القائمة الرئيسية

الصفحات

دولة وعدة حكومات بقلم/ عزيز صادق سنبه

دولة وعدة حكومات
دولة وعدة حكومات
بقلم/ عزيز صادق سنبه

لم تكن مقاصد المشرع العراقي الذي وضع دستور 2005 واضحة باتجاه صنع دولة تدار من قبل حكومة قوية. فعند قراءة مواد الدستور جملة واحدة و بتأمل لن يجد القارئ مسار أو مسلك منتظم داخل الدستور يذهب بخط شارع نحو بناء الدولة. واذا تحدثنا بلغة أوضح يمكن القول ان سياسي ما بعد 2003 بالعموم و السياسيين المشاركين في وضع الدستور بشكل خاص اذا ما وجد لديهم هدف نحو الدستور فانه لن يتخط مسارا واحدا هو عدم بناء دولة قوية، و السبب هو تأثرهم بالذاكرة التاريخية للدولة، فتجزئة السلطة بأنواعها وتقسيمها طائفيا و قوميا وبأدوات مليشياوية و فصائل مسلحة وبشمركة بوصفهم بدلاء عن القوى الوطنية، هو خيار اقل تخوفا من وجود الدولة القوية.

لقد تحجج ساسة الشيعة بممارسات النظام السابق من جرائم وإبادة جماعية، وعدّوا ذلك نهاية الشر، وأن المحافظة على الوضع الحالي خير من العودة للنظام السابق، واقنعوا جمهورهم بذلك واستمروا بتغذية هذه القناعة لديمومتها لهدف أساس هو الحفاظ على السلطة على المستوى الشخصي على أقل تقدير. أما سنة العراق اعتقد ان عدم نجاح النظام السياسي الجديد وفشله هو الخطوة المطلوبة لاعادة الوضع السياسي على ماكان عليه قبل 2003.في وقت ظهر الكرد اكثر تنظيما و اكثر عمقا وبعدا في خطواتهم، فهدف الوصول الى الدولة الكردية كان مسعى اساس وضع في الدستور بشكل مباشر و غير مباشر، ولم تكن لهم الدولة العراقية سوى معبر نحو هذا الهدف ان لم يكن محوها و التخلص من كابوس الأنظمة في بغداد هدفا مكملا لها. مع كل هذه الرؤى القائمة على صهر الدولة في العدم وضمورها شكلا و موضوعا مع تثبيت المكونات، يكون العراقيون وصلوا الى نقطة لايمكن عندها تشكيل الدولة الموحدة لهذه المكونات. وسيجد جمهور الشيعة انفسهم اليوم مرة أخرى نادمون بعد تأسيس النظام السياسي الجديد بعد عام 2003 وهذه المرة على المشاركة السيئة بعد رفضها عام 1921 عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة. وسيكون الدستور نقطة الإثم الكبرى، بعد أن يجدوا انفسهم أمام دستور كالصخرة يلتهم العراق عاجزا عن أن يصنع وطنا يحتضن الجميع. وانه لم يكن سوى ولادة للحظة آنية لن يصمد للمراحل اللاحقة. وسيتكبد ساسة هذا المكون المسؤولية التاريخية أمام الأجيال القادمة ولن يجدوا اي مبرر للخلاص من ذلك لاسيما انهم يمثلون الاغلبية.

فاليوم وبعد ان حصلت المكونات الرئيسة على مكتسبات استراتيجية فلن تتخلى عنها. الكرد لن يتنازلوا عن الفيدرالية وصلاحيات الاقليم على حساب المركز. السنة لن يرضوا تغيير النظام البرلماني الى رئاسي، وهكذا بقية المكتسبات. أما الشيعة فيبدون من خلال هذه المعادلة هم الخاسر الاكبر لسبب واضح، انهم تنازلو عن تمثيلهم ثلثي الشعب العراقي والقبول بالثلث. بعد استبدالهم الاغلبية السياسية لهم بتمثيله مكون عراقي متساوٍ مع الاخرين. وبتساوي الحصص بات القرار السياسي للدولة متوقف على موافقة المكونات الثلاث مجتمعة بالتالي لن يكون لمكون ان يحكم دون المكونين الأخرين.

اذا كان هدف الساسة من صنع هذه المعادلة هو تجزئة السلطة وتوزيعها بين المكونات خوفا من تجربة الحكم السابقة وتجاوز تركيزها بيد مكون ونشوء قوة متعسفة، فان ما هو ابعد وما لم يكن بالحسبان انكشف بجلاء وهو تجلي ثلاث حكومات متسلطة كل منها يحكم باسم المكون ويستمد شرعيته منه لكل منها قوته واداوته ومعداته المستقلة. ولم يتوقف عند ذلك عندما خرجت هذه العملية عن سيطرة الصانع لتبدأ عملية انشقاق هذه الحكومات لتتجزأ إلى أحزاب ثم إلى عشائر ثم إلى فصائل مسلحة و كل منه لديه دوافعه. أي بدأنا بعصر انشطار السلطات الفرعية.

من هنا فان الدولة تلاشت تماما وان بقي مظهرها من خلال استمرار مشاهدة الشرطي في الطرق وبزيه الرسمي فقط دون أن يحكمه القانون انما عاداته العشائرية وتأثير الحزب الحاكم، وقد تجد الإشارة الضوئية دون ان تجد من يلتزم بها، وتجد دائرة عقارات الدولة دون أن تعلم هذه الدائرة بعقارتها وتمنح المعروف منها وفقا للمعيار الحزبي والسلطوي.والسؤال لماذا العادات العشائرية والاجتماعية و حكم الأحزاب تجري على حساب سلطة القانون؟ السبب انها اقوى من القانون. فالعشيرة تلزم أفرادها وتردعهم، أما الشرطي لايملك هذه القوة الملزمة، و (الضمير) و (النخوة) وفقا للعادات الاجتماعية هي رادع للموظف و ليس القانون، و الانتماء الحزبي يلزم أفراده بطريقة أو أخرى للبقاء داخل سلطانه، وهكذا في جميع الاعتبارات غير القانونية إذ تجدها لها قوة ملزمة. في يفتقد القانون أدوات التنفيذ و الإلزام. وكأن الجميع اتفق على إعدامه و تنصيب هذه العادات بدلا عنه.

التساؤل المطروح ونحن اليوم على قرب من مناسبة 9 نيسان ومرور 14 عاما على سقوط النظام السابق، وبعد كل هذه الأعوام، هل يمكن تصليح أخطاء السنوات السابقة وتصحيح المسار...من يقول نعم عليه توفير معطيات اعتقد انها غير موجودة...أهمها هو استبدال الوجوه التي حكمت العراق منذ 2003 ودون استثناء والتي لازالت قابضة على السلطة حتى يومنا هذا، لان فاقد الشئ لايعطيه. و المعطى الأخرين هو ظهور المواز لهذه الوجوه و أحزابهم بمعنى من يحل محلهم والتي يتطلب ان تكون جديد و بعيدة عن العقلية التي حكمت البلد منذ عام 2003، وذي رؤية وقناعة تتخطى المكونات. إن استقراء المدى القريب لا يمنحنا مثل هذه المعطيات. من هنا فان الخارطة السياسية للانتخابات المقبلة سيحصل عليها تعديل دون التغيير. وسيستمر المظهر الحقيقي للدولة العراقية من أنها دول بعدة حكومات.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع