القائمة الرئيسية

الصفحات

كتاب الوجيز في شرح قانون الإثبات اليمني الجديد pdf

الوجيز في شرح قانون الإثبات اليمني

كتاب الوجيز في شرح قانون الإثبات اليمني
كتاب الوجيز في شرح قانون الإثبات اليمني

رقم (21) لسنة 19922م

( حلقة اولى )

للدارسين من القضاة وأعضاء النيابة
في المعهد العالي للقضاء
د/ محمد بن حسين الشامي

أستاذ القانون المدني المشارك بكلية الشريعة والقانون
بجامعة صنعاء والمعهد العالي للقضاء

1426هـ - الموافق 2005م

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: 
(قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)
(الآية 46 من سورة الزمر)
وقال تعالى: 
(وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)
(الآية1811 من سورة الأعراف)

آمين آمين آمين،،،


1- الحمد لله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين سيدنا محمد عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيهم ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، شهادة إيمان وتسليم بكل ما جاء به، أدخرها ليوم المعاد، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وبعد:
22- مكان الإثبات: فإن مكان الإثبات في القوانين غير موحد؟ فالبعض يجمع قواعده الموضوعية والشكلية في قانون المرافعات كالقانون الألماني والقانون السويسري، وبعضها يجعل قواعده الموضوعية في القانون المدني، وقواعده الشكلية في قانون المرافعات كما هو الحال في القانون الفرنسي والمصري واليمني، وبعضها الآخر جمع قواعده الموضوعية والشكلية في قانون خاص كالقانون الإنجليزي والأمريكي والسوري.
33- فلسفة الإثبات: ولاشك أن مكان الإثبات قد انعكس أثره بصورة غير مباشرة على فلسفة الإثبات حيث انقسمت آراء الفقهاء بشأنها إلى ثلاثة مذاهب، هي: المذهب الحر، والمذهب المقيد، والمذهب المختلط.
أما المذهب الحر فمقتضاه: أن للخصوم كامل الحرية في إقناع القاضي بما يرونه من الأدلة، وللقاضي كامل الحرية في الاقتناع بأي منها.
بينما يرى أصحاب المذهب المقيد: أن الخصوم وكذلك القاضي مقيدون بالطرق التي رسمها القانون للإثبات، وسائر الروابط القانونية.
وأما المذهب المختلط فكما وصفه السنهوري –رحمه الله-: بأنه يجمع بين الإثبات الحر وبين الإثبات المقيد، فيكون القاضي حراً في المسائل الجنائية وله أن يتلمس الحقيقة من أي دليل يقدم إليه، ثم يتقيد بعض الشيء في المسائل التجارية مع بقائه حراً في الأصل، أما في المسائل المدنية فمقيد إلى حد كبير بطرق محددة للإثبات قد تضيق وقد تتسع وفقاً للظروف والملابسات، ثم قال: بأن هذا المذهب الثالث هو خير المذاهب حيث جمع بين ثبات التعامل بما احتوى عليه من قيود، وبين اقتراب الحقيقة الواقعية( ) من الحقيقة القضائية( ) بما أفسح فيه للقاضي من حرية التقدير( ).
وما يهمنا بيانه هو: أن الاختلاف في مكان، وفلسفة الإثبات في مختلف الشرائع قد انعكس أثره في المناهج الجامعية وخاصة الآخذة بالنظام اللاتيني كما في مصر وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا والجمهورية اليمنية، ففيها لا يدرس الطالب نظرية متكاملة عن الإثبات كما يدرس نظرية الالتزام، ونظرية الملكية، وإنما يدرسه كما أسلفنا مفرقاً بين القانون المدني وقانون المرافعات.
وبصرف النظر عن بيان أثر ذلك الاختلاف في الواقع العملي( )، فنظرية الإثبات في الفقه الإسلامي لم تمر بمراحل تطور كما في مختلف الأنظمة الوضعية، وإنما أتت كاملة أرسى أسسها القرآن العظيم وفصلتها السنة النبوية، وصار على ذلك القضاء في الإسلام( )، تدور سلطة القاضي في تقدير الأدلة سعة وضيقاً بالقدر اللازم والكافي لتحقيق العدالة.
4- النصوص القانونية: وقد بين القانون اليمني طرق الإثبات ممثلة في:
شهادة الشهود، الإقرار، الكتابة، اليمين وردها والنكول عنها، المعاينة (النظر)، التقارير، استجواب الخصم( ).
كما ورد في قانون الإجراءات الجزائية أن من أدلة الإثبات: شهادة الشهود، تقدير الخبراء، اعتراف المتهم، المستندات بما فيها أية تقارير رسمية مرتبطة بشخص المتهم أو وقائع الجريمة والقرائن والأدلة الأخرى( ).
ولما لطرق الإثبات من الأهمية العملية في إثبات صدق وقائع الدعوى أو الدفع، فسنحاول شرح قانون الإثبات اليمني مع بيان النهج الذي يسير عليه مؤصلاً بالفقه الإسلامي، وبما في المذاهب القانونية من المميزات بعون الله.

5- خطة البحث: وتوخياً لهذه الغاية فقد تكونت خطة البحث الإجمالية من:
- مقدمة: وفيها بيان أهمية البحث.
- الباب الأول: في نظرية الدعوى.
- الباب الثاني: في أدلة الإثبات اللفظية.
- الباب الثالث: في أدلة الإثبات الكتابية.
- الباب الرابع: في أدلة الإثبات الاستنباطية.
- خاتمة: وفيها بيان أهم النتائج والتوصيات.


الباب الأول
نظرية الدعوى

الباب الأول
نظرية الدعوى

6- الأصل في الدعوى: ما أخرجه البخاري بسنده عن أم سلمة قالت: سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلبة خصام عند بابه فخرج عليهم فقال: "إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضاً أن يكون أبلغ من بعض أقضي له بذلك وأحسب أنه صادق، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها"( ).
وكذلك، قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو يعطى الناس بدعاويهم لادعا ناس دماء قوم وأموالهم: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه"، أخرجه مسلم بسنده( ).
ومن فقه الحديثين: وجوب القضاء في قليل المال وكثيرة، وأن إحالة القاضي إلى نائبه الفصل في القليل نوع من الكبر نعوذ بالله منه( )، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم كأحد الناس في أنه لا يعلم الغيب إذا قضى لمن هو أفطن بحجته فإن حكمه في الظاهر لا يحل في الباطن، وأن البينة على المدعي( )، واليمين على من أنكر، وأن من اقتطع مالاً بالباطل فإنما هي قطعة من النار، أراد صلى الله عليه وآله وسلم بما يؤول إليه كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾( ) أي ما يصيرون به إلى النار( ).
وأما في القانون فالأصل أن الدعوى من الحقوق المكفولة بقوة الدستور، ولا يجوز الاتفاق على ما يخالف ذلك وإذا وقع فهو باطل، وأنه ليس لأحد أن ينزع حقه من يد غيره بالمغالبة إلا عن طريق القضاء، دفعاً للفساد، وبالتالي فالمدعي حر في رفع الدعوى، والسير في الخصومة، ومقيد بعدم جواز أخذ حقه بيده لما في ذلك من الافتئات على حق السلطة في تطبيق القانون على الوجه الصحيح.
وبما أن الدعوى هي طريق المدعي للوصول إلى حقه، فسنشرح تعريف الدعوى، وأركانها، وشروط صحتها، وعدم سماعها، وذلك في الأربعة المباحث الآتية:


المبحث الأول
تعريف الدعوى

7- الدعوى في اللغة، 8- الدعوى في الاصطلاح، 9- الدعوى والخصومة.
77- تعريف الدعوى في اللغة: الدعوى في لغة العرب تأتي لعدة معان: منها الطلب، ومنها التمني، ومنها الدعاء، قال الله تعالى: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾( ).
كما تشمل كل من ادعى نسباً، أو علماً، أو ملك شيئاً نازع فيه أم لم ينازع( ).
ومعنى الطلب: هو المعنى المراد، إذ الطلب مبني على إرادة الطالب، وهو المقصود من الحق في الدعوى قبل المنازعة.
88- تعريف الدعوى في الاصطلاح: عرف قانون الإثبات اليمني( ) الدعوى بأنها: "طريق المدعي إلى القضاء للحصول على الحق الذي يدعيه قبل المدعى عليه.."( )، وعرفها فقهاء القانون في مصر وفرنسا قديماً وحديثاً بأنها: "سلطة الالتجاء إلى القضاء للحصول على تقرير حق أو لحمايته"، أو هي: "سلطة الالتجاء إلى القضاء بقصد الوصول إلى احترام القانون" وعرفها جوسران بأنها: "الحق المتحرك"( ).
وقبل كل ذلك عرفها شرّاح الفقه الإسلامي بأنها: الخبر( ) الذي لا يعلم صحته ولا فساده إلا بدليل مع خصم منازع( )، أو هي: إضافته إلى نفسه استحقاق شيء في غيره أو في ذمته( )، أو هي: الإخبار عن وجوب حق له على الغير عند حاكم ليلزمه به( )، ولا يقال في الشرع مدَّعٍ إلا إذا نازع غيره( ).
99- الدعوى والخصومة: ويستفاد من تعريف قانون الإثبات اليمني وتعريفات الفقهين المدني والإسلامي للدعوى: أنها وإن اختلفت لفظاً فهي متفقة معنى بأنها: مطالبة المدعي غيره بحق أمام القضاء، غير أن تعريفات شرّاح الفقه الإسلامي أوضح دلالة على التفرقة بين الدعوى في حد ذاتها وبين الدعوى القضائية، حيث ظهر من تعريفاتهم أن الدعوى لا تكون قضائية إلا حينما ينازع المدعي غيره أمام القضاء، وبالتالي فلا يثبت وصف الخصومة بين المدعي والمدعى عليه، إلا بالدعوى القضائية، وهو ما يعني حرية المدعي في استعمال هذا الحق أو تركه حتى بعد رفع الدعوى والسير في إجراءاتها.

المبحث الثاني
أركان الدعوى القضائية

10- ماهية الركن، 11- عدد أركان الدعوى.
100- ماهية الركن: هو ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم، وذلك كالتراضي في العقود، والركوع في الصلاة، أو أركان الدعوى القضائية.
111- عدد أركان الدعوى: ذهب جمهور الفقهاء، وقانون الإثبات اليمني: إلى أن أركان الدعوى ثلاثة هي: المدعي، والمدعى عليه، والمدعي فيه( ).
وذهب الأحناف: إلى أن للدعوى ركناً واحداً: هي الصيغة، وما عدى ذلك لوازم، لا تصح الدعوى إلا بها، قال الكاساني: أما ركن الدعوى فهو قول الرجل: لي على فلان، أو قبل فلان كذا، أو قضيت حق فلان، أو أبرأني عن حقه ونحو ذلك، فإذا قال ذلك فقد تم الركن( ).
وقد بينا آنفاً أن القانون اليمني أخذ بما عليه الجمهور، وأن الناظر في الخلاف بين الجمهور وبين الأحناف يجده خلافاً شكلياً، وذلك: لاعتبار أن ماعدا الصيغة عند الأحناف لوازم لا تصح الدعوى إلا بتوفرها، وهي: المدعي، والمدعى عليه، والمدعى فيه، والخصومة.
ولاعتبار أنا قد فرقنا آنفاً بين الدعوى في حد ذاتها وبين الخصومة فنرى أن للدعوى القضائية أربعة أركان هي: المدعي، والمدعى عليه، والمدعى فيه، والخصومة، وفقاً للمادة الأولى إثبات( ).
وقد أضفنا للدعوى القضائية ركن الخصومة، وذلك لاعتبار أن الآثار القانونية للدعوى لا تثبت إلا من حين مباشرة الخصومة بدءاً بقيد الدعوى بعد قبولها وإعذار المدعى عليه.
ومن تلك الآثار: قطع التقادم، والجدية في النظر في تقدير التعويض، والقطع بأن الدائن لا يرغب في مد أجل للمدين، وقبول طلب الخلف التعويض عن الأضرار الأدبية التي أصابت السلف( )، وانتقال تبعة الهلاك بين البائع والمشتري، والاستجابة لفسخ العقود عند عدم وفاء أحد المتعاقدين بالالتزام المقابل، وغير ذلك من الآثار المترتبة على مباشرة الخصومة.
ففي كل هذه الحالات وأمثالها لا تثبت آثار الدعوى إلا حينما تكون قضائية، ولا تكون قضائية إلا عند مباشرة الخصومة، ولكل ذلك نشرح أركان الدعوى القضائية في المطالب الأربعة الآتية:

المطلب الأول
المدَّعي

12- تعريف المدعي، 13- تطبيقات على المدعي، 14- شروط المدعي،15- أثر تخلف شروط المدعي.
122- تعريف المدعي: المدعي هو الركن الأول من أركان الدعوى، وقد عرفه سعيد بن المسيب بقوله: كل طالب فهو مدع، وكل من قال قد كان فهو مدع، وقيل المدعي: من كان قوله على خلاف الأصل، أو العرف، أو العادة، أو الشبه، أو الغالب( ).
وعرف المدعي فقهاء آخرون بأنه: من معه أخفى الأمرين( ).
وعرفه القانون اليمني بقوله: المدعي هو من معه أخفى الأمرين، وهو من يدعي خلاف الظاهر.. ( )، ولو قال النص في فقرته الثانية: هو من يدعي خلاف الأصل، أو العرف، أو العادة، أو الشبه، أو الغالب، لكان أولى، لأن الظاهر في عرف العمل القضائي هو ما ظهر من أي دليل، وأما الأصل فهو العمل على إبقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره، كأصل البراءة، وأصل السلامة من العيوب، وأصل التحريم في الابضاع، وأصل الصحة في العقود، وأصل الضمان على المباشر، والحقيقة في الكلام.
133- تطبيقات قضائية على المدعي: فمن ذلك أن يطلب المدعي بدعواه أخذ شيء من يد غيره عقاراً أو منقولاً، أو إلزامه بحق لا يلزمه، كأن يطلبه ديناً في ذمته، أو يدعي عليه غصباً، أو يدعي إسقاط حق ثابت عليه كأن يدعي إيسار قريبه المعسر لإسقاط النفقة عليه، فلما كان المدعي: معه الأخفى كان عليه الأقوى وهي البيّنة( )، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: شاهداك أو يمينه( ).
كذلك ما أورده البخاري بسنده أن الأشعث بن قيس قال: كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني( )، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألَكَ بينة؟ قلت: لا. فقال لليهودي: احلف. قلت: يا رسول الله إذا يحلف ويذهب بمالي! قال: فأنزل الله تعالى: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم( ).
وعن الأشعب بن قيس: أن رجلاً من كندة، وآخر من حضرموت، اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أرض من اليمن، فقال الحضرمي: يا رسول الله إن أرضي اغتصبها أبو هذا وهي في يده. قال: هل لك بينة؟ قال: لا. ولكن أحلفه، والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبها أبوه، فتهيأ الكندي لليمين، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا يقتطع أحدكم مالاً بيمين إلا لقي الله وهو أجذم، فقال الكندي هي أرضه( ). وفيه القضاء باليمين على المدعى عليه( )، وكذا حصر اليمين على الخليط عند عدم البينة من المدعي:
قال يحيى قال مالك عن حميد بن عبدالرحمن المؤذن: أنه كان يحضر مجلس عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، وهو يقضي بين الناس، فإذا جاءه الرجل يدعي على الرجل حقاً نظر، فإن كانت بينهما مخالطة أو ملابسة أحلف الذي ادعى عليه، وإن لم يكن شيء من ذلك لم يحلفه، قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا..( )، ويظهر من الأمثلة: أن الدعوى لا تكون قضائية وتسري آثارها إلا بمباشرة الخصومة.
وقد قيل( ) بأن المدعي هو من يخلّى وسكوته، أو هو: من إذا ترك سكت( )، وذلك كمدعي تأجيل دين أو فساد عقد، فعلى القيل ليس بمدعٍ لأنه لو سكت طولب بالدين والثمن.
والصحيح أنه مدع في كلا الحالتين، ومحل الدعوى صفة عارضة، وكل مدع صفة عارضة، عليه عبء الإثبات، وحينئذ فلا جديد في القيل، والمعتبر شرعاً هو التعريف الأول.
144- شروط المدعي: يشترط في المدعي أن يكون مكلفاً( )، أو مميزاً( ) مأذوناً، مالكاً أو متولياً، أو وكيلاً( )، وبعبارة أخرى هي: التكليف والاختيار وصحة تملك المدعي لما يدعيه، وأن يكون لنفسه، أو بالوكالة، أو بالولاية، وكذا المدعى عليه( ).
وقد قضت محكمة النقض المصرية: بأن رفع الدعوى من فاقد الأهلية أو عليه يؤدي إلى بطلان الخصومة، فتكون باطلة برمتها على اعتبار أنه يشترط لصحتها أن ترفع من ذي أهلية على ذي أهلية، وقد قيل أن البطلان يعتري ذات الصحيفة على اعتبار أنه يشترط لصحة الإجراء أن يوالى من ذي أهلية على ذي أهلية، وقيل أيضاً: أن رفع الدعوى من فاقد الأهلية أو عليه يؤدي إلى عدم قبولها تأسيساً على أنه لا صفة له( ).
155- أثر تخلف الشروط الموضوعية للمدعي: إنما ينطبق على تخلف شرط الأهلية في المدعي من الآثار، يعم الشروط الموضوعية المتعلقة به حيث جاء في قانون المرافعات على أنه: لا ينتصب أحداً خصماً عن غيره بصفته ممثلاً له في الدعاوى التي تقام إلا بوكالة أو ولاية أو وصاية( ).
كما جاء بخصوص المصلحة قوله: لا تقبل أي دعوى أو طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون، ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق، أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه( ).
ثم تناول القانون الحكم العام المترتب على تخلف أي شرط من الشروط الموضوعية الخاصة بالمدعي، بقوله: "تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى، أو الطلب، أو الدفع إذا تبينت ولو من تلقاء نفسها أن لا صفة أو مصلحة فيها في أي مرحلة من مراحل الدعوى"( ).
وهذا الحكم العام بعدم قبول الدعوى عند تخلف أحد الشروط لا يعتبر قيداً على حرية التقاضي ولا على حرية الإثبات وإنما هو إجراء قانوني لخدمة العدالة، ويحقق التسوية العادلة بين الجميع في حرية استعمال حق رفع الدعوى، واحترام استقرار المراكز القانونية.

المطلب الثاني
المدعى عليه

16- تعريف المدعى عليه، 17- شروط المدعى عليه، 18- تطبيقات على المدعى عليه، 19- واجب الحماية وواجب التمكين.
166- تعريف المدعى عليه: المدعى عليه هو الركن الثاني من أركان الدعوى، وقد عرفه الفقهاء بأنه: كل من قال لم يكن فهو مدعى عليه. وتعريف آخر يقول: كل مطلوب فهو مدعى عليه( )، وقيل: المدعى عليه من ينكر الدعوى، أو هو من إذا ترك سكت( )، وتعريف آخر يقول: المدعى عليه هو من يجبر على الخصومة. وقيل المدعى عليه: من يكون مستحقاً بلا حجة إذ بقوله هو لي يكون له على ما كان، ما لم يثبت المدعي استحقاقه( )، وعرفه أبو طالب بأنه: من معه أظهر الأمرين( ). وعرفه القانون بقوله: "..والمدعى عليه هو من معه أظهر الأمرين"( ).
وجميع التعاريف للمدعى عليه في نظرنا وإن اختلفت لفظاً فهي متفقة معنى، خلا أن الأنسب وفقاً لفهمنا للدعوى القضائية هو التعريف القائل بأن المدعى عليه: هو من يجبر على الخصومة.
وسبب ترجيحنا لهذا التعريف: أن الدعوى لا تكون قضائية بالمعنى الشرعي الصحيح إلا حينما تدلى إلى الحاكم بين يديه في مجلس الحكم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنها تشمل جبر الممتنع على الخصومة بالحكم عليه، كما يخرج منها تسليم المدين أو الشفيع بالشفعة اختياراً قبل المثول في مجلس الحكم، كما لا يتناقض أيضاً مع تعريفات الفقهاء وإنما يزيد عليها بوجوب جبر المدعى عليه على الخصومة إن لم يستجب لها طوعاً.
177- شروط المدعى عليه: قيل في شروط المدعى عليه: أن يكون شخصاً سواء كان طبيعياً كالإنسان أو اعتبارياً كالوقف وبيت المال..( )، ودرج فقهاء القانون وشراح الفقه الإسلامي على بيان شروط المدعى عليه ضمن شروط الدعوى المقبولة( ).
وقد نص القانون على أنه يشترط في رفع الدعوى: ذكر اسم المدعى عليه، ولقبه، ومهنته، وموطنه، فإن لم يكن له موطن معلوم فآخر موطن كان له، فإن لم يعرف فبالنشر عنه ثلاث مرات في جريدة واسعة الانتشار( )، وترك ما يتعلق بأهلية المدعى عليه للقواعد العامة، حيث ترفع في مواجهته متى كان بالغاً عاقلاً أو مميزاً مأذوناً في حدود ما أذن له، وإن كان قاصراً و مجنوناً ناب عنه وليه المفروض بقوة القانون كالأب أو الجد أو من ينصبه القاضي، أو وليه المختار بعقد الوصاية أو الوكالة وذلك وفقاً للقواعد العامة( )، في قانون الأحوال الشخصية والقانون المدني( ).
ووفقاً للقواعد العامة: فالمدعى عليه هو الشخص البالغ العاقل المعين( )، أو نائبه أو خلفه العام( )، أو الخاص( )، وهذا المدعى عليه قد يكون مسئولاً عن فعله الشخصي، أو عن الغير( )، أو عن الأشياء التي في حراسته( ).
وإذا كان المدعى عليه قاصراً، أو محجوراً عليه، أو مفلساً أو شخصاً اعتبارياً عاماً أو مختلطاً، أو خاصاً ناب عنه وليه أو وصيه أو الناظر أو الممثل للشخص الاعتباري.
ويحل محل المدعى عليه إذا مات خلفه العام، وتكون التركة هي المسئولة، وأي وارث يمثل التركة، وما على المدعي إلا أن يرفع الدعوى على كل الورثة أو على أحدهم فيتقاضى حقه كاملاً من التركة حيث لا تركة إلا بعد سداد الديون.
ويجوز أن يكون الخلف الخاص مدعى عليه: كما إذا باع شخص متجره واشترط على المشتري سداد الديون المعلومة على المتجر فهذا من قبيل الحوالة وحوالة الدين جائزة.
وقد يتعدد المدعى عليهم فتكون المسئولية بينهم بالتساوي، إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم، وإذا كانوا متواطئين كانوا متضامنين في المسئولية( ).
ولا يصح مطلقاً أن يكون المدعى عليه( ) مجنوناً أو صبياً غير مميز، لأن جوابهما غير صحيح، وأما الصبي المميز فجائز في حدود ما أذن له، وأما الصبي غير المأذون فيصح أن يكون المدعى عليه وليه بالولاية أو الوصاية، وإذا كان للمدعي بينة وهو يدعى عليه بالاستهلاك أو الغصب فله إحضاره إلى مجلس الحكم، لأن الصبي مأخوذ بأفعاله، والشهود محتاجون إلى الإشارة إليه فيحضر، لكن يحضر معه وليه حتى إذا ألزمه القاضي يؤمر الولي بالأداء عنه في ماله، وأما إذا لم يكن للمدعي بينة لا يكون له إحضاره إلى مجلس القضاء، لأنه لو حلف أو نكل لا يقضى عليه بنكوله، ولا يكون مأخوذاً بأقواله( ).
ومن ذلك: لو ادعى على ولي الأطفال والمجانين ولم يجد المدعى بينة، فإن لم يكن الولي قد قبض المال لم يلزمه اليمين ولا يصح منه الإقرار، وإن كان قد قبض المال لزمه أن يحلف كما يلزمه تسليم ما ادعى ويصح منه هنا الإقرار.
ومن ذلك أيضاً: لو ادعى على المالك جناية دابته فإن كانت الدعوى فيما يتعلق بالحفظ لزمته اليمين على القطع إذ هو يتعلق به، وإن تعلقت بالجناية فعلى العلم( ).
وتدخل المسئولية عن الحيوان في القانون في نطاق المسئولية عن الأشياء حيواناً كان أو بناء، أو أي آلات ميكانيكية، أو أشياء تتطلب عند استعمالها وحفظها بذل عناية خاصة لخطورتها أو ملابساتها: فالمدعى عليه هو الحارس سواء كانت الحراسة مشروعة كالمالك أو المستعير، أو غير مشروعة كالغاصب والسارق.
وتقوم مسئولية المدعى عليه في هذه الحالات على أساس الخطأ المفترض بقرينة لا تقبل إثبات العكس إلا بالسبب الأجنبي( )، ويقابل كلمة الحارس في الفقه الإسلامي: من له اليد على الشيء سواء كانت اليد مشروعة أم غير مشروعة وحصل من الشيء ضرر، فمن له اليد هو المدعى عليه، وهو معلوم ومعين بقوة القانون شأنه شأن الخلف العام، والخلف الخاص، والولي، وناظر الوقف، والشخص الاعتباري، والقسامة، وبيت المال.
188- تطبيقات على المدعى عليه: ونسوق أمثلة عملية على ذلك منها: إذا كانت إحدى السفينتين واقفة والأخرى منحدرة فلا شيء على الواقفة وعلى السائرة الضمان( )، لأن السائق هو صاحب اليد وهو مباشر في نفس الوقت، فهو المدعى عليه.
كذلك الأمر: إذا كان مع البهيمة إنسان فإنه يضمن ما أتلفته سواء كان سائقاً، أو راكباً، أو قائداً، وسواء كان مالكاً أو أجيراً، أو مستأجراً، أو مستعيراً، أو غاصباً، وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو ذنبها أو رأسها، وسواء كان ذلك ليلاً أو نهاراً، فمن يده عليها فهو المدعى عليه وهو الضامن.
والحجة في ذلك: أن من هو مع البهيمة حاكم عليها فهي كالآلة بيده وفعلها منسوب إليه سواء حملها عليه أم لا، علم به أم لم يعلم، لأن الضمان يجب باليد لا بالملك( )، وحينئذ فصاحب اليد هو المدعى عليه، متى كان الشيء بيده جماداً كان أو حيواناً أو بناءً، أو أي شيء خطر بذاته: وذلك كالسيارات والطائرات والمصانع والبوارج، والبترول، والمتفجرات، والأغذية الفاسدة، والمبيدات الحشرية، وناقلات الوقود، وخيوط الكهرباء، والسيوف والجنابي والأوالي، وإبر الخياطة، وحتى عود الكبريت، والسموم، والمبيدات، والعقاقير الطبية، وما يشبه ذلك، أو يكون خطراً بملابساته: وذلك كالسُّلم المدهون بالزيت، ونحو ذلك مما يحتاج عند الانتفاع به أو حفظه إلى بذل عناية خاصة، فصاحب اليد الحارس على الشيء: هو المدعى عليه.
199- واجب الحماية وواجب التمكين: تثبيتاً لمبدأ الضمان الاجتماعي فقد انبثق عن هذين الواجبين وجود المدعى عليه الضامن حينما يتعذر معرفة المدعى عليه الحقيقي، ومثال ذلك: حينما يوجد الضرر بالمال أو النفس ولا يوجد مدعى عليه، كما لو حصل القتل أو الإتلاف في مكان خالٍ، أو في إحدى المرافق العامة؟ غالبية القوانين تقيد القضية ضد مجهول لعدم معرفة الجاني، أما في القوانين اليمنية التي تعتبر الشريعة الإسلامية مرجعها التاريخي والتفسيري فلا وجود لهذا المبدأ وإنما لابد من مدعى عليه، فإذا كان المكان الذي وجد فيه الإتلاف أو القتل مملوكاً ملكاً خاصاً، فإن المدعى عليهم: هي القرية أو القبيلة الأقرب إلى المكان الذي وقع فيه القتل أو الإتلاف، ويغرموا ما حصل بعد أدائهم خمسين يميناً ما قتلوه ولا أتلفوا ماله ولا يعلمون له قاتلاً أو متلفاً، وتسمى في الفقه الإسلامي بالقسامة، وقد شرعت على خلاف القياس تطبيقاً لمبدأ التكافل الاجتماعي( ).
وأما إذا كان المكان الذي وقع فيه الإتلاف أو القتل مملوكاً للدولة أياً كان: فالمدعى عليه بيت المال وعلى الدولة الضمان، إلا إذا حدد المدعي شخصاً طبيعياً في الدعوى، كان ذلك الشخص هو المدعى عليه، ولا قسامة ولا ضمان على الدولة، فيخسر الدعوى إذا لم يتمكن من الإثبات وفقاً للقواعد العامة.
وسبب الضمان في كلا الحالتين أمران: الأول تطبيق مبدأ العصمة فلا يهدر دم أو مال إلا بحقه، والأمر الثاني: أن على الدولة واجبان أساسيان وما عداهما متفرع عنهما؟ هذان الواجبان هما: واجب الحماية، وواجب التمكين.
أما واجب الحماية فيتمثل في المحافظة على المصالح المشروعة الأساسية للمجتمع التي كفلها الدستور، والمسماة حالياً بالثوابت الوطنية، والتي منها حماية الثغور، والمحافظة على النظام الجمهوري والوحدة والديمقراطية، وإقامة العدل واحترام الحقوق، وفي مقدمة كل ذلك حماية دم الفرد وماله من الهدر عند تعذر معرفة المسئول.
وأما واجب التمكين: فهو السعي الحثيث نحو تحسين النشاط الاجتماعي بكل مشتملاته وفي مختلف المرافق والخدمات وفق خطط تنموية تحقق للفرد المزيد من الاستقرار والكفاية والاطمئنان على نمو المصالح العامة والخاصة في الحاضر والمستقبل.
والفرق الدقيق بين واجب الحماية وواجب التمكين أن واجب الحماية يتضمن دفع المفسدة وجلب المصلحة، في آن واحد، وأما واجب التمكين فيتضمن جلب المصلحة( ).
وأصل تخريج هذين المصطلحين: ما أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه فضلاً؟ فإن حدث أنه ترك وفاءاً صلّى، وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: ".. أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك ديناً فعلي قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته" كما ودى صلى الله عليه وآله وسلم: عبدالله بن سهل الذي قتل قبل خبير ولم يعرف قاتله من بيت المال( ).
وتطبيقاً لهذا المبدأ: أن رجلاً قتل في زحام في زمن عمر رضي الله عنه ولم يعرف قاتله فقال علي كرم الله وجهه لعمر: يا أمير المؤمنين لا يطل( ) دم امرئ مسلم فأدى ديته من بيت المال( ).
وفي قضية أخرى: أن الناس ازحموا في المسجد الجامع بالكوفة يوم الجمعة فأفرجوا عن قتيل فوداه الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من بيت المال( ).
وقد خرج الفقهاء من هذه الأصول مبدأ عاماً مقتضاه: "أن المسلمين يرثون من لا وارث له، وبالمقابل يعقلون عنه عن تعذر معرفة المدعى عليه من بيت المال، لأن مال بيت المال مالهم جميعاً، فكان الأخذ منه استيفاء منهم جميعاً( ).
بهذا نكون قد ألقينا الضوء على بيان الركن الثاني من أركان الدعوى، وتبين لنا: أن القانون اليمني بتطبيقه أحكام القسامة، وجعله بيت المال مدعىً عليه ضامناً عند تعذر معرفة المدعى عليه لا يقف عند تطبيق المذهب المختلط فحسب بل ويمثل قفزة متقدمة نحو تحقيق الضمان الاجتماعي الشامل.

المطلب الثالث
المدعى فيه( )

20- تعريف المدعى فيه، 21- النصوص القانونية، 22- تطبيقات قضائية على المدعى فيه، 23- شروط المدعى فيه.
200- تعريف المدعى فيه: المدعى فيه هو الركن الثالث من أركان الدعوى القضائية، وعبارات الفقهاء وإن اختلفت لفظاً في الفقهين المدني والإسلامي فمضمونها واحد، فمن قائل بأنه: إخلال المدعى عليه بمصلحة مشروعة للمدعي، وهذا الإخلال بالمصلحة المشروعة هو عين المدعى فيه، فقد يكون الإخلال خطأ عقدياً( )، وقد يكون تقصيرياً( )، والخطأ التقصيري قد يكون ثابتاً( )، أو مفترضاً، والخطأ المفترض قد يكون قابلاً لإثبات العكس( )، وقد لا يقبل إثبات العكس( ).
فهذه كلها وسائل، وسبب الدعوى واحد، ولا يضر اختلاف الوسائل: فلو جعل المدعى فيه خطأ تقصيرياً ثم عدل عنه في الاستئناف إلى خطأ عقدي، أو جعل المدعى فيه خطأ ثابتاً ثم عدل عنه في الاستئناف إلى خطأ مفترض أو العكس فلا يعتبر طلباً جديداً، إلا أمام المحكمة العليا فلا يجوز أن يغير من وسيلة إلى أخرى.
وإجمالاً فقد يتنوع محل الدعوى فقد يكون عينياً كدعوى حق الملكية، أو حق الارتفاق، أو حق الانتفاع، أو حق الاستعمال، أو حق السكنى، أو حق الوقف، أو حق الرهن.
وقد يكون الحق شخصياً كطلب المؤجر الأجرة من المستأجر وكذا سائر الحقوق الشخصية التي لا تقع تحت حصر، وقد تكون الدعوى مختلطة وهي التي تجمع بين الحقين كدعوى المشتري على البائع استكمال إجراءات التسجيل في الشهر العقاري وتسليم العقار، وكذا دعوى البائع على المشتري بفسخ البيع ورد العقار( )، وقد تكون الدعوى خاصة مصدرها القانون كدعوى النسب، والزوجية، ودعوى التزوير وإثبات الحالة( ).
211- النصوص القانونية: وقد عرف قانون الإثبات اليمني المدعى فيه بقوله: "المدعى فيه هو الحق مالاً كان أو منفعة وهو إما حق لله محض، أو حق لله مشوب بحق العباد، أو حق آدمي محض"( ).
وبيان ذلك أن كل حق مشروع سواء كان مالاً أو منفعة لابد وأن يقابله واجب احترام الكافة، والحقوق في مجموعها أنواع: فمنها حق الله المحض: كحد الزنا، وشرب الخمر، والرضاع المجمع عليه وهو خمس رضعات في الحولين، والوقف على غير معين، وهو ما يطلق عليه في القانون حق المجتمع.
وأما الحق المشوب أي المختلط بين العبد وربه فمثاله: حد القذف، والوقف لمعين، والسرقة، والطلاق البائن، والرضاع المختلف فيه.
وأما حق الآدمي المحض فأنواع منها: الإسقاط كدعوى البراءة من الدين أو نحوه، ومنها الإثبات: كدعوى تسليم الثمن لتسقط عن المدعي المطالبة ونحو ذلك، وهذا الإثبات على نوعين: إما إثبات لعين قائمة أو دين ثابت حقيقة في ذمة المدعى عليه كثمن المبيع ونحوه، أو يثبت في ذمة المدعى عليه حكماً بشرط، كالدعوى على جانٍ خطأ، فثبوت الدية في ذمته مشروط بعدم العاقلة أو تمردها، والعكس في دعوى الدية على العاقلة لا تثبت إلا بشرط أن تكون الجناية خطأ، وللمدعي أن يدعي على من شاء من القاتل أو العاقلة.
ولثبوت الحق في ذمة المدعى عليه حكماً نظائر كثيرة منها: أن الدين لا يثبت في ذمة كفيل الوجه، إلا إذا عجز عن إحضار النفس، ودعوى قيمة المثلي على متلفه لا تثبت إلا بشرط عدم وجود الجنس.
كذلك الدعوى على الوارث بالدين الذي على مورثه لا تصح إلا بشرط إثبات موت مورثه حقيقة، أو حكماً، وأن له تركة وصلت إلى يد المدعى عليه، فإن أنكر الموت فيمينه على العلم، وإن أنكر المخلف فيمينه أن ما وصل إليه من مال مورثه ما يفي بالدين أو بعضه، وحيث لا تركة لا يلزم الوارث قضاء دين مورثه( )، ولا يثبت في ذمته حكماً، أي حق إلا بتوفر الشروط.
وما يهمنا بيانه هو: أن الحق المدعى فيه لابد أن يحدد تحديداً دقيقاً في وقائع الدعوى، لأن تلك الوقائع هي التي ستكون محلاً للإثبات والدفع عند سير الخصومة والفصل فيها، قال الشيرازي: ولا تصح دعوى مجهول.. لأن القصد بالحكم فصل الحكومة والتزام الحق ولا يمكن ذلك في المجهول( )، فإن وجدت جهالة في المدعى فيه كان الركن الثالث من أركان الدعوى القضائية منعدماً، ويعاد الحكم للتصحيح إذا زاد عما ورد في وقائع الدعوى، أو العكس مما ثبت بدليل.
222- تطبيقات قضائية على المدعى فيه: وتطبيقاً لذلك قضت دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا اليمنية بإرجاع الحكم المطعون فيه لما ثبت أن الدعوى غير شاملة للمبين عليه فقررت القاعدة التالية:
"ما قررته محكمة استئناف المحويت من إلغاء حكم الحاكم لوقوعه في الخطأ حيث حكم في شيء لم يطلبه المدعون وهو الاشتراك في البيت، أو بأكثر مما طلبه المدعون وهو الحكم بالخمسمائة الألف، والدعوى إنما هي بمبلغ ثلاثمائة ألف ظاهره الموافقة لما تبين من أن الدعوى غير شاملة للمبين عليه، لهذا لزم الإرجاع والتوجيه وتصحيح الدعوى"( ).
وقالت الدائرة في قاعدة أخرى: "أما ما لم يصرح به في الدعوى فهو مجهول لا يتعلق به الحكم"( ).
وهكذا يترتب على عدم اشتمال الدعوى لوقائع النزاع الإرجاع لتصحيح الدعوى، إن لم نقل في صور أخرى بطلان النزاع برمته، وفي ذلك ما لا يخفى من التطويل وفساد التطبيق المخالف لصحيح القانون، وسبب كل ذلك قبول الدعوى ابتداء قبل كمال شروطها الموضوعية، وبصفة خاصة شروط المدعى فيه.
233- شروط المدعى فيه: قلنا بأن المدعى فيه هو الحق مالاً كان أو منفعة، وهو إما حق لله محض، أو حق لله مشوب بحقوق العباد، أو حق آدمي محض( ).
وأياً كانت الدعوى فقد اشترط القانون في المدعى فيه مدنياً: أن تتضمن العريضة بياناً وافياً مختصراً عن موضوع الدعوى وأدلتها إجمالاً، وطلبات المدعي محدداً نوعها وصفتها وهل يطلبها بصفة مستعجلة أم عادية، وترفق بها المستندات بحافظة( ).
كما اشترط في المدعى فيه جنائياً: أن تتضمن ورقة التكليف بالحضور التي يحررها المدعي أو الكاتب: بياناً وافياً مختصراً عن الجريمة موضوع الدعوى بذكر الأفعال المنسوبة للمتهم وزمانها ومكانها وظروفها وكيفية ارتكابها ونتائجها، كما يجب أن تتضمن بيان الأدلة على وقوع الجريمة ونسبتها إلى المتهم بذكر الشهود، وبيان ما يشهدون به، والقرائن المادية والأشياء المضبوطة مع الإشارة إلى الإجراءات التي قامت بها سلطات الضبط القضائي وسلطة التحقيق وما أسفرت عنه إلى وقت رفع الدعوى( ).
أما في مصدر النصوص فقال شراح الفقه الإسلامي في شروط تعيين المدعى فيه أنه: إذا كان عيناً منقولة وكان حاضراً في مجلس المحاكمة فالإشارة إليه باليد كافية، ولا يكفي الإيماء بالرأس، وأما إذا لم يكن حاضراً في المجلس، وأمكن جلبه وإحضاره بلا مؤنة فيجلب إلى مجلس الحكم ليشار إليه في الدعوى والشهادة أو في اليمين.
وأما إذا لم يمكن إحضاره بلا مؤنة كالرحى، وصبرة الطعام، وقطيع الغنم، ونحو ذلك، فالقاضي بالخيار بين أن يخرج، أو يندب أمينه للنظر وسماع الشهادة عليه، فإن لم يمكن ذلك لخوف أو بعد مسافة، أو مانع آخر، أو كون المدعى فيه قد هلك فعلى المدعي: أن يعرفه ويبين قيمته ليصير معلوماً.
وسبب بيان القيمة: أن الأعيان تتفاوت والشرط أن تكون الدعوى في معلوم، فوجب ذكر قيمته لأنها خلف عنه، إلا في الرهن والغصب فلا يشترط بيان الجنس والقيمة لصحة الدعوى والشهادة مع الجهالة، ولأن القول في القيمة للغارم وهو الغاصب والمرتهن مع اليمين.
وأما إذا كان المدعى فيه أعياناً مختلفة الجنس والنوع والوصف فيكتفى بذكر قيمتها جملة، ولا يلزم تعيين قيمة كل واحد على حدة.
وأما إذا كان المدعى فيه ديناً مستهلكاً فيشترط على المدعى أن يبين جنسه، ونوعه، ووصفه ومقداره، فيقول في جنسه أنه ذهب أو فضة، وفي نوعه أنه أبو ولد، أو عثماني، وفي وصفه بأنه عيار كذا، وإن كان عملة متداولة فيقول عملة كذا، ثم يحدد القدر كمائة ألف ريال ونحو ذلك.
وإن كان طعاماً مكيلاً، أو موزوناً فلابد أن يحدد كعشرة أقداح ذرة صفراء، أو مائة كيلو بن يمني، فيشترط بيان كل ذلك في الدعوى والشهادة ليعلم القاضي بما يحكم.
وأما إذا كان المدعى فيه عقاراً فيشترط بيانه بالأعم ثم بالأخص فيذكر بلده، وقريته وزقاقه، وإن كانت أرضاً يذكر اسمها أيضاً، كما يبين حدود المدعى فيه الأربعة أو الثلاثة وأسماء أصحاب الحدود، وأسماء آبائهم وأجدادهم، وقيل يكفي ذكر اسمه لحصول المقصود فلو قال: لزيق دار فلان أو جوار أرض فلان وهو مشهور لكفى، وحكم الشاهد كالمدعي فلو ذكر الثلاثة وترك الرابع صحت شهادته.
وقد لا يشترط بيان حدود العقار في الدعوى والشهادة إذا كان مستغنياً عن التحديد لشهرته، وأيضاً: إذا ادعى المدعي بقوله أن العقار المبينة حدوده في هذا السند ملكي صحت الدعوى والشهادة( ).
ولأهمية تحديد المدعى فيه تحديداً دقيقاً، وإزالة الجهالة عنه من كل وجه فقد نص القانون على وجوب: تعيين الحق المدعى فيه بحد أو لقب أو وصف أو نحوه كل على حسبه..( )، وإذا كانت الدعوى غير صحيحة لتخلف شرط من شروطها فلا يلزم الإجابة عليها ما لم تستوفَ( ). فإن سمعت ووقائعها ناقصة، أو جاء الإثبات زائداً عما ورد فيها من الوقائع كان مصير القضية برمتها الإرجاع لتصحيح الدعوى ويصبح كل ذلك الجهد الذي بذله الخصوم والمحكمة هباء فيجب استيفاء وقائع المدعى فيه ابتداء صوناً للجهد وحسناً لسير العدالة.
وتطبيقاً لذلك قالت المحكمة العليا اليمنية: إن ما حكم الحاكم وأيدته محكمة الاستئناف.. من حكمها المطعون فيه بلزوم حصر تركة المورث وقسمتها على الفرائض الشرعية، ومن ادعى الاختصاص بشيء منها فعليه البينة، فقد تبين من الأوراق المرفقة بأنه لم يسبق لها ذكر في الدعوى، وكان لزاماً على المحكمة التقيد بموضوع الدعوى وعدم الخروج عنها.. ولذلك قررت إرجاع القضية إلى المحكمة الاستئنافية.. للنظر مجدداً والفصل فيها.
وقررت حيال ذلك القاعدة الآتية: "خروج المحكمة عما ورد في الدعوى والحكم بأكثر مما طلبه الادعاء يجعل الحكم باطلاً"( ).
وفي قضية أخرى قالت المحكمة العليا اليمنية: يشترط في صحة الدعوى من حيث الإثبات والإجابة عليها تعيين الحق المدعى فيه بحد أو لقب أو وصف، وحيث أن هذه الدعوى قد جاءت خالية من تعيين الأرض المدعى بها بأحد الأوصاف الثلاثة المحددة في قانون الإثبات فإنها لذلك غير صحيحة لتخلف شرط من شروط صحتها، وأن بناء الحكم على هذه الدعوى مع اكتناف الجهالة لها يعتبر باطلاً.. ويلغي ما ترتب عليه وهو الحكم الاستئنافي( ).
ونخلص مما سبق إلى أن تحديد المدعى فيه بكامل شروطه يعتبر من أركان الدعوى التي يترتب على إغفالها بطلان الحكم وما بني عليه، وهو الأمر الذي يستدعي من السلطة القائمة بتطبيق القانون الحرص على أن لا تقيد الدعوى في سجلات المحكمة إلا بعد أن تكون وقائع المدعى فيه كاملة لما يترتب على ذلك من وجوب مطابقة الإثبات لما ورد في الدعوى من الوقائع، وأهم من كل ذلك أن النتيجة وهي الحكم لابد أن تكون مبنية على وقائع خالية من الجهالة والغموض وإلا كان الحكم برمته باطلاً، والعهدة في الاستيفاء يقع على محكمة الموضوع وهيئات الادعاء وقضاة التحقيق.
244- استثناء: إلا ما استثنى القانون جواز الجهالة فيه وذلك كالوصية، والإقرار، والنذر، وعوض الخلع، والمهر( )، ونحو ذلك كالدية، وعوض الكتابة، والرهن، والغصب فتقبل الدعوى مع الجهالة لأن القول قول الغارم مع يمينه.
فكيفي أن يقول المدعي: أدعي أن فلاناً أقر لي، أو نذر لي، أو أوصى لي بكذا، أو بذمته كذا، أو لديه عوض الكتابة كذا، أو رهنته، أو غصبني كذا من المال، فإذا ثبت ما ذكر، واختلف في الجنس أو القدر أو القيمة رجع القاضي في تفسيره وبيانه إلى المدعى عليه مع يمينه، فإن تعذر التفسير حكم بالأقل( ).
وسبب جواز الجهالة في الوصية أنها تملك بالمجهول، وكذا لا يلزم في دعوى المال ذكر السبب الذي ملك به لأن أسبابه كثيرة، فيشق معرفة سبب كل درهم فيه( ).
كذلك لو كان المدعى فيه بقرة، أو بعيراً أو شاة عن مهر فإن الدعوى تصح ويحكم القاضي بالوسط من ذلك الجنس( ).
والقاعدة: أن ما تسمع فيه الدعوى تسمع فيه البينة، وبالتالي فإن هذا الاستثناء يمثل نهجاً متقدماً يفوق فلسفة الإثبات المختلط لما فيه من المرونة القائمة على علل الواقع، لا على أقسام القانون من حيث النوع.

المطلب الرابع
مباشرة الخصومة

25- تعريف مباشرة الخصومة، 26- النصوص القانونية، 27- الآثار القانونية للدعوى القضائية.
255- تعريف مباشرة الخصومة: قلنا فيما سبق بوجود فرق دقيق بين الدعوى والخصومة( )، وشرحنا أركان الدعوى الثلاثة( )، وأضفنا مباشرة الخصومة ركناً رابعاً للدعوى القضائية ونعني بمباشرة الخصومة: قيام المدعي بإجراءات تقديم الدعوى أو الشكوى مكتملة الأركان والشروط، حيث تنتقل من كونها دعوى عادية إلى دعوى قضائية من لحظة قبولها، والتوجيه بقيدها، غير أن آثارها القانونية كدعوى قضائية لا تترتب إلا بالتكليف الرسمي للمدعى عليه بالحضور أو بصورة من الدعوى بعد قيدها في المحكمة حتى ولو كانت غير مختصة، استجاب المدعى عليه بعد ذلك بالحضور أم لم يستجب.
وبيان ذلك: أن المطالبة الشفوية خارج المحكمة، أو حتى بالكتاب المسجل، أو أن المحكمة لم تقبلها لعدم توفر أركانها، فلا يعتبر الإجراء الجوهري للخصومة قد تم، بل ولا يؤثر حتى في انقطاع المدة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
266- النصوص القانونية: جاء فيها: "لا يجبر المدين على الوفاء إلا بعد إعذاره بمطالبته بالوفاء بما عليه اختياراً أو إنذاره بإقامة الدعوى عليه لدى القضاء لإجباره على الإيفاء، ويكون ذلك بإعلانه على الوجه المبين في قانون المرافعات.."( ).
وقد نص قانون المرافعات على أن: كل إعلان أو استدعاء للخصوم والشهود يكون بواسطة المحضر أو صاحب الشأن عند الضرورة..( ), ولا يجوز قبل الساعة السادسة صباحاً، وبعد السادسة مساء، ولا في أيام العطلات الرسمية إلا في حالة الضرورة وبإذن كتابي من رئيس المحكمة( ).
كما يجب أن يشتمل التكليف بالحضور على البيانات الآتية:
1- تاريخ اليوم، والشهر، والسنة، والساعة، التي حصل فيها الإعلان.
2- اسم طالب الإعلان ولقبه، ومهنته، وموطنه.
3- اسم المعلن إليه، ولقبه، ومهنته، وموطنه.
4- بيان الغرض من الإعلان.
55- اسم من سلمت إليه الورقة المعلنة وعلاقته بالمعلن إليه، وتوقيعه، أو ختمه، أو بصمته، أو إثبات امتناعه وسببه.
6- توقيع المحضر وتوقيع الشهود، إن وجدوا على صورة ورقة الإعلان( ).
ويعرض التكليف على الخصم أينما وجد، فإن تعذر فيعرض على من ينوب عنه أو في موطنه، وفي حالة الامتناع يعرض بواسطة عاقل الحارة، أو القرية، أو قسم الشرطة إن وجد، أو يؤخذ إيضاح العاقل أو الإشهاد عليه( ).
وإذا أوجب القانون على الخصم تعيين موطن مختار له فلم يفعل أو كان بيانه ناقصاً جاز إعلانه في لوحة إعلانات المحكمة.. وإذا ألغى الخصم موطنه الأصلي أو المختار ولم يعلم خصمه صح إعلانه فيه وتسلم الأوراق لعاقل الحارة أو القرية إن وجد( ).
وبالنسبة للدولة أو الأشخاص الاعتبارية: يسلم الإعلان إلى الجهات على النحو الآتي:
11- إلى الوزراء، أو رؤساء المصالح، أو الهيئات، أو المحافظين، أو من يقوم مقامهم بحسب ما يخص أياً منهم بالنسبة للأوراق الخاصة بالدولة.
2- إلى النائب قانوناً عن الشخص المعنوي أو من يقوم مقامه.
33- في مركز إدارة الشركة لأحد الشركاء المتضامنين، أو رئيس مجلس الإدارة أو المدير، أو من يقوم مقامهما قانوناً، فإن لم يكن للشركة مركز إدارة ففي موطن من سلمت إليه الأوراق ممن سبق ذكرهم أو من ينوب عنها قانوناً.
4- للفرع أو الوكيل عن الشركة الأجنبية.
5- لرئيس الوحدة المختص أو من يقوم مقامه بالنسبة لأفراد القوات المسلحة والأمن.
6- مدير السجن بالنسبة للمسجونين.
7- للربان بالنسبة لبحارة السفينة أو العاملين بها.
88- للإدارة المختصة بوزارة الخارجية لتوصيلها بالطرق الدبلوماسية للمعلوم محل إقامته في الخارج، إذا لم يكن له في الجمهورية وكيل مفوض.. ويجوز للمحكمة أن تأمر بإعلانه بأية طريقة تراها مناسبة( ).
أما إذا كان المعلن إليه قد ترك موطنه ولم يعرف له موطن داخل الجمهورية أو خارجها وجب إعلانه بالنشر في إحدى الصحف الحكومية اليومية ثلاث مرات متتالية على نفقة طالب الإعلان( ).
أما إذا كان مكان الإعلان خارج منطقة المحكمة ترسل الأوراق إلى المحكمة التي يقع في منطقتها الإعلان( ).
ومن ثم فلا يعتبر المدعى عليه متمرداً قبل أن يعلن إعلاناً صحيحاً، وبالإعلان الصحيح تستقر الآثار القانونية للدعوى القضائية حضر المدعى عليه أم لم يحضر.
277- الآثار القانونية للدعوى القضائية: قلنا بأن الركن الرابع للدعوى القضائية يكتمل بمباشرة الخصومة، والمتمثلة في قبول الدعوى وقيدها، أما الآثار المترتبة عليها فلا تستقر إلا بالإعلان الصحيح حضر المعلن إليه أم لم يحضر، ونشير إلى بعض الآثار على سبيل المثال لا الحصر فمنها:
في قطع سريان المدة: حيث نص القانون على أن المدة التي يترتب عليها عدم سماع الدعوى تنقطع في الأحوال الآتية:
1- المطالبة القضائية ولو رفعت إلى محكمة غير مختصة.
2- تكليف المدين بالوفاء تكليفاً رسمياً.
حيث يترتب على اكتمال أركان الدعوى القضائية سقوط المدة السابقة ولزوم مدة جديدة..( ).
ومنها الفسخ: حيث نص القانون على أن: عقود المعاوضات الملزمة للجانبين إذا لم يفِ أحدهما بالتزامه جاز للآخر بعد إعذاره أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه مع تعويضه بما غرم في الحالتين( ).
ومنها التعويض: حيث يستحق الدائن بعد الإعذار الحكم له بالتعويض عن كل الأضرار التي لحقته من جراء عدم التنفيذ أو التأخر فيه..( ).
ومنها انتقال تبعة الهلاك: وضابط المسألة إذ هلك المبيع بقوة قاهرة قبل أن يسلمه البائع إلى المشتري فإن تبعة الهلاك تقع على البائع، أما إذ هلك المبيع بعد إعذار المشتري بالاستلام ولم يفعل فإن تبعة الهلاك يتحملها المشتري، وتنقلب يد البائع على المبيع بعد الإعذار يد أمانة لا يد ضمان( ).
ومنها جواز الإحظار القهري والعقوبة: حيث نص القانون على أنه: إذا تخلف من صدر له التكليف بالحضور في الموعد المحدد جاز للمحقق أن يصدر أمراً بإحضاره قهراً متهماً كان أو شاكياً أو شاهداً، ويجوز الحكم عليه بناء على طلب الآمر بالحضور بالعقوبة المقررة للشاهد الذي يتخلف عن الحضور رغم إعلانه بدون عذر مقبول وذلك بعد تحقيق دفاعه( ).
ومنها جواز الاستدعاء بواسطة الشرطة القضائية والنصب عنه: حيث نص القانون على أنه: إذا حضر المدعي ولم يحضر المدعى عليه رغم إعلانه إعلاناً صحيحاً، أمرت المحكمة بإعلانه مرة أخرى فإذا لم يحضر بعد إعلانه إعلاناً صحيحاً للمرة الثانية بدون عذر شرعي مقبول أمرت المحكمة باستدعائه بواسطة الشرطة القضائية مع توقيع غرامة مناسبة عليه، فإذا ثبت غيابه أو فراره نصبت المحكمة منصوباً عنه من أقاربه أو أصهاره حتى الدرجة الثالثة إن أمكن وإلا فمن المحامين، وإلا فمن تراه المحكمة، وتنظر الدعوى في مواجهة المنصوب الذي يعتبر نائباً عن المدعى عليه( )، ويكون للمنصوب الرجوع على المدعى عليه بأجره الذي تقدره المحكمة بناء على طلبه، وإذا حضر الخصم أثناء نظر الدعوى نظرت في مواجهته وله حق الدفاع وينحى المنصوب إلا أن يقره الخصم وكيلاً( ).
وهكذا تثبت الآثار القانونية للدعوى القضائية من حين مباشرة الخصومة في مجلس الحكم، أما إذا لم يباشر المدعي الخصومة في مجلس الحكم فلا ينتج عن الدعوى أي أثر قانوني، إلا في طلب الشفيع الشفعة من المشتري في مجلس العقد إن كان حاضراً أو مجلس العلم إن كان غائباً( )، فينتج الطلب أثره في قطع المدة بالرغم من وقوعه خارج مجلس الحكم، لأن الشفعة من أحد أسباب التملك الإجباري، والأصل فيها التسليم الطوعي للشفيع.

المبحث الثالث
شروط صحة الدعوى

28- تعريف الشرط، 29- النصوص القانونية، 30- شروط صحة الدعوى للشهادة والحكم.
288- تعريف الشرط: الشرط هو الذي لا يلزم من وجوده الوجود، ويلزم من عدمه العدم، وبيان ذلك أنه لا يلزم عند توفر أركان الدعوى وشروطها رفع الدعوى إلى القضاء، فقد يرفعها وقد لا يرفعها، إنما إذا أراد رفعها إلى القضاء فلابد أن تتوفر أركانها وشروط صحتها.
299- النصوص القانونية: قبل النظر في الموضوع اشترط القانون لقبول الدعوى شكلاً: صحة رفعها إلى المحكمة، وتوفر الصفة والمصلحة المشروعة، وعدم صدور حكم قائم بشأنها. فقال بشأن رفعها إلى المحكمة:
"يشترط لقبول الدعوى شكلاً أن تكون قد رفعت إلى المحكمة بالطريقة والإجراءات الصحيحة والمواعيد المنصوص عليها في القانون وإذا تبينت المحكمة نقصاً أو بطلاناً في الإجراءات أمرت باستكمال الناقص أو تصحيح الإجراء الباطل"( ).
وإذا عجز الخصم عن الاستكمال أو التصحيح في الميعاد الذي قرره القانون لإجرائه تقرر المحكمة عدم قبول الدعوى شكلاً( ).
وقال بشأن الولاية: "لا ينتصب أحداً خصماً عن غيره بصفته ممثلاً له في الدعاوى التي تقام إلا بوكالة أو ولاية أو وصاية"( ).
وقال بشأن المصلحة: "لا تقبل أي دعوى أو طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان: الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه( ). وتحكم بعدم القبول عند انعدام الصفة أو المصلحة.
وقال بشأن الدعوى التي صدر فيها حكم قائم: لا تقبل دعوى صدر فيها حكم قائم وتعتبر هي نفس الدعوى التي سبق الحكم فيها إذا اتحد الخصوم بصفاتهم القانونية، واتحد الموضوع وهو الحق المطالب به، واتحد السبب وهو العمل القانوني الذي يستند إليه للمطالبة بالحق ذاته، كما لا تقبل الدعوى إذا وجد أي مانع قانوني آخر منصوص عليه في القوانين النافذة( ).
300- شروط صحة الدعوى للشهادة والحكم: وتحاشياً للتكرار فقد سبق أن بينا شروط كل ركن من أركان الدعوى التي لا تقبل إلا بتوفرها في موضعه( )، ونضيف على ذلك بيان شروط صحة الدعوى للشهادة والحكم من حيث الموضوع وهي أربعة شروط نجملها في الآتي:
311- الشرط الأول: ثبوت يد المدعى عليه على الحق المدعى فيه حقيقة، أو حكماً، فالحقيقة كالدار والثوب ونحوهما، وحكماً جريها عليه في حال وإن قد خرج عنها وقت الدعوى كما لو كان معاراً أو قد تلف( ).
ولا يكفي في ثبوت يد المدعى عليه إقراره، أو نكوله عن اليمين، أو ردها على المدعي، لجواز أن يتواطيا على ملك الغير، وإنما لابد من البينة من أحدهما أنه في يده، إلا أن يقر المدعى عليه بأنه استرهنها من المدعي، أو غصبها أو استعارها منه فتصح الدعوى ويصح الحكم عليه حينئذ بإرجاعها، أو بقيمتها إن تعذر الاستفداء( ) لأن بيان السبب كإثبات اليد في ثبوت اليد، ويحكم باليد لا بالملك.
وتفصيل ذلك أن المدعي للشيء إما أن يذكر سببه أو لا؟ فإن ذكر السبب كأن يقول غصبه علي أو أعرته أو أجرته ونحو ذلك فإنه يحكم على المدعى عليه بوجوب الرد إذا أقام المدعي البينة، أو أقر المدعى عليه، أو نكل، أو حلف المدعي يمين الرد، وهنا لا يحكم للمدعي بالملك، وإنما بثبوت اليد، لأنه لم يدعه لنفسه( )، إلا إذا كان مضمون البينة أن المدعي اشتراه من المدعى عليه وهو يملكه فيحكم للمدعي بالملك.
أما إذا لم يذكر السبب وإنما قال هذا مالي: وأثبت بالبينة أنه في يد المدعى عليه صح الحكم ناجزاً بالملك والتسليم.
وأما إذا ثبت أنه في يد المدعى عليه بإقراره أو نكوله أو برد اليمين على المدعي صح الحكم مشروطاً بكون المدعى فيه في يد المدعى عليه، فإن انكشف أنه لا شيء بيد المدعى عليه لا حقيقة ولا حكماً ولا بأي وجه من الوجوه فلا يحكم الحاكم للمدعي لا ناجزاً ولا مشروطاً( )، وقد قيل أن هذا بالنظر إلى العين، أما الضمان فيضمن القيمة لأنها قد لزمت بإقرار المدعى عليه أو نكوله(2).
ويقابل السبب في الفقه القانوني مشروعية المصلحة، وأن تكون قانونية، سواء كانت مادية أو أدبية، وألا تكون مخالفة للنظام العام أو الآداب، وألا تكون اقتصادية، ومثال المصلحة غير القانونية أو الاقتصادية أن يطلب المدعي تنفيذ عقد مخالف للنظام العام أو الآداب، أو يطلب تاجر بطلان شركة تنافسه في تجارته دون أن يكون شريكاً فيها( ).
322- الشرط الثاني: تعيين الحق المدعى فيه بحد أو لقب أو وصف أو نحوه كل على حسبه، أي بمثل ما يعين المحل في عقد البيع، إلا في النقد المتفق والمختلف إذا كان التعامل به على سواء، وكذا سائر المثليات( )، فيكفي ذكر الاسم والقدر، إلا في القرض والغصب فلابد من ذكر الجنس والنوع والصفة.
وأما إذا كان قيمياً( ) باقياً فلابد من تمييزه بالاسم والوصف، وإذا لم ينضبط بالوصف كالجواهر النفيسة، أو كان تالفاً، أو ملتبساً بقاؤه وتلفه فلابد في الدعوى من ذكر القيمة والصفة والجنس والنوع ولو بالشرط كأن يقول: أدعي عليه ثوباً صفته كذا إن كان باقياً وقيمته كذا إن كان تالفاً.
فإذا لم تستوفِ فلا يلزم الإجابة عليها( ) أما متى كانت مستوفاة، وكان المدعى عليه حاضراً وجب عليه أن يجيب على الدعوى بالإقرار، أو الإنكار، ولا يشترط اللفظ بل يكفي المعنى، فإن امتنع اعتبر منكراً( ) وإن امتنع عن الحضور، أو كان غائباً وجب النصب عنه وفقاً لما أثبتناه آنفاً من الآثار القانونية المترتبة على توفر أركان وشروط الدعوى القضائية( ).
وعلى كل حال فمتى صحت الدعوى وأراد المدعي إقامة البينة أو اليمين المردودة، أو المتممة، أو المؤكدة، وجب على المدعى عليه إحضار المدعى فيه إلى مجلس الحكم للبينة عليه، أو الإشارة عند اليمين، وإن كانت شهادة فتقع على متيقن، ومؤنة الإحضار والرد عليه.
أما إذا لم يمكن إحضاره كالأراضي أو كان منقولاً قد تنوسخ من يد إلى يد فتكفي الشهادة على الوصف، وإذا شهد الشهود على صفته في يد المدعى عليه فيحبس حتى يسلمه، أو تمضي مدة تغلب على ظن الحاكم أنه لو كان باقياً سلمه، وبعد ذلك يسلم قيمته يوم الغصب( ) ما لم يكن مبيعاً فيسلم البائع الثمن المسمى إلى يد المشتري( ).
إلا إذا أراد المدعي تحليف المدعى عليه فلا يجب إحضار المدعى فيه، ولو كانت متممة أو مؤكدة أو مردودة( )، وكذلك ما يقبل كلية الجهالة كالنذر، والإقرار، والوصية، وعوض الخلع، والدية، والمهر، وعوض الكتابة، ونحو ذلك، فلا يشترط إحضاره ولا بيان أوصافه، فيصح أن يقول: أدعي أن فلاناً أقر لي، أو نذر لي، أو أوصى لي بشيء، فإن ذلك يصح وتجب الإجابة، وإذا ثبتت الدعوى فيحكم بالأقل، أو الوسط من ذلك الجنس إن تعذر التفسير( ).
ومما يلحق بقبول الدعوى مع الجهالة في بعض وقائعها دعوى القتل فتصح مجملة ولو لم يفصل بقوله عمداً، نحو: أن يدعي رجل على رجل أنه قتل أباه، وأطلق، ولم يبين في الدعوى عمداً ولا خطأ، فتصح دعواه ولا يثبت القود إلا بأن يشهدوا أنه قتله عمداً( ).
وقد ورد في المسألة قول آخر وهو: إذا كان المدعي قتلاً لزمه ذكر صفته وأنه عمداً أو خطأ، وأنه انفرد به أو شارك فيه غيره، ويذكر صفة العمد لأن القتل لا يمكن تلافيه، فإذا لم يبين لم يؤمن أن يقتص فيما لا يجب فيه القصاص( ).
ويظهر من كلا المسألتين أن الأصل في القتل الخطأ، وأن العمد لا يثبت إلا بالبينة، ولذلك تقبل الدعوى مع عدم البيان في المسالة الأولى، ويشترط في المسألة الثانية بيان العمد أو الخطأ في الدعوى احتياطاً من أجل القصاص الذي لا يمكن تلافيه، فالمضمون واحد في كلتيهما توفيقاً.
333- الشرط الثالث: شمول الدعوى للمبين عليه: وبيان ذلك وجوب أن تكون البينة مطابقة لوقائع الدعوى، فلو لم تشملها الدعوى فلا تصح الشهادة ولا الحكم.
ومثال الدعوى الشاملة: أن يدعي رجل على رجل مائة ألف ريال ويشهد الشهود بخمسين ألف ريال، أو يدعي القتل ويشهد الشهود بالجرح، ولابد من تبيين الجراحة هل هي موضحة أو غير موضحة، فإنها تصح الشهادة في الصورتين، ويحكم في الصورة الأخيرة بأرش الجرح، إلا أن تكمل الشهادة فبحسبها، وفي الأولى بخمسين ألف إلا أن تكمل الشهادة.
كذلك: لو ادعى على رجل ثوباً غير معين ووصفه وشهد الشهود أنه أقر له بثوب فإنها تصح الشهادة، وقد جوز الفقهاء صحة الشهادة لأن الثوب مما يصح ثبوته في الذمة، ويحكم له بالأدنى، وذلك بخلاف ما لو عينه فلا تصح الشهادة، لأنها على الإقرار، والإقرار غير شامل لما ورد في الدعوى.
وإذا ادعى داراً وذكر اسمها وحدودها، ثم بين بالإقرار بدار جملة لم يصح لأنه ادعى داراً معينة بخلاف الصورة الأولى فهو ادعى بثوب غير معين.
وقال العلامة ابن مفتاح بالقضاء بالصحة من غير فرق بين المسألتين، وقال جدنا أحمد الشامي: لا تثبت الدار المعينة ويفسر المقر ما أقر به( ) والعبرة في شمول الدعوى للمبين عليه بتفسير المقر بما أقر به، إذ الشهادة والدعوى مبنيتان عليه.
ومثال الدعوى التي لا تشمل المبين عليه أن يدعي خمسين ويشهد الشهود بمائة، أو يدعي الجرح ويشهد الشهود بالقتل ونحو ذلك فلا تصح الشهادة، وقد نص القانون على أن: ما لا تسمع فيه الدعوى لا تسمع فيه البينة لا العكس( ).
344- الشرط الرابع: أن تكون البينة غير مركبة: وبيان ذلك أن يبين مدعي الشراء ونحوه كالهبة والإجارة وسائر العقود أن الذي وقع عليه العقد لنفسه ومن مالكه، أو من يده يد المالك كالوكيل والوصي والولي فيبين على المدعى فيه ببينة واحدة واحدة فيقول في دعواه: اشتريتها لنفسي وباعها وهو يملكها أو ثابت اليد عليها، لأنه إذا لم يضف لنفسه جاز أن يكون اشتراها لغيره فضولياً أو وكيلاً وقد انعزل، ولأنه إذا لم يقل في دعواه من مالكها أو ثابت اليد عليها فلا تصح الدعوى لاحتمال أن البائع باع ما لا يملكه.
وعلى ذلك: لو بين على الشراء بشاهدين، وبين بشاهدين آخرين على أنه كان وقت البيع مالكاً فلا تصح هذه الشهادة لأنها مركبة( )، وفي أقوال أخر بأن الشهادة المركبة تصح للضرورة( )، وهو الأولى لتعلقها بصحة الدعوى والشهادة.
355- متعلقات الشروط: هذا ومتى توفرت شروط الدعوى شكلاً( ) وموضوعاً( ) وكان المدعى عليه حاضراً وجب أن يجيب على الدعوى( )، ولا يجوز أن يوقف خصم لمجيء بينة غائبة إلا لدفع مفسدة كخشية فرار المتهم بالجرائم فيجوز التوقيف (الحبس الاحتياطي) طبقاً للقانون( ) وذلك من سبعة أيام إلى ستة أشهر متى توفرت الشروط( )، وفي الفقه الإسلامي يكفل عشراً في المال وشهراً في النكاح وتوابعه، وهو تقدير تقريبي والمرجع فيه نظر الحاكم( ).
وبالمقابل لا يثبت حق بيد في ملك الغير، ولا في حقه ولا في حق عام، إلا ببينة قانونية، وتكون البينة على إقرار الخصم بالحق، أو على النذر، أو الوصية، أو استثناء الحق المدعى به، أو تقدم الإحياء في المباح أو وجود الآثار القديمة في السواقي( ).
والأمثلة على ذلك كأن يمر رجل في ملك الغير مدة، أو يسيح ماؤه إليه، أو له إليه ميزاب أو باب، أو نحو ذلك ولو كان له أثر ظاهر كأثر المرور للسير أو الماء ونحوه فرام صاحب الملك منعه، فادعى أنه يستحق ذلك فعليه البينة لأن الحقوق لا تثبت باليد.
ولا يجوز للشهود أن يشهدوا بالحق إلا إذا علموا ثبوته بغير اليد، إما بإقرار أو وصية، أو نذر، أو استثناء أو تقدم إحياء، وفي قول: أو بالقدم الذي لا يعرف أوله، والحد الأدنى للقدم ألا يعرف أوله الأقران.
وحسن المخرج لسقوط البينة عنه أن يدعي أن مجرى الماء أو الطريق ملكه فيكون القول قوله وتنقلب البينة على الذي رام منعه( ).
وبخصوص ادعاء الحق من المدعى عليه: نحو أن يقر بالدين، ويدعي الأجل، أو بالدار ويدعي أنها تحت يده رهناً أو إجارة، أو يقر بأنها لغير المدعي وديعة لديه، فإن لم يذكر السبب في الدعوى لم يسمع قوله ولو بين عليه لأنها دعوى لغير مدعٍ، وينزع من يده ويلزم بأدائه متى بيَّن المدعي أو نكل خصمه، أو حلف رداً.
وأما إذا ذكر السبب وبين عليه فقد صارت البينة للمدعي وهو من الشيء في يده: لأنه يدعي حق الانتفاع في المستأجر، وحق الحبس في الرهن، وحق الحفظ في الوديعة، فمتى أثبت السبب قبلت بينته على ما يدعيه من الحق.
إلا في حق المقر له إذا كان حاضراً وقبل الإقرار فتنصرف إليه الدعوى بدون ذكر السبب، وأما إذا كان غائباً، فإن لم يذكر المقر سبباً فلا يمنع هذا الإقرار من الحكم للمدعي بما ادعاه إذا أقام البينة، أو نكل المدعى عليه، أو حلف رداً لأن دعواه لغير مدعي، ولم تنصرف عنه الدعوى.
وأما إذا ذكر سبباً وأثبت أنه في يده بحق ذلك السبب من رهن أو نحوه قبلت بينته وانصرفت عنه الدعوى (أي لا تجب عليه اليمين) عند عجز المدعي عن البينة، أما إذا أقام المدعي البينة نزعه الحاكم من يد المدعى عليه ويقف بنظره حتى يحضر الغائب أو يوكل وغاية مدة الوقف إلى شهر( ) ولا ينصب عن الغائب لأنه غير مدعى عليه.
ومتى حضر الغائب أو وكيله فإن قبل الإقرار انصرفت الخصومة إليه، وإن لم يقبل فلا يحكم للمدعي إلا ببينة لأنها قد انصرفت على بيت المال( )، وفي قول لا تنصرف وتبقى على المقر، ولمن بيَّن.
ومما لا تصح فيه دعوى الحق كونها لغير مدعي: إذا أقر المدعى عليه بأن الشيء لطفله فلا يمين عليه.
كذلك: لا يصح إقرار الولي على الصغير ولا يمين عليه، إلا أن يكون قد قبض التركة، أو يدعى عليه بالإقرار لزمته اليمين، وللاستفداء حكمه.
كذلك: من ادعى شيئاً في يد غيره وبيَّن عليه، ثم أن المدعى عليه باعه من غيره فإن الحاكم يحكم على المشتري ولا يحتاج إلى إعادة الدعوى ولا البينة، إلا في النقود المزيفة أو رديئة الجنس فيقبل قول المقر، ومثال ذلك: لو ادعى رجل على آخر أنه غصب عليه دراهم أو أقرضه أو أودعها عنده فأقر المدعى عليه بها، لكنه قال بأنها مزيفة فإنه يقبل قوله مع يمينه إذا طلبت، ولا يحتاج إلى بينة مع جري العادة بالتعامل بها، فإن لم تجر العادة فلا يقبل قوله إلا ببينة( ).
ويبدو لنا: أن المدعى عليه طالما قد أقر بفرع الثبوت؟ فإن كان ملجئا كما في القرض والرهن، فلا يقبل قوله إلا ببينة لأنه مضمن، وإن كان غير ملجأ كما في الوديعة غير المأجورة وكل عين غير مضمنة فلا يقبل قوله لتقدم ما يكذب الدعوى، وهو الإقرار بفرع الثبوت، ولأنه غير ملجأ، ولأنه لو ادعى الرد قبل قوله بيمينه، وإذا حكم عليه بالضمان فسيحمل على الأقل، وذلك حملاً على التفرقة المرنة في قواعد الإثبات بين يد الضمان، ويد الأمانة، فتنبّه.

المبحث الرابع
عدم سماع الدعوى

36- تمهيد: قلنا آنفاً أن الآثار القانونية لا تترتب على الدعوى إلا متى اكتملت أركانها وشروط صحتها وقبلتها المحكمة، وبدأ المدعي بالخصومة الجدية من أول إجراء قانوني( ).
أما إذا لم تقبل فلا تسمع البينة( ) ولا يترتب عليها أثر قانوني، ونجمل أحوال عدم سماع الدعوى من حيث الموضوع، ومن حيث مضي المدة في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول
أثر الموضوع في عدم سماع الدعوى

37- انصوص القانونية، 38- التكذيب المحض، 39- التكذيب غير المحض، 40- دعوى الوارث بملك المؤرث.
37- النصوص القانونية: وقد نص القانون على أن الدعوى لا تسمع –بسبب في موضوعها- وذلك في أربع حالات:
الحالة الأولى: إذا تقدم ما يكذبها محضاً( ) والتكذيب على نوعين: تكذيب محض، وتكذيب ليس بمحض.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق
  1. نعم هذا القانون مفيد وفيه البيان الصحيح لكل المتحايلين علي القانون

    ردحذف
  2. ممتاز وياحبذاء لو تم فتح معاهد تاهيل للقضاة ليتم استيعاب ذلك

    ردحذف
  3. اكملوا بقية الشرح لطفا لا أمراً

    ردحذف
  4. ياريت تكملوا باقي الحلقات او تنزلو الكتاب بصيغة pdf

    ردحذف

إرسال تعليق

اذا أعجبك الموضوع فلماذا تبخل علينا بالردود المشجعة

التنقل السريع