص وحاكمتها واستقرت فيها مسيرة العمل العربي وخلصت منها إلى استنتاجات, فكان منهجا نظميا تناول عناصر النظام العربي في أنساقه المختلفة ومستوياته ومدخلاته ونواتجه تأثيرا وتأثرا.

وعلى أساس هذا المنهج جاء تناول الموضوع في بناء منطقي اقتضته طبيعته في بابين: أولهما تناول التكوين وثانيهما تناول النهج, وكان لابد من فصل تمهيدي يسبقهما في عرض نظري لمفردات العنوان في معنى النظام والنظام الاقليمي والاقليمية, وأوجه تميز النظام العربي وموقع الجامعة منه ومدى تمثيلها أياه وسوى ذلك من مسائل عددناها أساسية منهجيا وموضوعيا.


وتناول الباب الاول المسائل المتصلة بإصلاح التكوين من مواثيق ووثائق لمعرفة طبيعتها مستعرضا محاولات التعديل والاصلاح واقفا عند مسائل أساسية طالما كانت محل جدل في الميثاق, ثم تناولت الاجهزة المعنية أكثر من غيرها بقرارات الجامعة وتوصياتها, الاصلية منها والمستحدثة والمقترحة, لا بالكيفية التي حددت وظائفها المواثيق فحسب بل في حقيقة صناعة القرار فعليا في الجامعة وتناول الباب الثاني المسائل المتصلة بإصلاح النهج, وهما نهجان سياسي تراوح بين محاولات التسوية السلمية للمنازعات وبين مطامح ايجاد نظام آمن عربي جماعي وكلاهما كان محل اختبار عسير.


أما الاخر فهو وظيفي حاول فيه أن يعرض مفاهيم هذا النهج وطبيعته لالتباس الامر في إدراكه, عاقدا مقارنة مع نهج وظيفي ناجح سلكه الاتحاد الاوربي واضعا الوظيفة العربية تحت محك اختبار الاداء الفعلي.


إن البحث في جامعة الدول العربية بخاصة وقضايا النظام العربي بعامة ليس جديدا, ولذا لا يزعم أنه حرث ارضا بكرا لم تمسها يد من قبل فلقد كتب عن الجامعة بوصفها قضية من القضايا النظام العربي أو أحدى مكوناته الكثير, بعضه كان عملا علميا متخصصا في جانب من جوانبها أو قضية من قضاياها, وبعضه اقترح مشروعات جزئية أو كلية بقصد إعادة النظر أو التعديل, لكننا لا زلنا بحاجة إلى محاولة تسعى إلى نظرة شمولية لطبيعة العلاقات العربية قائمة على إدراك خصائص هذه الامة وخصوصياتها سالكة سبيل الفهم والمناقشة والتأمل والنظر, هادفة إلى إشاعة مفاهيم وتعميم أفكار وايجاد وعي بحقائق الواقع وتحسب المستقبل.
ولذا فانه يرجو أن يسهم هذا الجهد العلمي في رسالة الامة الاهم والاكبر فترتقي في تنظيم علاقاتها إلى مستوى يقربها من تحقيق ذاتها في تكوين كيانها لدولي الموحد. ليكون مصدر من تأليف خليل إسماعيل الحديثي.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع