القائمة الرئيسية

الصفحات

في الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الأنسان ا.د. حكمت شبر


في الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الأنسان
ا.د. حكمت شبر



في الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الأنسان
ا.د. حكمت شبر عميد معهد العلمين للدراسات العليا واستاذ القانون الدولي العام في بغداد والمستنصرية

    كنت في مثل هذا اليوم العاشر من كانون الثاني أسرح بعيداً لأعود لأيام الجامعة، التي أخرجوني منها لسنوات طويلة امتدت 26 عاماً ، كنت في هذا اليوم أجمع تلاميذي في الجامعتين المستنصرية وبغداد لألقي عليهم محاضرة عامة شاملة عن أعلانا حقوق الأنسان ومن قبل تلك المحاضرة أبعث طالباً للحصول على ميثاق الأمم المتحدة من الوكالة القائمة في شارع أبي نؤاس وزعت خلال تلك السنوات المئات من الميثاق نظراً لأهميته في القانون والعلاقات الدولية .
    لم أكن أهتم كثيراً بالملاحظات التي يبديها بعض الزملاء محذرين من أن القيام بتلك المحاضرة يشكل استفزازا للبعث ونظامهم الشمولي لعدم أيمانهم بالإنسان فكيف أتكلم عن حقوق الأنسان ، حيث أن منهجي وفكري لا يستوعب نظام البعث الشمولي، وكانت مهمتي أن أعلم وأوصل لطلبتي ما أؤمن به من المبادئ السامية المتعلقة بحقوق الأنسان.
    لم أكن أعلم أن الإدارة الأكاديمية التي وظيفتها تسهيل مهمة عملنا الأكاديمي ورعاية شؤوننا، أن تلك الإدارة كانت لا تختلف عن أية دائرة أمنية. فقد فوجئت بأحد الأيام بدعوتي إلى اجتماع مع العميد في القاعة الرئيسية، وحين دخولي وجدت العميد ومعاونيه وأمن الكلية وأساتذة قسم القانون الدولي مجتمعون ولم يخطر ببالي أن هذا الاجتماع مكرّس لاستجوابي ومحاكمتي، زالت المفاجئة حين توجه العميد باستجوابه حول قيامي بتدريس مبادئ حقوق الأنسان وفي مقدمتها حق الشعوب في تقرير المصير، وتأييدي لحق الكرد في تطبيق هذا الحق وحصولهم على الانفصال عن العراق، خصوصاً وأن الحرب الظالمة ضد الكرد كانت مشتعلة في ذلك الوقت من سبعينيات القرن الماضي.
   استغربت من توجيه ذلك الاتهام الذي في حالة ثبوته أتعرض للعقوبة  الجنائية والتعذيب في سجون النظام الفاشي ، ولكن أُسقط في يد العميد وزبانيته من أثبات تلك التهمة ، غير أني بقيت مُراقباً في كل محاضراتي وخطواتي داخل الكلية من قبل عملاء الأمن والعمادة ولم أستغرب حين رفدوني من الكلية أن يقوم العميد محمد الدوري بأحراق كتابي المقرر على الطلاب ، والذي أدخل فيه الرأي الاشتراكي بالأحداث وبالمبادئ الدولية ، وهذا أيضا اعتبروه من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها خلال العملية الأكاديمية.
  توجهت الدكتورة السعدي بسؤال للعميد متعجبة عن احراق كتابي بين جمع من اساتذة الكلية ، أجابها العميد بأنني حرفت الطلاب عن النهج الصحيح الذي ينتهجه البعث في الحياة الأكاديمية كما أنني عوقبت مرة أخرى من قبل عميد ثالث – العنبكي – الذي طلب مني الانتماء للبعث ليصادق على استاذيتي وهي مجرد عمل علمي لا علاقة له سابقاً بالإدارة ، لكن البعث أدخل هذا الأجراء ليسلط زبانيته على الأساتذة الأكاديميين الذين أجبروا على دخول البعث أو اخراجهم وطردهم من الجامعة ، رفضت بآباء الانتماء للحزب فكانت عقوبتي الطرد من الجامعة ، وإيقاف لقبي العلمي في الأستاذية والذي لم يعاد لي إلا بعد 28 عاماً في عام 2008 . وهذا ما جرى لي من عقوبات ومحاولات لأيذائي وأبعادي عن العمل الأكاديمي .
  والأن أعود إلى الإعلان العالمي لحقوق الأنسان ذلك المرسوم العظيم ، الذي نقل العالم إلى مرحلة جديدة في تكريس احترام حقوق الأنسان في الحريات العديدة، حرية العيش، السكن ،الرأي ، التظاهر، وحماية تلك الحريات الواجبة على حكومات العالم ولم يأتي ذلك الإعلان من فراغ ، فقد تبنته وقدمت له الأمم المتحدة في ميثاقها ، الذي أنبثق بعد المجازر الرهيبة التي تعرض لها العالم آنذاك والذي قتل في الحرب العالمية الثانية ما يزيد على الخمسين مليون انسان.
  جاء في ديباجة الميثاق، نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا : أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، التي من خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف وأن نؤكد من جديد أيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية.
  وأن نبني الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية .
  وأن نبيّن الأحوال ، التي في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قُدماً ، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أوسع .
   كان الإعلان عملاً مهماً مهّد لإصدار اتفاقيات حقوق الأنسان في الحرب والسلم ، الاتفاقيات الأربعة والبروتوكول الصادر عام 1977 والذي تضمن حماية الحريات في السلم وفي الحرب .
   عملت الأمم المتحدة منذ انبثاقها عام 1945 على حماية ورعاية حقوق الأنسان بمختلف الطرق ، سواء كان ذلك عن طريق مؤسساتها المختلفة ولجانها كمجلس حقوق الأنسان وإصدار القرارات الكثيرة من قبل الجمعية العامة بشأن هذا الموضوع ، منددة بالتمييز العنصري والفصل العنصري مُدينة النظام الكولونيالي ، ومطالبة تحرير الشعوب المستعمرة وفقاً لحق تقرير المصير .
   نصت المادة (13 ف1) على أن تقوم الجمعية العامة بدراسات وتوصيات تستهدف الإعانة على تحقيق حقوق الأنسان والحريات الأساسية للناس كافة..) وتنص المادة (62- ف2) أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي يقوم (بتقديم توصيات فيما يختص بإشاعة احترام حقوق الأنسان والحريات الأساسية..) كما ان المادة (68) تخول المجلس حق أنشاء هيئة لتعزيز حقوق الأنسان وأخيراً تنص المادة (76- ف ج) على تشجيع احترام حقوق الأنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز .
   وقد أصدرت الأمم المتحدة جملة من الإعلانات والاتفاقيات والقرارات المتعلقة بحقوق الأنسان، وفي مقدمتها اعلان حقوق الأنسان عام 1948م، ومعاقبة جرائم أبادة الجنس البشري عام 1948 واتفاقيات حقوق الأنسان عام 1948 والاتفاقية الخاصة بحقوق المرأة السياسية 1952  والاتفاقية الخاصة بإزالة جميع أشكال التمييز العنصري 1965 ، والميثاقان الخاصان بالحقوق الاقتصادية والمدنية والسياسية عام 1966 .
  أهتم مجلس الأمن وعمل بشكل جدي على احترام حقوق الأنسان من قبل المجتمع الدولي ، فعمد إلى محاكمة مجرمي الحرب بخصوص تجاوزهم وتعديهم على قواعد القانون الدولي الإنساني الخاصة بحقوق الأنسان ، فيما ارتكبوه من جرائم القتل والاغتصاب والطرد ، والاحتجاز والاعتداء على المستشفيات وعلى السكان المسالمين .
   نص قرار مجلس الأمن المرقم (808) الصادر عن المجلس في 22 فبراير1993 على أنشاء محكمة دولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني ، والتي ارتكبت في يوغسلافيا السابقة منذ عام 1991 ، وقد أقر المجلس بأنشاء تلك المحكمة استنادا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، وقد تمت محاكمة الرئيس الصربي (ملسوفج) والحكم عليه بـ 20 عاماً لارتكابه الجرائم ضد الإنسانية وحقوق الأنسان في البوسنة والهرسك ضد السكان المسلمين .
   كما أن مجلس الأمن أصدر قراره المرقم (955) الصادر في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) بأنشاء محكمة دولية خاصة برواندا لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الإبادة وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الأنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني في كانون الثاني 1994 ،
  كما أصدر مجلس الأمن قراراً يحيل فيه مرتكبي جرائم الإبادة من أفراد قبيلة (الجنجويد) في السودان لارتكابهم جرائم بشعة بحق سكان دارفور.
   ولا بد لنا من ذكر التطور الهام والخطير في حماية حقوق الأنسان في السلم والحرب ما حصل في أنشاء محكمة الجنايات الدولية وفقاً لاتفاقية روما عام 1998 ، التي منحت اختصاصات واسعة لهذه المحكمة في ملاحقة المتجاوزين على حقوق الأنسان في السلم والحرب من مسؤولين كبار وعسكريين كبار بدون منحهم الحصانة للمحاكمة امام تلك المحكمة وذلك لارتكابهم أي نوع من جرائم القتل والتعذيب والاغتصاب ومصادرة الأملاك والتجاوز على حقوق الفرد المادية وممتلكاته وغيره من الجرائم المتعددة التي تعاقب عليها هذه المحكمة الجنائية الدولية .
  وقد نصت المادة (8) من نظام روما لمحكمة الجنايات الدولية على معاقبة :
1-  الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المرقمة من أي فعل الأفعال الآتية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذي تتكفل بحمايتهم اتفاقيات جنيف ذات الصلة :
1- القتل العمد 2- التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية بما في ذلك أجراء تجارب بيولوجية على الأفراد 3- تعمد أحداث معاناة شديدة وألحاق أذاً خطيراً بالجسم أو بالصحة 4- الحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها 5- الأبعاد أو نقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع 6- أخذ رهائن كما تضمنت اتفاقية روما المعاقبة على التعذيب والاغتصاب والترهيب وغيره من الاعتداءات على حقوق الأنسان .
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع