القائمة الرئيسية

الصفحات

الزميل محمد علان، بالجوع يخطّ مرافعته الختامية!

الزميل محمد علان، بالجوع يخطّ مرافعته الختامية!

الزميل محمد علان، بالجوع يخطّ مرافعته الختامية!

بقلم المحامية راوية ابو زهري / عضو مجلس نقابة المحاميين الفلسطينيين 

- منقول بتصرّف

حتما لم يبدأ محمد علان المحامي مرافعة حريته أمام محكمة الجلاد ب ” سيدي القاضي ”، كما لا أظنّه أطال التأمُل في نصوص القوانين ليجد ما يعزز دفاعه عن حقه السليب، إذ يؤمن أن الحق ينتزع حين تغترب العدالة، وتصبح الطريق الحق موحشة ينهشها عواء الذئاب!


ولم يهجس فؤاده بانتظار حكم ينصفه، أظنه ظل صامتا، يجولُ بعينيه قاعة المحكمة، وربما ابتسم حين تلا الجندي المستتر بعباءة القضاء حكمه بالحجز الاداري فتجاسر الظلم على العدل مرة أخرى، وأخرى. 

أتراهُ هل وقف الحضورُ عند تلاوة الحكم ، و لو أنه – و على سبيل الفرض الساقط – قال علّان جملةَ حريته فماذا عساهُ يقول غيرَ

” خذوا حصتكم من جوعنا، و انصرفوا ..”

نعم، أعلنَ الزميل محمد علّان صمته البليغ، حجته الثابتة في وجه زيف الرواية واصطناع الدليل، ومهما بدا كاتب الضبط جاداً الا ان أصابعه لن تقوَى على طباعة أحرف النظرة الثقيلة، و كان اعتلاءه كبوة الصمت لافتا مُرا، هو الذي ينساب لسانه في إيضاح الوقائع و إظهار حجتها بحكم الممارسة والمهنه، الا أن الكلام هناكَ يضفي شرعية على اللامعقول و يمنحُ البطلانَ فرصة بالتداول و النقاش و يتسم محضر الجلسة بالحجيّة ليُستنَدُ إليه في إبرام هذا الوجود الزائف، فلا يؤوّل الصمتُ المكبّل بالسلاسل بيانا، و إنما إعلانٌ عن الإرادة الرافضة للخنوع.

مكبلاً ، يعيد الزميل محمد علان طبق الطعام الأول لتتهاوى الأسانيدُ و المنصة و مطرقة السنديان فتبدو واضحة الزيف، ويخلعَ القضاةُ و الحاجبُ و الحارسُ و الشاهدُ الدليل أقنعتهم وجليّةً تظهر سماتُ شيطان يعتلي المنصّة ..!

ولأنّه المؤمنُ ببذرة الحق التي يقصدها، وهي مكونه الشخصيّ، يَعرف أن سيّد القوانين والأعراف – قانون الطبيعة – ينصُ على أن الحقوقَ تؤخَذُ أخذاً ولا تُعطى، وحينَ يسعى المريدُ لحقّه تنسجمُ العلّة مع خطاه الواثقةِ ويصير النهجُ سابقةً تُهتدى، والخطوةُ تشريعاً، لذا سنّ بملئ إرادته مرافعته وأعلنَ الإضراب عن الطعام.

يطوي محمد، أوراقَ الأيامِ في مفكّرة السجن الإداري يوما بعد يوم، ويكتبُ على كل ورقةٍ جملَةً يطمئنُ لها الوجدانُ في صياغة الحكم الحق بين الرصاصة والضحيةِ، بين المُحتلّ والقابع تحت جور الإحتلال، بين الزيفِ والأصيل، وهو يعرفُ منذُ رفضه اللقمة الأولى أن الحريّة خارج الأصفاد تُعِدُ له ولائمها الشهية، و أن التلال ستنذر حشائشها الطريةِ لغزالِ آثر الجوعَ على طُعمِ الشِباك!

ها هو المحامي يُشرفُ على إنهاء مرافعته الأخيرة، وتتهاتر على صوّان براهينه أدلّة الزور الزائفة، ولا يجدُ القضاة، الطغاة ما يفرغَهُ في المحاضر الخاوية ويبدو الحارس فزعا من ختام المشهد، ومحمد لا يكترث بأصفاده، بالجوع ترافَعَ في وجه حكم ظنّه الشيطان حجّة علينا!
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع