القائمة الرئيسية

الصفحات

مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني ، قراءة في احتمالية فشلها و تداعياته … بقلم د. عمار أحمد إسماعيل المكَوطر / تخصص علاقات دولية ودبلوماسية

 

 

مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني ، قراءة في احتمالية فشلها و تداعياته …

 

بقلم د. عمار أحمد إسماعيل المكَوطر / تخصص علاقات دولية ودبلوماسية

 


 مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني ، قراءة في احتمالية فشلها و تداعياته …

بقلم د. عمار أحمد إسماعيل المكَوطر / تخصص علاقات دولية ودبلوماسية

 

 

   في قراءة سريعة لوقائع مفاوضات الاتفاق النووي بين إيران و مجموعة ٥ + ١ بزعامة الولايات المتحدة ،  فبعد سنوات من المفاوضات بين إيران و المجتمع الدولي بغية التوصل الى اتفاق دولي ،  تم ذلك في شهر يوليو من العام ٢٠١٥ ، و قد عده الرئيس الأمريكي وقتئذ باراك أوباما وإدارته أنه انجاز تاريخي ، و لعله أفضل إتفاق يسعى لقطع الطريق أمام طموحات إيران النووية .

    طبيعة الاتفاق الذي وقعته كل من مجموعة ٥ + ١  و إيران و الوكالة الذرية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة عبارة عن مقايضة سياسية ، حيث ترفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة و الدول الاوربية و مجلس الأمن عن إيران لقاء تخلي إيران عن مسعاها في تطوير برنامجها النووي و عدم حيازتها لسلاح نووي . وقع الاتفاق بين اطرافه و دخل حيز التنفيذ في شهر يناير ٢٠١٦ ، لكن  بوصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الأبيض في العام ٢٠١٧ أعلن  بأن هذا الاتفاق هو أسوأ اتفاق في التاريخ ، ويجب إلغاءه ، و إعادة المفاوضات للتوصل الى إتفاق أفضل ، أملاً في تحقيق مصالح و منافع أعلى للولايات المتحدة و حلفاءها ، و في العام ٢٠١٨ خرج من الاتفاق النووي ، و فرض عقوبات كبيرة على إيران سعياً منه لإجبار إيران للعودة للتفاوض على برنامج جديد تضاف له فقرات جديدة لم يتعرض لها الاتفاق الملغي ، ومنها ضمان وضع قيوداً على البرنامج الإيراني الصاروخي ، و الطائرات المسيرة ، و نفوذ إيران في بعض دول منطقة الشرق الأوسط فضلاً عن البرنامج النووي ذاته . يضاف إلى ذلك أن الواقع الميداني قد تغير إذ لم يعد الخطر الحقيقي من إيران بإمتلاكها السلاح النووي ، بل تنامي قدرات إيران في مجالات سياسية و عسكرية و سواها .

    رفضت إيران شروط الرئيس ترامب ،  ولجأت الى سياسة تخفيف التزاماتها بالتدريج ، و التي وقعت عليها في اتفاق العام 2015، حتى باتت في العام 2020 على مشارف إمتلاك سلاح نووي ، بعد وصولها الى مراحل متقدمة من تخصيب اليورانيوم وزياده تلك الكميات المخصبة وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي ، و بوصول الرئيس جوزيف بايدن إلى السلطة قرر العودة إلى الأتفاق النووي الذي أمضاه الرئيس أوباما والذي كان بايدن نائباً له في حينه . واجه بايدن صعوبات ومعوقات بالغة في العودة الى الاتفاق لأسباب ذاتية و موضوعية ، إذ تتعلق الأولى (الأسباب الذاتية) بمعارضة جادة من أعضاء الحزب الجمهوري الذي ألغى رئيسهم الأتفاق ، و قرب انتخابات التجديد النصفي في الكونكرس ، وخشية خسارة حزبه الأغلبية في الكونكرس، والذي قد يتسبب في خسارته الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية فيما بعد، خاصة إذا ما علمنا أن الأحزاب الأمريكية عادة ما تثير في نفوس الأمريكيين الهلع ، وتبرع في صناعة عدو خارجي كمهدد لأمن وسلامة الولايات المتحدة ومواطنيها ، وقد وضعت في ذهن الرأي العام الأمريكي أن إيران تمثل التهديد الأكبر . أما الأسباب الأخرى (الموضوعية) فإنها تتعلق بحلفاء الولايات المتحدة ، يأتي في مقدمتهم الكيان الصهيوني وبعض دول الخليج العربي ، فضلاً عن أسباب تتعلق في أوربا والحرب الروسية الاوكرانية وموقف الصين وتصاعد احتمالات المواجهة معها بخصوص أزمة تايوان، و تنامي دور الصين العالمي .

   عادت إيران الى المفاوضات مع الولايات المتحدة عبر الوسيط الأوربي في أبريل من العام ٢٠٢١ ، و توصل الطرفان الى مسودة إتفاق صاغها الثاني ( الوسيط الأوربي ) و ابتعثها الى الطرفين ( إيران و الولايات المتحدة ) في شهر أغسطس ٢٠٢٢ ، تحفظ الإيرانيون على نقطتين ، و قد وصفها منسق الاتحاد الأوربي جوزيف بوريل بأنها معقولة ، ثم أرسلها الى الولايات المتحدة ، إلا أن الأخيرة تحفظت أيضاً على تحفظات إيران ، أما اعتراضات الثانية فهي :

١-إغلاق تحقيقات وكالة الطاقة الذرية التي تجريها حيال أنشطة إيرانية لم يعلن عنها .

٢-الحصول على ضمانات تمنع الولايات المتحدة من الخروج من الأتفاق ، عند وصول أي إدارة أمريكية جديدة للبيت الأبيض .

و بالتالي فأن إيران تخشى التنازل عن برنامجيها النووي، وسيلة الضغط الكبرى في التفاوض لألا تخدع بعد ذلك بعودة العقوبات تحت أي ذريعة ، و هي مجردة من وسائل و أدوات الردع . و بالمقابل أيضاً تعاني الولايات المتحدة من ضغوط جمة تمنعها من قبول الاتفاق خارج سياق هذين الشرطين ، فضلاً عن العامل الأوربي التي تسعى الولايات المتحدة أن يبقى تحت مضلتها الأمنية و مسانداً لها في صراعاتها و مواقفها ضد خصومها ، فبقاء أوربا في موضع الضعف و الحاجة الأمنية و الطاقوية و السياسية للولايات المتحدة يعد أمراً ضرورياً للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة و تفردها  بزعامة العالم و صنع القرار و السياسة العالمية و الوقوف بوجه القوى المتحفزة لمنافستها، و بالأخص منها الصين و روسيا .

لذا بقاء اوربا في وضع تعاني منه من أزمات إضافية كأزمة الطاقة يعد أمراً حيوياً ، و الاتفاق النووي مع إيران قد تجد أوربا من خلاله مخرجاً و متنفساً من أحد أهم أزماتها ، في الوقت الذي سعت كثير من هذه الدول كفرنسا و ألمانيا للخروج من الهيمنة الأمريكية و بناء قوة عسكرية أوربية مشتركة ، فخشية الولايات المتحدة من نشوء و قيام دولة تحت عنوان الولايات المتحدة الاوربية يعد خطراً حقيقياً يهدد هيمنتها و نفوذها و مصالحها الحيوية العليا ؛

فضلاً عن الموقف الصهيوني الرافض للاتفاق النووي ، فهو كيان يسكنه هاجس الخوف ، و القلق الأمني ، و خطر الزوال ، و تمثل إيران عقدة خوف حقيقة له في حال قيام إيران كدولة نووية ، فهو يعجز عن مجابهتها أو إتخاذ موقف أحادي ضدها ، إذ أنها ليست العراق أو سوريا من ناحية الإمكانات و القدرات السياسية و العسكرية و الجغرافية كي يتوجه بضربة عسكرية إجهاضية لمشروعها و برنامجها النووي ، فضلاً عن مواجهتها كدولة نووية .

   إزاء ما تقدم فأنه يبدو من الصعوبة البالغة بمكان أن يصل الطرفان الى إمضاء الإتفاق ، ذلك لعدم ثقة إيران بالولايات المتحدة ، و عدم قدرة الثانية قبول شروط الأولى ، و عليه تبقى هذه الأزمة قائمة و تشتد ، و من المرجح أن يلجأ أحد أطرافها أو المنتفعين من إتساعها الى حرب محدودة أو شاملة ، بأسلحة تقليدية أو ربما نووية تكتيكية وفقاً لطبيعة و شكل المواجهة و متطلباتها ، و ما يتجسد فيها أو تشهدة سوح الصراع و الحرب.

   ما يجدر الإشارة إليه ، إن ما يدفع للحرب أيضاً هو السعي للخروج من واقع سيء يعيشه أحد أطراف الصراع ، أو حلفاءه ؛ كما أن في الصراع الأمريكي الإيراني لم تشكل سياسة الردع الأمريكية بما تملكه من قدرات و إماكانات و ما قامت به من محاولات و حصارات ، إدراكاً ردعياً عند إيران أو حلفاءها حيال الولايات المتحدة و حليفها الأبرز الكيان الصهيوني ، فلم يتمكن الطرف الثاني من كسر إرادة الطرف الأول في قبول المواجهة و التحدي . مع عجز نظام توازن القوى والأمن الجماعي من احتواء هذه الأزمة و إدارتها ، فأن منسوب درجة المواجهة يرتفع على هذه الجبهة ، وربما سواها من باقي الجهات الدولية . إن تأزم الأوضاع الدولية والتوجه نحو التكتلات والأحلاف العسكرية ، وغياب مبدأ الحكمة والعقلانية في احتواء الازمات أو التلطيف من حدتها ، لا تعين في تهدئة الأوضاع العالمية والعيش بفضاء التعاون والتعايش بأمن وسلام.

   فضلاً عن ما تعانيه أطراف الصراع من اوضاع اقتصادية سيئة وأزمات اجتماعية متفاقمة ، و عدم قدرة كثير من قياداتها من إيجاد حلول لها ، و خشية تلك القيادات من تفجر الأوضاع من داخل دولها ( و هو ما يرجح وقوعه ) يدفع و بشدة صناع القرار الى إفتعال أزمة خارجية متمثلة بحرب لصرف نظر شعوبها و توحيد موقفها حيال تهديد مفتعل للخروج من تلك الازمات و التهديدات التي تعيشها تلك الأنظمة و إداراتها .

   لعل وفق كل ما تقدم فأن طبول حرب إقليمية ذات امتدادات دولية في منطقة الشرق الأوسط باتت تقرع بقوة ، على الدول العربية تحديداً إدراك الموقف و اتباع سياسة تجنبها ويلات أي حرب ، ما خلا حروب الكرامة ضد الكيان الصهيوني .

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع