القائمة الرئيسية

الصفحات

المؤامرة ...منقار المستشار ...


المؤامرة ...منقار المستشار ...

بقلم المحامي محمد الهريني

شقيٌ هو من إستبدت به الخشية من المجازفة، فمن كانت هذه حالهُ ربما لم يعرف الإحباط يوماً، ولم يتألم كما تألم أولئك الذين لديهم حلمٌ يحققونه في تجاوز الظلمة و الإستبداد، كثيرةٌ هي الألوان من حولي التي شُرّعت لكي تستميل ألواناً أكثر حدة، كانت جرأتي و كلماتي تُزرع في صدورهم كرماحٍ تقتل، و كانت أوجاعهم مكبوتة بشعور الظالم المستبد.

ماذا يعني انهم سجنونني ... ستبقي أنبائي تطاردهم أينما ذهبوا، و ضوضائي كابوساً يفزع سكينتهم ، الآن أدركتُ و تنبهتُ إلى أنني صِرتُ أتكلم بصوتٍ أعلى ، و أنني أُحدثُ مقداراً أكبر من الجلبة حين أضع قلمي على كرّاس مهنتي ،

صحيح بأنهم قيّدوا حريتي و لكن لن يستطيعوا أن يقيّدوا عزيمتي ، فالسجن لن يثنيني عن مواصلة عملي المهني الحر، مهما اختلقوا من تهم هابطة سأبقى شوكةً سوداء في حلوقهم المسمومة بالمصالح و النفوذ،.

دبّروا المكيدة بوسائطهم، وصوروا الحدث على غير حقيقته، ضللوا الرأي العام و ضللوا الرئيس من بعده و أحاكوا روايات مقززة ، و أعادوا للذاكرة أفلام السبعينات بقسوتها "إحنا بتوع الأتوبيس"،و حشدٓ المتنفذين أسلحة غضبهم لتصفية الحسابات، و أهالوا ضرباتهم بوحشية الجاهلية، ولو تمعّنا قليلاً بأصحاب الغضب سنجدهم جميعاً ممن حاصرتُهم في يوم من الأيام بأقلامي، وصارحتُهم بعوراتهم أمام الرأي العام و أمام القضاء، اعتقدوا مخطئين بأن مضاجعهم لا تُقٓض!!

أنا ما زلت أثق بالرأي العام و العقلاء منه في قراءة الحدث بموضوعية، و طرح المغرضات جانباً، و تجسيد ثقافةٍ مفقودة لدى الفلسطينيين وهي ثقافة محاسبة المسؤولين - كلنا أمام القانون سواء - ليست كلمات عابرة أخذت حيزها في القانون الأساسي الفلسطيني عبثاً، ولا تثريب على من أراد أن يدُبَّ الحياة في وريدها من أجل إنعاشها، وان تحريك دعوى ضد مستشار الرئيس لا يعني المساس بالالوهية ، ولا الإشراك بالوحدانية ،.

إنّ النيابة العامة قدّمت في السابق سلّماً سهلاً لمستشار الرئيس للنزول عليه في الدعوى التي كان من المقرر النظر بها بتاريخ ٩/٣/٢٠١٥ إثر إحتجاز الأخير بطاقة هوية مواطن و كبّلت حريتي بتاريخ ٥/٣/٢٠١٥ على أفعال غير مجرمة بالأساس، و تم تهويل الحدث بصورة مكذوبة، و سارعت النيابة آنذاك إلى التصريح بالإعلام برد دعوى مستشار الرئيس بعدما سُلمت بطاقة الهوية لوكيل المواطن ، وهذا إقرار واعتراف بقيام مستشار الرئيس بإحتجاز بطاقة الهوية، وكانت تلك الخطوة لحفظ ما تبقى له من ماء الوجه، سيناريو يشبه السينما المصرية القديمة ، وأعادت النيابة العامة ذات الكرة بعدما نشر مقال " مطلوب مستشار قانوني للرئيس " وقدمت لمستشار الرئيس أيقونة التوقيف على خلفية مقال لم يتجاوز الحدود التعبيرية ، واستلت سيف التمديد في غير مكانه ، وطُلب مني جهاراً نهاراً ان أتصالح مع المستشار ،.

أما أنا سأمثل في قفص الإتهام بكل شجاعة، وهذا هو الفرق بيني و بين وزير الداخلية الأسبق الذي رفض مجرد المثول أمام المحكمة في العام ٢٠١٢، فإنّ ذلك القفص كما هو للمتهمين فهو لآلاف الأبرياء الذين إغتسلوا بطهر العدالة، و سيكون يوم برائتي هو يوم الغفران للنيابة العامة، تماماً مثل ضوء الشمس الذي يعقّم عفن و رطوبة المحسوبية و الوساطة و أصحاب النفوذ الذين باعوا الرأي العام أوهاماً بتهم هابطة لكسر جماح ذلك الإنسان المزعج حسب تقديراتهم، لتحطيم أقلامه و نزع كرّاسهِ و وضعه على هامش الوطنية.

أما الإنجرار إلى تلك الوشايات السطحية المهترئة المتناقضة في سياقها لن تجد مكانها بين العقلاء، و ستبقى مهاترات فارغة في مضمونها ، فمن السهل في بلادي أن نُخرِجَ المواطن على هامش الوطنية لمجرّد الخلاف معه.

بالطبع لم تعجبهم مقالاتي بدءاً من "حكومة في عشائها الأخير" و صولاً إلى "بحث أمني" و "الجاني و الضحية" وانتهاءاً ب ( مطلوب مستشار قانوني للرئيس " الذي اثار حفيظتهم عن بكرة ابيهم ، وأسدلوا الستارة عن آخر عورات العدالة ، ومدى تغول النفوذ بالعملية القانونية ، وصاغوا تهماً سخيفة ، وشنقوا حرية الراي والتعبير من على عتبة التقاضي ، ووئدوا النصوص الدستورية ١١ و١٩ من القانون الأساسي ، ووضعوا حدود حرية الراي والتعبير في فواصل مقالتي " مطلوب مستشار قانوني للرئيس " ،.

ان تكون طليعياً ليس بالامر السهل، وان ترفض اللعب حسب قواعد القطيع المحكوم بالخوف من الساسة ايضا ليس هيناً ، مما أثار غضبهم و سخطهم شاهرين عدوانيتهم ضد من قضَّ مضجعهم،

كنت أتوقع السجن و لم يكن شيئاً مستبعداً بالنسبة لي، ولكن الذي فاجئني طريقة الإعتقال و فبركة التهم، و تضليل الرأي العام الذي يستوجب تشريعاً عقابياً لكل من تسوّلُ له نفسه خداع الرأي العام بأكاذيبهِ و أقاويلهِ المصطنعة، فالمنطق السوي يقول : من يضلل الراي العام لا يجوز له ان يمثل الحق العام ، فكلاهما شقي نقيض ،.

سيموت المايسترو وستفنى جوقته من بعده، وفقط هم الواثقون وحدهم من يقاتلون في سبيل عشيةٍ أخيرة،.

أعلم أنكم تمتلكون القرار، و أنا أمتلك حدّ السيف من الصبر، وسأُخرج من يدي جسداً آخر، ومن لساني لغةً جديدة أطرّز بها لكم أثواب العدالة بعدد الثواني التي أمضيتها في سجني ، إمنحني يا الله عزم المحارب، لأكون حبّة قمحٍ تشُقُ شغف منقار المستشار ،.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع