القائمة الرئيسية

الصفحات

إذا بلغ الاستياء من القاضي مداه !!


إذا بلغ الاستياء من القاضي مداه !!

منذ عدة سنوات كانت إحدى السيدات القضاة رئيسة واحدة من غرف محكمة البداية المدنية بدمشق، موضع استياء وتذمر شديدين من الزملاء المحامين.

فبالرغم من لطفها وتهذيبها وأدبها وطيبتها وحسن وفادتها للناس، فقد كانت ونتيجة تدقيقها الشديد للشاردة والواردة بالدعوى بطيئة جداً في تعاملها مع قضايا محكمتها.

ومن المشهور عن هذه السيدة أنها حينما كانت بمنصب قاضي صلح جزاء كانت ومن منطلق الحرص على العدالة تستجوب المواقيف لديها بدقة متناهية وبطء شديد، وتبقى في عملها لما بعد الخامسة مساء، مما سبب إرباكاً كبيراً لإدارة سجن عدرا في تأخر وصول سيارة النزلاء انتظاراً لانتهاء جلسات الاستجواب في تلك المحكمة !!

واستمرت السيدة القاضي في هذا النهج عندما انتقلت لمحكمة البداية المدنية، ومع تراكم القضايا والبطء بالعمل صار هناك سوء بإدارة المحكمة، فالكثير من القضايا تؤجل إكمالاً للتدقيق لست أو سبع مرات، والعديد من القضايا تبقى برسم المراجعة ولا يتم ترحيلها على دفتر الجلسات، وقضايا الحجز الاحتياطي ووصف الحالة الراهنة تبقى لديها ردحاً من الزمن قيد الدراسة لا تحتمله طبيعة هذه القضية، وقس على ذلك حتى بات المحامي ذو الحظ العاثر هو الذي تأتي قضيته في تلك المحكمة.

في أحد الأيام كنت في هذه المحكمة أراجع لمعرفة مصير دعوى رفعتها موضوعها فسخ عقد بيع سطح ملكية مشتركة، وكانت مؤجلة إكمالاً للتدقيق للمرة السابعة على ما أذكر، وبالرغم من أني تمنيت عليها سابقاً أن تفصل القضية، ولكن فوجئت حينما أخبرني الكاتب بأن القضية أجلت إكمالاً للتدقيق أيضاً، وبدأت أضرب أخماساً بأسداساً على هذه الورطة، وماذا سأقول للموكل أيضاً حينما يتصل مساءً مستفسراً، وقد مضى على القضية في مرحلة التدقيق أكثر من سنة ,,,,,,

بقيت في المحكمة انتظر عودة السيدة القاضي لمعرفة سبب كل هذه التأجيلات، وبدأ توافد الزملاء المحامين للمحكمة، وسرعان ما انتشرت بينهم حالة من الغضب والحنق فهذا قضيته كحالي إكمالاً للتدقيق، وذاك دعواه ضايعة على دفتر الجلسات، وآخر مضى على طلبه الحجز الاحتياطي أكثر من شهر ولم يبت به !! فاجتمعنا بين عشرة إلى خمسة عشر محام له مشكلة مع هذه المحكمة،

فاندلعت شرارة احتجاج بيننا إزاء هذا الوضع غير المقبول ووجوب فعل شيء تجاهه وعدم السكوت عليه، وبعد تداول عدة آراء استقر الرأي بيننا -بعد أن استقوينا بكثرتنا-، بأن نذهب جميعاً ونشتكي للقاضي البدائي الأول وكانت حينها السيدة المحترمة "آمنة الشماط" وبالفعل ذهبنا جميعاً باتجاهها ولكن على الطريق تسرب النصف تقريباً ووصلنا لعندها سبعة محامين فقط !!

وبالفعل ما إن بدأنا الشكوى إليها وفهمت عمن نتحدث، حتى قاطعتنا قائلة:

أنا لا أستقبل شكاوى شفهية !! وطلبت أن نتقدم بشكوى خطية مكتوبة !!

فاستغربنا موقفها، وقلنا لها:

إننا لا نبغي إيذاء السيدة المشكو منها ولكن لا نريد أن تتعطل مصالح موكلينا، وكل ما نريده أن تبتّ بقضايانا بوقت معقول

فأخبرتنا بأنها تحدثت مع الوزير بشأن نقلها وكان حينها الأستاذ "نبيل الخطيب" لكثرة الشكاوى عليها فقال لها انه لا توجد بحقها أية شكوى خطية،

ففهمنا منها أنه حتى تكون مراجعتنا مجدية، لابد أن نتقدم بشكوى خطية بحقها وطلبت منا أن نكتب الشكوى خارج غرفتها، وأن نقدمها لها فوراً وليس وفق الإجراءات الروتينية المتبعة عادة،

وبالفعل اعتزمنا جميعاً أمام الأستاذة الشماط كتابة هذه الشكوى وتسليمها لها، إذ كان سخطنا جميعاً من طريقة السيدة القاضي بمعالجة القضايا قد بلغ مداه.

عندما خرجنا من غرفة الأستاذة "آمنة" لكتابة الشكوى اعتذر بعض الزملاء عن التقدم بالشكوى الخطية لأسباب وكل واحد أبدى عذراً أسخف من الثاني، وفي الحقيقة هذه هي طبيعة البشر عندما يجد الجدّ، قلة تبقى على قلب واحد.

بالمحصلة بقي ثلاثة محامين رجال اعتزموا التقدم بالشكوى خطياً فصاغوها على عجل في ديوان المحكمة وذكروا بكل دقة وإنصاف واحترام مشكلتهم مع السيدة القاضي وبدون أية مبالغة أو تهويل، مع رقم القضية التي يشكو من طريقة معالجتها وموعدها،

وعادوا ثلاثتهم وتقدموا بشكواهم للأستاذة الشماط، التي وعدتهم خيراً.

وبالفعل لم يمض يومين حتى صدر قراراً بنقل السيدة القاضي من المحكمة.

ولا يفوتني هنا أن أتوجه بالتحية للأخ المحامي "موفق البابا" الذي كان أحد هؤلاء الثلاثة الصامدين، وأحييّ أيضاً الزميل الثالث الذي نسيت من هو بكل أسف.


تذكرت هذه الحادثة عندما قرأت بالأمس ما أثاره أحد الزملاء المحامين حول أحد السادة القضاة، وكيف تفاعل الموضوع حتى وصل لدرجة توجيه الإهانة، وهذا أمر مؤسف وغير مقبول !! وعندما قلنا إنه ما هكذا تورد الإبل، سئلنا كيف تورد الإبل إذن ؟؟


الإخوة الزملاء:

في مثل هذه الحالات تورد الإبل بالطرق التي رسمها القانون، ولا ننسى أننا ننتسب لتنظيم نقابي من أولى واجباته الذود عن منتسبيه ومعالجة مشاكلهم وهمومهم، وبالتالي يتوجب على الزملاء التوجه لنقابتهم والضغط عليها لمعالجة هكذا مشاكل، ويقع على النقابة مراجعة ومراسلة وزارة العدل ودوائرها المعنية ووضعهم بصورة الاستياء الذي يشعر به المحامون من هذا القاضي وسبب هذا الاستياء.


بالطبع طريق المراجعة النقابية ليس مفروشاً بالورود، لأن نسبة لا بأس بها من الزملاء النقابيين إما أنها تفتقد للمبادأة أو أنها محكومة بمصالحها وتطلعاتها الشخصية، لذلك قد يتلكأ الزملاء النقابيون بالتجاوب مع هذا الموضوع كما ينبغي، ولكن يجب المحاولة معهم أولاً حتى لا ينسوا مهمتهم الأساسية التي ندبناهم وانتخبناهم لأجلها على الأقل.


ويبقى الطريق الآخر لنقل الاستياء هو الشكوى الخطية المباشرة المدعمة بالأدلة والبراهين، وكلما زاد العدد كلما زاد التأثير.

ولا ننسى أخيراً أن ممارسة هذه المهنة تحتاج رجولة قبل كل شيء.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع