القائمة الرئيسية

الصفحات

بحث ودراسة في الدعوى الإقرارية (2 من 3)

بحث ودراسة في الدعوى الإقرارية (2 من 3)

بحث ودراسة في الدعوى الإقرارية (2 من 3)

المحامي عارف الشعال 

فإذاً، أعدم طارق بيك الحكم الصادر بالدعوى الإقرارية وفسخ التسجيل العقاري المبني على الغش والتواطؤ، 

في الواقع لابد من الاعتراف أن وضوح وقوة الأدلة المبرزة في هذه القضية، والتي تثبت الغش والتواطؤ بالدعوى الإقرارية، تكبح جماح أي محاولة لتقويض الأسس القانونية التي اتكأ عليها القاضي في الوصول للنتيجة التي خلص إليها، وتبعدنا عن الدخول في جدل فلسفي ذرائعي مناطه فيما إن كانت العدالة تبرر تأويل القانون لهذا الحد، والذهاب بنظرية الانعدام، وعدم انعقاد الخصومة بعيداً لهذا المدى؟

في مطلق الأحوال أريد بصراحة القول بأنني لا أتفق مع ما ذهب إليه القرار لجهة أن: 

((تاريخ تنظيم وكالة المحامي قديم، وأن الوكالة تنتهي بإتمام العمل الموكل به الوكيل، وأنه لا يعقل أن يقوم الموكل بكل وكالة قضائية بعد انتهاء العمل بعزل المحامي الوكيل، إذ أن ذلك يسيء لسمعة الوكيل وسمعته ويفتح باباً للمداعاة بين الوكيل وموكله بلا سبب))

لأن هذا الاتجاه المتقدم في تحديد مدى صلاحية وكالة خصومة غير محددة التاريخ، وغير خاصة بعمل محدد، لا تحمله النصوص الناظمة لهذا الأمر في القانون، فضلاً عن أنه لا يتفق مع طبيعة عمل المحامي وعلاقته بعملائه، ولعمري أن هذا الباب لو فُتح على مصراعيه سنجد أنفسنا أمام أوضاع قانونية معقدة ما أنزل الله بها من سلطان، ولك أن تتخيل حجم القضايا التي سترفع للطعن بأحكام صدرت بدعاوى تمَّ تمثيل الخصم فيها من المحامي بوكالة قديمة!


كما وأعتقد أنه من غير المجدي كثيراً مناقشة الفكرة الوجيهة جداً التي ساقها القرار نقلاً عن السنهوري، من أن الإقرار يجب أن يسبقه استحقاق، وبالتالي لا يصلح دليلاَ على صحة البيع، فهذه الفكرة إذا كانت تصلح في دعوى ما تزال قائمة، لكنها ستواجه بقاعدة الإبرام الذي يغطي البطلان، في حالتنا هذه،


وهذا ما يحيلنا فوراً للنتيجة التي وصل إليها طارق بيك لجهة عدم انعقاد الخصومة في الدعوى الإقرارية نتيجة عدم إعلانها (تبليغها) المدعى عليه المالك قيداً، ومما لا شك فيه أن من شروط صحة انعقاد الخصومة في أي دعوى ومناط قبولها، أن تعلن وفقاً للأوضاع التي رسمها القانون (أحمد أبو الوفا – المرافعات – ط 1975 – ص533)، أي أن يتبلغ المدعى عليه الدعوى وفقاً للطريق الذي رسمه القانون.


وفي حالتنا هذه لم يتبلغ المدعى عليه الدعوى بالفعل، ولكن حضور محام عنه في الدعوى بموجب وكالة قضائية صحيحة وسارية المفعول، أعطى دليلاً قاطعاً على إعلانه بالخصومة، وفي هذا ما يؤكده العلاّمة "أحمد أبو الوفا" في مرجعه السابق الصفحة 545 من أنه:

((إذا لم يعلن المدعى عليه على وجه الإطلاق، وعلم بقيام الخصومة وبالجلسة المحددة لنظرها من أية جهة، وحضر الجلسة المحددة لنظرها، فإن هذا الحضور يحقق الغاية التي قصدها المشرع))


وبالتالي فإن النهج الخلاّق الذي سار عليه طارق بيك للولوج للانعدام، هو التثبت من عدم تبلغ الأصيل الدعوى (إعلانه بها) وحضور وكيله عنه بالدعوى بدون معرفته وبدون أن يكلفه بذلك، وهذا ما ثبت فعلاً من مجمل قرائن وأدلة الدعوى، 
ما يعني أن الخصومة لم تنعقد بالدعوى على الوجه الذي يتطلبه القانون، مما يحقق حالة الانعدام المدرسية المعروفة، وهذا هو مفتاح القضية الذي أدى بها للنتيجة التي آلت إليها في منطوق الحكم.


وبناء عليه... وإذا أردنا الإنصاف فإن هذا المفتاح الجريء الذي تمكن به طارق بيك من الولوج لمغاليق القضية ترفع له القبعة فعلاً، وكنت أتمنى لو لقي هذا المفتاح عناية وإحاطة أكثر في سبك القرار وحيثياته، على غرار ما تمَّ في استعراض وتفنيد أدلة الغش والتواطؤ، فهو أكثر أهمية منها، بحسبان أن هناك حكماً مبرماً، وُضِعَ على منضدة تشريح المحكمة ينتظر إعلان انعدامه!


مرحلة الاستئناف:

فسخت محكمة الاستئناف القرار الصادر بالانعدام، معتبرة الحكم الصادر بالدعوى الإقرارية سليماً من الناحية القانونية، وساقت في تسويغ هذا الفسخ حيثيات كلاسيكية، نمطية، روتينية حول صحة الحكم المذكور واستيفائه كافة المتطلبات القانونية لجهة تشكيل المحكمة وصحة التمثيل والوكالة، إضافة لكونه أنه صدر باسم الشعب العربي في سوريا وبالتالي فهو سليم تماماً!


وخلصت إلى أن الاستنتاج الذي توصلت إليه محكمة الدرجة الأولى من أن المحامي الوكيل قد قام بالإقرار عن المالك قيداً حصل بطريق الغش والتواطؤ، وأن المالك قيداً لم يفوضه بالإقرار نيابة عنه، هو استنتاج خاطئ وغير مبني على أساس قانوني سليم!
ولكن محكمة الاستئناف في هذا المفصل الجوهري والمفتاح في الدعوى، الذي ولجت منه محكمة الدرجة الأولى للانعدام، لم توضح أو تفصل أين كان الخطأ بالاستنتاج الذي وقعت فيه تلك المحكمة على حدّ قولها! وهذا برأيي عيب كبير في قرارها الفاسخ.


كما وأغفلت محكمة الاستئناف مناقشة الموضوع الهام الذي أثاره قرار محكمة الدرجة الأولى والمتعلق بعدم إعلان (تبليغ) المالك قيداً بالدعوى حتى تنعقد الخصومة فيها، وقامت بدلاً عن ذلك بمناقشة مواضيع ثانوية، أقل أهمية كثيراً بالدعوى وشبه محسومة، كعدم جوز إدخال المحامي المتواطئ بالدعوى، وحول صحة الوكالة التي استخدمها بالإقرار كونها غير معزولة،
كما اعتبرت أن الاستنتاجات التي وصلت إليها محكمة الدرجة الأولى من أقوال الشاري المزعوم في استجوابه، لم تُبنَ على أساس قانوني سليم، ولا تأتلف مع أدلة الدعوى، مما يوجب الالتفات عنها! ولكنها لم تذكر نهائياً، ولا حتى مثال واحد فقط ما هي الاستنتاجات التي لا تأتلف مع وقائع الدعوى والتي توصلت إليها محكمة الدرجة الأولى من كلام الشاري المستجوب، وجعلها تلتفت عنها!

وبالنتيجة فسخت المحكمة القرار المستأنف وردّت الدعوى، ولكن من الواضح أن الحيثيات التي ساقتها للوصول لهذه النتيجة كانت ضعيفة برأيي، ولا تكفي للنيل من قرار بهذه الجرأة والقوة القانونية، ولا تتناسب مع قضية بهذه الأهمية، ناهيك عن قصور في التسبيب لا يأتلف مع نزاع كهذا فيه ظلم واضح.

في مرحلة النقض:

أيّدت محكمة النقض قرار محكمة الاستئناف، معتبرة أن المحامي الوكيل المفوض أصولاً قد اطلع على موضوع الدعوى، وأقر بصحتها، مما ينفي عيب الانعدام.


واعتبرت أن المادة 499 مدني تخول الوكيل بالخصومة سلطة القيام بالأعمال والإجراءات اللازمة لرفع الدعوى ومتابعتها والدفاع فيها والإقرار... 

وأن ما يقع في الوكالة من تفويضات للوكيل من الأصيل هو المعتمد في ممارسة الوكيل صلاحياته...


واتجهت لمنحى لا نتفق فيه معها يقول:

((لا يشترط معه عودة الوكيل للموكل وأخذ موافقته المسبقة عن كل تصرف يجريه استناداً لهذه الوكالة، طالما أن الوكالة نفسها لم تشترط هذا الشرط!))

ولا يخفى أن مثل هذا الرأي يغفل طبيعة العقد المبرم وبين الأصيل والمحامي، بأنه عقد مأجور، وأتعاب المحامي ليست أتعاب عامل عادي، وإنما أتعاباً باهظة في أغلب الأحيان وهذا ما يحتم على المحامي وموكله الاتفاق قبل أية قضية أو عمل يقوم به المحامي بموجب نفس الوكالة المنظمة سابقاً.


إذ حتى لو كانت الوكالة المنظمة للمحامي قضائية عامة، فهي لا تسمح للمحامي أن يقوم المحامي من تلقاء ذاته بالبحث عن أية دعوى مرفوعة على موكله، ويبرز وكالته ويترافع فيها بدون إذن موكله والاتفاق معه على أتعابها، 


ولا تعني أن يقوم المحامي برفع القضايا باسم موكله كيفما اتفق بدون الحصول على إذنه والاتفاق معه على أتعابها، والقول بخلاف ذلك يعني الغرر والتدليس، وهذا ما تأباه طبيعة عمل المحامي، وطبيعة الوكالة المأجورة المنظمة له.

كما استنتجت محكمة النقض أن ادعاء المالك قيداً بوجود الغش والتواطؤ بقيت أقوالاً مرسلة لا دليل عليها!
واستنتجت أن دفع المدعي المالك قيداً بأن الوكالة التي استخدمها المحامي بالإقرار تعتبر منتهية، يعتبر قولاً مرسلاً بدون دليل، خاصة أنها جاءت شاملة لكافة الخصومات القضائية، ولو كانت خاصة بعمل معين، لكان الموكل خصصها بالدعوى الخاصة بهذا العمل، لا يجعلها شاملة لكافة الخصومات القضائية.

بناء عليه صدّقت محكمة النقض قرار محكمة الاستئناف القاضي بفسخ قرار محكمة الدرجة الأولى.

في الجزء الثالث سنتابع مصير القضية في دعوى مخاصمة قضاة، نظرت فيها غرفة الهيئة العامة لدى محكمة النقض.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع