القائمة الرئيسية

الصفحات

معوقات البناء الديمقراطي في العراق


((معوقات البناء الديمقراطي في العراق)) الباحث الاستاذ حيدر الياسري معهد العلمين للدراسات العليا. 

معوقات البناء الديمقراطي في العراق
معوقات البناء الديمقراطي في العراق



عند استعراض تاريخ العراق السياسي نجد إن المجتمع العراقي لم يعرف التنظيم السياسي إلا في إعقاب تشكيل الدولة العراقية في عشرينيات القرن المنصرم ،وكان بناءا كسيحا متصدعا ولد وهو مصاب بالامراض السياسية المزمنة طيلة سنوات القرن الماضي ، وقد اغتيل هذا البناء من قبل اغلب الحكومات الملكية منها والجمهورية بالتعاون مع الإطراف الإقليمية والدولية معا .


فكرة الديمقراطية الاساسية تقوم على (حكم الشعب) ، وجوهرها يتمثل في توفير الوسيلة لإدارة المجتمع السياسي من خلال وجود دولة تبغي تحقيق الرفاه وتطوير حياة الإفراد في المجتمع السياسي، والملاحظ إن عملية البناء الديمقراطي لم تنبثق من خلال الصراع الاجتماعي السياسي للمجتمع العراقي في بدايات تشكيل دولة العراقية ، وإنما صنعت ابعادها ومفاهيمها الأساسية في العاصمة لندن ، بمفاهيم تتطابق مع ما بلغه هذا البناء من تطور في المجتمع اللندني ، وبالتالي فان انتشار المفاهيم الخاصة بالبناء الديمقراطي من قبيل ( الدستور، الأحزاب، الانتخابات، حرية المعتقد...الخ) كان بين فئة الطبقة المثقفة فحسب ، وأضحت هذه المفاهيم شكلية مجرده خالية من مضمونها ودلالاتها الاجتماعية فقد زينت شكل النظام السياسي في وقتها مما افقدها المصداقية والموضوعية ، رغم إن مقاصد النخبة المثقفة الذين كانوا يأملون إن يتطور المجتمع والنظام بأشاعة تلك المفاهيم الديمقراطية ، إلا إن أطماع النخب الحاكمة خيبت الآمال .

إن البناء الديمقراطي ينبغي له ممارسات عضوية من قبل إطراف اجتماعية حية وفعالة، تأخذ بمطالب المجتمع كي ترسي هذا البناء ، غير إن النخب الحاكمة عطلت هذا البناء خاصة مع تولي السلطة المستبدة فكرة الحزب الواحد والرأي الواحد والقائد الواحد .، كبداية تحول من دولة مجتمع إلى دولة إلى دولة عشيرة ، الأمر الأخر هو الإرث السيسيولوجي – الثقافي للمجتمع العراقي الذي كان له الدور المهم في تقويض البناء الديمقراطي ، كون إن الديمقراطية لا تعمل في الفراغ بل أنها تعمل وفق النظام الاجتماعي السائد ، 


حيث إن الأفكار الجدية التي لا تعترف بالرأي والرأي الأخر كانت هي السائدة ، كما إن وجود التجمعات السكانية للقبائل والعشائر ونزاعاتها التقليدية وتقاليدها البالية كانت تعتبر كابحا إمام تقدم عجلة الديمقراطية التي تتميز بالحراك المستمر ، كون إن النظام السياسي يشكل نمطا مستمرا من علاقات بشرية متفاعلة ، شكلت هذه التجمعات العشائرية معايير تتصادم مع جوهر الديمقراطية المبني على الرقابة والسلطة (الاستخدام الشرعي للقوة) وقيم وأفكار وبرامج مستقبلية.


وبما ان هناك علاقة بين الديمقراطية والتحضر الاجتماعي فكلما ولج المجتمع دروب التحضر كلما تعمقت الديمقراطية كوسيلة لحل المعضلة الاجتماعية وذلك بالابتعاد عن العنف واحترام الممارسة الديمقراطية.


كذلك شكل الاختلاف في فهم ماهية الديمقراطية من الناحية العملية وهل هي غاية أم وسيلة أم كليهما معا وما هي حدود هذه المفاهيم ( كون إن تطبيقاتها اختلفت من دولة إلى أخرى)، وما هي مكونات هذا البناء وما هي أجزاءه وأي المجتمعات التي ممكن إن يزدهر بها .؟، فالبناء الديمقراطي ينبغي له اناس تكامليون ديمقراطيون حقيقيون شكلا ومضمونا .



وبالعودة إلى البناء الديمقراطي في العراق الذي يمتاز مجتمعة بحداثته نسبيا ، يستوجب ازالة المعوقات التي تمتع صيرورة الدولة الديمقراطية ، وهي عملية معقده مركبه تتطلب إجراء تغيرات عميقة في الوعي السياسي والحقوقي والفلسفي والجمالي ، وتغيرات مهمة في البنية الاقتصادية والدينية والتقرب قبل كل شيء من روح العصر وفلسفته ومن طموحات الإنسان العصري ، ضمن مشروع رباعي للتغيير يتميز بالعقلانية والعلمية والوضعية والعلمانية انطلاقا من الفرد والعلم والعقل والطبيعة ، وعند النظر إلى هذه العملية نرى أنها متعددة وشائكة ومتداخلة ومتضاربة نتيجة لتباين القوى في مصالحها ورؤيتها لما هو موجود ومرغوب .


ولو فكرنا في إجراء تغيير في هذه الرؤية وبناء دولة ديمقراطية فان ذلك يتطلب منا اجراءات وعمليات عميقة لتغيير الإنسان والمجتمع نحو المدنية والبناء المادي والاقتصادي كأـساس في بناء هيكلية الدولة ، واجراء تغيرات في هيكلية القانون المعبر الأساس عن بنيوية الدولة ، وهي عملية برامجية طويلة المدى تستلزم وجود قوى اجتماعية عديدة تساهم في بلورتها وانجاحها .



والسؤال الذي يطرح هنا هو هل الأزمة هي أزمة بناء دولة أم أزمة بناء مجتمع ؟ وللاجابة يجب علينا إن نعترف إن الأزمة مشتركة تبسط نفوذها على البنائين معا نظرا للتنازع المصلحي بين عناصرهما ، فبالنسبة للمجتمع العراقي الذي يتميز بالتعددية الدينية والمذهبية والطبقية واللغوية والاثنية ،هذا التميز بقدر ما هو ايجابي إلا انه شكل عاملا سلبيا نظرا لتصادم مصالح هذه المكونات التي يريد كل عنصرمنها ضمان حدود مصالحة الدنيا على اقل تقدير ، هذه الفجوة الاجتماعية تم حلها في الكثير من المجتمعات من خلال التوافق الاجتماعي والاعتراف بالاخر بعيدا عن الاكراه المعنوي أو المادي وبالتالي فإننا نحتاج إلى ابرام عقد اجتماعي جديد للمجتمع العراقي .


الأمر الأخر المهم هو تأثير العوامل الخارجية الذي يعد أكثر قوة في التاثير من العوامل الداخلية رغم عمق الازمة الداخلية ، إلا إن القضية العراقية أصبحت عرضة للتدخلات الخارجية التي اّلت إلى تغيرات غير محسوبة ، وتحديدا التغير الذي حصل بعد عام 2003 ، والذي كان بحق من أكثر التغيرات عمقا ضمن عملية التدرج التاريخي ، التي شكلت الدولة العراقية ، والتي جل أزمتها تكمن في كيفية نشوئها والقوى التي سيطرت عليها.


كما لعبت دول الاحتلال دورا غير مفهوم في تشويه وتعميق أزمة الدولة وكان من نتائج ذلك هو عدم الاهتمام من قبل الماسكين على السلطة في تعضيد الهوية الوطنية من خلال تجميع القوى المتشظية وايجاد قاسم مشترك لها للعيش ضمن الوطن كحاضن لهذه القوى .

فكما في بداية نشوء الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي عندما أسست دول الاحتلال الأول الدولة واستوردت لها ملكا وسلمت زمام امورها الأساسية بيد ضباط المؤسسة العسكرية المتعاونين مع الاحتلال تحت مسمى ( الثورة العربية)، والذين حاولوا تشكيل الهوية الوطنية العراقية من خلال القفز على الواقع العشائري مهرولين للامام باتجاه تبني فكرة القومية التي وضعت في تصادم مع الهوية الوطنية وليس في تداخل جدلي بغية توحيد العناصر المتشظية غير المتجانسة .


إما ماحصل بعد الاحتلال الانكلوأمريكي بعد عام 2003 فقد برزت الولائات الدنيا ودولة العشيرة عند عقد التحالفات وتوزيع المهام السياسية بين الإطراف الاجتماعية ، وبغياب الدولة واضمحلال السلطة أصبح العامل الموضوعي لبروز الكثير من الولائات التي لاتعكس الهوية الوطنية العراقية.



وأخيرا لقد برهنت الحياة السياسية في العراق على خطورة هذه الولائات وتاثيرها على المشروع الوطني وان الواجب ليس على الدولة فقط وإما على الوعي المجتمعي تفكيك هذه الولائات واعادة إنتاجها واجتثاث الظروف التي ساعدت على وضع أسسها ، وعلى الدولة العمل على انجاز هذه العملية الاجتماعية المعقدة وازاحة مصالح الشركاء الاجتماعيين الذين يقودون مفاصل السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وكذلك العمل على إعادة إنتاج الطبقة الوسطى ومنحها المكانة المناسبة التي توازي دورها الاجتماعي في رسم القرارات المركزية واقرارها ، كونها تشكل طبقة انتقالية تتمثل فيها مصالح الطبقات الأخرى.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع