القائمة الرئيسية

الصفحات

بحث الاجتهاد القضائي حول الاخذ بنظرية الحوادث الطارئة في العقود

بحث الاجتهاد القضائي حول الاخذ بنظرية الحوادث الطارئة في العقود 

بحث الاجتهاد القضائي حول الاخذ بنظرية الحوادث الطارئة في العقود
بحث الاجتهاد القضائي حول الاخذ بنظرية الحوادث الطارئة في العقود 
أحمد ابو الزين 

هدف المشترع عندا اخذ بنظريته الحوادث الطارئة في المادة (1488) من القانون المدني الى ازالة الارهاق الذي يحيق بالمدين وقيدها بقيود تتضمن حوادث استثنائية عامة غير متوقعة تهدده بخسارة فادحة فلا مجال لاعمال هذه القاعدة اذا كان المتعاقد لم يلحقه اية خسارة او لحقت به خسارة لا تزيد عن الحد المالوف لان مثل هذه الخسارة هي من الامور المتوقعة في العقود المتراخية كما ان فوات الربح لا تعتبر من قبيل الخسارة بالمعنى الذي قصده المشترع من استحداث هذه القاعدة لتخفيف الارهاق الذي يحيق بالمدين ذلك الارهاق الذي يؤدي لخسارة قسم هام من راس المال يستوجب تدخل القضاء لتفاديها على خلاف فوات الربح الذي لا يحمل اي معنى من معاني الارهاق.


قرار 253 / 1961 - أساس 689 - محاكم النقض - سورية
قاعدة بدون - م. المحامون 1961 - رقم مرجعية حمورابي: 32491

لئن كانت العقود المتراخية هي المجال الطبيعي لتطبيق نظرية الحوادث الطارئة الا ان القضاء اتجه الى تطبيقها على العقود الفورية ما دام تنفيذها في المستقبل ولا يتعاصر هذا التنفيذ وتاريخ الانعقاد.

قرار 254 / 1972 - أساس 794 - محاكم النقض - سورية
قاعدة 338 - القانون المدني ج1 الى ج9 - استانبولي - رقم مرجعية حمورابي: 28264

مع ان الاصل في هذه النظرية انها تطبق في العقود المتراخية غير الفورية , فانها تطبق في العقود الفورية كذلك اذا كان تنفيذها في المستقبل و لا يتعاصر مع تاريخ الانعقاد.


قرار 254 / 1972 - أساس 794 - محكمة النقض - الدوائر المدنية - سورية
قاعدة 201 - م. المحامون 1972 اصدار 01 - 02 - رقم مرجعية حمورابي: 60815

ظرية القوة القاهرة والظروف الطارئة وأثرهما على الالتزام العقدي في القانون المدني السوري



تنص المادة (148) م.سوري: على أن العقد شريعة المتعاقدين، وتنفيذ العقد احتراماً لقوته الملزمة يستوجب تحديد مضمون العقد وحدود هذا المضمون، وعندما يمتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ العقد، لابد أن يكون هناك مؤيد يضمن حقوق المتعاقد الآخر.


ويجب على المتعاقدين تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، وبالتالي لا يجوز نقضه ولا تعديله إلاّ باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون، غير أن تنفيذ العقود يكون في بعض الأحيان عرضة لتقلبات الظروف المصاحبة لتنفيذ العقد، فقد لا تبقى على حالها طوال مدة تنفيذ العقد، فإذا طرأ تغيّر في هذه الظروف فإنه لا مجال للشك في أن ذلك سيؤثر على التزامات الطرفين المتعاقدين بحيث يجعل تنفيذ هذا الالتزام إما مرهقاً إرهاقاً فاحشاً للمدين مما يهدد بخسارة فادحة إن واصل التنفيذ على شكله الحالي، وإما مستحيلاً في التنفيذ بسبب أجنبي خارج عن إرادة المتعاقدين، وعدم التنفيذ في مثل هذه الأحوال يعتبر خرقاً لمبدأ استمرار واستقرار المعاملات ومبدأ لزوم العقد وقوته الملزمة،فعندما يصبح العقد مستحيلاً بصورة نهائية (Impossilite' dexecution) أو أن تكون استحالة التنفيذ حادث مؤقت، في الحالتين يصبح عدم التنفيذ ضاراً بحقوق الدائن مما يؤدي إلى الإخلال بقاعدة التوازن العقدي بين الطرفين واستثناءاً على مبدأ القوة الملزمة للعقد ( Force obligatoire) والتي يصعب التحلل منها إلا عند استحالة التنفيذ لأسباب قاهرة، فعندما يصبح تنفيذ العقد مستحيلاً لسبب أو لآخر فنحن أمام القوة القاهرة ( La force majour) والتي تكون كافية لعدم التنفيذ . ويمكن للمدين في هذه الحالة الدفع بعدم المسؤولية عن نفسه استناداً لنص المادة (216) م. سوري: (( يستطيع المدين أن يدفع المسؤولية عن نفسه إذا أثبت أن الضرر وقع بسبب أجنبي وعليه تنتفي المسؤولية نتيجة قطع العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، وهذا ما أكد عليه المشرع السوري في المادة (166) مدني: ((إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو من الغير كان غير ملزم بالتعويض عن هذا الضرر ما لم يوجد نص أو اتفاق غير ذلك)).


والقوة القاهرة تعريفاً: هي كل فعل لا شأن لإرادة المدين فيه ولا يمكن توقعه ولا منعه يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً استحالة تعفي المدين من المسؤولية العقدية والتقصيرية.

أنواع القوة القاهرة:


1. القوة القاهرة بفعل الطبيعة: (الرعد- الفيضانات- سيول- زلازل- براكين- عواصف- ثلوج- أمطار غزيرة- هلاك الزرع) فهنا تحققت القوة القاهرة بفعل الطبيعة ذاتها ولا يد للمدين في تحقق حدوثها واشتراكه بخطأ ما من قبله في تحقق وقوعها، فالإنسان عاجز هنا عن مقاومة الكوارث الطبيعية التي تؤدي إلى هلاك محل العقد هلاكاً كلياً وزواله ويمكن أن يصبح ركاماً وحطاماً بسبب أحد عوامل الطبيعة.

إلا أن بعض الاجتهادات القضائية لا تقر بوجود قوة قاهرة إذا لم يكن الحادث غير ممكن التوقع حتى لو استحال دفعه كما لو كان يقع في مواعيد دورية ولو متباعدة كالفيضانات والأمطار، أو يقع في بعض الأحيان كتفشي دودة القطن في بعض السنوات، فلا يعتبر الحادث قوة قاهرة إذا كان يتعين على المدين أن يتوقعه ويقوم بما يكفي لمنع وقوعه ولا يكفي لاعتبار الحادث متوقعاً أن يكون قد سبق حدوثه في الماضي طالما ليس متوقعاً تكراره وبالتالي فإن وقوع زلزال في دولة واقعة ضمن حزام الزلازل يعتبر أمر متوقع الحدوث، أما وقوعه في بلد آخر غير معروف بالتعرض للزلازل فيعتبر حادث غير متوقع ويشكل قوة قاهرة، رغم سبق وقوع هذا الزلزال في هذا البلد.


1. القوة القاهرة بفعل الحادث البشري: كالاستيلاء والعنف والنهب والسرقة المسلحة والأمر غير المشروع المصحوب بأعمال القسر والإكراه بالقدر الذي يجعل مقاومته مستحيلة.


2. القوة القاهرة بفعل السلطة ( أمر الدولة): وتتمثل في صدور أمر قانوني يتوجب التقيد به والامتثال لأحكامه تحت طائلة العقاب سواء كان هذا الأمر بصورة قانون أو قرارات أو أوامر إدارية أو قواعد تحظر ممارسة عمل أو مزاولة مهنة معينة. كما لو صدر قرار من الدولة بحظر التعاقد مع جنسية محددة وفرضت عقوبات لمن يخالف ذلك، فإذا ما تم إبرام العقد فإن القرار يضع العامل وصاحب العمل في مساءلة قانونية ولهذا فإن طرفي العقد أمام قوة قاهرة بفعل السلطة. وتكون أيضاً القوة القاهرة على شكل الالزام القانوني كأن تقوم الدولة بنزع ملكية عقار من مالكه عن طريق الاستملاك أو المصادرة.


ويستثنى من حالات القوة القاهرة انفجار إحدى عجلات المركبة المؤدي لإنقلابها والحاق الضرر بالمصاب، لأن انفجار دولاب السيارة لا يشكل قوة قاهرة في حوادث السير لأنه من الحوادث المتوقعة ( نقض سوري غرفة (4) ق (736) أساس 1229 تاريخ 11/4/2000، ولا يمكن اعتبار الموت قوة قاهرة لأنها حادثة يتعرض لها جميع الناس، وهي من الأمور المتوقعة لكل واحد منهم، وأن أسباب النقل وصعوبة تدبيرها وتدمير خطوط المواصلات من الأمور العادية والمتوقعة الحدوث والتي يمكن تلافيها وأن هطول الأمطار بغزارةفي فصل الشتاء لا يشكل قوة قاهرة، بل هو أمر طبيعي ومنتظر.


واشتراط عدم إمكانية التوقع في القوة القاهرة أمر بديهي ومنطقي، إذ لو كان المدين قد توقع القوة القاهرة فإنه يكون عندئذ قد أخذ على عاتقه عبء المخاطرة في حال حدوث ما يمنع من تنفيذ العقد ووضع ذلك في اعتباره بالنسبة لمدى الالتزامات الواقعة على عاتق الطرفين، فالمدين، يعتبر مخطئاً إذا كان قد توقع الحادث الذي يمنعه من تنفيذ ما التزم به ولم يتخذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوعه، ففي حالة الغزو أو الحرب الأهلية يكون متوقعاً إمكانية الاستيلاء على البضاعة بحيث تكون الحالة الأمنية في الأسواق التجارية ومحيطها متردية وتشهد جولات عنف كثيرة مما يعرضها للسرقة والنهب والتفجيرات طالما يسود أجواء أمنية غير مستقرة لا تدعو البتة للاطمئنان، وعليه فإن ما لا يمكن توقعه في ظروف عادية يصير متوقعاً في ظروف مضطربة كما هو حال بلادنا اليوم وما نشهده من اضطرابات أمنية بحيث تنتفي القوة القاهرة متى كان بوسع المنفذ أن يكون أكثر يقظة وتبصر فيحتاط للأمر في ظل هكذا ظروف مضطرية.


ولقد استقر الاجتهاد القضائي: على أن تقرير توفر شروط القوة القاهرة يدخل في صميم السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع متى كان مستنداً إلى أسباب سائغة، وإن القوة القاهرة غير ممكنة التوقع من أشد الناس يقظة وتبصر بالأمور.


وينحصر تطبيق القوة القاهرة في مجال الالتزام بعمل والالتزام بالامتناع عن عمل والالتزام بإعطاء شيء معين بالذات، أمّا الالتزام بإعطاء شيء معين بالنوع فيندر تطبيق القوة القاهرة وذلك لأن الأشياء المعنية بنوعها لا تهلك من حيث المبدأ، فالمدين بشيء معين بالنوع لا تبرأ ذمته على الرغم من هلاك كل ما في مستودعه من بضاعة وحتى هلاك كل مستودعات أبناء حرفته، ويرجع ذلك إلى أن المشرع يفترض في المدين أنه يستطيع الحصول دوماً على البضاعة التي تعهد بها من السوق ( داخلياً كان أم خارجياً) فالمدين بتسليم كمية من السكر لا تبرأ ذمته إذا هلك كل ما لديه من سكر لأن باستطاعته تأمين الكمية التي التزم بها والتزم بتسليمها سواء من السوق الداخلي أو الخارجي، فهنا لا تبرأ ذمة المدين من التزامه بسبب القوة القاهرة إلا أذا وصلت السلعة التي تعهد بها خارج التعامل إما على نحو دائم ( كما لو قررت الدولة احتكار سلعة معينة) أو على نحو مؤقت (كما لو صادرت الدولة البضاعة)، وعليه نرى ضرورة توافر شرطين لتحقق القوة القاهرة وهما استحالة التوقع أي عدم القدرة على توقعها واستحالة الدفع أي عدم إمكانية دفعها.


كما وان الأساسالقانوني لنظرية الظروف الطارئة هو العدالة بحيث تقوم على مسألة اختلال التوازن الاقتصادي في المرحلة اللاحقة لتكوين العقد، كحصول حوادث استثنائية عامة غير متوقعة أثناء التنفيذ، بحيث يصبح تنفيذ التزام المدين مرهقاً، أي تلحق به خسارة جسيمة إذا تم تنفيذ العقد، إلاّ أنه ليس مستحيلاً كما في القوة القاهرة، كأن يتعهد شخص بتوريد سلعة بثمن معين ثم تنشب حرب مفاجئة فيتعذر استيراد السلعة من الخارج ويرتفع ثمنها على الملتزم بتوريدها إلى أضعاف الثمن المتفق عليه وإذا بلغ هذا الارتفاع قدراً معيناً فهو يهدّد المدين بخسارة فادحة تجاوز الحد المألوف، وعندئذ يجوز للقاضي بموجب نظرية الظروف الطارئة أن يعدّل التزام المدين بحيث يقف عند الحد المعقول، ومثال ذلك: ((إذا كان هناك عقد مع شركة يتجاوز رأسمالها مليار ليرة سورية وهذا العقد عقد توريد محروقات بقيمة عشرة ملايين ليرة سورية، ثم حصل ارتفاع كبير بأسعار المحروقات كما هو حاصل في بلادنا أيامنا هذه، فهذا الارتفاع بالسعر لا يؤثر على الشركة لكنه مع ذلك يعدّ من الظروف الطارئة ويتم تخفيض الإرهاق بتوزيع الخسائر بين البائع والمشتري)).


وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض السورية بحيث جاء في إحدى أحكامها: ((إن الارتفاع أو الانخفاض الفاحشين في الأسعار يشكل حادثاً استثنائياً عاماً غير متوقع تسوده نظرية الظروف الطارئة ويخوّل القاضي رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول وإعادة التوازن الاقتصادي للعقد)).


مثال ذلك: إذا كان ثمن ليتر البنزين عند التعاقد ثلاثين ليرة سورية ثم ارتفع بسبب الحرب إلى مائة ليرة سورية فيؤخذ بالاعتبار الزيادة المألوفة للأسعار وهي عشر ليرات سورية لليتر الواحد حيث يتحملها المدين وحده، أما باقي الزيادة أي الستين ليرة فيتم تقسيمها مناصفة بين الطرفين وللقاضي أن يوقف تنفيذ العقد لفترة محدودة ولكنه ليس له فسخ الحادث بسبب الحادث الطارئ وليس له أن يفرض على المشتري الشراء بالسعر المعدّل.


وتلتقي الظروف الطارئة مع القوة القاهرة من حيث أن كلاً منهما أمر غير متوقع الحدوث عند التعاقد ولا يمكن دفعه ويفترقان في النقاط التالية:

  • 1. الظروف الطارئة لا تؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام بل إلى جعله مرهقاً ولذا يكون الجزاء فيه هو رد الالتزام إلى الحد المعقول، أما القوة القاهرة فإنها تؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام وانقضائه تبعاً لذلك.
  • 2. الظروف الطارئة يجب أن تكون عامة أما القوة القاهرة فيمكن أن تكون عامة أو خاصة.
  • 3. الظروف الطارئة من النظام العام وبالتالي لا يجوز الاتفاق مقدماً على استبعادها (أي لا يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الظرف الطارئ قبل وقوعه) أما في القوة القاهرة فهي ليست من النظام العام وبالتالي يجوز الاتفاق مقدماً على استبعادها (أي يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة القوة القاهرة قبل وقوعها) ولا تُطبق نظرية الظروف الطارئة إلا إذا كان اختلال التوازن المالي للعقد مؤقتاً أمّا إذا كان دائماً أو نهائياً فيلجأ إلى فسخ العقد ونكون أمام حالة القوة القاهرة.
  • 4. السلطة التقديرية للقاضي في حالة الظروف الطارئة لا وجود لها في حالة القوة القاهرة، حيث يوجب القانون على القاضي في حالة الظروف الطارئة عند التعديل أن يتقيد بمبدأ عام وهو الموازنة بين مصلحة الطرفين وليس له في سبيل تجنيب المدين الخسارة الفادحة أن يوقع الدائن في خسارة فادحة، كما جاء في قرار لمحكمة النقض السورية ((إن نظرية الظروف الطارئة المنصوص عليها في م(148) مدني تهدف إلى إزالة الارهاق الذي يحلّ بالمدين من جراء تنفيذ التزامه، فإذا لم تلحق المتعاقد أية خسارة أو لحقت به خسارة لا تزيد عن الحد المألوف فلا مجال لتطبيق هذه النظرية علماً بأن فوات الربح لا يعتبر من قبيل الخسارة)).


وأخيراً نرى أن نظرية الظروف الطارئة تعتبر حالة مخففة من القوة القاهرة بحيث أن القوة القاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً ( Ali impossible nul n'est tena) ويترتب عليه إبراء ذمة المدين في جميع الأحوال إذ لا يكلف أحد بالمستحيل أو الالتزام بالمستحيل بينما الظروف الطارئة تجعل تنفيذ العقد مرهقاً لا مستحيل التنفيذ.


وأخيراً إذا ما أخذنا ما تمر به بلادنا حالياً نرى كثرة تطبيقات لحالة الظروف الطارئة والقوة القاهرة، بحيث أن المدين يريد أن يتمسك بتوافر القوة القاهرة بسبب التأخير في تنفيذ العقد عن الموعد المحدد له بسبب الظروف الراهنة والاضطرابات الأمنية محتجاً بالقوة القاهرة أو الظروف الطارئة بحيث لا يمكنه تنفيذ التزامه أو التأخير في التنفيذ أو سوء التنفيذ وهذا من أهم مظاهر الخطأ الذي يجب أن نحاربه لأنه يحرم المدين من التمسك بالقوة القاهرة، ومثال ذلك: يعتبر البنك مسؤولاً عن تدهور قيمة الأوراق التجارية إذا ما تأخر في تصدير تلك الأوراق ثم فاجئت البنك سلسلة متصلة من الأحداث كالحرب وهجرة المواطنين ووصول مسلحين أو عمل إرهابي وعليه انقطاع سبل المواصلات مما عرض الأوراق التجارية لمخاطر استثنائية ما كانت لتحدث لو قام البنك بتصدير تلك الأوراق في الموعد المحدد لها قبل تدهور قيمتها، وكذلك المقاول المكلف بأعمال التشييد والبناء يعتبر مخطئاً إذا تأخير في تنفيذ التزاماته وأنه لا صحة لإدعائه بتوافر القوة القاهرة التي حدثت بعد التاريخ المحدد لإنهاء الأعمال وكان المقاول قد تأخر في التنفيذ سعياً وراء أعمال أخرى أكثر ربحاً.


وعليه لا يجوز للمدين أن يستفيد من الإعفاء بتوافر القوة القاهرة عندما يتسبب هو في تلك القوة القاهرة نتيجة تأخره في التنفيذ، ويؤخذ على المدين أنه لم يراع الحرص والحذر الواجب فالعقد كان يجب أن ينفذ بصورته الطبيعية حسب الاتفاق عليه ، أما إذا كان السبب في التأخر في التنفيذ خارج عن إرادة المدين في هذه الحالة يعفى من المسؤولية، وختاماً يمكننا القول بأن الإنسان يواجه في حياته حوادث كثيرة وخاصة الحوادث التي نشهدها في سوريا الآن بحيث تكون هذه الحوادث من الشدة والعنف والمباغته بحيث يقف الانسان أمامها مشلول الإرادة مكتوف الأيدي عاجز عن مواجهتها والتغلب عليها كما هو الحال في القوة القاهرة، ولكن من ناحية أولى يتوجب على الفرد احترام تعهداته والتزاماته تجاه الغير باعتبار العقد شريعة المتعاقدين وإلاّ سادت الفوضى وعمّ الاضطراب، ومن ناحية ثانية يبدو من الظلم والإجحاف أن يتحمل الفرد نتيجة أعمال وأفعال لا ترجع إلى فعله أو خطئه ولم يكن لإرادته دخل في حدوثها وترتب عليه عدم قدرته على تنفيذ تعهداته والتزاماته فمن هنا تثار الإشكالية القانونية موضوع بحثنا وهي القوة القاهرة التي جاءت لتلاءم بين هذين الأمرين وهما ضرورة تنفيذ التعهدات واستحالة ذلك في بعض الأحيان بحيث تكون قوة قاهرة فوق قدرة الإنسان وطاقته ويتوجب توافر علاقة إسناد بين هذه القوة والسبب الأجنبي الذي يجب أن يكون السبب الحقيقي والمباشر لحدوث القوة القاهرة وبالتالي أدى إلى استحالة التنفيذ وبإثبات السبب الأجنبي المتمثل بالقوة القاهرة أو بفعل الغير تنشأ استحالة التنفيذ التي تنتفي معها مسؤولية المدين عن عدم التنفيذ.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع