القائمة الرئيسية

الصفحات

قراءة في مقدمات النهضة العربيَّة سماح مهدي صالح العلياوي المدرس الدكتور



    
قراءة في مقدمات النهضة العربيَّة
المدرس الدكتور
سماح مهدي صالح العلياوي


قراءة في مقدمات النهضة العربيَّة
سماح مهدي صالح العلياوي المدرس الدكتور

تسعى القِوى العربيَّة المثقفة والواعية لتحقيق المشروع النهضوي الحضاري، الّذي يحدد مسارات الأمة العربيَّة، ويؤكِّد حضورها الذاتي، ويرسم مستقبلها، ويضعها على الطريق الصواب الّذي يدعم السِّيادة والاستقلال، ويجعلها في مصاف الدُّوَل المتقدمة، لكن المشاريع الوحدوية يرتبط تحقيقها بمقدار التوافق الداخلي للأمة، وتوحيد القدرات للدُّوَل العربيَّة، لا سيّما القدرات الإقتصادية والثَّقافية والعلمية، ويقتضي بحكم الواجب إزالة كافة المُعوِّقات وتذليل كافة الصعوبات، فقد بدأ رفع الفكر الناصري راية الوحدة العربيَّة، وقد أشار إلى عدم إمكانية تحقيق النهضة العربيَّة المستقلة بالاعتماد على الدُّوَل القطرية لعدم كفاية مواردها الذاتية مهما بلغ حجمها.
إنَّ الوحدة العربيَّة تسعى إلى تحقيق التكامل العربي في الجوانب الإقتصادية والثَّقافية في سيطرة مركزية تسخر للنهوض العربي من جديد، وتضع الدُّوَل العربيَّة في سياق الدُّوَل الكُبْرَى المتميزة في العالم، وعلى أقل تقدير تجعل الدُّوَل العربيَّة من القِوى المؤثرة في التوازنات العالمية لإدارة النظام العالمي، غير أن إنجاز المشروع النهضوي العربي غالباً ما كان في حاجة إلى التِكْنُولُوجيا الّتي انتجتها الحضارة الغربية، ممَّا يؤشر حالة من التخلف العلمي والتقني في المشاريع الوحدوية العربيَّة، فلم تأخذ القِوى العربيَّة زمام المبادرة التِكْنُولُوجية أو إعادة صياغتها على المستوى العربي، ناهيك عن ضعف الأدوات الإعلامية في العالم العربي، بالإضافة إلى تقييد الحقوق والحريات الّتي أخرت عمليات العمل الوحدوي، ناهيك عن الدور المحور للقِوى الاستعمارية في تحجيم القدرات الذاتية، وتفتيت القِوى الفاعلة في النظام العربي، واحتلال واستعمار العديد من الأراضي العربيَّة، لا سيّما الاحتلال الصَّهيوني للأراضي الفلسطينية.
ولعلَّ من أهم أساسيات النهوض العربي هو الوعي الحضاري والمعرفة المؤديان إلى النهوض، إذ يشكل الوعي الحافر الأساسي للإنسان للقيام بأفعال إرادية تتفُّق ورغباته الخاصَّة، والوعي المراد به هو وعي الشَّعوب الّتي تمثل الكتلة التاريخية للنهوض التوعوي للأمة، كما إن المعرفة تشكل التراكم النوعي والكمي للفكر والثَّقافة والقِيَم والتقاليد للشَّعوب العربيَّة الّتي تتشكل نتيجة لوجوده، حيث أن الحضارة تمثل امتداداً طبيعياً للوعي والمعرفة لأيّ شعب، وهما يسبقان الحضارة، ومن دونهما لا يُمكن الحديث عن النهضة أو التطوُّر في أيّ دولة، بالإضافة إلى أن الثَّقافة تمثل المخزون التاريخي المعرفي الّذي تصنعه الأجيال عِبرَ الزمن مع رفض كل ما يتعلق مع الواقع والثَّقافة الجديدة لكل جيل من الأجيال، كما إن الوعي والمعرفة يمثلان النقيض الدائم للتخلف والأمية، حيث أن وجود أحدهما يمثل إلغاء للآخر في الدَّولة الواحدة، لذلك فأن النهضة أو الحضارة لا يستقيم وجودهما في ظلّ شعب تسوده الأمية أو الجهل أو التخلف، فالأمية لا تفرز سوى الجهل والتخلف، والحضارة لا تنتج سوى العلم والمعرفة، وعليه فأن المشروع العربي النهضوي بحاجة إلى قيام "انتلجنسيا" (Intelligentsia) عربيَّة جديدة، وهم النخبة المثقفة هم فئة من الأشخاص المتعلمين المنخرطين في الأعمال الذهنية المعقدة الّتي لها دور نقدي وتوجيهي وقيادي في تشكيل ثقافة وسياسة مجتمعهم تمتلك رؤية فلسفية مستقبلية في انتظامها لتجديد التاريخ العربي من الداخل، وتنقيته من الشوائب العشوائية والدخيلة من الخارج، وتجديد انتظامه في الفكر العالمي المعاصر، ومواكبتها له بقصد توظيف أدواته المنهجية ورؤاه العلمية في إعادة بناء الماضي وتغيير الحاضر وتجسيد المستقبل، وعدم إبقاء الفكر العربي في مرحلة المعارف القديمة التي يعتقد بأنها لا تحتاج إلى التجديد، وسوف يبقّى الفكر العربي يواجه خطر الانهيار فالثَّقافة كما هو معروف تشكل مزيجاً ابداعياً لقِيَم مختلفة ومُتعدِّدة المجالات.
كما يعتبر الجانب الإقتصادي محور المشاريع النهضوية، إذ إن قيام تكامل اقتصادي عربي يساهم في قيام التنمية العربيَّة الشاملة من أجل بناء المواطن العربي فكرياً وثقافياً جنباً إلى جنب مع التنمية الصِّناعيَّة والزراعية والنمو الإقتصادي الشامل، حيث ينقل التطور الإقتصادي المشروع العربي من مرحلة الجهل والتخلف إلى مرحلة البناء والتقدُّم العلمي، لكن تحقيق المشروع العربي لا يكون من خلال القدرات الإقتصادية لدَّولة عربيَّة واحدة مهما كانت إمكاناتها الإقتصادية، وثقلها الجيوسياسي، ويطلب تكامل اقتصادي وثقافي وفكري واجتماعي عربي شامل، وتوحيد طاقة الأمة العربيَّة المعنوية والمادية بكافة اشكالها، والتاريخ العالمي يزخر بالشواهد وعلى سبيل المثال قيام القائد الألماني "أوتو فون بسمارك" (Otto von Bismarck) بتوحيد الولايات الألمانية المبعثرة إلى دويلات عديدة في أوروبا، وتصنف ألمانيا في القرن الحادي والعشرين على اعتبارها أعظم ثالث قوَّة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتَّحدة، وتمكَّنت ألمانيا من أن تكون قوتها الإقتصادية موازية للاقتصاد للياباني على الرغم من أن كِلاِ الدولتان لا يمتلكان الموارد الأساسيَّة للطَّاقة، وخاصة النفط، وحتى الولايات المتَّحدة بعد تحررها من الاستعمار البريطاني تمكَّنت من توحيد الولايات الخمسين وأن تنشأ قوَّة عالمية عظمى.
وفي السياق الإقتصادية بقيت المنطقة العربيَّة رهينة حركة الإقتصاد والسُّوق العالمي، وارتفعت نسبة الفقر والبطالة، إذ يعيش ما يقارب من نصف الشَّعوب العربيَّة تحت خط الفقر، وذلك بسبب انعدام التنمية، وبسبب ضعف الإنتاج المحلي، إذ تعرف المنطقة العربيَّة بأنها مركز للاستيراد والاستهلاك، وهي وحيدة الجانب الإقتصادي، وهو النفط والغاز، كما إن كميات الإنتاج لا توازي الزيادة السُّكَّانية، أيّ أن الزيادة في النمو الإقتصادي أو الإنتاج المحلي لا تغطي الاحتياجات المطلوبة للزيادة في السُّكَّان، لذلك لا تستطيع العديد من الدُّوَل العربيَّة أن تساهم مساهمة حقيقية في تأسيس مشروع نهضوي حضاري عربي، بسبب ما يسودها من جهل وقلة مواردها الإقتصادية الّتي لا يُمكن أن تغطي نفقات أيّ مشروع نهضوي قومي.
وتعتبر مسألة العلم والتِكْنُولُوجيا من الأمور ذات التأثير في المشروع العربي النهضوي، إذ يشهد العالم تقدم بخطى متسارعة لمصلحة بناء المجتمعات والحضارة الجديدة الّتي لم يسبق لها مثيل من الحضارات السابقة، فالثورة العلمية أصبحت تحدد وجود الأمم حيث أنتجت مكتشفات ومخترعات تمثل قفزة علمية، وليست تطوير لمنتجات مثل الأنترنيت والهواتف والأقمار الصِّناعيَّة، لكن المنطقة العربيَّة ما زالت متأخرة بشكل كبير عن التطوُّر التِكْنُولُوجي، علماً بأن المنطقة العربيَّة تمتلك إمكانات بشرية وإقتصادية وعلمية يُمكن أن تساهم في بناء كوادر علمية متخصصة تأخذ على عاتقها إقامة المشاريع العلمية والتقنية الحديثة الّتي ترتقي إلى مرتبة لا بأس بها في النظام المعلوماتي العالمي، من خلال الاعتماد على البحوث العلمية في الجامعات والمعاهد والمراكز العلمية والبعثات العلمية، فقد ابتعدت الاجيال العربيَّة عن الإرث التقني ولم تسعى إلى تطوير مفرداته، بالإضافة إلى أن أغلب الموروث العربي يتكون من تراكم كبير من التقاليد والقِيَم والثقافة الفكرية والأدبية والفلسفية الّتي تبتعد نوعاً ما عن الاكتشافات والاختراعات المواكبة للتطوُّرات التقنية في العصر الحديث، وعليه فأن المنطقة العربيَّة تحتاج إلى نهضة علمية وتقنية قادرة على مسايرة التقدم العالمي في المجالات والتِكْنُولُوجية الّتي تساهم بدورها في دعم المشروع النهضوي العربي القائم على توحيد الجهود العلمية لبناء قدرات ذاتية، وبذل الجهود بهدف فك الارتباط مع القِوى المهيمنة الغربية، وانهاء التبعية التِكْنُولُوجية للدُّوَل المتقدمة.
بالإضافة إلى الارباك الواضح في المجتمعات العربيَّة ما بين الأخذ بالدين الإسلامي على اعتباره نموذج لكل مجالات الحياة، وما بين المجتمع المدني، حيث أن الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة أعطت حيزاً أوسع لرأي الأمة في تحديد شكل وطبيعة النظام الأصلح سواء السِّياسيّ أو الإقتصادي أو الإجتماعي بما لا يتنافى مع المبادئ الأساسيَّة للدين الإسلامي الّتي أكَّدت على احترام الفرد وكينونته، والسّعي نحو المحافظة على وجوده بعيداً عن التقليل من الذات البشرية، وعلى أساس أن الإنسان هو المركز لكل ما ينبغي القيام به، لكن حدث التداخل في آليات التطبيق الّتي أدَّت إلى حدوث انشقاقات في المجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة، وظهور حركات إسلاميَّة مُتشدِّدة، مثل: "تنظيم القاعدة" والدَّولة الإسلاميَّة في العراق والشام "داعش"، والّتي تعدي بأنها تريد الحكم تحت راية الإسلام، وهو ما ساهم في حدوث انفجار إجتماعي وابتعاد قِيَمي عن الدين الإسلامي، وتشويه صورة الإسلام الحنيف في العالم الغربي، إذ أصبح الإسلام والإرهاب شكلاً واحداً في الرؤية الغربية، وهو ما دفع الولايات المتَّحدة إلى شنّ العديد من الحروب تحت عنوان مكافحة الإرهاب أو تقييد تحركات المجموعات المُتشدِّدة.
إن مفهوم المجتمع المدني ظهر قديماً في التراث الثَّقافي الغربي تلبية لمطلب إجتماعي تمثل في استقلالية الأفراد عن الدَّولة، وقد نزع الفيلسوف الألماني "جورج فريدريش هيغل" (Georg Friedrich Hegel) القداسة عن المجتمع المدني، وماثل بينه وبين المجتمع البورجوازي، ويرى أن المجتمع المدني يتكون من ثلاثة دوائر، وكل دائرة تحددها قِيَمة سائدة، فدائرة العائلة تتميز بالود بين أفرادها، والمجتمع المدني هو مجال للتنافس الإقتصادي، امَّا الدَّولة فهي دائرة العقلانية، وقد تبنى "كارل ماركسي" (Karl Marx) مفهوم "جورج فريدريش هيغل" للمجتمع المدني مع رفضه تصور للعلاقات بين الدَّولة والمجتمع المدني، بيد أن مفهوم المجتمع المدني لم يؤدي دوراً في مفهوم التطوُّر الماركسي، فمفهوم صراع الطبقات والتنافس الطبقي في المجتمعات الشيوعية قد همش إلى درجة كبيرة مفهوم المجتمع المدني.
لهذا أصبح قيام المجتمع المتحضر المدني الّذي يقوم على القوانين ويحترم الحرية الفردية أمراً ضرورياً لمصلحة المشروع النهضوي العربي، حيث يستطيع أن يمارس دوراً هاماً وأساسياً في الفكر والعلوم والنشاط الإقتصادي والثَّقافة والإعلام لصالح الشَّعوب العربيَّة، وتحفيزها نحو المشروع النهضوي، إذ يحتوي المجتمع العربي على مؤسَّسات ومنظمات ونقابات وجمعيات ومساجد وكنائس وغيرها من البُنى الّتي ينشأها الأفراد بنشاطهم الخاص في بعض الدُّوَل العربيَّة، وبكل حرية بعيداً عن إشراف الدَّولة وراقبتها وهيمنتها، وهذه البُنى تستطيع جميعها أن تقوم بدور تأريخي في توجيه وإرشاد الشَّعوب العربيَّة نحو المشروع النهضوي. وانطلاقاً من معطيات الحاضر العربي الّذي يسوده التمزق الإجتماعي، والتخلف الفكري، والانهيار السِّياسيّ الممزوج بالتبعية الغربية ينبغي اتباع الأسلوب الديمقراطي في إدارة الحكم في الدُّوَل العربيَّة الّتي تفتقر إلى الشفافية.
أيضاً من الأمور الأساسيَّة لقيام المشروع النهضوي العربي هو النُّظُم الثَّقافية والتربوية في المنطقة العربيَّة، ولعلَّ الوضع الثَّقافي مشروط بالوضع الإقتصادي والإجتماعي والسِّياسيّ، وبات من الضروري التعامل مع المعطيات الثَّقافية الراهنة، لا مكن زاوية كونها نتائج للوضع العربي الراهن، بل بوصفها مقدمات أو عوامل تحدد صورة الفكر العربي والثَّقافة العربيَّة في المستقبل، حيث أن التغيُّرات الّتي تلحق قاعدة المؤسَّسات السِّياسيَّة لا ينعكس أثرها مباشرة على الفكر والثَّقافة، وأن مفعوله الحقيقي لا يظهر إلاَّ بعد جيل أو أكثر، أمَّا فكر الجيل الّذي عاصر التغيُّرات فقد سبق وأن حددته المعطيات السابقة للتغيير فجعلته فكر الجيل الصاعد أو فكر الجيل المنظور، كما إن التفاوت في النُّظُم الإقتصادية العربيَّة من دولة إلى أخرى له تأثير مباشر على الثَّقافة الّتي تتناسب طردياً مع التطوُّر الإقتصادي وعكسياً مع التخلف، فارتفاع المستوى المعاشي لقطر عربي يؤدي إلى ارتفاع مستوى التعليم، وعليه فأن المستقبل العربي يتوقف على الثَّقافة لأنها أساس النهوض الأممي، وقاعدة تطوُّرها واستمراراها، ولعلَّ المشاريع النهضوية لا يُمكن أن تنجز من دون المثقفين والمبدعين والعلماء وأصحاب الاختصاص، وبالتالي، فأن المنطقة العربيَّة تحتاج إلى نهضة تعليمية واسعة، حيث أن أغلب النُّظُم التعليمية في المنطقة متشابه.
إنَّ المهمات العامة للتربية العربيَّة تتلخص في اقتصار الجهود التربوية أو توجه معظمها نحو التربية النظامية المؤسَّساتية، وإهمال برامج التربية غير النظامية وعائدها الإنمائي، وكذلك أحادية التوجه الكمي أو اتباع إستراتيجية النمو الكمي للتعليم على حساب النمو النوعي، واقتصار التعليم على العمل المدرسي النظري المعزول عن حياة المجتمع وواقعه، إضافة إلى اتباع مناهج رسمية ومركزية جادة، مع التركيز على استخدام الكتب المقررة نفسها في جميع المدارس، وعدم إعطاء المرونة للمعلم في اختيار ما هو ملاءم لقدرات الطلبة واحتياجاتهم واهتماماتهم، كما إن بعض الدُّوَل العربيَّة يمتزج فيها أسلوب التعليم مع الدعوة إلى التشدُّد إزاء فئات أو مذاهب أو طبقات إجتماعية معينة، وهو ما دفع الولايات المتَّحدة بعد تفجير برجَي التِّجارة العالمية في أيلول/سبتمبر 2001، إلى التأكيد على أهميَّة تغيير المناهج التعليمية في بعض الدُّوَل العربيَّة، لا سيّما الخليجية فقد أكَّدت وزيرة الخارجية الأميركية "كونداليزا رايس" (Condoleezza Rice) على أن يتضمن مشروع الشَّرق الأوسط الكبير شقاً معيناً لاستبدال مناهج التعليم المُتشدِّدة في الدُّوَل العربيَّة والتي تحرض على العنف والتشدُّد والاقصاء.
بالإضافة إلى أزمة الحقوق والحريات المدنية، حيث تعاني الشَّعوب العربيَّة من فقدان الركائز الجوهرية لإقامة أي نظام سياسي إلا وهو الحقوق والحريات العامة، إذ تفتقر الشعوب العربيَّة إلى حرية التعبير والتعدُّدية السِّياسيَّة البناءة وليست الفضفاضة، فلا يُمكن إقامة نظام سياسي يسعى لتحقيق مشروع نهضوي من دون الركون إلى حرية الرأي والتعدُّدية السِّياسيَّة والّتي تعزَّز من وجود الدَّولة وتساهم في توطيد دعائم الأمن القومي، وهذا يعني مشاركة من أغلب المواطنين المؤهِّلين في العملية السِّياسيَّة والاشتراك في الانتخابات من أجل المشاركة في مؤسَّسات الدَّولة المنتخبة، لذلك فأن وجود التعدُّدية السِّياسيَّة الّتي لا تقوم على نظام المحاصصة الحزبية يعزَّز السُّلوك الديمقراطي والممارسة الديمقراطية، ويرسخ مبادئ التعايش السِّلمي لدى الشَّعوب العربيَّة وحقها في مقاومة الطغيان، والتأكيد على أهمية السِّيادة الوطنيَّة وحمايتها من الخروقات الخارجية.
كذلك القضية الفلسطينية واسترجاع الأراضي المحتلة، والتهديد القائم للأمن القومي العربي من الكيان الصَّهيوني الّذي يؤكِّد قادته بأن الأمن يتحقِّق عن طريق القوَّة المسلّحة، فيرى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "دافيد بن غوريون" (David Ben – Gurion) أن استخدام القوَّة هو الوسيلة الوحيدة لممارسة السِّياسة، ويؤكِّد على أن إسرائيل دولة بلا حدود، وأن تشجيع اليهود للهجرة يحل مسألة الأمن على المدى الطويل، ويرى وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق "موشيه دايان" (Moshe Dayan) أن الأمن القومي الإسرائيلي يشمل ضمُّ الأراضي وبناء المستوطنات، وأن الحديث عن الحدود المقدسة خرافة، وعلى هذا الأساس رفعت إسرائيل شعار: "من النيل إلى الفرات أرضك إسرائيل"، عن طريق تعزيز الترسانة الحربية، لا سيّما القوَّة النووية، والتحالف مع القِوى العالمية الكُبْرَى وخاصة الولايات المتَّحدة، والبدء في عمليات تهجر ممنهجة للشَّعب الفلسطيني من قطاع غزة والهضبة الغربية، بالإضافة إلى عقد التفاهمات المنفردة مع بعض الدُّوَل العربيَّة تفادياً لأيّ محمور مقاومة أو ممانعة في المنطقة، لهذا يتطلب تظافر الجهود العربيَّة من أجل إيقاف التوسُّع الإسرائيلي، والتأكيد على إقامة الدَّولة الفلسطينية.
وأصبح لا بدَّ لقيام أيّ مشروع نهضوي عربي من تحقيق ثلاثة أهداف أساسيَّة، وهي:
الهدف الأول، إن تسعى الدُّوَل العربيَّة بشكل جدي نحو توحيد التاريخ المشترك بغض النظر عن الصيغة الدستورية لهذا التوحيد، لكون هذه العملية تمثل الشرط الجوهري لبناء الدَّولة الواحدة الّتي يتمُّ فيها رسم الصورة الحضارية للعرب، ويبدأ هذا التوحيد بالتكامل الإقتصادي، إذ لا يُمكن السير في أيّ مشروع نهضوي أو قومي من دون تنمية بشرية، كما إن التوحيد السِّياسيّ للأقطار العربيَّة يحقِّق التكامل الثَّقافي والإجتماعي والعسكري، وهي مستلزمات أساسيَّة مطلوبة لبناء الحضارة في الأمة العربيَّة حتى يصبح بالإمكان لملمة الطاقات الحضارية.
الهدف الثاني، هو الانتقال بالمجتمعات من البداوة إلى الحضارة، ومن مجتمع القبيلة إلى مجتمع المدينة، والانتقال هنا لا يقتصر إلى إقامة بنى تحتية عصرية، وإنَّما الانتقال الفكري والروحي من حيث ترسيخ الاعتقاد لدى الأفراد بأن مؤسَّسات الدَّولة كافة لتحقيق الرفاهية والحماية والأمن.
الهدف الثالث، نزوع العقل العربي الإسلامي نحو العقلنة، وهو عقلنة الفلسفة الدَّينيَّة بالاتجاه بها نحو تشذيبها من الشوائب الدخيلة الّتي أصبحت أداة للجهلة والسفهاء تستخدم لتكفير الآخرين، كذلك عقلنة الحياة الإجتماعية من خلال ربط العلاقات بين الدُّوَل العربيَّة بمنطق التِّجارة والإقتصاد، بالإضافة إلى عقلنة العملية السِّياسيَّة من خلال ربط السِّياسة العامة في الدُّوَل العربيَّة بالانتخابات والاختيار الحر على الأقل من الناحية النظرية، فلم تتحقِّق الأهداف السِّياسيَّة بصورتها الكاملة في أيّ فترة من فترات التاريخ العربي، وهو ما جعل المجتمعات العربيَّة تدخل بصورة واعية أو لا واعية في صراعات مستمرة مع مؤسَّسات الدَّولة للحصول على مكتسبات.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع