القائمة الرئيسية

الصفحات

الجنسية والمواطنه - بحث قانوني متميز

بحث ودراسة عن الجنسية والمواطنه

الجنسية والمواطنه - بحث قانوني متميز
الجنسية والمواطنه - بحث قانوني متميز 

المواطنة لا تُمنَح، ولا تخضع لأي قانون، يُسْبِغُها على إنسان أو يحرمه منها، فهي زرع إلهي في أرض الوطن، والخروج عليها خروج على مشيئة الله.

هي نطفة في صلب مواطن، يودعها في رحم مواطنة شرعاً، ليتخلق منهما طفل مواطن، أينما ومتى وُلِد، حتى لو كان على متن مركبة فضائية في غياهب السماء.

في المجتمعات القديمة، حين كانت الأرض مشاعاً، كان جميع الناس مواطنين نسبة للأرض، يتمتعون بثرواتها ويرتحلون فيها بمواطنتهم الإنسانية، وفي عصر القبائل والحروب، التي ساد فيها قانون الأقوى، تمت إعادة توزيع الأرض والتجمعات البشرية، بناءً على الانتساب لعشيرة أو مجموعة عشائر في قبيلة، فكان معيار المواطنة في وطن متغير ومتعدد المكان، هو الانتماء للقبيلة، التي ترتحل من أرض إلى أخرى، سعياً وراء الكلأ الذي هو أساس الثروة وضمان العيش، فيقال مواطن من قبيلة كذا.

وحين نشوء المجتمعات الحديثة، اقتسم الناس الأرض في مساحات وأوطان شبه ثابتة وبحدود معلومة، فبدءًا أصبح الناس مواطنين كل في وطن من اختياره، تعايشاً مع من سَلَكوا مَسْلَكه، وتوافقوا على تأسيس مجتمع يتقاسمون أرضه وثرواته كوطن، سواء مع أفراد قبيلة أو قبائل ما، أو في كنفها، ولكن مازال سارياً قانون الأقوى، في تداخل مسلكية الغزوات القبلية في بعض المجتمعات، وفي الاستعمار الخارجي في أخرى، وأيضاً في التقاء مصالح كلا الطرفين، اما بخضوع تلك القبائل للمستعمر مقابل تسميتها مالكاً للأرض، أو استقواءً به ضد سكان الأرض الأوائل.

ومع تطور المجتمعات الحديثة إلى ما قبل القرن العشرين، في فترة من التاريخ تطورت فيه العلوم الإنسانية، التي مكنت الإنسان من استغلال الكثير من الثروات الطبيعية، الزراعية والمعدنية والنفط، ثم أتبعتها الثورة الصناعية بآلاتها، جعلت كل مجتمع يأثر بأرضه وثرواته، في وطن معلومة حدوده.

وللمواطَنة أيضاً لحظة بداية استتباعية، في الولادة من أبوين بامتداد مواطَنة الآباء والأجداد، دون عَدٍّ في إحصاء، الذي بدأ في إجراءات تعداد الأنفس، تلبية لمتطلبات الحداثة في إجراء الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والخدماتية، ولحصر مواطني كل إمارة أو دولة تلبية لانتفاعهم بثروات الوطن، وعدم تداخلهم بآخرين من مواطني الإمارات والدول الأخرى، الذين يتوافدون للزيارة وطلب الرزق والتجارة، الأمر الذي استوجب أن يحمل كل مواطن إثبات هوية مواطنته ومواطنة نسله، دون أن يستلزم ذلك أي إجراء عدا إصدار تلك الهوية التي لا مجال للأخذ والرد في منحها.

ومع تطور حركة التنقل ووسائلها بين الدول، فقد عمدت السلطات إلى إصدار وثيقة جواز السفر بناء على توافق دولي، لإثبات الدخول والخروج من وإلى الوطن والدول الأخرى، حفاظاً على مصير مواطني كل دولة وسلامتهم وتوفير الرعاية اللازمة لهم في حلهم وترحالهم.

فالمواطنة ليست في بطاقة هوية أو جواز سفر، يُباع ويُشترى، أو يُمنح ويُسحب من قبل السلطات، بل هي ارتباطٌ بوطنٍ وجدانياً وذهنياً واجتماعياً، بتكامل الفرد بالجماعة، وليست هي دين أو مذهب أو انتماء طائفي، بل هي الحق دون ربط بذلك، في اقتسام الثروة بالعدل والمساواة دون تمييز بين المواطنين. وهي ليست ولاءً لحاكم أو لوجيه، أو رجل دين أو سياسة، ولا تقاس بمناكفة أي منهم، بل هي الولاء للعدل والمساواة، ورؤية المواطن لمثله من المواطنين في الحقوق والواجبات، سواءً السياسية أو الحقوقية، أو الدستورية والقانونية، أو الخدمية.

والمواطنة هي حقٌ متساوٍ في اختيار الرؤساء، وفي اختيار سلطاته التشريعية والقضائية والتنفيذية، وفي محاسبة كل منها، عبر الانتخاب الحر والمباشر، وعبر إعفاء من ضلّ السبيل وقَصّر، وعبر محاسبة من تعدى وأجرم من الأفراد والسلطات، من خلال سلطته القضائية المستقلة والنزيهة، القائمة بتطبيق القانون الذي هو توافق وطني شامل، على الجميع دون محاباة ولا تمييز ولا تفريق.

والمواطنة هي حقٌ في تأسيس وتشكيل الجماعات المدنية من أحزاب ومؤسسات مجتمع، بكامل حرية الأفراد وبقرارهم دون تدخل من السلطات، إلا ما خالف القانون، الحالة المنوط الحكم فيها، فقط للقضاء، فلا يحكمها لا وزير ولا غير وزير، وإنما هو القضاء فحسب.

والمواطنة لا تقاس كما التجنيس، بتقديم خدمات للوطن، إلا ما استطاع المواطن تقديمه، من خلال عمله وعلمه وقدراته، وإلا انتفت حالة المواطنة عن الطفل والعاجز والعاطل والمريض والجاهل والمصاب عقلياً. أولئك المواطنون الذين لهم حق على المجتمع بالرعاية والإعداد.

أما الجنسية، فهي لا تتعدى الصفة من المجانسة والتجنيس، فتقول هذا يُجانس ذاك، أي يُشاكِلَه ويشبهه، وهي صفة ليست دائمةً كما المواطنة، فالطبيعة الإنسانية تجعل الإنسان يجانس ويشاكل المواطن البحريني اليوم، ويجانس ويشاكل مواطناً آخر في وطن آخر غداً، ولهذا يمكن للجنسية أن تُطلب ويُوافَق على منحها، متى ما تجانس أي كان مع المواطن، وتُسحب وتُلغى أو يتم التنازل عنها، متي ما تجانس المعني مع أي آخر، وأنس له.

وللجنسية والتجنيس معايير، اجتماعية وقانونية وحقوقية، يتبين منها المُجانَسَة والمُشاكَلَة، منها التعايش سنين طوال، والانسجام مع الأعراف والعادات الاجتماعية، وإجادة اللغة قراءةً وكتابةً، عبر التخالط والتوافق، والتواصل والتكامل، ثم يأتي الامتحان لصدقية كل ما سبق، من خلال تقديم الخدمات الجليلة والمتميزة التي يحتاجها المجتمع. فما الذي يجعل أي إنسان مجانساً لأهل وطن ما، إن لم يكن لديه الاستعداد الوجداني والعقلي، في أن يخدم المجتمع بمثل وأكثر من المواطن. ونؤكد هنا الخدمة للمجتمع، وليس لأي فئة منه، فالأصل هو المجتمع، وهو أي المجتمع، من يمنح الجنسية، وهو من يسحبها ويلغيها، ربما عبر استفتاء بنعم أو لا، ولو في حدود المحافظة التي يقيم فيها.

والجنسية أو التجنيس يبدأ سبغها على بالغ راشد، مضى على رشده سنوات حددها القانون، يكون قد قضاها في المجتمع المعني الذي يزكيه لاكتسابها (وهي غيرها المواطنة)، بناءً على انسجامه ومقومات المجتمع وقيمه، وهو يورث تجنسه إلى نسله من زوجة مجنسة، ولا يستحيل مواطناً تحت أي ظرف، ولكنه قد يُخَلِّف مواطناً متى ما تزوّج مواطنة إن كان ذكراً، أو مواطناً إن كان أنثى، وأنجب من أي منهما، لتكون هناك بداية أخرى للمواطَنة، وهي الإنجاب من مواطن أو مواطنة، متزوج أو متزوجة من مكتسب الجنسية، ولا يكون الزواج بمواطن أو مواطنة، بحد ذاته مسوغاً للتجنيس إلا من بعد استيفاء شروط التجنيس، فيظل الزوج أو الزوجة، مقيماً بحماية الزوجية، ولكن بانتمائه الأصلي إلى أن يكتسب الجنسية بشروط القانون. والإقامة هنا غير محدودة المدة كما هي للعمالة الوافدة والمستثمرين الأجانب، فهي مرتبطة بشرط الفترة القانونية لاكتساب الجنسية، واستمرار علاقة الزواج إلى لحظة استحقاقها، ولا يمنع ذلك اكتساب الأولاد الفوري والطبيعي للمواطنة في غضون ذلك، ليترعرعوا في كنف الوطن.

والمواطن، ليس له ولا عليه، إلغاء مواطنته، فالمواطنة هي البذرة، التي تنبت الوطن، ولا تنتهي مواطنته بصفتها الحقوقية والانتمائية، إلا بموته، والمواطن يُوَرِّث مواطَنته إلى نسله منه، سواءً رجلاً كان أو امرأة، لذلك هناك في الوطن، مواطن ومجانس للمواطن (مُجَنّس أو مُتَجَنِّس)، وهذا لا يعني التفرقة بينهما في الحقوق العامة بمعيار الإنسانية، فهما يقتسمان ثرواته تساوياً، ويخضعان للقوانين نفسها، إلا أن المواطن يختص بالحقوق الخاصة بالمواطنة، والتي أولها أن مواطنته لا تُمس بأي حال من الأحوال، حتى في سوئه وإجرامه، فهو يخضع لأقصى العقوبات إلى درجة تغييبه في السجن المؤبد، بحسب القانون وبحكم القضاء، ومتى ما مات يدفن في وطنه، فهو مواطنٌ منذ الولادة إلى الممات، حتى لو تجنس إضافةً لمواطنته بجنسية أخرى، بحسب رغبته وبحكم القانون المحلي أو ضده، طالما سمح القانون الدولي أو قانون الدولة الأخرى بذلك، بعكس المجانس، الذي قد يمنحه المجتمع الجنسية، بناءً على طلبه وقبول المجتمع به، في التعايش، ويخضع لحكم القانون كما المواطن. إلا أن هناك سبباً واحداً يبيح للمجتمع أن يلغي صفة تجنسه وترحيله إلى وطنه الأم أو أي جهة يختارها، ألا وهو الخيانة العظمى، بإفشائه أسرار الوطن العسكرية والأمنية القومية، مباشرة وبقصد الإضرار بالمجتمع إلى عدو بَيِّن، أو مشاركته ذاك العدو في الاعتداء على الوطن والإضرار بمكوناته، عبر استخدام السلاح.

ولا يقارن فعل الخيانة العظمى، بإبداء رأي مضاد لسياسة السلطات، أو المشاركة في فعاليات ومؤتمرات علمية أو حقوقية، أو التواصل مع مؤسسات دولية أو أممية، أو وسائل اعلام ورقية أو فضائية، تُعنى بالرصد والتحليل، والإعلان من خلالها عن نواقص أو مخالفات للعهود الدولية، ولا حتى اللجوء للمحاكم الدولية، والتي هي متاحة لجميع سكان البسيطة، فهذه أمور إنسانية تتصل بالمعالجات وبحرية التعبير، وبإحقاق الحقوق متى ما عجزت السلطات المحلية عن ذلك أو منعته.

وعليه، وفي تقديري الخاص، وجب أن يستعاض في بطاقة الهوية وجواز السفر، عن مسمى «الجنسية»، بوصف الانتماء بالتدليل عليه، فيستعاض عنها بمسمى «الانتماء»، فمثلاً: الهوية: «مواطن» للمواطن، و «مجانس» للمجنس، و «مقيم» لمن أقام بالزوجية، فكل هؤلاء منتمون إلى الدولة الوطن، تحت مظلة استهلال وثائق جوازات السفر وبطاقات الهوية، باسم الدولة، ولهم الحقوق العامة نفسها، مع ضرورة أن يتفهم المجتمع الرابط الحقوقي المشترك وعدم التمييز في التعامل والخدمات واحترام جميع مكونات المجتمع هذه على قدر المساواة.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع