القائمة الرئيسية

الصفحات

بحث ودراسة فقهية حول الممنوعين من الشهادة، في قرار لمحكمة النقض

بحث ودراسة فقهية حول الممنوعين من الشهادة، في قرار لمحكمة النقض

بحث ودراسة فقهية حول الممنوعين من الشهادة، في قرار لمحكمة النقض

المحامي عارق الشعال 

و(جواز سماع شهادة الأصل للفرع، في المنازعات القائمة بين نفس درجة القرابة مع الشاهد، ضمن الأسرة)

عُرض على محكمة النقض طعن، يَطلب فيه مقدمه إجازة سماع أحد الممنوعين من الشهادة لمصلحته، فقامت بتكريس مبدأ متميز يسمح بسماع شهادة الأصل للفرع في الوقائع التي تحصل ضمن الأسرة الواحدة إذا كان الخصمان بنفس درجة القابة للشاهد، تأسيساً على مبدأ التهاتر، والعودة لأسّ المنع من الشهادة الوارد في المادة 60 بينات، وذلك على النحو التالي:


لما كان المنع الوارد في المادة 60 بينات، مناطه أن يشهد الأصل للفرع، أو الفرع للأصل، ولكن لا يعني المنع من الشهادة ضده، وهذا النص يستعرض حالة وجود نزاع بين شخص وآخر لا تربطهما قرابة مانعة، وطلب أحدهما سماع شخص ممنوع من الشهادة كأبيه مثلاً، فإن الشهادة لا تسمع وهذا من النظام العام، 

أما إذا كان طالب البينة هو الخصم ويريد سماع شهادة الوالد ضد ابنه فذلك جائز، لأنه ارتضى المخاطرة عندما احتكم لوجدان قريب خصمه.

وبمنتهى الحكمة والاقتدار استنبطت محكمة النقض إحدى غايات المشرع من وراء المنع من الشهادة لـ، والسماح بالشهادة ضد، قائلة:

((لعل المشرع يخشى من تأثر الأشخاص الذين عندهم درجة القرابة بين الأصل والفرع، فتأتي شهادتهم مشوبة ومحكومة بالعاطفة التي تميل تجاه القريب، فأراد المشرع حماية الغير والقرابة معاً من وارض هذا الميل العاطفي، ما لم يرتض الغير بالاحتكام لشهادة القريب بواقعة هو طلب إثباتها))

ثم عادت محكمة النقض للجذر التاريخي للمادة 60 بينات وهو المادة 170 من مجلة الأحكام العدلية (أي القانون الذي كان سارياً قبل القانون المدني) وبما أن المجلة مستقاة من الشريعة الإسلامية عامة ومن الفقه الحنفي خاصة، فهذا يعيدنا إلى الأصل في الشهادة في الشريعة، وهو جواز شهادة من كان أهلاً لتحمل الشهادة ولو كان ذا قربى مالم يكن متهماً أو ظنيناً بشكل يسقط أهليته، سنداً لقول عمر رضي الله عنه الذي ذكره القاضي الأستاذ سعدي أبو جيب: 

(المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجرياً عليه شهادة زور، أو مجلوداً في حدّ، أو ظنيناً في ولاء، أو قرابة)
وذكرت محكمة النقض أن ابن القيّم الجوزية شرح العبارة الأخيرة من قول عمر بـ:
(وكذلك شهادة القريب لقريبه لا تقبل مع التهمة، وتقبل بوارثها وهو الصحيح)
واتكأت، على رأي القاضي الجليل "سعدي أبو جيب" من أن: 
(ضعف الوازع الديني وعدم قبول البعض لكلمة الحق والخشية من الجهر به حمل الفقهاء على منع قبول الشهادة لبعض الأقرباء)
فاستنتجت حقاً أن المنع من الشهادة هو استثناء من الأصل، وعلى سبيل الحصر ولا يجوز التوسع فيه ولا القياس عليه، 
وبالتالي: 
بما أن القاعدة القانونية الصريحة تنص أن شهادة الأصل للفرع غير جائزة.
وبما أن القاعدة القانونية التي أجازها المشرع بطريق السكوت، أن شهادة الأصل ضد الفرع جائزة.
وعليه: 
فإن أي نزاع عائلي، (بين شقيقين مثلاً) تحكمه هاتان القاعدتان بذات الوقت، فشهادة الأصل للفرع الأول، ستكون شهادة ضد الفرع الآخر، مما يؤدي لتهاتر هاتان القاعدتان.
ذلك أن الواقعة العائلية في المطلق تدور ضمن إطار الأسرة الواحدة فقد لا يطلع عليها سوى أفراد هذه الأسرة، ولا مجال لتسمية شهود مع قيام المانع الأدبي إلا من ذات أفراد الأسرة، فيجتمع الممنوع من الشهادة مع المسموح بذات الواقعة، وبالتالي:
((عند قيام حالة المنع والإجازة في كلا المتخاصمين تتهاتر كلتا القاعدتين))
فإن الحظر من سماع الشاهد لا يجد مطرحاً له في هذه الحالة، ولابد من العودة للأصل وهو الجواز المطلق أي تسمع شهادة الأصل للفرع، ولا يخشى هنا من الميل والعاطفة طالما أن درجة القرابة واحدة للطرفين، 
وبالتالي فحين تعرض على القاضي مثل هذه الحالة فيكون أمام قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يعقل أن يميل الأب أو الأم لأحد الأبناء دون الآخر وإنما على العكس، 
وخلصت المحكمة إلى أن:
((حينما أقرَّ المشرع منع شهادة الأصل للفرع، افترض قيام نزاع بين أشخاص لا تربطهم قرابة قويّة بذات الدرجة للشاهد، فكان الحظر لحماية القريب من محظور العاطفة والميل للقريب))

وبناء على ما سلف فقد كرست المحكمة المبدأ الحصيف التالي:

((يجوز سماع شهادة القريب الممنوع من الشهادة في المادة 60بينات، لقريبه في المنازعة القائمة بين طرفين تربطهما ذات درجة القرابة مع الشاهد))

لابد لنا في الآخر من توجيه التقدير للغرفة الموقرة التي صنعت مثل هذا المبدأ الحصيف، 
ومن الجدير بالملاحظة أن الغرفة التي تضم بين أركانها المستشار الأستاذ "كمال جنيات" تكون مبادئها ملفتة للنظر، وتحمل الكثير من أفكاره المعروفة.

ومن نافلة القول في هذا الصدد أيضاً، أنه سبق لقاضي محكمة الصلح المدنية العاشرة بدمشق القاضي الخلوق الأستاذ "محمد ابراهيم" قد اجتهد بنفس المنوال، وسمع في إحدى القضايا التي كان ينظرها، شهادة أم لابنها ضد ابنها الآخر، وحجته في ذلك استحالة ميل عاطفة الأم لابن دون الآخر.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع