القائمة الرئيسية

الصفحات

بحث جريمة الاختلاس - العقوبة المقرر لها

{ سلسلة قانونية - جنائية - توعوية }

( 25/ ج ) جريمة الاختلاس :

 بحث جريمة الاختلاس
 بحث جريمة الاختلاس 

ثالثا : خطورة جريمة الاختلاس :


إن هذه الجريمة بصورتيها : اختلاس المال ، والاستيلاء عليه أو تسهيل الاستيلاء عليه للغير تعد إحدى جرائم سؤ استخدام السلطة أو سؤ استغلال الوظيفة العامة ، كما أنها تعتبر من اخطر الجرائم التي تلحق ضررا كبيرا بالمصلحة العامة ، والوظيفة العامة ، وبالاموال العامة والخاصة التي في يد الدولة أو احدى المؤسسات أو الجهات التابعة لها . وتبدو هذه الخطورة لجريمة الاختلاس من خلال الآتي :

1- إنها جريمة تضر بالقيم الاخلاقية والدينية لافراد المجتمع ، وبمبادئ العدالة الاجتماعية .

2- إنها تضر بالمصلحة العامة ، وتفقد الثقة لدى المواطنين بمؤسسات الدولة .

3- إنها تمس الوظيفة العامة فتزعزع الثقة بنزاهتها وتضعف احترام المواطنين لها .

4- إنها تهدم كيان الدولة وبنيانها المؤسسي واقتصادها الوطني .

5- إنها تضر بالاموال العامة المملوكة للدولة او لأحدى مؤسساتها او هيئاتها ، وكذلك تضر بالاموال الخاصة للمواطنين التي في يد الدولة أو احدى الهيئات التابعة لها .

6- إنها تؤدي الى انتشار الفساد المالي والإداري في مؤسسات وأجهزة ومرافق الدولة ، مما يؤثر سلبا على مختلف نواحي الحياة في المجتمع ، فيختل النظام العام وتضعف سيادة القانون ، ويتزعزع الاستقرار الأمني ، وتتوسع رقعة الفقر والبطالة ، وتتدهور الخدمات العامة ، ويتدنى مستوى التعليم ، وتسؤ الرعاية الصحية والاجتماعية ... الخ

7- إنها تلحق ضررا بالخزينة العامة ، وتساهم في حدوث عجزا في الموازنة العامة للدولة .

8- إنها تعمل على اضعاف هيبة الدولة ، وتجعلها عاجزة عن القيام بواجباتها تجاه مواطنيها ، وبالتالي الاضرار بحقوقهم التي كفلها الدستور ، ونصت عليها القوانين المختلفة.

9- أنها قد تتسبب باضرار تمس حياة وسلامة المواطنين , خاصة إذا كان المال العام المختلس له صلة بمشاريع للدولة أو يتعلق بامور تقوم بها وتتصل بحياتهم وسلامتهم .

وغيرها من الامور التي تكشف عن خطورة جريمة الاختلاس .


رابعا : عقوبة جريمة الاختلاس :


قرر المشرع اليمني لجريمة الاختلاس بصورتيها ( اختلاس المال ، والاستيلاء عليه أو تسهيل الاستيلاء عليه للغير ) عقوبة الحبس الذي مدته لاتزيد على سبع سنوات ، وذلك إذا صاحب الاختلاس نية الجاني تملك المال الذي اختلسه أو الذي استولى عليه أو سهل الاستيلاء عليه للغير ، إذ عد المشرع اليمني الفعل الاجرامي المرتكب في هذه الحالة فعلا خطرا ، واعتبره جريمة جسيمة ، أما في حالة لم يقترن الاختلاس بنية تملك المال ، أي أن الجاني اختلس المال أو استولى عليه بقصد استعماله ومن ثم قام برده ، فإن العقوبة المقررة لذلك في القانون هي الحبس مدة لاتزيد على ثلاث سنوات ، أي أن المشرع اليمني اعتبر الفعل الاجرامي الواقع في هذه الحالة اقل خطورة مقارنه بالفعل السابق ، لذا عده من الجرائم غير الجسيمة .


( انظر في عقوبة هذه الجريمة : نص المادة " 162 " من قانون الجرائم والعقوبات اليمني )


إلا أنه رغم ذلك يلاحظ من خلال هذا النص القانوني أن المشرع اليمني لم يقرر عقوبة رادعة لمرتكبي جريمة اختلاس المال العام بصورتيها ، مقارنة بمرتكبي جريمة سرقة المال الخاص !! رغم أن خطورة جريمة الاختلاس والاضرار المترتبة عنها ، سواء كانت اضرار مباشرة أو غير مباشرة أو اضرار مادية أو معنوية تفوق كثيرا خطورة جريمة السرقة والاضرار الناتجة عنها .

فعقوبة جريمة الاختلاس بصورتيها كما ذكرت آنفا هي الحبس الذي لاتزيد مدته على سبع سنوات إذا توافرت نية تملك المال المختلس أو المستولى عليه لدى الموظف العام (الجاني) أو الحبس الذي لاتزيد مدته على ثلاث سنوات إذا قصد الجاني استعمال ذلك المال ومن ثم رده ، بينما عقوبة جريمة السرقة وفقا لنص المادة ( 298) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني هي قطع اليد اليمنى للسارق من الرسغ حدا ، فإذا كرر السرقة بعد ذلك تقطع رجله اليسرى من الكعب ، فإذا ارتكب ذات الجريمة للمرة الثالثة يستبدل القطع بالحبس مدة لاتزيد على خمسة عشر سنة ، وذلك في حالة توافر شروط تطبيق حد السرقة المنصوص عليها في المادة ( 294) من القانون ذاته ، وهي :

- أن تكون سرقة المال قد تمت خفية ومن دون رضاء صاحبه .

- أن يكون المال المسروق منقولا ومملوكا للغير ، ومما يصح تملكه .

- أن يبلغ هذا المال النصاب المحدد له شرعا وقانونا ، وهو مثقال من الذهب يساوي نصف جنيه ذهب ابو ولد ، وتقدر قيمته بالريالات اليمنية . ( كما ورد في نص المادة 295 من القانون ذاته )

- أن تقع السرقة خفية ، وعلى ذلك النصاب من المال في غير شبهة ، ومن حرز مثله بقصد تملكه .

( انظر في تعريف حرز مثل المال نص المادة 296 من ذات القانون )

فإذا كان القانون اليمني يعاقب المواطن العادي الذي يسرق مال خاص مملوك للغير بلغ نصابه الشرعي نصف جنيه ذهب أبو ولد ، أي مبلغ (36850) ريال يمني فقط ( وهو قيمة هذا الذهب بسعر اليوم ) بقطع يده اليمني من الرسغ ، إذا توافرت شروط تطبيق هذه العقوبة الحدية التي نص عليها القانون وذكرتها آنفا ، فإنه يتعين عليه معاقبة الموظف العام الفاسد باضعاف تلك العقوبة ، والذي يسرق ، أي يختلس أو يستولي بغير حق على مال عام مملوك للشعب ، قد يبلغ مقداره ملايين الريالات ، واحيانا قد يصل الى مليارات الريالات ، خاصة وأن هذا الموظف العام الفاسد غالبا ما يشغل منصبا قياديا في أي من أجهزة أو مؤسسات أو مرافق الدولة أو يكون مسؤولا حكوميا فيها ، وبيده سلطة الدولة أو له صلاحيات عديدة ، بدلا من معاقبته بالحبس الذي لاتزيد مدته على سبع سنوات في حالة توافرت لديه نية تملك المال الذي اختلسه أو استولى عليه كما جاء في نص المادة ( 162) من ذلك القانون ، نظرا لخطورة هذه الجريمة وجسامة الضرر المترتب عنها , وكذلك خطورة مرتكبيها ، مقارنة بجريمة السرقة الواقعة على المال الخاص ..

وعليه ، وفي سبيل مكافحة جرائم الفساد الحكومي ، والوقاية من جرائم الاختلاس أو القضاء عليها ، وبهدف تجنب الاضرار المختلفة الناشئة عن هذه الجرائم ، والتي تلحق بالمصلحة العامة والوظيفة العامة ، وكذلك بالاموال العامة و الاموال الخاصة للمواطنين التي في حوزة الدولة ، ونتيجة لعدم تحقيق تلك العقوبة المقررة حاليا في القانون لهذا النوع من الجرائم لﻷغراض المطلوبة ، خاصة الردع والزجر ، وهذا يبدو من خلال توسع رقعة الفساد المالي والاداري الحكومي ، وانتشار هذه الجرائم في هيئات ومؤسسات ومرافق الدولة ، فإني أقترح على المشرع اليمني إجراء تعديل في نص المادة ( 162) من قانون الجرائم والعقوبات ، بحيث يتم تشديد عقوبة جريمة الاختلاس ، لاسيما في حالة توافر نية تملك المال لدى الجاني عند اختلاسه أو استيلائه عليه ، أي أنه لم يكن يقصد استعماله ومن ثم رده ، وذلك من خلال جعل عقوبة هذه الجريمة هي الاعدام تعزيرا أو الحبس الذي لاتزيد مدته على خمسة عشر سنة , ولاتقل عن سبع سنوات ، بدلا من عقوبة الحبس مدة لاتزيد على سبع سنوات المقررة حاليا في القانون ، خاصة في حالة توافر أيا من الظروف المشددة للعقوبة ، كأن تتسبب هذه الجريمة في موت شخص أو اصابته بضرر جسيم في بدنه أو صحته أو في حالة أن يكون مقدار المال العام المختلس ضخما أو ترتب عن فعل الاختلاس اضرارا مادية جسيمة أو ارتكب الجاني عدة جرائم اختلاس ولم يضبط في أي منها أو كانت له سوابق اجرامية تمس المصلحة العامة أو شرف الوظيفة العامة ونزاهتها أو في حالة تعدد الجناة في ارتكاب هذه الجريمة، أي أن يرتكب الجريمة شخصين أو اكثر ، وغيرها من ظروف تشديد العقوبة .

أما إذا ثبت بأن الاختلاس كان غير مصحوب بنية الموظف العام ( الجاني ) تملك المال المختلس ، أي كان قصده من الاختلاس استعمال هذا المال ومن ثم رده ، فإن العقوبة في هذه الحالة برأيي ينبغي أن تكون الحبس الذي لاتزيد مدته على سبع سنوات ، ولاتقل عن ثلاث سنوات بدلا من الحبس الذي لاتزيد مدته على ثلاث سنوات كما هو منصوص عليه حاليا في القانون ، نظرا لخطورة ذلك الفعل الاجرامي ( الاختلاس ) على الوظيفة العامة ومساسه بنزاهتها ، وبثقة المواطنين بها ، حتى وإن لم يقترن بنية الموظف العام (الجاني) تملك المال ذلك المال المختلس .


د.نجيب الجميل
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع