القائمة الرئيسية

الصفحات

على طريق استقلال القضاء


المحامي عارف الشعال

كانت تونس أيام "بورقيبة" دولة مركزية كما هو معروف، ولهذا السبب حينما أصدر المشرع التونسي "قانون نظام القضاء" رقم 29 في العام 1967 جعل رئيس مجلس القضاء الأعلى هو رئيس الجمهورية، ونائبه "وزير العدل" (كان يسمى كاتب الدولة للعدل) بموجب المادة 6 من ذلك القانون.

على طريق استقلال القضاء


وبالرغم من أن هذا الإجراء يعتبر مألوفاً في دولة ذات نهج مركزي، كان المشرع التونسي حصيفاً حينما قرر في المادة 55 من ذات القانون أن مجلس القضاء الأعلى هو مجلس تأديب القضاة، ولكن حينما ينتصب بهذه الصفة فإنه يجتمع برئاسة رئيس محكمة النقض (تسمى في تونس "محكمة التعقيب").

وبالتالي حظر على وزير العدل أن يرأس أو يشارك بمجلس القضاء الأعلى حينما يحاكم القضاة مسلكياً، وهذا شيء طبيعي ومنطقي، لأن وزير العدل الذي ينتمي عادة لأحد الأحزاب السياسية، يعتبر رجل سياسة وليس رجل قانون وإن كان يحمل شهادة بالقانون، ولا يستقيم للسياسي أن يحاكم القاضي مسلكياً !!، وهذا يعتبر خطاً أحمراً وفق أبسط المبادئ الدستورية.

بينما نلحظ أن المشرع السوري (وبكل أسف) وقع في هذا المطب الذي تفاداه نظيره التونسي، فجَعَلَ بموجب المرسوم التشريعي 24 لعام 1966 وزير العدل (السياسي) من خلال تنصيبه نائباً لرئيس مجلس القضاء الأعلى، يرأس ويساهم في محكمة تلاحق القاضي مسلكياً، ولا شك أن هذا النهج يعتبر أمراً شاذاً ويثلم مبدأ استقلال القضاء، فكيف لرجل السلطة التنفيذية أن يحاكم أحد أعضاء السلطة القضائية!!.

وحيث أن هذا الأمر غير مقبول، ويؤذي الجسم القضائي أيما إيذاء، فيجب العمل (كحد أدنى) في هذه المرحلة لتنحية وزير العدل عن رئاسة مجلس القضاء الأعلى حينما ينتصب كمجلس تأديب، 

ويجب على كل مشتغل بالقانون من قضاة ومحامين وأساتذة جامعات، إبداء الاستياء وإثارة هذه الناحية في مجالسهم واجتماعاتهم أينما كانوا، فهذا جزء من رسالتهم الذي تحتاجه الدولة والمجتمع في هذا الوقت العصيب الذي يعصف بنا، وهذا أضعف الإيمان.
وأنا شخصياً وبكل صدق أفعل ذلك كلما سنحت لي الفرصة، وقد فعلتها منذ فترة وجيزة وأثرتها في حوار عن الدستور مع أحد ضباط المخابرات المحترمين والمثقفين.

وتعتبر هذه خطوة متواضعة على طريق إعادة الأمور لنصابها الطبيعي وجعل رئاسة مجلس القضاء الأعلى برئاسة قاض كما كان الأمر قبل صدور المرسوم التشريعي 24 تاريخ 14 شباط 1966.

ومن نافلة القول إن المشرع التونسي، قد أصدر في 28 نيسان الماضي، قانوناً جديداً يحمل الرقم 34 أعاد فيه تنظيم القضاء، وتنظيم مجلس القضاء الأعلى بشكل جديد، مثير فعلاً وجدير بالدرس والمقارنة والعبرة، وهذا ما سنفعله قريباً إن شاء الله.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع