القائمة الرئيسية

الصفحات

الوضع العراقي ضغط يسبق الانفجار بقلم الدكتور عمار احمد المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا



الوضع العراقي ضغط يسبق الانفجار
بقلم الدكتور عمار احمد المكوطر
معهد العلمين للدراسات العليا



الوضع العراقي ضغط يسبق الانفجار
بقلم الدكتور عمار احمد المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا

    بعد اكثر من 17 عام على سقوط النظام السابق الذي امعن في الظلم والاستبداد، ترقب الشعب العراقي تحولاً جدياً يعيد له هيبته وكرامته، ويرتقي بالدولة إلى مصاف الدول المتقدمة لما يمتلكه العراق من  ثروات وموارد هائلة، بالأخص منها طاقات بشرية مبدعة.
     بيد ان امانيه وأحلامه تهشمت بفعل ظروف ذاتية وموضوعية جعلت منه يشعر بالخيبة والاحباط . هكذا انعكاس ليس من الغريب حدوثه ، إن لم يكن امراً حتمياً لقارئ التاريخ او دارس العلوم السياسية وفلسفتها، والباحثين في علم الاجتماع . التحول السياسي في العراق بعد 2003 لم يكن بفعل داخلي، رغم الانتفاضات الشعبية التي قام بها إبان حكم البعثيين، التي لم يكتب لها النجاح، لأسباب تتعلق بطبيعة وحشية النظام البعثي خاصة، حقبة حكم صدام حسين، وجنوحه المفرط في اعتماد القوة والبطش كنظرية عمل لأخضاع الشعب والتفرد بالسلطة . ايضاً بفعل الوضع الدولي ، والحرب الباردة بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي الذي تفكك وزال من الوجود كدولة عام 1991، خلق انظمة عسكرية استبدادية استعان بها الطرفان كل ضد خصمه. بعد تفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم منذ عام 1991 واعلان جورج بوش الأب عن نظام دولي جديد بزعامة بلاده، بدأت استراتيجية جديدة في تغيير بعض الأنظمة ، ومنها العراق . وكانت الذرائع المساقة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان! وهي نوع من الشعارات الدعائية للعولمة وتعزيز الهيمنة والنفوذ الأمريكي في المناطق والدول ذات الموارد والمواقع الاستراتيجية المتحكمة في عقد المواصلات بين الشرق والغرب. الديمقراطية وكل الأيديولوجيات بطبيعتها لا تصدر او تستورد ، وهي نتاج بيئة خاصة بها ، قد لا تفلح او تفشل فشلاً ذريعا في بيئات مختلفة عن سواها ، وهي بحاجة إلى ماء وهواء وضياء مختلف كي تنجح في مناطق متباينة، اي ان إعداد الأسس والبنى المادية والمعنوية بما يتوافق مع طبيعة الشعوب ، واختلاف ثقافاتها ودرجة رقيها العلمي والمعرفي ، مع فواصل  زمنية لتكريس تلك الأفكار وتبنيها كمشروع عمل . لم يحدث في العراق وسواه من الدول التي شهدت تغيير انظمتها بعد موجة ما سمي بالربيع العربي لما ذكرت من اسباب آنفاً. جاء احتلال العراق، بطبقة سياسة مشوهة، ونظام سياسي هجين، يحمل بين ثناياه التناقض، لم يعزز الهوية الوطنية كأساس لبناء دولة، إنما عزز شرخ الانقسام واشاع الفساد ، بما نتج عنه من حرب اهلية طائفية ، ثم احتلال لثلث من مساحته من مجاميع إرهابية، تسللت من خارج الحدود، بدعم خارجي ، وحواضن محلية لأسباب شتى . غذى الانقسام والفساد وزاد منه ،  قيادات وزعامات تبنت مشاريع خارجية . انعكست مخرجات الفساد الذي اصل للكثير من تلكم الأزمات ، على واقع الشعب بشكل خطير ، تمثل بالفقر وارتفاع معدلات البطالة وغياب أدنى درجات الخدمات اللازمة لحياة المواطن ، وتراكم اعداد هائلة من الشباب دون عمل ، او فرصة في الكسب والمشاركة السياسية ، واستبعاد كامل للمثقفين والأكاديميين الوطنيين ، وخنق للأصوات المنادية بالإصلاح  اما بالقتل او الاختطاف او التقسيط ، و لعل  ذلك تمظهر بأجلى صوره في ثورة تشرين الشبابية في العام 2019 . لم تفلح تلك الزعامات السياسية والدينية في معالجة الأزمات او احتوائها ، كونها لم تكن راغبة فيه ، او ان بعضها لا يمتلك قراره، وكل ما قامت به عبارة عن التفاف ومناورة، سياسية من تغيير شكلي للحكومة ، واستغلال لظروف البلد الصحية بفعل انتشار جائحة كرونه.
     تزايد الإهمال والاستخفاف بمشاعر الشعب وكرامته، لن يستمر طويلاً الصبر عليه، ان الشعب يمر الآن بمرحلة اختزان تراكمي للقهر والإهانة، وقد امتص الكثير منهما، وليس بوسع اي شعب تحمل الإهانة إلى أمد بعيد. عند وصول شيء ما حد الإشباع او عدم القدرة على التحمل سينفجر في لحظة لا محالة. طبيعة اي انفجار مادي او إنساني، ملازم لسمة واحدة، هي فقدان السيطرة عليه و تدمير ما هو قائم دون تمييز، هذا ما قد يتوقع في العراق ، فليس ثمة كثير استثناءات للقواعد الاجتماعية والسياسية المتحكمة في سلوك الشعوب والدول.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع