القائمة الرئيسية

الصفحات

مخاطر الدعوى الإقرارية الجزء الاول

مخاطر الدعوى الإقرارية الجزء الاول

مخاطر الدعوى الإقرارية الجزء الاول
مخاطر الدعوى الإقرارية الجزء الاول
المحامي عارف الشعال 

بالرغم من كافة الضمانات التي أسبغها القانون والاجتهاد القضائي على الحكم الذي يكتسب الدرجة القطعية، ولكني كنت ولا أزال، لا أشعر بالارتياح للحكم الصادر بـ (دعوى إقرارية)، 


إذ مهما كان "السور" الذي يشيّده الحكم القضائي لحماية الحق حصيناً، يوجد دائماً في القانون "معاول هدم" يمكنها دكّه.
وفيما يلي دليلاً على ذلك:

بتاريخ 22 أيلول 2010 اشترى أخونا المحامي "عزت عساف" عقاراً في إحدى حواضر حمص، دفع ثمنه كاملاً للبائعة، وأبرما بذلك "عقد بيع قطعي".
وبنفس اليوم، استحصل الشاري الأستاذ "عزت" من البائعة على تفويض خطي بالإقرار نيابة عنها ببيع هذا العقار، دون أن يحق لها التنصل من تصرفه.
وبنفس اليوم أيضاً، قامت البائعة بتنظيم سند توكيل قضائي عام للأستاذ عزت للإقرار نيابة عنها بتثبيت بهذا المبيع.

بناء عليه قام الأستاذ عزت بعد أكثر من ثلاث سنوات قام بالإقرار نيابة عن البائعة التي باعته العقار، ببيعه لـ (زوجته)، بموجب (دعوى إقرارية)، صدر نتيجتها حكم عن محكمة الصلح بحمص بتثبيت المبيع لصالح الزوجة، وقد اكتسب الدرجة القطعية.
من الجدير بالذكر، أن وكيل زوجة الأستاذ عساف الذي مثّلها بالدعوى كان والدها، وهو محام أيضاً، 
وبالنظر لعلاقة القرابة هذه فمن الطبيعي أن يدرج الأستاذ عساف، اسم عمه المحامي في الوكالات التي ينظمها، ومن بينها طبعاً الوكالة التي نظَّمها للبائعة.

بعد عدة أشهر من انتهاء الدعوى الإقرارية، فاجأت البائعة الأستاذ عساف بإقامة دعوى عليه هو وزوجته، طلبت إبطال القرار الصادر بتثبيت البيع، وزعمت أنه تواطأ ضدها واستعمل وكالته بالإقرار عنها بدون وجه حق، متجاوزاً حدود وكالته على حد زعمها !! وطلبت من حيث النتيجة فسخ القرار الصادر بتثبيت البيع.

قامت محكمة الصلح بردّ الدعوى بطبيعة الحال استناداً لحجية الحكم المبرم الصادر بالنزاع (بالدعوى الإقرارية)، فاستأنفت البائعة القرار.

صُعق الأستاذ عزت بقرار محكمة الاستئناف التي قضت بالأكثرية بقبول الاستئناف، وبـ (انعدام) القرار الصادر بالدعوى الإقرارية، وإبطال التصرفات الناتجة عنه من نقل ملكية العقار المبيع لزوجة الأستاذ عزت، وإعادة تسجيله ثانية باسم البائعة!!
ومن المعلوم أن الانعدام هو السبيل الوحيد للنيل من الأحكام القطعية، بحسبان أن دعوى مخاصمة القضاة لا تقبل بهذه الحالة لانقضاء مدة الطعن بالقرار الصادر.

وقد انتهت محكمة الاستئناف المدنية الثالثة في حمص إلى أن انعدام القرار المبرم سببه ما يلي:

((البائعة ليست طرفاً في الدعوى "الإقرارية" وإن تمَّ التصرف القانوني باسمها، فهي طرف ثالث تطلب إبطال التصرف الذي تم بين وكيلها وزوجته لعلة التواطؤ والاجتهاد مستقر أن العقود والمنازعات بين الزوجين تقوم على قرينة التواطؤ!!!))

أي ان المحكمة هنا لم تعتبر البائعة ممثلة بالدعوى ولم تقم أي وزن أو اعتبار للوكالة التي نظمتها للمحامي الأستاذ عساف الذي أقرَّ بها !!!

وقالت المحكمة: 
((بما أن الوكيل "الأستاذ عساف" لم يقدم في هذه الدعوى، أي دفع موضوعي ينفي به التواطؤ المدعى به مع زوجته، بل العكس كل القرائن تثبت هذا التواطؤ))

في الواقع لم يبرز الأستاذ عساف الوثائق التي بحوزته والتي تثبت قيامه بشراء العقار وتفويض البائعة له بالإقرار، لأنه كان مطمئناً أنه لا يمكن النيل من حجية الحكم الذي يحوزه.

وذهبت المحكمة إلى أنه:
((لا يجوز الحكم على خصم دون سماع دفاعه، أو على الأقل دعوته إلى الدفاع عن نفسه، أي تمكين كل خصم من العلم بطلبات خصمه في المسائل التي يفصل فيها القاضي، بحيث تبدو الخصومة منهجاً جدلياً يكشف للقاضي حقيقة الدعوى من خلال الأضواء المتعارضة التي تلقى عليها، ومن مظاهرها وجوب توجيه المطالبة القضائية إلى الخصم الآخر بإعلان صحيفة الدعوى إليه، إذ أن الاجتهاد مستقر أن الحكم إذا فقد ركناً رئيسياً من أركانه عُدَّ معدوماً!!!))

وكأن المحكمة هنا لم تسمع بمصطلح "الإقرار" الذي نمَّ بالدعوى على الإطلاق !!!

وقالت أيضاً:
((إذا كان لا يوجد في أوراق الدعوى ما يدل على تبليغ المدعى عليه مذكرات الدعوى والإخطار، مما يجعل القرار صدر على شخص لم يتبلغ مذكرات الدعوى، وبالتالي فهو والعدم سواء لأنه صدر بدون خصومة، وإقامة الدعوى بعد سفر البائعة خارج القطر، يثبت تواطؤ المدعية مع زوجها وكيل البائعة))

نهج عجيب وخطير سلكته المحكمة بهذا الاتجاه الذي قوَّضت فيه آلاف الدعاوى الإقرارية التي تجري يومياً في المحاكم بمختلف أرجاء البلاد.
وقوَّضت "الإقرار" كأحد أهم وسائل الإثبات في قانون البينات!!!
وقوَّضت أي دعوى إقرارية تُرفع خلال سفر المدعى عليه خارج القطر!!!
وقوَّضت أي شروع بمحاكمة يتم إذا حضر خصم بالدعوى من تلقاء نفسه، بدون ورود مذكرة تبليغه، أي لا يجوز أن يعلم خصم بالدعوى مصادفة أو شفهياً ويحضر من تلقاء ذاته ويقر بها، وإنما يجب أن ينتظر المحضر ليبلغه الدعوى بشكل رسمي، ثم يقوم بإبداء أوجه الدفاع التي يقاوم بها الدعوى، وبعد ذلك يقوم بالإقرار بها كما تقول المحكمة !!!!

وقالت المحكمة أيضاً:
((حيث أن المحامي وكيل المدعية ووالدها، له اسم في وكالة المدعى عليها، يجعل الخصومة غير صحيحة، عملاً بالمادة 98 أصول محاكمات التي توجب تبليغ استدعاء الدعوى والأوراق المرفقة للمدعى عليها مما يجعل الحكم معدوماً))

غنيّ عن البيان أن هذا الاتجاه مخالف للمنطق، إذ بإمكان أي شخص أن يدرج أسم وكيل خصمه بالوكالة التي ينظمها لمحاميه، والعبرة في هذه الحالة باستعمال الوكالة من قبل المحامي،
كما أن هذا الاتجاه مخالف لطبيعة عقد الوكالة بأنه عقد يبدأ بإيجاب من الموكل، ولكنه لا ينعقد إلا بقبول صريح من الوكيل، ومخالف للاجتهاد المستقر في مثل هذه الحالات.

من الجدير بالذكر أن الأستاذ عساف، وبسبب إقامته بدمشق ونتيجة سوء الأوضاع الأمنية على الطريق لحمص وقتها، تخلّف هو وزوجته، عن جلسة استجواب قررتها المحكمة بحمص للوقوف على عملية البيع والإقرار، فخرجت المحكمة باستنتاج غريب مفاده:

((الوكالة عقد بتكليف الوكيل بالحضور والدفاع عن موكله، لا أن يقوم بسلب أملاك موكله بالتواطؤ مع زوجته !!!))

واضح أن هذه الحيثيّة التي جنحت إليها المحكمة فيها تجريح غير مقبول بحق المحامين، إذ تعتبر أي إقرار بدعوى بمثابة تواطؤ حتى يثبت العكس.

بالنتيجة قررت محكمة الاستئناف انعدام الحكم الصادر بالدعوى الإقرارية، وإلغاء كافة آثاره ومفاعيله،
وكان هذا القرار مبرماً بطبيعة الحال، لأن الدعوى صلحية في الأساس.

أما ما حصل بدعوى مخاصمة القضاة التي أقيمت نتيجة هذا الحكم، فهذا ما سنعرضه في الغد إن شاء الله.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع