القائمة الرئيسية

الصفحات

الالتزامات القانونية التي تستند إلى الإدارة المنفردة

الالتزامات القانونية التي تستند إلى الإدارة المنفردة 

الالتزامات القانونية التي تستند إلى الإدارة المنفردة
الالتزامات القانونية التي تستند إلى الإدارة المنفردة 

Reda Omran1

906 - هل تستطيع الإرادة المنفردة أن تفشي التزاماً ( ) : رأينا فيما تقدم أن العقد ، وهو تطابق إرادتين ، يعتبر مصدراً عاماً للالتزام ، فيما هي قيمة الإدارة المنفردة ، وهل تستطيع أن تنشئ التزاماً ؟ وإذا كانت تنشئ الالتزام ، فهل هي كالعقد مصدر عام للالتزام ، أو أن القانون يقتصر على الاستناد إليها لإنشاء التزامات قانونية محدودة بمقتضى نصوص قانونية خاصة؟ 


لاشك في أن الإرادة المنفردة ، وهي عمل قانوني صادر من جانب وأحد ( acte juridique unilatereal ) ، تنتج آثاراً قانونياً مختلفة فقد تكون سبباً لكسب الحقوق العينية كالوصية ، وسبباً لسقوطها كالنزول عن حق ارتفاق أو حق رهن ، وقد تثبت حقاً شخصياً ناشئاً عن عقد قابل للإبطال كالإجازة ، وقد تجعل عقداً يسري على الغير كالإقرار ، وقد تنهى رابطة عقدية كعزل الوكيل أو نزوله عن الوكالة . أما بالنسبة إلى إنشاء الحق الشخصي ( الالتزام ) أو إسقاطه ، فالإرادة المنفردة في القانون المدني الجديد تسقط الحق الشخصي بالإبراء ( م 371 ) ، وبقي أن نعرف هل هي أيضاً تنشئ الحق الشخصي؟ وقبل أن نعالج هذه المسألة في القانون المدني الجديد ، نستعرض فيها نظريتين متعارضتين . 


فالنظرية الفرنسية تذهب إلى أن الالتزام الذي يتولد عن عمل قانوني لا يكون مصدره إلا عقداً أي توافق إرادتين ، أما الإرادة المنفردة فلا تولد التزاماً . وهذه قاعدة ورثها القانون الفرنسي من تقاليد القانون الروماني والقانون الفرنسي القديم ، وأصبحت من القواعد المتفق عليها فقها وقضاء في فرنسا ( ) وفي مصر في عهد القانون القديم ( ) . ولكن نظرية ألمانية ذهبت إلى أن الإرادة المنفردة تنشئ التزاماً . وعلى رأس القائلين بهذه النظرية من الفقهاء الألماني سيجل ( sieget ) ، فقد ذهب إلى أن تقاليد القانون الحرماني تساعد على الاعتراف بتوليد الإرادة المنفردة للالتزام ، فمن يتعاقد إنما يلتزم بالإرادة الصادرة منه لا بتوافق هذه الإرادة معم إرادة المتعاقد الآخر ، ورتب على ذلك أن الإيجاب وحده ملزم ، فلا يستطيع من صدر منه الإيجاب أن يعدل عنه . وقد انتصر لهذه النظرية غير سيجل من الفقهاء الألمان كثيرون ( ) ، 


وساير الفقهاء الألمان بعض الفقهاء الفرنسيين ( ) . ويستند أنصار النظرية الألمانية إلى الحجج الآتية ( 1 ) القول بضرورة توافق إرادتين لإنشاء التزام يسد الباب دون ضروب من التعامل يجب أن يتسع لها صدر القانون . فلا يمكن بغير الإرادة المنفردة أن نفسر كيف يستطيع شخص لها صدر القانون . فلا يمكن بغير الإرادة المنفردة أن نفسر كيف يستطيع شخص أن يلزم نفسه بعرض يقدمه للجمهور ، أي لغير شخص معين وقد يكون الدائن غير موجود في الحال ولكنه سيوجد في المستقبل . أو يكون موجودا ولكن حال بينه وبين القبول حائل بأن مات قبل صدور القبول منه أو فقد أهليته ، ففي كل هذه الفروض ، وهي فروض تقع كثيراً في العمل ، لا يمكن القول بوجود الالتزام في ذمة المدين إذا حتمنا توافق الإرادتين ، فالقول بجواز إنشاء الإرادة المنفردة للالتزام يرفع هذا الحرج . ( 2 ) من الصعب أن تتوافق إرادتان توافقاً تاماً . 



ولا يمكن التثبت من توافقهما إلا إذا تعاصرنا في لحظة واحدة ، وهذا مستحيل في التعاقد بالمراسلة . بل هو أيضاً مستحيل حتى إذا وجد المتعاقدان في مجلس واحد ، فإن أحد المتعاقدين لا بد أن يسبق الآخر في إظهار إرادته وهذا هو الإيجاب ، ثم يتلوه الآخر فيظهر القبول . فالإيجاب والقبول يتعاقبان ، فإذا أردنا التأكيد من أنهما يتعاصران فيتوافقان ، فلا بد من أن نفرض أن من صدر منه الإيجاب قد ثبت على إيجابه حتى اقترن بالإيجاب القبول ، وهذا محض فرض نأخذ به كما نأخذ بإرادة مفروضة تزعم أنها هي الإرادة الباطنة . والأولي أن نتجنب هذه الفروض وان نواجه الحقيقة كما هي ، فالملتزم بالعقد إنما يلتزم بإرادته هو لا يتوافق مع إرادة الدائن ، فهو يوجد حقاً في ذمته لشخص آخر بمجرد إعلان إرادته ، ورضاء الآخر بهذا الحق هو مجرد انضمام ( adhesion ) تطلبناه حتى لا يكسب الدائن حقاً دون إرادته . وقد لا تتوافق الإرادتان ومع ذلك يوجد العقد كما إذا عدل الموجب عن إيجابه وكان الطرف الآخر قد صدر منه القبول قبل أن يعلم بعدول الطرف الأول . ( 3 ) ثم أنه ليس في المنطق القانوني ما يمنع من أن يلتزم الشخص بإرادته ، فالإنسان حر في أن يقيد نفسه في الدائرة التي يسمح بها القانون ، بل أن سلطان الإرادة هنا أشد نفاذاً منه في نظرية توافق الإرادتين ، إذ الإرادة المنفردة تصبح قادرة وحدها على إيجاد الالتزام ، وهذا أقصى ما يصل إليه سلطانها . أما القول بوجوب توافق الإرادتين فبقية من بقايا الأشكال الغابرة التي كانت تحد من سلطان الإرادة ، فقديماً كانت الإرادة لا توجد أثراً قانونياً إلا إذا اقترنت بأشكال معقدة ، فقديماً كانت الإرادة لا توجد أثراً قانونياً إلا إذا اقترنت بأشكال معقدة ، ثم اندثرت هذه الأشكال حتى لم يبق منها اليوم إلا النادر ، وأصبحت الإرادة هي التي توجد الأثر القانوني الذي تتجه إليه ، فالواجب أن نصل في هذا التطور إلى غايته المنطقية ، وان نقول بأن للإرادة السلطان حتى لو لم تقترن بها إرادة أخرى . على أننا نتطلب رضاء الدائن حتى لا يكسب حقاً بالرغم منه ، ولكن هذا الرضاء لا يوجد الالتزام ، بل إن الالتزام ينشأ بمجرد صدور إرادة المدين . 



ويعترض أنصار النظرية الفرنسية على النظرية الألمانية بما يأتي : ( 1 ) أن نظرية الإرادة المنفردة غير قائمة على أساس صحيح ، لأنه إذا أمكن فهم أن المدين يلتزم بإرادته المنفردة ، فلا يمكن أن يفهم كيف أن الدائن يصبح دائناً دون إرادته . فإذا قيل أن المدين يلتزم لغير دائن ، فما معنى هذا الالتزام وما قيمته؟ وإذا قيل أنه لا بد من إرادة الدائن حتى يصبح دائناً ، فهذا هو توافق الإرادتين ومنه ينشأ العقد ( 2 ) يقضى المنطق ذاته بعدم التسليم بنظرية الإرادة المنفردة . فإنه إذا قيل إن للإرادة المنفردة هذا السلطان ، وإن في مكنتها أن تولد التزاماً ، وجب القول أيضاً إنها تستطيع أن تقضي هذا الالتزام ، وما تستطيع الإرادة وحدها أن تستطيع وحدها أن تحله ، وبهذا يصبح التزام من التزم بإرادته المنفردة معلقاً على محض إرادته ، فيكون التزاماً منحلاً . ( 3 ) على أن نظرية الإرادة المنفردة مبنية على فروض غير صحيحة . فهي تفترض دائماً أن أحد المتعاقدين وزن الأمر قبل التعاقد ، وبت فيه بقرار نهائي ، وأعلن طفرة عن إرادته ، ولم يكن أمام الطرف الآخر إلا أن يقبل أو يرفض . مع أن الأمر غير ذلك . فالذي يقع في العمل عادة أن المتعاقدين يتفاوضان ، وما يزالان في أخذ ورد لا يستقل أحدهما بالأمر دون الآخر ، وكل إرادة تؤثر في الأخرى وتعدل من اتجاهها ، حتى تتوافق الإرادتان ، وعند ذلك يتم العقد . ومن هذا نرى أن إرادة الطرف الآخر ليست مجرد إقرار لإرادة الطرف الأول ، بل كثيراً ما تؤثر فيها ويتفاعلان حتى ينتج من تفاعلهما إرادة متحدة هي العقد ، فكلتا الإرادتين اشتركت في تكوين الالتزام ، ولم تستقل إحداهما بذلك كما يزعم أنصار نظرية الإرادة المنفردة . والآن بعد أن استعرضنا حجج الفريقين ، نفق قليلاً لتقدير مبلغ في نظرية الإرادة المنفردة من صحة . 



ونبدأ بملاحظة أن الاعتراضات التي يتقدم بها خصوم النظرية لا تصل من الخطر إلى حد أن تدك قواعدها . أما أن الدين لا يوجد دون دائن ، فقد قدمنا أن النظرية المادية تنظر إلى الالتزام كقيمة مالية أكثر منه رابطة شخصية ، ويترتب على هذا النظر أنه يمكن تصور دين دون دائن ما دام المدين موجوداً وقت نشوء الدين وما دام الدائن يوجد وقت تنفيذ الدين ولو لم يوجد قبل ذلك . أما القول بأنه إذا صح للإرادة المنفردة أن تنشئ التزاماً صح لها أيضاً أن تقضيه ، فهذا خلط بين أثر في العالم النفسي وأثرها في الروابط الاجتماعية . فإن الإرادة إذا أعلنت وعلم بها الغير فاطمأن إليها ، ولدت ثقة مشروعة يستطيع الناس الاعتماد عليها ، فوجب احترام هذه الحالة التي أوجدتها الإرادة المنفردة إذا عقدت التزاماً وحدها قد لا يستطيع وحدها أن تحله إذا حال دون ذلك وجوب استقرار التعامل . يبقى الاعتراض الثالث ، وهو أن العقد وليد مفاوضات تتفاعل فيها الإرادتان وتؤثر إحداهما في الأخرى . وهذا صحيح من الناحية النفسية أيضاً ، أما من الناحية الاجتماعية فمن الممكن أن نميز مرحلة تنتهي عندها هذه المفاوضات ويدخل الإيجاب في دوره النهائي ويصبح إيجاباً باتاً ولا شك في أن هذا الإيجاب البات قد أثرت فيه عوامل مختلفة قبل أن يصبح كذلك ، ومن أهم هذه العوامل إرادة الطرف الآخر ، ولكن لا شك أيضاً في أنه بعد أن أصبح إيجاباً باتاً صار منسوباً لإدارة من صدر منه ما دام قد ارتضاه في النهاية ، وعند ذلك يتحقق أن يكون أحد الطرفين قد تقدم بإرادة نهائية ليس للطرف الآخر إلا إقرارها . هذا إلى أن هناك أحوالاً كثيرة تقع في العمل ، يتقدم فيها أحد الطرفين بإيجاب بات لا تسبقه مفاوضات ومن ذلك ما يجري في عقود الإذعان . 



فنحن لا نرى فيما تقدم من الاعتراضات على النظرية الألمانية ما يصلح لهدمها . ولكننا مع ذلك لا نعتقد أن الفرق كبير من الناحية العملية بين النظريتين الألمانية والفرنسية . ذلك أن الأساس المنطقي للنظرية الألمانية هو أن الإرادة قادرة على إلزام صاحبها ما دام يلتزم في دائرة القانون ، ولا حاجة أن تقترن إرادة الدائن بإرادة المدين حتى ينشأ الالتزام . ونحن لا نرى لماذا لا يكون هذا صحيحاً من الناحية المنطقية فحسب ، بل من الناحية القانونية أيضاً . وما دام القانون قد وصل في تطوره إلى أن يجعل للإرادة سلطاناً في إيجاد الآثار القانونية ، فلماذا يقف سلطان الإرادة دون إنشاء الالتزامات ! يستطيع المدين إذن أن يلتزم بإرادته المنفردة ، ولكنه يستطيع أيضاً ، وطبقاً لسلطان الإرادة ذاته ، أن يتحلل من التزامه بإرادة المنفردة ما دامت هذه الإرادة لم تولد ثقة مشروعة . فالالتزام الذي يعقده المدين بإرادته التزام محلول . وإلى هنا لا يوجد فرق كبير بين النظريتين الألمانية والفرنسية . فالنظرية الأولي ترى المدين قد أوجد التزاماً بإرادته المنفردة ولكنه التزام ينحل عنه في أي وقت شاء ، والنظرية الثانية ترى المدين لم يوجد بإرادته المنفردة أي التزام . ولا يوجد فرق عملي كبير بين التزام غير موجود والتزام موجود ولكن يمكن التحلل منه . بقى أن النظرية الألمانية لا تسمح للملتزم بإرادته المنفردة أن يتحلل من التزامه إذا ولدت إرادته ثقة مشروعة لا يجوز الإخلال بها . وهذا لا يتحقق إلا إذا فرضنا أن إرادة المدين قد ولدت عند شخص معين . هو الدائن .


 ثقة مشروعة جعلته يطمئن إلى العمل بمقتضى هذه الإرادة . فإذا تحقق هذا الفرض ، وألزمت النظرية الألمانية المدين بإرادته المنفردة ، جاز للنظرية الفرنسية أن تقول بالتزام المدين أيضاً ، ولكن لا بإرادته المنفردة ، بل بتوافق إرادته مع الإرادة الضمنية للدائن وهي إرادة تستخلص من اطمئنانه لإرادة المدين والنزول على مقتضاها في تصرفه وسواء كان سبب التزام المدين في هذه الحالة هي إرادته المنفردة كما يقول الألمان ، أو العقد كما يقول الفرنسيون ، فالنتيجة العملية واحدة ، إذ المدين ملتزم التزاماً لا رجوع فيه في كلا القولين . 




على أننا مهما قربنا ما بين النظريتين ، فإنه لا يفوتنا أن الأساس الذي بنى عليه كل مهما لا يزال مختلفاً . وهذا الاختلاف في الأساس قد يؤدى إلى نتائج ذات نتائج ذات بال . ويكفي أن نشير هنا إلى أنه في الفرض الأخير الذي عالجناه ، إذا قلنا مع الألمان بالتزام المدين بإرادته المنفردة ، كان التزامه موجوداً منذ صدور هذه الإرادة . أما إذا قلنا مع الفرنسيين إن المدين يلتزم بتوافق إرادته مع إرادة الدائن ، لم يوجد الالتزام إلا عند توافق الإرادتين ، أي عند صدور الإدارة الضمنية من الدائن . ثم إن التمشي مع النظرية الألمانية يجعلنا نحذف العقد من بين مصادر الالتزام ، ونحل الإرادة المنفردة محله . أما النظرية الفرنسية فلا تفسح مجالاً للإرادة المنفردة بين هذه المصادر ، وتجعل العقد وحده هو العمل القانوني الذي ينشئ التزاماً . 



ومهما يكن من أمر فإن القانون الألماني ذاته لم يجعل الإرادة المنفردة مصدراً عاماً للالتزام ، بل أخذ بها على سبيل الاستثناء في حالات محددة على سبيل الحصر بمقتضى نصوص قانونية خاصة ( ) . أما المشروع الفرنسي الإيطالي فقد جعل من الإرادة المنفردة ، إلى جانب العقد ، مصدراً عاماً للالتزام ( ) . وسنرى الآن أن القانون المصري الجديد نهج منهج القانون الألماني ، فلم يجعل الإرادة المنفردة مصدراً للالتزام إلا في حالات محدودة وردت بها نصوص خاصة . 
907 - إلى أي حد أخذ القانون المدني الجديد بالإرادة المنفردة مصدراً للالتزام : 
كان المشروع التمهيدي للقانون المدني الجديد ينص في المادة 228 منه على ما يأتي
" 1 - إذا كان الوعد الصادر من جانب وأحد مكتوباً وكان لمدة معينة . فغن هذا الوعد يلزم صاحبه من الوقت الذي يصل فيه إلى علم من وجه إليه ما دام هذا لام يرفضه " . 

" 2 - وتسرى على هذا الوعد الأحكام الخاصة بالعقود ، إلا ما تعلق منها بضرورة وجود إرادتين متطابقتين لإنشاء الالتزام " . 
" 3 - يبقى الإيجاب في العقود خاضعاً للأحكام الخاصة به ، ويسري حكم المادة التالية على كل وعد بجائزة يوجه إلى الجمهور " ( ) . 
فكان هذا النص ، على غرار المشروع الفرنسي الإيطالي في مادته الستين ، يجعل الإرادة المنفردة مصدراً عاماً للالتزام ، مثلها في ذلك مثل العقد . وكان يشترط لذلك أن تكون الإرادة المنفردة مكتوبة ، وأن تحدد لها مدة معينة إذا رفضت في خلالها سقطت . أما إذا لم ترفض ، فإنها تكون ملزمة لصاحبها من الوقت الذي تصل فيه إلى علم من وجهت إليه ، شأنها في ذلك شأن كل تعبير عن الإرادة ويسرى على الإرادة المنفردة ما يسري على العقد من أحكام ، فيجب توافر الأهلية وخلو الإرادة مما يشوب الرضاء من عيوب ، وقيام محل تتوافر فيه الشرائط اللازمة ، ووجود سبب مشروع . ويستثنى من هذه الأحكام بداهة ما يتعلق بضرورة توافق الإرادتين ، ما دامت الإرادة المنفردة هي مصدر الالتزام ( ) . 


ولو بقى هذا النص فانتقل إلى القانون المدني الجديد ، لكانت الإرادة المنفردة مصدراً عاماً للالتزام كالعقد ، ولو وجب إفراد باب خاص بها تعالج فيه على النحو الذي رأيناه في العقد والعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب ( ) . ولكن النص حذف في لجنة المراجعة . وكان حذفه " عدولاً عن وضع قاعدة عامة تجعل الإرادة المنفردة ملزمة ، واكتفاء بالحالات المنصوص عليها في القانون من أن الإدارة المنفردة تنشئ التزاماً " ( ) . ويتبين من ذلك أن لجنة المراجعة رجعت بالإرادة المنفردة عن أن تكون مصدراً عاماً للالتزام ، كما كان الأمر في المشروع التمهيدي ، إلى أن تكون مصدراً للالتزام في حالات استثنائية ترد في نصوص قانونية خاصة . على هذا النهج سار المشروع في سائر مراحله حتى أصبح قانوناً . 
908 - الالتزامات التي تفتشها الإرادة المنفردة في القانون المدني الجديد هي التزامات قانونية ومصدرها المباشر هو القانون : ولم تنتبه الهيئات المختلفة التي تعاقبت على نظر مشروع القانون المدني ، منذ لجنة المراجعة ، لهذا التغيير الجوهري في مصدر الالتزامات التي تنشئها الإرادة المنفردة . فقد كان المصدر المباشر لهذه الالتزامات ، وفقاً للمشروع التمهيدي . هي الإرادة المنفردة ذاتها . وقد ارتقت إلى مقام العقد ، فأصبحت مصدراً عاماً للالتزام ومن ثم عقد المشروع التمهيدي للإرادة المنفردة فصلاً خاصاً بها ، كما عقد فصولاً خاصة للمصادر العامة الأخرى وهي العقد والعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب ولكن بعد أن نزلت لجنة المراجعة بالإرادة المنفردة إلى أن تكون مصدراً للالتزام في حالات استثنائية ، وبمقتضى نص خاص ، لم تعد الإرادة المنفردة مصدراً عاماً للالتزام ، وأصبحت الالتزامات الناشئة عنها لا تقوم بمقتضى أصل عام يقرره القانون ، بل تقوم بمقتضى نصوص قانونية خاصة ، فأصبح نص القانون هو المصدر المباشر لهذه الالتزامات ومن ثم كان الواجب اعتبار أي التزام ينشأ من الإرادة المنفردة التزاماً مصدره القانون ، وحذف الفصل الخاص المعقود للإرادة المنفردة التزاماً مصدره القانون . وحذف الفصل الخاص المعقود للإرادة المنفردة في المشروع التمهيدي . وإدماجه في الفصل المعقود للقانون كمصدر مباشر للالتزام . وهذا ما فات لجنة المراجعة وما نلاها من الهيئات أن تفعله . 


ولم نرد أن نساير هذا الخطأ في التبويب . فلم نعقد للإرادة المنفردة باباً خاصاً بها يأتي بعد الباب المخصص للعقد ، كما فعل القانون المدني الجديد ، بل أرجأنا الكلام فيها إلى أن نتكلم في الالتزامات التي يكون القانون هو مصدرها المباشر . فنجعل الالتزامات التي تنشئها الإرادة المنفردة تدخل في هذا النطاق . 


فالقاعدة إذن في القانون المدني الجديد أن كل التزام تنشئه الإرادة المنفردة لا بد أن يرد في نص قانوني . ويعتبر هذا النص هو مصدره المباشر ، وهو الذي يعين أركانه ويبين أحكامه . 

وقد وردت نصوص متناثرة في نواحي القانون تجعل الالتزام ينشأ من إرادة منفردة . نذكر من ذلك : 
( 1 ) الإيجاب الملزم . وقد ورد فيه النص الآتي ( م 93 ) : " 1 - إذا عين ميعاد للقبول التزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضي هذا الميعاد . 


( 2 ) المؤسسات ، وقد ورد فيها النص الآتي ( م 70 فقرة 1 ) : " يكون إنشاء المؤسسة بسند رسمي أو بوصية " . فإرادة المنشئ المنفردة هي التي توجد المؤسسة . وهذه الإرادة يصدرها صاحبها لتنتج أثرها إما في حياته أو بعد موته بوصية . ثم يلتزم المنشئ بإرادته المنفردة لتنتج أثرها إما في حياته ، أو بعد موته بوصية . ثم يلتزم المنشئ بإرادته المنفردة أيضاً أن ينقل إلى المؤسسة التي أنشأها ملكية ما تعهد به من المال الذي خصصه لها . ومن ثم نرى أن الإرادة المنفردة هنا أوجدت شخصاً معنوياً ، وأنشأت التزاماً نحو هذا الشخص المعنوي ( ) . 


( 3 ) تطهير العقار المرهون رهناً رسمياً ، وقد ورد فيه النص الآتي ( م 1066 ) : " يجب على الحائز أن يذكر في الإعلان أنه مستعد أن يوفي الديون المقيدة إلى القدر الذي قوم به العقار . وليس عليه أن يصحب العرض بالمبلغ نقداً ، بل ينحصر العرض في إظهار استعداده للوفاء بمبلغ واجب الدفع في الحال أياً كان ميعاد استحقاق الديون المقيدة " . ويؤخذ من هذا النص أن الحائز يلتزم بإرادته المنفردة أن يوفي الديون المقيدة إلى القدر الذي قوم به العقار ، وذلك بمجرد إعلانه رغبته في تطهير العقار بتوجيهه إلى الدائنين المقيدة حقوقهم إعلانات على النحو المبين في المادة 1065 . 

( 4 ) الوعد بجائزة الموجه إلى الجمهور ، وقد ورد فيه نص المادة 162 . ولما كان هذا النص ينشئ التزاماً قانونياً أولي مكان ببحثه هو هذا الباب فسنتولى بحثه تفصيلاً فيما يلي ( ) .
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع