القائمة الرئيسية

الصفحات

أساور القانون تزين معصم السلطة العميد الدكتور الحقوقي عمار ماهر عبدالحسن الخفاجي معهد العلمين للدراسات العليا



أساور القانون تزين معصم السلطة
العميد الدكتور الحقوقي عمار ماهر عبدالحسن الخفاجي
 معهد العلمين للدراسات العليا



أساور القانون تزين معصم السلطة
 العميد الدكتور الحقوقي عمار ماهر عبدالحسن الخفاجي معهد العلمين للدراسات العليا

    وان كان القانون من صنع الانسان الا انه جاء ليتخلل جميع نواحي الحياة فينظمها، صغيرها وكبيرها، ولم يترك شاردة ولا واردة الا واحاط بانفلاتها، وجاء يجثو على صدر مخالفه تارة، ويزيح الهم عن صدر محتاجه تارةً أخرى، وماهي الا حاجة الانسان الى ذلك لكي يعيش ضمن اطار اجتماعي وسياسي مستقر مرسوم الملامح واضحاً .
    وعندما نقول القانون فأننا نقصد هرمه العكسي، فهو على شكل هرم, لكنه يستند الى الرأس على خلاف الهرم الهندسي الذي يستند على القاعدة، فالقانون يستند الى رأس القمة متمثلةً بالدستور, الذي تستند اليه التشريعات العادية على جميع اصنافها المدنية والإدارية والجزائية, وحتى ما يرتبط منها بالدستور نفسه, مثل القوانين التي تنظم عمل البرلمان أو انتخابه وغيرها، نزولاً الى ما يسمى بالتشريعات الفرعية، وهي الأنظمة والتعليمات التي تصدر لتسهيل تنفيذ القوانين، و غالباً ما تختص بأصدارها السلطة التنفيذية .
    وان اخترنا العنوان قريباً الى الوقع الادبي، اكثر مما هو للطابع القانوني, الذي كان من المفترض ان ينطبع به, لكن في الحقيقة كان ذلك ابتعاداً عن النسق التقليدي من جهة، وتلطيفاً للعنوان من جهة أخرى، فاخترنا وصف الاساور بدل القيود، واخذنا وصف المعصم بدل القبضة، وذلك لان القانون لا يقيد السلطة بقدر ما يصنع نطاقاً لمضمارها، فلو ان السلطة أصبحت مقيدة لحري القول انها مكبلة، وهذا ما لا يصلح معه حال العمل السلطوي, الذي يجب ان يكون مطلق اليد في احياناً كثيرة .
    فالسلطة التشريعية يجب ان تكون ملتزمة بالدستور حين إصدارها التشريعات العادية، او اعمالها النيابية، والسلطة القضائية تلتزم بجادة القانون حين تطبيقه، كذلك الإدارة او السلطة التنفيذية هي المحاطة بالقانون لكي تنفذ احكامه وموارده، وهذا القيد او الالتزام, هو في الحقيقة مسار مضيء للسلطات, يجعلها على الطريق القويم وهو يزين اعمالها، لذلك كان الوصف بالأساور ليعطي المنظر الجمالي حين ترى الاساور على معصم الفتاة فهي زينة لها لا قيد عليها.
    فهل تطبق هذه الفرضية على الوضع السياسي العراقي, ومدى ارتباطه بالقانون، فنجد اصواتاً من هنا وهناك معللة الخلل السياسي والإداري الى مثالب الدستور حيناً، والى انعدام التشريعات او ضعفها حيناً اخر، وما يمر به البلد من رياح عاصفه اثر التحولات السياسية والاجتماعية, جعلته في مهب الريح، فالسلطة التشريعية تجد نفسها عاجزة عن تخطي المصدات الدستورية لتلبية مطالب الجماهير الغاضبة، فصوت ينادي بأقالة الحكومة وصوت ينادي بقض مضاجع الدستور وتغييره، وصوت ينادي بتغيير نظام الحكم من برلماني الى رئاسي وهكذا .
    اما السلطة التنفيذية او الإدارة ، فهي الصدر الواسع الذي يكون في مواجهة الريح، ويتلقى كل ما تحمله الرياح العاصفة، فهي مطالبة بمعالجة ظروف المجتمع الاعتيادية كواجب أساسي، وعليها تقع مسؤولية إدارة الدولة كواجب فرضه الدستور عليها، وهي مطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي ومواجهة الازمات الانية، فالعراق يمر بما تمر به اغلب دول العالم من ازمة صحية تتمثل بوباء كورونا ، ويمر بأزمة اقتصادية كنتيجة لتفشي هذا الوباء والانخفاض الحاد والمفاجئ في أسعار النفط .
    وعلى الحكومة مواجهة كل ذلك بما رسمه القانون، لان السلطة الإدارية كلما تزينت بأساور القانون، كلما اتسمت بالديمقراطية والشرعية, التي يجب ان يتبعها أي نظام سياسي فاعل نابع من الشعب الذي هو مصدر السلطات جميعها، لذلك مراعاة الإدارة بالالتزام بالقانون يطلق عليه بمبدأ المشروعية, الذي يعني بمعناه البسيط التزام الإدارة أو الحكومة كما تسمى باحكام القانون في جميع اعمالها المادية وتصرفاتها القانونية .    
    إذن مبدأ المشروعية هو النطاق الذي تدور داخله اعمال السلطة الإدارية، فإذا خرجت عنه تكون قد خرقت مبدأ المشروعية، وان تقاعست عن أداء دورها القانوني، تكون قد اهملت زينتها في ارتداء السوار الذهبي للقانون، وقد تكون فقدت شرعيتها بالتقاعس والكسل وعجزها عن تلبية مطالب الشعب.
    إذن عليها الاخذ بمبدأ الموازنة بين تنفيذ القانون وعدم الخروج عنه، وبذلك فأنها تسير بالاحتكاك مع مبدأ المشروعية احتكاكاً ناعماً، وبالمقابل فإن السوار القانوني يجب ان لا يكون بدرجة من الضيق فيصبح قيداً يحز معصم السلطة، ولا يكون فضفاضاً فيفلت منها، لذلك قيل ان مبدأ المشروعية مرة يكون اعتيادياً ومرة يكون استثنائياً كيف ذلك ؟
    أي ان سلطة الإدارة تكون في اعلى قمة التزامها بالقانون بالظروف العادية، لكن هذا الالتزام يعد قيداً مكبلاً لها في الظروف الاستثنائية، التي تتحمل حالات الطوارئ والاضطرابات والحروب والظروف القاهرة، ومن اجل مجابهتها لهذه الظروف تضطر للخروج عن قواعد القانون الاعتيادية، فتستعين بسلطتها الاستثنائية، فتراها تتدخل في الحقوق والحريات العامة والخاصة من اجل الحفاظ على حياة الدولة، ولا يكون هنا تصرفها خروجاً عن مبدأ المشروعية بقدر ما يعد اتساعاً لهذا المبدأ, أي ان مبدأ المشروعية هو من المرونة بحيث يستوعب تصرفات الإدارة في الظروف الطارئة, من اجل مواجهة هذه الظروف، ويطلق في كثير من الأحيان على هذه الحالات بالعمل بقوانين الطوارئ، وهذه القوانين تخول الإدارة سلطات استثنائية ما كانت تمتلكها في الظروف العادية .
    السؤال الذي يدور هل هذا الامر له تطبيق في العراق ؟ الجواب ان عمل الإدارة لا يمكن فصله عن السياسة والفارق بينهما قد يكون شعره، وعند ملاحظة الوضع السياسي او النظام السياسي في العراق بعد عام 2003 , نجد التحول الجذري والواضح في النظام السياسي، اذ مر العراق بفترات حكم ديكتاتوري استبدادي حتى هذا التاريخ، أدى الى دمار بنى الدولة لما مرت به من حروب وقمع من اجل مطامع السلطة الحاكمة، وانعكاس ذلك على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، فالسياسة والاجتماع والاقتصاد، هي ثلاثي لا ينفصل، ونظراً لما عاناه العراق من تلك الفترة حاول النظام السياسي الجديد باتخاذ نهج ديموقراطي الى اقصى مداه, بحيث وزع السلطات دستورياً, ورجح فيه كفة السلطة النيابية الى اقصى حد، وقيد السلطة التنفيذية دستورياً بأقصى ما يمكن, وخير دليل على ذلك بأن نظام الحاكم هو فيدرالي برلماني، بل وذهب اكثر من ذلك, فوزع السلطة داخل السلطة التنفيذية نفسها الى مجلس وزراء واقاليم ومحافظات، فمجلس الوزراء يتخذ قراراته بالتصويت وليس لرئيس الوزراء اصدار القرارات بمفرده ، كذلك جعل للإقليم وللمحافظات سلطات تشريعية وإدارية واسعة تصل الى حد تغليبها وترجيحها على القرار الاتحادي في بعض الاحيان .    
    مما أدى الى اضعاف قرار الإدارة، وسبق القول ان هذا الاتجاه كان رد فعل تجاه ما مر به العراق من التسلط الدكتاتوري لعقود من الزمن, ومن خلال استقراء نصوص الدستور نجد ان المشرع الدستوري العراقي، قد حاول تكبيل وتقييد السلطة التنفيذية الى اقصى حد ممكن، ونعتقد ان ذلك كان تخوفاً من وجود سلطة تنفيذية بصلاحيات قوية ممكن ان تعود يوما ما الى سابق العهد القمعي، وفي الحقيقة ان ذلك قد خلق توزيعاً مترهلاً للقرار السياسي والإداري من خلال التوزيع الواسع للصلاحيات، مما انتج سلطة إدارية ضعيفة، وقرار سياسي متردد، وكان ذلك افراطاً في توزيع القرار السياسي او الإداري، سواء بصورة عمودية ام افقية، لذلك نجد ان المطالب الشعبية غالباً ما توجه الى الحكومة نتيجة نقص الخدمات, او تفشي الفساد او من اجل الأحوال المعيشية، فيكون رد الحكومة على الاغلب بان الامر يحتاج الى تشريع، بل وحتى التشريعات تجدها مكبلة للسلطة الإدارية, وليس محدداً لها كما هو المطلوب، فنجد ان الدستور قد وسع من سلطات الاقليم والإدارات اللامركزية، وجعلها في بعض الأحيان مرجحة على القرار الاتحادي كما ذكرنا، ومع ذلك نجد ان حتى القرار اللامركزي فُتتت ايضاً وعرضه للتدخلات السياسية, عن طريق توزيع السلطة بين مجالس المحافظات والمحافظين، وابعاد دور الحكومة الاتحادية عن ذلك، ونجد ان السلطات اللامركزية غالباً ما تحتج بأنها لا تمتلك الصلاحيات المالية او الإدارية الكافية, وتحتاج الى قرار حكومي اتحادي.
     ولا نجد ما يسعف الحكومة في مواجهة الظرف الطارئ الا قانون الطوارئ, وهو الامر رقم (1) لسنة 2004 , ومع ضعفه في حالة تطبيقه، نجد ان الدستور ايضاً قد فرض شكليه عقميه في اقراره والعمل بأحكامه، حيث اشترط الدستور ان يقدم طلب من قبل رئيس مجلس الوزراء الى مجلس النواب عن طرق رئيس الجمهورية، أي ان الطلب سوف يكون مشتركاً بين رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، فإذا رفض رئيس الجمهورية ذلك فلا يمر الطلب الى مجلس النواب، واذا مرر الى مجلس النواب يحتاج الإقرار الى انعقاد مجلس النواب وبتصويت على اعلان حالة الطوارئ، وكل هذه الشكلية والإجراءات لا تتناسب مع الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتدهور، الذي لا يتحمل كل هذه العقبات، وتبقى الإدارة عاجزة عن مواجهة الازمات التي تتلاطمها كأمواج البحر اللجي، فنجدها قد تخرج عن اطار المشروعية المفترضة مجبورةً ، مثل ما وصل اليه الحال في مقاتلة (داعش)، واستمرت الحكومة بإجراءاتها في القتال والضبط الإداري الاستثنائي، رغم عدم اعلان حالة الطوارئ, ولم تطلب حالة الطوارئ لحد الان منذ إقرار الدستور 2005 ، وبذلك فان القانون قد اصبح قيداً حديدياً كبل ايادي السلطة بدل ان يكون اسواراً من ذهب يزين معصمها .
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع