القائمة الرئيسية

الصفحات

المركز القانوني لمالك رقبة العقار المؤجر كمتجر عند إزالة شيوعه

بحث المركز القانوني لمالك رقبة العقار المؤجر كمتجر عند إزالة شيوعه

المركز القانوني لمالك رقبة العقار المؤجر كمتجر عند إزالة شيوعه
المركز القانوني لمالك رقبة العقار المؤجر كمتجر عند إزالة شيوعه
المحامي عارف الشعال 
ما أن استحدثً المشرع في قانون الإيجارات رقم 20/ 2015 مركزاً قانونياً جديداً لمالك رقبة العقار المؤجر كمتجر "خاضع للتمديد الحكمي"، معلناً أحقيته بنسبة 10% من ثمنه الفعلي عند بيعه أو التنازل عنه، أو باسترداد المتجر مقابل دفع 90% من هذا الثمن، حتى ظهرت، ونتيجة لتفاعلات الحياة القانونية الطبيعية بين الناس، تحديات قانونية جمّة سكت عنها النصّ، واجهت المستأجر مالك المتجر (الفروغ) تحتاج المشورة والرأي في ضوء هذا المركز الجديد الذي أصبح المالك يتمتع به،


ومن هذه التحديات، حالة فيما إن كان المالك يتمتع بهذا الحق الجديد، عند بيع المتجر بالمزاد العلني نتيجة دعوى إزالة شيوع؟؟


في الواقع إن إبداء الرأي في مثل هذه التحديات يحتاج لشيء من الخيال الحقوقي لرجل القانون، هذا الخيال الذي عبّر عنه رئيس مجلس الدولة الأسبق والأستاذ في كلية الحقوق الدكتور "عبد الإله الخاني" قائلاً:


((إن جدارة رجل القانون تكمن في حسن استخدامه للخيال الحقوقي... فسعة الخيال في القانون، هي السبيل إلى ابتداع الحلول الحقوقية للمسائل التي نتعرض لها،

وسعة الخيال هنا هي المرونة في التفكير، وتراميه إلى ما وراء الحدود اللفظية بعمليات محاكمة قانونية))
(موسوعة القانون الإداري – الطبعة الثانية – المجلد الأول - ص9)

ولابد للخيال الحقوقي عندما يتعامل مع التطبيقات القانونية المتنوعة للمركز القانوني الجديد الذي استحدثه المشرع لصالح المالك المؤجر، من أن يدخل من باب المشكلة التي أراد المشرع معالجها وحلها باستحداثه لهذا المركز، 


هذه المشكلة التي تتلخص بأن مالك العقار المؤجر يرى بعين الحسرة كيف يباع عقاره أمام ناظريه بدون أي إرادة منه بثمن يبلغ عشرات الملايين من الليرات تحت مسمى متجر (وهو في الواقع أبعد ما يكون عن المتجر المقصود بالقانون كمجموعة عناصر مادية ومعنوية)، ولا يستفيد من هذا البيع بأي عائد مادي، بينما إذا أراد هو بيع الرقبة فلا يبلغ ثمنها 5% من هذا الثمن، ناهيك عن الأجرة الزهيدة التي يتقاضاها سنوياً مقابل إشغال المتجر، والتي تعتبر فتاتاً أمام الأجرة الفعلية له في سوق الإيجار.


هذه المشكلة كانت معقدة لدرجة أن المشرع لم يستطع حلها كما فعل بالمأجور السكني بتوزيع ثمنه بين الماك والمستأجر (أربعين بستين) وفقاً لمشيئة المالك، لأن هناك من ملاك المتاجر من دفع ثمناً لهذا الفروغ بالأصل، وبالتالي سيتسبب لهم بظلم كبير.


لذلك ابتدع المشرع هذا المخرج بفتح نافذة يرفع فيها هذا الظلم البيّن بحيث يستفيد المالك من نسبة الـ 10% أو استرداد المتجر مقابل 90% من السعر المعروض.

وبالخيال الحقوقي إذا دققنا بالعبارة التي استخدمها المشرع في صياغة هذه الفكرة والتي تقول:
((...إذا رغب المستأجر أو ورثته بيعه أو التنازل عنه بكامله للغير....)) 

نستخلص ما يلي:

كان المشرع صريحاً، أنه يتوجب على مالك العقار انتظار إرادة المستأجر في التصرف بالمتجر، ويعزف عن مزاولة نشاطه أو فعاليته نهائياً في المتجر، حينها يستفيد من هذه الميزة التي حباه بها المشرع، 


أي أن المشرع لم يعلق الاستفادة من هذه الميزة بإرادة المالك كما فعل بالنسبة لإنهاء العلاقة الإيجارية في العقارات السكنية، وإنما رهنها بمشيئة المستأجر، والقصد من ذلك طبعاً هو استقرار العلاقات والمعاملات الاجتماعية والاقتصادية، كون المتجر مصدر لمعيشة مالكه ومورد رزقه، فإذا كانت هذه الميزة مرهونة بمشيئة المالك يستفيد منها متى أراد، فقد يتعسف استعمال حقه، مما يؤثر على مصدر رزق ومعيشة المستأجر مالك المتجر.


أما حينما يرغب المستأجر ببيع المتجر، فهذا يعني بكل وضوح أنه تخلى بإرادته عن مورد رزقه ومعيشته من هذا المكان، عندها يستفيد المالك من هذه الميزة.

وبإعمال الخيال الحقوقي أيضاً، نجد أن المشرع استخدم عبارة (البيع أو التنازل عن المتجر) وبما أن البيع عقد، وهذا يعني أن أي عقد محله المتجر، كعقد الهبة أيضاً، ينشئ المركز القانوني الذي أراده المشرع للمالك،


أما بالنسبة لمصطلح (التنازل) عن المتجر الذي استخدمه المشرع أيضاً بالنص، فلابد أن يذهب بنا الخيال للأمكنة التي استخدم فيها هذا المصطلح في القانون المدني، والتي تندرج جميعها في الإرادة المنفردة للشخص بالتنازل عن حقوقه المختلفة،



وبالتالي فإن مصطلحي (البيع والتنازل) عن المتجر يشملان العقد الذي يبرمه المستأجر، وإرادته المنفردة أيضاً، أي يشملان مصدريّ الالتزام الوحيدين بالقانون الذي يلتزم به المرء طوعاً تجاه الغير،


وهذا يعني أن أي تعبير طوعي عن الإرادة، سواء أكان تعاقداً أو إرادة منفردة، يتضمن تنازل عن حق، يقوم به المستأجر بقصد التصرف بالمتجر، ينشئ هذا المركز القانوني الذي استحدثه المشرع للمالك المؤجر.


وحيث أن اللجوء للقضاء للخروج من حالة شيوع المتجر يعتبر عملاً قانونياً منفرداً طوعياً يقوم به بعض المستأجرين المشتاعين، يعبر بكل وضوح عن الرغبة بالتصرف بالمتجر، 


وبما أن هذه الرغبة ستلزم بالضرورة بقية المستأجرين المشتاعين بالتصرف بهذا المتجر، ما يعني أن هذا المتجر كمورد للرزق والمعيشة لهم سينتهي، ومن هنا يمكن أيضاً للمالك أن يستفيد من هذا المركز القانوني الذي حباه به المشرع،


وبالتالي من المنطقي أن يستفيد المالك من نسبة الـ 10% من الثمن النهائي الذي سيباع به المتجر او دفع الـ 90% من الثمن واسترداد المتجر.


وأرى أيضاً أن المالك يستفيد من هذه الميزة في حالة الخروج من الشركة أيضاً عند تصفيتها سواء بحلها أو بانتهائها، إذا كان المتجر جار بملكية الشركة.


مما لا شك فيه أنه ونظراً للإشكالات التي سيثيرها هذا الرأي، فقد لا يلقى آذاناً صاغية لدى السادة القضاة بسبب التحديات يجب التفكير بحل لها، كأن يقبل المتجر القسمة بين المشتاعين عند الخروج من الشيوع، أو بين الشركاء في الشركة عند تصفيتها، أي ليس شرطاً حتمياً الوصول للمزاد، فكيف سيستفيد المالك من مركزه القانوني في هذه الحالة.


كما أن هناك تحد آخر وهو كيف للقاضي أن يمكّن المالك من الاستفادة من هذا المركز، وهل يتم ذلك بإدخاله بالدعوى نفسها، أم الانتظار وترك الأمر لرئيس التنفيذ، قبيل البيع بالمزاد.

فضلاً عن ذلك، ما هو وضع الراسي عليه المزاد إن كان من الغير وأراد المالك أن يسترد متجره مقابل 90% من الثمن الذي رسا به المزاد.


جميع هذه التحديات يتوجب علينا كقانونيين اجتراح حلول مبدعة لها تتماشى مع الغاية التي رمى إليها المشرع في حلّ هذه الظلامة الواقعة على المالك.

وعليه فإنني أدعوا الزملاء المحامين الوكلاء عن مالكي المتجر، للتدخل بأي دعوى إزالة شيوع، أو ملف تنفيذي، أو التقدم باعتراض الغير إذا تمَّ البيع بالمزاد بدون علم المالك، وبذلك نضع القضاء أمام مسؤولياته في إقرار المبادئ القانونية المتممة للقانون والتي تكفل حقوق المالك التي منحه إياها المشرع بهذا النص،

وأختم بالقول:

إن هذا المركز القانوني الجديد الذي استحدثه المشرع للمالك المؤجر مازال غضّاً طرياً، والطريق طويل حتى ينعجم عوده ويصبح صلباً، وهذا شيء طبيعي في أي نصّ جديد، يحتاج وقتاً حتى يستقر،

وقد عبّر الدكتور "عبد الإله الخاني" عن ذلك أصدق تعبير في إحدى أهم الخلاصات القانونية التي قررها والتي يجب ألا تغيب عن بال أي مشتغل بالقانون، عندما قال:

((لقد دلت التجربة على أن مرور زمن طويل يقاس بعشرات السنين، لا بد منه لاختبار جودة تشريع من التشريعات، حيث يوضع على محك من التطبيق ويختبر اختباراً طويلاً،

ذلك أن كل قانون لا يفتح أبوابه للمستفيدين دفعة واحدة، فقد تبقى مواد كثيرة منه دون تطبيق مدة طويلة، ثم لا تطبق إلا بالتدريج وعلى مدى الزمن، فكيف بنا نحكم على عقم تشريع من التشريعات في مدى أشهر قليلة، إن هذا التفريط لا ترضى به دنيا التشريعات))
(المرجع السابق - ص7)
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع