القائمة الرئيسية

الصفحات

الواقع السياسي في العراق بعد العام 2003. الباحثة : سهاد عبدالحسين عبدالامير

الواقع السياسي في العراق بعد العام 2003. الباحثة : سهاد عبدالحسين عبدالامير
الواقع السياسي في العراق بعد العام 2003. الباحثة : سهاد عبدالحسين عبدالامير


الواقع السياسي في العراق بعد العام 2003. الباحثة : سهاد عبدالحسين عبدالامير


شهد الواقع العراقي بعد عام 2003، تغييراً شاملاً للنظام السياسي بفعل الاحتلال الامريكي، وتدخلها العسكري المباشر لتغيير النظام واحلال نظام جديد، له خصائص مميزة، بديلاً عن النظام الشمولي الدكتاتوري، فالتغيير السياسي لواقع النظام لم يحصل بمبادرة من الداخل ولا عن طريق الاصلاح بمبادرة مشتركة من النظام السياسي والمعارضة العراقية؛ وانما جاء التغيير نتيجة عملية الاحتلال الامريكي للعراق في سياق الصراعات الدولية على مناطق النفوذ والهيمنة(1)، وطرحت الادارة الامريكية حينها ثلاث ذرائع لتبرير الاحتلال واعطاء المشروعية الدولية له، اولها امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وثانياً وجود علاقة بين النظام السابق وتنظيم القاعدة، وثالثاً اقامة نظام ديمقراطي في العراق لكي يصبح نموذجاً للديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط(2)، واعتمدت قوى الاحتلال بعد تغيير النظام الى تشكيل نظام حكم جديد من مجلس انتقالي ثم اعلان دستور مؤقت لإدارة الدولة في تلك الحقبة ، ومن ثم منح العراقيين سلطات مؤقتة الى ان يتم الاستفتاء على دستور جديد للبلاد شهد اعلانه في عام 2005(3).



ضمن تلك المعطيات يمكن وصف الواقع السياسي في العراق بعد عام 2003، بانه واقع محمل بعدة تداعيات وتحديات من ضمنها تداعيات الاحتلال الامريكي، وتحديات التحول الديمقراطي في العراق، وضعف البناء المؤسسي.



ان تفتيت الدولة العراقية بفعل الاحتلال الامريكي في عام 2003


 نتج عنه تداعيات خطيرة على واقع ومستقبل العراق ككل، فإضعاف المؤسسات وتدمير البنى التحتية والهياكل الارتكازية ونهب وحرق سجلها الوثائقي والحضاري والانساني، لا يمكن عده تغييراً بقدر ما كان تفكيكاً لدولة قائمة والعمل على اعادة تشكيلها وفقاً لرؤية وادراك الطرف القائم للتدخل وبهدف تحقيق مصالحه واهدافه ولو على المدى البعيد، وليس مصالح العراق وشعبه وامنه، فما حصل من تداعيات الاحتلال على واقع الدولة العراقية باستثناء تغيير النظام السياسي والسلطة الحاكمة، هو اقرب للتدمير منه الى التغيير(4)، اذ كانت ابرز نتائج الاحتلال منذ ساعاته الاولى حالة من الفوضى وانعدام الامن الجماعي والانهيار التدريجي للعراق برمته، اضافة الى احاطته بجملة من الضغوط والتدخلات الدينية والقومية والطائفية السياسية، التي لاقت حواضنها في اطراف داخلية وخارجية، وكل تلك العوامل مجتمعة اثرت في طبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية واحدثت خللاً وضعفاً وصراعاً زاد من حدة الاحتراب السياسي والطائفي والطبقي وكذلك من وتيرة العنف والارهاب ومن ثم اثر في جهد بناء الدولة وتقويض دعائم الامن والاستقرار وجعل مهمة بناء الدولة العراقية الجديدة مهمة بغاية الصعوبة(5).



وازاء غياب الوعي السياسي لدى الافراد، ومع دخول قوات الاحتلال الامريكي الى العراق


، ترافقت عمليات السلب والنهب وتخريب المؤسسات العامة بما فيها الخدمية والصحية، إزاء اللامبالاة لمواجهة الانفلات الأمني من لدن قوات الاحتلال، بل عدّ دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي انذاك، ان ما يجري بأنه تعبير مشروع عن الحرية (6). 


واستمرت تداعيات الاحتلال، حين صدرت قرارات سلطة الائتلاف، بحل وزارات الدفاع والداخلية والإعلام، وقرار اجتثاث البعث في 16/آيار/2003، فضلاً عن الأجهزة الأمنية السابقة، لترفع نسبة البطالة من 50% إلى ما بين 70-80% (7).


ومقابل هذه الأوضاع المتردية، برزت نواة لطبقة من المستفيدين من الوضع الجديد، وهم نخبة من رجال الأعمال راكموا ثرواتهم خلال العقدين السابقين من احتلال العراق، بواسطة ارتباطات مع رجال الدولة آنذاك، وبعد الاحتلال استطاعوا الحصول على عقود فرعية من شركتي (بكتل)، و(KBR)، وسلطة التحالف المؤقتة، لمشروعاتها في العراق، وهذه المجموعة هم من يملكون المصادر المالية الكبرى في المجتمع، واستطاع معظمهم من تركيز النفوذ الاقتصادي بيدهم والتحكم بمصير البلاد (8).


وكان انهيار الدولة العراقية كناظم للعلاقات الداخلية صدمة كبيرة لمجتمع اعتاد العيش في ظل دولة صارمة تمارس سيطرة مركزية تتدخل حتى في شؤون الأسرة، مما ولد اتجاها معاكسا تمثل في تعاظم الميول نحو مرجعيات سياسية ودينية واجتماعية جديدة على أسس عرقية وطائفية، وأصبح العديد من هذه الجماعات مسلحة ومنظمة، وكان هذا منزلقاً خطيراً نحو دوامة العنف الداخلي التي عصفت بالمجتمع، كما ان الفجوة الادارية والقانونية والسياسية فجرت الحساسيات الاثنية دفعة واحدة، بعد ان غذتها ظروف داخلية وقوى خارجية شعرت بتهديد من الوضع الجديد للعراق وتواجد القوات الاجنبية على حد سواء (9)، الا ان من الانصاف القول إن الاتجاهات العنفية في مجتمعنا لم تكن وليدة اللحظة، فإلى جانب الجذور التاريخية لثقافة العنف، فإن التنشئة الاجتماعية السياسية خلال 35 عاماً من الحكم الشمولي، بلورت قيم التجابه الدموي من اجل الحق الشخصي او أي حق عرفي آخر، وعبأت النشأ على استخدام السلاح وتعزيز الحسم بالقوة، كما ان مظاهر الدماء والموت اصبحت معتادة من خلال الحروب او الاعلام الرسمي الذي اعتاد عرض (صور من المعركة) لالآف الجثث المحترقة والمشوهة يومياً، 


ولقد تفاعلت هذه الخلفية مع العوامل الشخصية والدينية والسياسية التي حركتها جملة من التجاوزات والانتهاكات لقوات الاحتلال كالمداهمات الليلية وحملات الاعتقال لرجال دين او شيوخ عشائر او نساء في بيئة محافظة، مما مثل انتهاكاً للتقاليد واجج روح الثأر في العديد من المدن العراقية لا سيما ذات التراث القبلي، واستفز المشاعر الدينية لدى شرائح واسعة(10)، اضافة الى ذلك تجاهل القوات الامريكية لطبيعة الوعي السياسي للمجتمع الذي نشأ في ظل ثقافات شمولية (قومية/يسارية/اسلامية) معادية لقضايا الاستعمار والامبريالية وخاصة الولايات المتحدة كعدوة للعروبة والاسلام (11).



وبذلك تحول العراق الى ساحة (حرب شبكاتية) كما اطلق عليها احد المحللين الاستراتيجيين في صحيفة النيوزويك الامريكية ((وهي حرب تشنها مجموعات صغيرة تنسق وتنفذ حملاتها بطريقة شبكاتية من دون قيادة مركزية دقيقة، وهي تشمل عدداً من الجماعات (البعثيين/التكفيرين/القوميين)، الذين يعملون بصورة فضفاضة معاً وتوحدهم جميعاً مشاعر العداء المشترك لأمريكا)) (12)، وفي دراسة احصائية لعينة من اولئك المنضمين الى الجماعات المسلحة في مناطق من العراق أظهرت حجم الفئات المختلفة حسب الدوافع المحركة في تبني هذا الاتجاه، على النحو الاتي (13): 



1. الدافع الديني: 85% من الجماعات المسلحة التي تعمل ضد القوات المحتلة، وينقسمون على 5% عرب و80% عراقيين. 

2. الدافع السياسي (الوطني): 13%، وهو مصحوب بعاطفة دينية او نخوة عشائرية. 

3. الدافع الشخصي: 2%، وهم من عناصر النظام السابق الذين فقدوا مراكزهم ويخشون من الاقصاء والتهميش.

[1]) عبد العظيم جبر حافظ، التحول الديمقراطي في العراق الواقع والمستقبل، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة الى كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، بغداد، 2007، ص84.

2) حسنين توفيق ابراهيم، التحولات الديمقراطية في العراق القيود والفرص، مركز الخليج العربي للأبحاث، دبي، 2005، ص11.

3) خضر عباس عطوان، النظام السياسي في العراق بين الاصلاح والشرعية، مجلة دراسات دولية، العدد 22، بيت الحكمة، بغداد، 2012، ص96 وما بعدها.

4) مجموعة من الباحثين، التقرير الاستراتيجي العراقي الثاني، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بابل، 2009، ص36.

5) نظلة احمد الجبوري، الحراك السياسي وتداعياته على التخطيط الاستراتيجي، بيت الحكمة، بغداد، 2012، ص93.

6) مسار محمد الرشواني، الغزو الأمريكي للعراق: الدوافع الأبعاد، في مجموعة باحثين، احتلال العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2004، ص58. 

7) كاظم المقدادي، التأثيرات الصحية والبيئية للحرب على العراق، في مجموعة باحثين، احتلال العراق، ص214.

8) رند رحيم فرانكي، تقرير رقم واحد عن الوضع في العراق، في مجموعة باحثين، العراق- الغزو- الاحتلال - المقاومة، شهادات من خارج الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2003، ص124.

9) منتصر مجيد حميد، التحول الديمقراطي وبنية المجتمع العراقي المعاصر، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة الى كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، بغداد، 2005، ص166.

10) منتصر مجيد حميد، مصدر سبق ذكره، ص167.

11) سلمان الجميلي، المقاومة العراقية وملامح تشكيل الهوية، مجلة المستقبل العربي، العدد 303، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2004، ص ص91- 92.

12) فريد زكريا، كيف نكسب الحرب الشبكاتية في العراق، النيوزويك العربية، الكويت، دار الوطن، العدد 227، 19 أكتوبر 2004، ص2.

13) سلمان الجميلي، المقاومة العراقية وملامح تشكيل الهوية، ص97-98.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع