القائمة الرئيسية

الصفحات

ليبيا في ظل الارهاب - دراسة في القانون الدولي

((( ليبيا في ظل الارهاب -- دراسة في القانون الدولي -- )) بقلم استاذ دكتور حكمت شبر عميد معهد العلمين للدراسات العليا والجامعة الاسلامية سابقا. 

 ليبيا في ظل الارهاب - دراسة في القانون الدولي
 ليبيا في ظل الارهاب -- دراسة في القانون الدولي

وهذه ليبيا لم تكن أستثناءاً من البلدان العربية ، فقد أخضعها الأستعمار الأيطالي بموجب الأتفاقيات السرية مع الدول الغربية إلى مستعمرة مباشرة يدير شؤونها ويسرق ثرواتها بدون تدخل أو حرج.


كانت الحركة الوطنية تخوض نضالاً كبيراً ضد الأستعمار الأيطالي بقيادة البطل (عمر المختار)، الذي أوقعته السلطات العسكرية الأيطالية بالأسر وشنقته أمام مواطنيه بالرغم من كبر سنه ، الذي لا يسمح بتنفيذ الأعدام بالشيوخ.

أستقلت ليبيا شكلياً عام 1951 ووضعت دستوراً فدرالياً بين مقاطعاتها المختلفة، وفي عام 1963م, عُدّل الدستور، فأصبحت ليبيا دولة موحدة تحت عرش الملك السنوسي.

أحتلت الولايات المتحدة مكان الغرب الأستعماري في أخضاع الدول الحديثة الأستقلال ومن ضمنها الدول العربية مستخدمة المعاهدات غير المشروعة والمختلفة ، أقامة قواعد عسكرية ، مساعدات عسكرية وفنية وأقتصادية ، أخضعت من خلالها دولنا العربية لسيطرتها ونفوذها . ومن ضمن هذه الدول ، الدولة الليبية .

تعتبر المعاهدة المعقودة في 9 أيلول 1954 بين الولايات المتحدة الأمريكية وليبيا والمتعلقة بأقامة القواعد العسكرية في الأراضي الليبية نموذجاً للسيطرة الأمريكية وتكبيلاً لسيادة ليبيا.


منحت المادة الأولى من المعاهدة الولايات المتحدة حق أقتطاع أراضي شاسعة من الأقليم الليبي لأقامة قواعد عسكرية تخضع بشكل مباشر للسلطات الأمريكية . وقد مُنعت ليبيا وفقاً (للفقرة ا- م3) والمادة الثامنة ( 8 ف أ) من ممارسة الرقابة على الطائرات والسفن والمراكب المائية في المناطق الليبية المتفق عليها . ويشتمل هذا الحق على أعفاء القوات الأمريكية من تنفيذ الأرشاد البحري الأجباري للسلطة الليبية وأعفائها من عوائد المرور في أي مكان داخل ليبيا بما في ذلك المياه الأقليمية .


أباحت (المادة 8 ف 2) لسفن وطائرات الولايات المتحدة الأمريكية حرية التنقل في مناطق ليبيا الأخرى – أضافة - إلى مناطق القواعد العسكرية، بما في ذلك المياه الأقليمية لتنفيذ غايات هذه الأتفاقية.

ومنحت المادة الرابعة عشر من الأتفاقية حكومة الولايات المتحدة أن تقوم بمسح هندسي، أرضي ومائي، وبمسح الأراضي والسواحل، وبأي مسح فني آخر ومن ضمن ذلك صور من الجو في أية ناحية من مناحي ليبيا ومياهها المجاورة، وذلك يعني أن ليبيا لا تستطيع التصرف بحرية في تنظيم شؤون دفاعها الوطني وفقاً لمقتضيات المصلحة الوطنية والسلامة العامة فجميع أراضيها مستباحة من قبل السلطات الأمريكية، فهي والحالة هذه لا تتمكن من المحافظة على سرية قواعدها العسكرية ومناطق تواجد قواتها العسكرية.


وحرمت (م4- ف3) على الحكومة الليبية تطبيق قوانين الهجرة على أعضاء القوات الأمريكية . ونصت (م -20) على تطبيق القوانين الليبية في مواجهة أفراد هذه القوات.

جاء في (م -20) من الأتفاقية المذكورة ما يلي:

11- تملك السلطات العسكرية للولايات المتحدة الحق في أن تمارس داخل المملكة الليبية الأختصاص الجنائي والتأديبي الذي تحوله لها قوانين الولايات المتحدة على أعضاء قواتها.

22- في الحالات الأخرى تمارس المحاكم الليبية الأختصاص إلا إذا تنازلت عن حقها في ممارسة الأختصاص ، وتنظر حكومة المملكة الليبية بعين العطف في أي طلب من سلطات الولايات المتحدة للتنازل عن حقها في الأحوال التي ترى فيها سلطات الولايات المتحدة أن لذلك التنازل أهمية خاصة ، أو عندما يكون بالأمكان تطبيق عقوبة مناسبة بأتخاذ الأجراءات التأديبية ومن اللجوء إلى المحكمة .

قضت المادتان (24-255) بأعفاء جميع أعضاء القوات الأمريكية وعوائلهم والمستخدمين الأجانب من كافة أنواع الضرائب وبضمنها الضرائب الكمركية . ولابد لنا من التذكير بأن من أهم مظاهر سيادة الدول على أراضيها يتمثل في تطبيق قوانينها الوطنية . لكن ما حصل في تطبيق هذه المعاهدة في ليبيا بشأن الأمريكان والأجانب وأعفائهم من القوانين الليبية يعتبر خرقاً صارخاً للسيادة الليبية وفي هذا نعود إلى نظام الأمتيازات القنصلية والقضائية الذي كان معمولاً به في فترة القانون الدولي التقليدي (1)


11- أبرمت الولايات المتحدة معاهدات كثيرة تقضي بأقامة القواعد على أراضي البلدان الأجنبية. ومن بين هذه الدول المملكة العربية السعودية ، حيث وقعت معها في 18 حزيران 1951 معاهدة أقامة قاعدة الظهران ، التي لا زالت سارية المفعول حتى الوقت الحاضر وقد تضمنت المعاهدة شروط شبيهة بالشروط المذّلة الموجودة في المعاهدة الليبية الأمريكية.كما وقعت مع أثيوبيا في 22 آذار 19533 معاهدة لاتختلف نصوصها وروحها عن المعاهدة الأمريكية الليبية والأمريكية السعودية وفي المعاهدة التي وقعتها أمريكا مع العراق في 21 نيسان 1954 يقضي بأن المساعدة المقدمة للعراق تنظم وفقاً للقوانين الأمريكية السائدة .

وقد تكرر هذا الشرط مرة ثانية في التعديل الذي أدخل على الأتفاقية في 16 حزيران 1957 .

وفرضت المادة الأولى من الأتفاقية على الحكومة العراقية استخدام المساعدة العسكرية لتقوية جهاز الأمن الداخلي .
وألزمت الفقرة السادسة من المادة الثانية الحكومة العراقية بتقديم المواد الأولية والسلع غير المكتملة التصنيع إلى الولايات المتحدة الأمريكية .


وتعهدت الحكومة العراقية باصدار التشريعات اللازمة لحماية المعدات والأعتدة المقدمة لها بموجب برنامج المساعدة ومنع أي عمل قد يؤدي إلى عرقلة تنفيذها (م4- ف 1) وقضت المادة (4- ف4) بأستقبال هيئة أمريكية يعهد لها الأشراف على بنود الأتفاقية ، على أن يمنح أعضاء تلك الهيئة جميع الأمتيازات التي يتمتع بها الدبلوماسيون .

أن هذه الأتفاقية أطلقت يد أعضاء البعثة الأمريكية بأسم تنفيذ الأتفاقية في التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدولة العراقية ووفرت لهم الحماية في حالات قيامهم بأعمال التجسس والتخريب من الخضوع للقانون والقضاء العراقي عن طريق منحهم الحصانات الدبلوماسية.

نتيجة لنهوض حركة التحرر العربية في الوطن العربي ، خصوصاً بعد هزيمة حزيران 1967 ومعرفة السبب المباشر في تلك الهزيمة التي كانت الحكومات الدكتاتورية والبعيدة عن تطلعات شعوبها هي المسؤولة عن ضعف الوضع الداخلي وضعف الجيوش العربية في مواجهة العدوان الأسرائيلي .

وقد ظهرت آثار تلك الهزيمة في ليبيا المجاورة لمصر حيث قام العقيد معمر القذافي بحركة انقلابية ضد النظام الملكي بقيادة السنوسي ، وقد أعلن القذافي بعد نجاح الأنقلاب وقوفه إلى جانب مصر ودعمه لنضال الشعب العربي ضد الأستعمار والصهيونية. 
أستبشر العرب بذلك الأنقلاب وأعتبروه أول مبادرة جديدة في مرحلة النضال الموجه ضد أسرائيل والحكام العرب الدكتاتوريين ولكن لم يدم فرحنا طويلاً فقد نهج القذافي نهجاً عجيباً في تعامله مع الحركات الوطنية العربية والعالمية . حيث لم يكن متوازناً في تصريحاته وسياسته الخارجية وقد توجه لدعم حركات التمرد في العالم كدعمه للجيش الأيرلندي السري ضد الحكومات البريطانية ، ودعمه للحركات الأرهابية في الغرب .

كان في سياساته العربية بعيداً عن التوازن المطلوب في رجل الدولة والقائد الوطني ، فتارة يؤيد الفلسطينين في نضالهم ضد أسرائيل ، وأخرى يطلب منهم مغادرة الأراضي الليبية ، وقام بدعم أيران في الحرب العراقية الأيرانية وأختلف مع السادات حتى وصل الأمر أن ضربت الطائرات المصرية مطارات ومعسكرات القذافي .

ولعل أغرب ما أقترحه من حلول للقضية الفلسطينية مطالبته بدمج الفلسطينين مع الأسرائيلين وتكوين دولة تسمى (أسراطين) لأنهاء الصراع العربي الأسرائيلي .

وفي أخر زيارة له للأمم المتحدة مزق ميثاق الأمم المتحدة وقذفه خلفه مدعياً أن هذا الميثاق لا يتلائم مع تطلعات الشعوب في الحرية والتنمية والديمقراطية.

ومن أبرز ما قام به من مخالفات للقانون الدولي والنظام العام السائد في العالم تفجير الطائرة المدنية في (لوكربي) ومصرع المئات من المسافرين، الذي أحدث ضجة كبرى وهزه عظيمة في الرأي العام العالمي . ولكن القذافي أنكر ما فعله على أنه سرعان ما تراجع بعد فرض العقوبات الأقتصادية على ليبيا من قبل مجلس الأمن ، وقدم تعويضات لأسر الضحايا بالملايين.

ولعل من أغرب تصرفاته ما قام به من ألغاء مشروع القنبلة النووية وتسليم المعدات وادوات التصنيع للولايات المتحدة بعد أن شعر بالخطر على منصبه . وقد كلف ذلك المشروع مليارات الدولارات الخزينة الليبية ، التي كان يتصرف بها وفقاً لأهوائه .


وقد خاض حرباً داخل دتشاد كلفت الليبين ملايين الدولارات بحجة مساندة الحركة الوطنية التشادية. كما كانت تصرفاته غير المتزنة في معاداته لهذه أو تلك من الدول العربية أو الأجنبية جلبت له ولليبيا تهمة الأرهابي والمشاغب في النطاق الدولي .

وفي سلوكياته غير المتزنة في آخر أيامه قبوله منصب ملك ملوك أفريقيا ، وتتويجه بالتاج والصولجان في حفلة أقامها له ملوك افريقيا المزيفون بعد أن تلقوّا الملايين من الدولارات رشاً لهم للقيام بهذا العمل الفارغ من المعنى والذي يدل على رعونة القذافي في سلوكه الداخلي والخارجي .

ولعل أبرز ما قام به القذافي من أعمال أجرامية مستنكرة قتله لضيفه (السيد موسى الصدر) وأنكاره القيام بهذه الجريمة التي لم تنتهي ذيولها حتى الوقت الحاضر .


وقد قمع في ليبيا الحركة الوطنية الأسلامية بقسوة وعنف مما ولّد حقد وكراهية الشعب الليبي المطالب بالحرية والديمقراطية .
كنا نحن أبناء العراق ونحن نرزح تحت وطأة حكم صدام الشمولي نتطلع - كما يتطلع أبناء الوطن الأحرار - إلى نهضة وثورة الشعب الليبي في وجه أعتى نظام شمولي لم يتورّع عن أستخدام كافة وسائل القمع بحق شعبه.

كان أملنا أن يستجيب الطاغية لرغبة الجماهير الليبية الثائرة في بنغازي وطرابلس ويغادر الحكم بشكل سلمي ، كما فعل من قبله الرئيس التونسي (بن علي) ولكن الطاغية، شأنه في ذلك شأن صدام الذي قضى على الثورة الشعبانية بالقسوة والعنف.

لجأ القذافي إلى أستخدام كافة الوسائل العسكرية والعنفية لضرب الأنتفاضة السلمية، التي لم تلجأ لأستخدام السلاح وأنما كانت تطالب بكل ما تملك من الوسائل السلمية بتنازل القذافي عن الحكم، فقد عانت الجماهير من العسف والأضطهاد والقتل والتعذيب وهي تريد الأنتقال السلمي في الحكم.

في تلك الفترة من عام 2011م, ونحن في العراق نعاني من حكم القادمين الجدد مع الأمريكان ولم تلتئم جراحنا بعد من حكم صدام ، كنت متحفزاً ومنتظراً نجاح الثورة التي سميت (بالربيع العربي).

وفي لحظة حرجة من الثورة الليبية، دخلت جيوش وطائرات حلف الأطلسي، لتقتل وتدمر البنية التحتية في ليبيا، وكان هذا التدخل أخطر مما فعله القذافي في شعبه، وكان الأمر مدبراً من قبل أمريكا وحلفائها في حلف الناتو ، الذين كانوا يتربصون للقضاء على القذافي وحكمه، فقد عانوا من تصرفاته في تحريض الشعوب ضدهم، ومن دعم حركات التحرر في العالم، وهذا حقيقة لا يمكن لأي أنسان نكرانها، كانت وزيرة الخارجية الأمريكية والحرب مشتعلة والقتل والتدمير يجري في كل مكان من ليبيا تنادي - أقتلوا القذافي - أينما تجدوه. 

ولن ننسى فعلة أمريكا عام 1986 حين أمر الرئيس الأمريكي (ريكَن) طياريه بقصف القذافي وقتله، لكن العملية لم تنجح في ذلك الوقت، وبقيت أمريكا تكن حقداً على الرئيس القذافي للتخلص منه باية طريقة كما فعلت من قبل، عندما تخلصت من الزعيم التشيلي (ألندي) والزعيم العراقي الوطني عبد الكريم قاسم والزعيم القومي الكبير عبد الناصر، والقائمة لا تنتهي بهؤلاء فالولايات لا ترحم معارضي سياستها الأستعمارية حتى بأستخدام وسائل الأعتقال الشخصي، وهذا ما حصل مع الرئيس القذافي.


بعد مقتل القذافي أنسحبت الطائرات والقطعات العسكرية لحلف الناتو وتركت الأبواب مفتوحة في بلد دُمرت فيه بنيتة التحتية ، وتوقف أنتاج وتصدير النفط ، وأصبحت ليبيا الغنية بين ليلة وضحاها موطن الفقر والفقراء.


فتحت الأبواب أمام عصابات التطرف الأسلامي من أذناب القاعدة وداعش، وعصابات التطرف الأسلامي الليبية تعبث قتلاً وفساداً في أرجاء البلد، لا توفر أي وطني يقاومها ويدعو لمقاتلتها، وليبيا الأن مصدر خطير لتجمع عصابات القتل والذبح من الدواعش وأنصار القاعدة. وتئن من الأنقسامات في صفوف السياسيين وما تبقى من قوات الجيش السابق، فهناك مجلسان مجلس ليبي قديم ومجلس جديد منتخب وهناك حكومتان في شرق وغرب ليبيا، ونرى دول الغرب ومجلس الأمن يتفرجون على ما يجري من مذابح يومية ، ولا يسمحون بتزويد الجيش الليبي بقيادة (حفتر) بالأسلحة، لأن مجلس الأمن وسبق وحرّم تصدير السلاح إلى ليبيا سابقاً.


هذه هي نتائج التدخل الأستعماري وما يخلف من مآسي جديدة لدى شعوبنا، المذابح، والتدمير ، والقضاء على البنية التحتية ، والأنقسامات الطائفية والقومية وذلك أبشع بكثير من مآسي الأستعمار السابق سواء كان احتلالاً مباشراً أم وصاية أم حماية ، فالأسلوب الجديد الذي تفتحت عنه أدمغة المنظرّين والمنفذين من أساطين الأستعمار الجديد خلق هذه البؤر القاتلة لتحارب الشعوب عن طريق الأنقسامات والحرب الأهلية نيابة عن دول الأحتلال والأستعمار ، بدون أن تدخل من قبلها لحل مشاكلنا ، بل يزيدون النار أشتعالاً بتأييد هذه أو تلك من العصابات الأسلامية المتطرفة .
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع