القائمة الرئيسية

الصفحات

الدفــاعُ الشـرعـي في القـانـون والاجتهــاد


الدفاع الشرعي Forensic Defense هو حقٌ يكون بمقتضاه أن يلجأ الفرد إلى استخدام القوة كي يدفع بها اعتداءاً لم يقع فعلاً في صورةٍ تامّة محقّقة، ولكنها وشيكة الوقوع، لتوفّر الخطر الحالّ الداهم المنذر بوقوعها الوشيك، أو أنها في طريق وقوعها فعلاً دون أن يتم هذا الوقوع، وفي كلا الحالين، لا يتسع الوقت لمن يتهدّده الاعتداء لطلب حماية السلطات العامة المكلّفة بإنفاذ القوانين وحماية الأفراد، فلا يجد مناصاً أو مهرباً من أن يدرأ الخطر الذي يتهدّده سوى باستخدام القوة، وممارسة الدفاع الشرعي الذي تبيحه القوانين وكافة الشرائع منذ خلق الله الأرض وما عليها، وفي مقدمتها الشريعة الإسلاميّة الغرّاء.

وقد تنبّه مشرعنا الفلسطيني إلى أهمية تنظيم استعمال حق الدفاع الشرعي، بوصفه سبباً من أسباب التبرير العام، وحقّاً موضوعيّاً مطلقاً مقرَّراً لجميع الأفراد، يبيحُ لهم ارتكاب الجريمة استثناءً على الأصل العام الذي يمنعها، وذلك لدرء أخطارٍ قد تهدّدهم عند استحالة اللجوء إلى الأجهزة المختصة لاستيفاء الحق أو لمنع وقوع الضرر، وذلك تغليباً لمصلحة المعتدى عليه على مصلحة المعتدي الذي أهدر حماية القانون وانتهك قواعده، وذلك في مشروع قانون العقوبات الجديد، وتحديداً في المواد (61 – 65) من المشروع المذكور، والتي نصّت بصريح العبارة على أنه لا عقاب على من قتل غيره أو أصابه بجروح أو ضربه أثناء استعماله حق الدفاع الشرعي عن نفسه أو عرضه أو ماله أو عن نفس غيره أو عرضه أو ماله وفقاً للضوابط المبينّة في المواد التالية، والتي جاء فيها أن حق الدفاع الشرعي عن النفس أو العرض لا يجيز أن يبيح القتل عمداً إلا إذا كان مستهدفاً دفع فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جروح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة، أو فعل يشكل جناية اغتصاب أنثى أو جناية لواط ذكر، أو فعل يشكل جناية خطف إنسان.

أما حق الدفاع الشرعي عن المال، فلا يجوز أن يبيح القتل عمداً إلا إذا كان مستهدفاً دفع فعل يشكل جناية حريق عمداً، أو سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات، أو اقتحام منزل مسكون أو أحد ملحقاته ليلاً ومفاجأة المجني عليه، مع مراعاة أنه لا وجود لحق الدفاع الشرعي متى كان من الممكن الاحتماء في الوقت المناسب برجال السلطة العامة، أو درء الاعتداء بأية وسيلة أخرى.

أخيراً، فقد أجاز مشروع القانون المذكور للمحكمة تخفيف العقوبة في الجناية إلى الحبس، وفي الجنحة إلى الغرامة، على من يتجاوز بنيّة سليمة حدود حق الدفاع الشرعي أثناء استعماله إياه دون أن يكون قاصداً إحداث ضرر اشدُّ مما يستلزمه هذا الدفاع.

أما الدفاع الشرعي في قانون العقوبات المصري، والذي نظّمته المواد من 245 إلى 251 من ذات القانون، فهو حقٌ يتيح للشخص استخدام القوة اللازمة والمناسبة لدرء خطر حالّ، وغير مشروع، يهدّد النفس أو المال أو غيرهما، بنحوٍ قد يستحيل معه لجوء هذا الشخص إلى السلطات العامة لطلب حمايتها من ذلك الخطر، من حيث أنه حق يتيح للفرد الدفاع عن نفسه في مواجهة الكافّة، وذلك استثناءً على القاعدة القانونية التي تحظر على الفرد أن يقيم العدالة بنفسه دون اللجوء إلى السلطات المختصّة.

وقد بيّن المشرّع المصري شروط الخطر التي تجيز للمدافع أن يردها، والتي يمكن أن تشكل ضرراً، مع مراعاة عدم جواز اللجوء إلى الدفاع الشرعي إلا إذا كان الاعتداء مستمرًا، بحيث يكون قد بدأ ولم ينته بعد، فإذا ما انتهى الاعتداء، فإنه لا يجوز ممارسة حقّ الدفاع الشرعي، والذي يجب أن تتوافر في الخطر المبرّر له ثلاثة شروط، أولها أن يكون الخطر غير مشروع وهو ما جاء بنصّ المادة 246 من قانون العقوبات، والتي أباحت استخدام حق الدفاع الشرعي لدفع كل ما يعتبر جريمة، وبالتالي فإن الخطر الذي يجوز مواجهته بدفاع هو جريمة يعاقب عليها القانون، وبالتالي يجوز ردّ الخطر الناجم عن محاولة سرقة المجني عليه؛ لأن هذا الخطر يشكل جريمة الشروع في السرقة، وثانيها أن يشكّل جريمة من جرائم النفس أو المال، وثالثها أن يكون الخطر حالّاً.

هذا وقد عالج قانون العقوبات اللبناني حق الدفاع المشروع في المادة 184 منه، والتي نصّت على أنه "يعدّ ممارسة حق كل فعلٍ قضت به ضرورة حالية لدفع تعرّض غير محقّ ولا مُثار على النفس أو المُلك أو نفس الغير أو مُلكه، ويستوي في الحماية الشخص الطبيعي والشخص المعنوي، وإذا وقع تجاوز في الدفاع أمكن إعفاء فاعل الجريمة من العقوبة إذا أقدم على الفعل في ثورة انفعالٍ شديد انعدمت معها قوّة وعيه أو إرادته".

أخيراً، نشير إلى اجتهاد محكمة النقض المصريّة في الطعن رقم 326 لسنة 20 قضائية، والصادر في جلسة 27 آذار/ مارس 1950م، والتي أكدت فيه بأن حق الدفاع الشرعي لم يُشرّع للانتقام، وإنما شُرّع لمنع المعتدي من إيقاع فعل الاعتداء أو من الاستمرار فيه. 
بقلم: المسـتشار/ أحمـــد المبيض

الدفــاعُ الشـرعـي في القـانـون والاجتهــاد


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع