القائمة الرئيسية

الصفحات

طامة كبرى .. محاكمة لم تدم سوى 6 دقائق على أكثر تقدير

محاكمة لم تدم سوى بضع دقائق على أكثر تقدير

طامة كبرى .. محاكمة لم تدم سوى 6 دقائق على أكثر تقدير


منقول للافادة: من دون تحفظ / تامرت عبد الحفيظ

محكمة الحراش ,,, هي أول جلسة أحضر فيها إجراءات المثول الفوري ,,, بين الإكتضاض الذي لا يطاق ينادى على متهم بمحاولة السرقة ليمتثل أمام الرئيس وفقا لإجراءات المثول الفوري ,,, تتقدم إلى جانبه ضحية ,,, بعد التأكد من هوية المتهم و تذكيره بحقه في أن يستعين بدفاع ,,, أنطلقت المحاكمة ,,,


محاكمة لم تدم سوى بضع دقائق على أكثر تقدير ,,, الضحية الظاهر عليها طالبة ,,, هزيلة الجسد وديعة الملامح ,,, تتحدث بثقة و طلاقة ,,, لقد أدخل يده و احسست بها وحين إلتفت إليه تراجع للخلف ,,, المتهم يفند الوقائع و ملامح الخوف تغمره ,,, في وجه شاحب ,,, وسيلة النقل كانت ممتلئة و لعلي لامستها لحظة الأندفاع فقط ,,, و ترتعش أطرافه التي يمسك بها خلف ظهره ,,, لتكمل الضحية كان رجال الضرطة بداخل وسيلة النقل و لقد أخبرتهم و ألقوا القبض عليه ,,,, تنتهي الوقائع


طلبات النيابة ,,, بجرد أن نطق بها ممثل الحق العام تقدم الشرطي أمام المتهم الذي إرتبك ليزداد إرتعاشا ,,, يصمت الجميع لحظة مباشرة الرئيس الكتابة لمنطوقه ,,,, كل هذا كما قلت في بضع دقائق على أكثر تقدير ,,,


إستقلالية القضاء ,,, مبادئ المحاكمة العادلة ,,, الحق في الدفاع ,,, قرينة البراءة ,,, الحقوق و الحريات ,,, كلها مصطلحات تعودنا الإستماع إليها ,,,


صراحة ,,, حاولت مغادرة الجلسة لامر شخصي ,,, أستعصى علي ذلك ,,, أكتضاض كنت قد اشرت إليه سابقا ,,,يعكسه الأعداد الكبيرة للملفات التي تحيط بالقاضي ,,, وبالمقابل أصوات تنبعث من الخلف ,,, ضجيج يستوجب تدخل القاضي لفرض الهدوء ,,,


في سنوات السبعينيات قدم مجموعة من الأطباء الباحثين في الأمراض العقلية و مختصين نفسانيين و علم السلوكيات أكتشافا يؤكد وجود نوع من القلق مرتبط بالوظيفة وظروفها ,,, أسطلح على تسميته " Burn out " وهو فقدان كلي للطاقة و القوة او بمعنى أدق التأكل من الداخل ,,, و هو أخطر مراحل أعراض الأرهاق التي تسببه بعض الوظائف ,,, إحباط و شعور متلازم باليأس ,,, جفاف عاطفي وعدم إحترام للذات ,,, لتنتقل لأعراض عضوية فقدان المناعة وضعفها ,,, و القائمة أشبه بأفلام الرعب ,,,


سجلت دراسة لإتحاد نقابات القضاة بفرنسا صادت في شهر فيفري 2015 تحت عنوان معاناة القضاة في العمل ,,, أن أعدادا معتبرة من القضاة بما فيهم الملتحقين الجدد يعانون من أعراض Burn out في مراحل متفاوتة ,,,


فهل هناك مجال للمقارنة ؟؟ بين ظروف عمل قضاتنا و القضاة في فرنسا مثلا ؟؟


و الله بحاجة للجلوس لدقائق مع صاحب فكرة المثول الفوري ,,, لمعرفة كيف أوجد معاني " إستقلالية القضاء " في مثل هذا الإجراء ,,, كيف أوجد تكريس حقوق الدفاع و الحريات في محاكمات تدوم 6 دقائق ؟؟ ,,,


أن سياسية " المحاسبة comptabilité " التي ينظر لها المشرع في إدراة عدد الملفات و طرق تقليصها لم تأخذ بعين الإعتبار تأثيرها على المتقاضي فقط ,,, فهي سوف تمس بمعاني العدالة ككل لتصل بها لمرحلة التآكل من الداخل ,,,


و أضرب مثالا بسيطا ما وقع اليوم ,,,


ترفع القاضي رأسها ,,, حكمت المحكمة ,,, إدانة بعام حبس موقوفة النفاذ ,,, شخصيا سررت للحكم و لمدة دقائق لم افكر سوى في أن المتهم الغير المسبوق عائد لأهله ,,,


لم أفكر في قرينة البراءة ,,, لم أفكر في مبدأ تكافئ الفرص ,,, كل ما شعرت به سرور لم أفهم حتى سببه ,,,


و أخشى أن يكون هذا حال القاضي الجزائري ,,, ففي الوقت الذي يجب فيه التفكير في تكريس مبادئ مثل عدم القابلية للعزل و النقل وغيرها من أوجه و مظاهر الأستقلالية و الحقوق و الضمانات ,,, والتي سبقنا إليها حتى الأخوة الأشقاء ,,, سوف يغرق في التفكير في عدد الملفات و الفصل فيها ,,, و سوف نتأكل جميعا يوما ,,

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع