القائمة الرئيسية

الصفحات

الدساتير الانقلابية في العراق ا.د.عدنان عاجل عبيداستاذ القانون الدستوري

الدساتير الانقلابية في العراق ا.د.عدنان عاجل عبيداستاذ القانون الدستوري
الدساتير الانقلابية في العراق ا.د.عدنان عاجل عبيداستاذ القانون الدستوري 




الدساتير الانقلابية في العراق ا.د.عدنان عاجل عبيداستاذ القانون الدستوري



شهدت الحقبة الممتدة من 14 تموز 1958 الى 9 نيسان من عام 2003 منعطفاً خطيراً في تاريخ العراق السياسي والدستوري اذ طرأت فيها احداث وصراعات كان الهدف منها احكام القبضة على السلطة قدر الامكان. وقد تميزت هذه الحقبة بتدخل القوات المسلحة في شؤون السياسة والحكم مما اضفى على السلطة طابعا عسكريا.


وكان من اهم تلك الاحداث حركة 14 تموز لعام 1958


 وحركة 8 شباط لعام 1963 وحركة 18 تشرين الثاني لعام 1963 وحركة 17 تموز لعام 1968.


هذا ويجمع الفقه العراقي على تسمية تلكالحركات بالثورات باستثناء حركة 18 تشرين الثاني لعام 1963 اذ يصفها بالانقلاب. ولم نقف على المبرر الدستوري والقانوني الذي حدا بالفقه الى الركون لهذا التوصيف ،ومرد ذلك يكمن في اسباب سياسية لا تمت الى علم القانون بصلة تقوم على رفع بعض الاحداث الى مستوى الثورة والهبوط بالاخرى الى مستوى الانقلاب تبعاً لاهواء القابضون على السلطة الحريصون على تصفية بعضهم بقوة .


طرأت على تأريخ العراق السياسي خلال الحقبة الممتدة من عام 1958 – 2003 اربعة حركات الاولى حركة 14 تموز لعام 1958 والثانية حركة 8 شباط لعام 1963 والثالثة حركة 18 تشرين الثاني لعام 1963 والرابعة حركة 17 تموز لعام 1968. وتذهب غالبية الفقهاء الى وصف اغلبها بالثورات في حين انها انقلابات بملء السمع والبصر .


اذ يعمد القائمون بالانقلاب الى تكريس نجاح حركاته بوضعها في اطار قانوني


 من خلال اصدار دستور يحدد نظرتهم الى ممارسة السلطة وكيفية تشكيلها. هذا وقد صدرت اثناء الحقبة الممتدة في عام 1958 الى عام 2003 ستة دساتير وقد نطلق عليها مصطلح دستور تجاوزا . وهي:-


- دستور 27 تموز لعام 1958.

- دستور 4 نيسان لعام 1963.

- دستور 22 نيسان لعام 1964.

- دستور 29 نيسان لعام 1964.

- دستور 21 ايلول لعام 1968.

- دستور 16 تموز لعام 1970.

- من خلال العرض السابق للحركات الواقعة في العراق من عام 1958 الى عام 2003 يطفو مفهوم جديد على السطح القانوني الا وهو الدستور الانقلابي الذي يمكن ان نعرفه بانه الوثيقة المكتوبة العليا التي يضعها الانقلابيون بعد نجاح حركتهم لإعادة ترتيب الاوضاع بما يتلاءم مع احكام قبضتهم على السلطات متجاهلين الاسس الديمقراطية في وضع الدساتير وما تضمنته من احكام . 



وعلى هذا الاساس تسمى هذه الوثائق بالدساتير تجاوزاً لفقدانها الاسس والمعايير الدستورية ، فيها اما ان تنص على انها دستوراً في متنها كما ورد في قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم 25 لسنة 1963 وقانون المجلس الوطني رقم 61 لسنة 1964 ، او تتصدرها تسمية الدستور كدستور 27 لعام 1958 ودستور 29 نيسان لعام 1964 ودستور 21 ايلول لعام 1968 ودستور 16 تموز لعام 1970 . 

- ولهذا يمكن تحديد ملامح هذه الطائفة من الدساتير بفقدانها الشرعية واقترانها بصفة التأقيت غير المحدد وتركيزها للسلطات وافتقارها للرقابة على دستورية القوانين وارتباطها بمن وضعوها . 

- الدساتير الانقلابية فاقدة الشرعية


- ترتبط فكرة الشرعية في مجال القانون الدستوري بطريقة وصول الحكام الى السلطة فاذا كانت السلطة منتقلة بطريق ديمقراطي يكون للشعب فيه الكلمة الفصل عُدت السلطة شرعية ، اما اذا انقلت بطريق عنيف فلا تعد كذلك . 


- ويُعد الدستور الموضوع من الشعب بصورة مباشرة عن طريق الجمعية التأسيسية المنتخبة او بصورة مباشرة عن طريق الاستفتاء الدستوري ، الطريق الشرعي الذي يؤمن تداول السلطات وانتقالها بالطرق الديمقراطية , وبما ان الدستور الانقلابي وضع من قاموا بالانقلاب دون الاحتكام الى الشعب بوصفه مصدراً للسلطات لذا يُعد دستوراً غير شرعي لانفصام الرابطة بينه وبين مصدره الشرعي ، فهو دستور فعلي يعمل في نطاق الوقائع لا القانون ، فضلاً عن تجاهله للحقوق والحريات الاساسية ليكون حالة كحال الوليد المشوه الذي يحيا حياة سقيمة. 


- الدساتير الانقلابية مؤقتة


- الى اجل غير مسمى

- تقترن الدساتير الانقلابية بصفة التأقيت ، اذ يحاول واضعوها الاقتناع بان وضعها الحالي يستلزم وجودها تثبيتا للأوضاع الجديدة ريثما تحل الحياة النيابية باستقرار الحال . 

- هذا وقد اقترنت عناوين دستور 27 تموز لعام 1958 ودستور 29 نيسان لعام 1964 ودستور 21 / ايلول 1968 ودستور 16 تموز لعام 1970 بصفة التأقيت وبالرغم حرص واضعوا تلكم الدساتير على تأقيتها الا انها في حقيقتها غير مؤقتة لسببين : 

- الاول : عدم تحديد مدة التأقيت وبالتالي عدم تقيد واضعوها باجل محدد . 

- الثاني : لقد اثبتت الواقع العلمي تطبيقها لفترات طويلة ، ففي الوقت الذي طبق فيه القانون الاساسي لعام 1925 ثلاثة وثلاثون عاماً طبق دستور 16 تموز لعام 1970 المدة ذاتها رغم انه دستور مؤقت 

- الدساتير الانقلابية تركز السلطات


- لا مجال للحديث عند مبدأ الفصل بين السلطات والذي يعد قوام الدساتير الديمقراطية في ظل الدساتير الانقلابية والتي حرصت على تركيز السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية بيد الانقلابين الذين اسسوا لهم مؤسسة تعرف بالمجلس الوطني لقيادة الثورة او مجلس قيادة الثورة لتمارس السلطات كلها . 

- وما من شك ان هذا الحال يلغي دولة المؤسسات الدستورية التي تقوم على توزيع السلطات على اكثر من جهة وفصلها عن بعضها كيلاً تكون مدعاة لاهدار الحقوق والحريات كما انه يصادر الحياة البرلمانية القائمة على وجود برلمان يضم ممثلي الشعب ينوبوا عنه في عملية سن القوانين ومراقبة اداء الحكومة ، فهنالك علاقة عكسية بين تركز السلطات وكفالة الحقوق والحريات فكلما وزعت السلطات تمتع الافراد بالحقوق والحريات والعكس بالعكس . 


- ولهذا يمكن القول بان ظاهرة الدساتير الانقلابية هي الواجهة القانونية للنظام الدكتاتوري لا بل انها الدكتاتور بعينه سواء اكان شخصاً او حزباً . 


- الدساتير الانقلابية مفتقرة للرقابة على دستورية القوانين


- وئدت الرقابة على دستورية القوانين في العراق بإلغاء القانون الاساسي لعام 1925 بانقلاب الثامن من شباط لعام 1958 . ولم يتطرق أي دستور في الحقبة الممتدة من 1958 الى عام 2003 الى موضوع الرقابة على دستورية القوانين باستثناء دستور 21 / ايلول لعام 1968 الذي نص على تشكيل المحكمة الدستورية العليا في المادة 87 وبالاستناد اليه صدر قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 159 لسنة 1968 ، الا انه لم يطبق لعدم تقبل الواقع السياسي القائم على تسلط الثلة الحاكمة لفكرة وجود جهة محايدة تعمل على الغاء القوانين المخالفة لاحكام الدستور الى الحد الذي وضع جانب من الفقه الى تبرير ذلك بالقول بان الرقابة على دستورية القوانين في العراق خلال تلك الحقبة سقطت بعرف مسقط . 

- ولهذا اخذ حال الحقوق والحريات كحال الهشيم التي تذروه رياح سيطرة العسكريين على مقاليد الحكم لتحل دولة البوليس محل دولة القانون التي ينعم في ظلها الفرد بالحرية والرخاء . 

-

- الدساتير الانقلابية مشخصنة


- نقصد بشخصنة الدساتير تأثر نصوصها بأفكار وتوجهات القابض على السلطة والذي يحاول ان يجسد افكاره ورؤاه بنصوص دستورية ، ولهذا ارتبط دستور 27 تموز لعام 1958 بالزعيم عبد الكريم قاسم ، ودستوري22 نيسان لعام 1964 و 29 نيسان لعام 1964 بالعقيد عبد السلام عارف ، ودستوري 21 ايلول لعام 1968 و 16 تموز لعام 1970 بحزب البعث . 

- وخير دليل على ذلك نصها الصريح على الاسماء المجردة فمثلاً نجد ان دستور 4 نيسان لعام 1963 عرف المجلس الوطني لقيادة الثورة بانه الجهاز الثوري الذي اسقط نظام حكم عبد الكريم قاسم (27) ، كما منع عبد السلام عارف اعضاء المجلس الوطني السابقين على انقلابه في 18 تشرين الثاني لعام 1963 من أي راتب تقاعدي في المادة ( 10 ) من دستور 22 نيسان لعام 1964 ، كما نص دستور 16 تموز لعام 1970 ( دستور حزب البعث ) على اسماء اعضاء مجلس قيادة معدداً اسماؤهم المجردة من المادة ( 37 / ب ) . 

- وفي هذا المقام نجد تجاهلاً واضحا للاصل الذي تبنى عليه فكرة الدستور في وضعه الاحكام الاجمالية التي ترسم التوجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة دون الولوج في التفاصيل والجزيئات غير الثابتة ، فليس من المعقول ان يُعدل الدستور عند وفاة من ورد اسمه فيه او ابدا له ! ؟ 

- وعليه استعان القابضون على السلطة في العراق بنصوص الدستور ليصفوا خصومهم او يخلدوا اسماؤهم اهذه هي وظيفة الدستور ؟! 

- وهكذا مر العراق باحرج فترات التاريخ اذ قادته مآرب الدكتاتورية ونقمتها الى تجرع مرارة الاحتلال عام 2003 لينتهي النظام الدكتاتوري وكعادته بكارثة . 
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع