القائمة الرئيسية

الصفحات

ضمان الطبيب في الفقه الاسلامي


ضمان الطبيب في الفقه الاسلامي

ضمان الطبيب في الفقه الاسلامي : إذا باشر الطبيب المريض فأتلف من المريض جزئا او كلا ؛ فحاله حال سائر الأُجَراء والصنّاع في أصل الضمان مع تفصيل في الموضوع ، وحاصله :

إنَّ الطبيب إما أن يكون قد أخذ البراءة من المريض ، أو وليه ، أو لا ؟ . ولكل من القسمين حكمه الخاص :

أولاً - إذا لم يأخذ البراءة من المريض أو وليه فهنا :
  • 1 - تارة يكون الطبيب هو المباشر في العلاج بأن شرَّبه الدواء ، أو أجرى عليه عملية جراحية ، فالظاهر أنَّ المعروف هو الضمان ، ولا فرق بين أن يكون المريض بالغاً وعاقلاً أو لا ؟ .
  • 2 - وتارة يكون آمراً بشرب الدواء بأن يقول للمريض : اشرب الدواء الفلاني ، فشرب ، فاستشكل في العروة في ذلك إلا أن يكون سبباً أقوى بحيث ينتسب التلف إليه لا إلى المباشر وهو شارب الدواء .
  • وتبعه على ذلك صاحبا المستمسك والمستند ، ولكن اختار في مفتاح الكرامة الضمان. 
  • 3 - وثالثة أن يكون واصفاً للدواء كأن يقول : إنَّ دوائك كذا وكذا .
فقد مال في العروة إلى عدم الضمان أيضاً ، ووافقه صاحبا المستمسك والمستند ، بينما اختار في مفتاح الكرامة الضمان . قال العاملي : ( وكذلك - أي يضمن - إذا شرب بوصفه ، كما إذا قال له : مرضك كذا ودواؤه النافع له كذا ، كما هو المتعارف من أحوال الأطباء يشخص المرض ويصف له الدواء . . . ) . 

وقال السيد الخميني في تحرير الوسيلة - بعد نفي الضمان في صورة توصيف الدواء فقط - : ( نعم لا يبعد الضمان في التطبب على النحو المتعارف ) .أي المتداول حالياً . 

وهناك تفصيل آخر رتبوا عليه الحكم وحاصله :

إنَّ الطبيب :
  • 1 - إذا كان قاصراً أي غير عالم بالفن .
  • 2 - أو كان مقصراً في العلاج مع علمه في فنه .
  • 3 - أو كان قد عالج من دون إذن المريض أو وليه ، مع علمه وعدم تقصيره ، فأدى علاجه إلى التلف فهو يضمن في هذه الصور الثلاث .
وقد نقل العاملي عدم الخلاف بذلك في مفتاح الكرامة . 4 - وأما إذا كان الطبيب ماهراً ولم يكن قد قصر في علاجه ، وأخذ الإذن من المريض في علاجه ، فقد وقع الخلاف بين ابن إدريس وغيره من الفقهاء ، فالمنقول عن ابن إدريس هو عدم الضمان . والمعروف من سائر الفقهاء قديماً وحديثاً - إلا من تردد على أثر كلام ابن إدريس - هو الضمان . وعبارته في السرائر هي : ( ومن تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من ولي من يطببه ، أو صاحب الدابة وإلا فهو ضامن إذا هلك بفعله شيء من ذلك . 

هذا إذا كان الذي جنى عليه الطبيب غير بالغ ، أو مجنوناً .
فأما إذا كان عاقلاً مكلفاً فأمر الطبيب بفعل شيء ففعله على ما أمره به ، فلا يضمن الطبيب سواء أخذ البراءة من الولي أو لم يأخذ.

والدليل عليه ما قلناه : إنَّ الأصل براءة الذمة ، والولي لا يكون إلا لغير المكلف .


فأما إذا جنى على شيء لم يؤمر بقطعه ولا بفعله ، فهو ضامن سواء أخذ البراءة من الولي أو لم يأخذ ) .
ولا بد من الإشارة إلى أنَّ كلمة " الإذن " قد خلت عنه كثير من العبارات ، ولكن ظاهرهم ذلك . قال صاحب مفتاح الكرامة : ( وليعلم : أنَّ التقييد بكون العلاج بإذنه قد خلت عنه عبارات القدماء صريحاً ، لكنه ظاهرهم - كما في غاية المراد - وهو الذي فهمه ابن إدريس منهم . والمحقق ومن تأخر عنه جعلوا النزاع بين ابن إدريس والجماعة مع الإذن . وقد قلنا : إنَّ الظاهر أنَّ ابن إدريس حمل كلام المتقدمين على صورة عدم الإذن وجعلهم موافقين له . . . ) .

ثم ذكر الكتب المصرحة بالضمان مع عدم التقييد بالإذن ، والكتب المصرحة بالضمان معه .

ثانياً - إذا باشر مع أخذ البراءة من المريض أو وليه : بحث الفقهاء حول صحة أخذ الطبيب البراءة من المريض أو وليه . وفي المسألة قولان : الأول - صحة الإستبراء . فإذا أخذ الطبيب البراءة قبل العلاج وعالج فاتفق التلف فلا ضمان عليه ؛ لما في رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين A: 

( من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلا فهو ضامن ) .
ونسب هذا الرأي إلى كثير من أساطين الفقهاء كالشيخين وأتباعهما ، وأبي الصلاح ، وابن البراج ، والآبي ، وفخر المحققين ، والشهيد ، وأبي العباس ، والمقداد ، والمحقق الأردبيلي ، وصاحب الرياض ، واختاره صاحب الجواهر ، والسيد اليزدي ، والسيد الحكيم ، والسيد الخميني ، والسيد الخوئي ، وغيرهم . الثاني - عدم صحته ؛ لأنَّه إبراء عما لم يجب وإسقاط حق قبل ثبوته .

وقيل : إنَّ أول من قال به هو ابن إدريس ، ولكن لم تثبت هذه النسبة. وعبارته في السرائر خالية عن ذلك ، كما تقدم .
نعم يظهر من الجواهر : إنَّ أول من نسب ذلك إلى القول هو المحقق حيث قال : ( وهل يبرأ بالإبراء قبل العلاج ؟ قيل : نعم . . وقيل : لا يبرأ ) . وعلَّق عليه في الجواهر قائلاً : ( ولكن لم نتحقق القائل قبل المصنِّف وإن حكي عن ابن إدريس . . . نعم يظهر من الفاضل التردد فيه كالمصنف هنا حيث اقتصر على نقل القولين . . . ) .

وهناك بعض المحاولات للتخلص من المشكلة منها :
  • 1 - ما ذكره في مستند العروة وحاصله :
إنَّ هذا الحكم ( أي الإبراء قبل العلاج والتلف ) وإن كان مخالفاً للقواعد العامة التي منها : عدم صحة الإبراء عما لم يثبت بعد ، ولكن لما ورد النص الخاص في هذا المورد الخاص فينبغي التعبد به وإن خالف القاعدة .
  • 2 - إنَّ الاشتراط - هنا - إنما هو بمنزلة شرط السقوط في العقد مثل شرط سقوط الخيار في العقد ، وهو وإن كان من قبيل شرط النتيجة ، ولكن لا بأس به إذا كان المقصود منه إنشاء النتيجة أي ( السقوط ) في ضمن العقد . هذا إذا كان الشرط على نحو شرط النتيجة .
وأما إذا كان على نحو شرط الفعل بأن يشترط الطبيب في ضمن العقد أن يبرئه الولي أو المريض - في صورة عدم الوفاة - عن الجناية الحاصلة بسبب علاجه ؛ فالظاهر لا إشكال فيه لمطابقته للقواعد ، وإن لم أعثر على من صرح به فعلاً بحدود التتبع .

وهنا أمر يجب التوقف عنده وهو : من هو المبرئ ؟ .
اختلفت كلمات الفقهاء حول المبرئ للطبيب أهو المريض أو الولي أو كلاهما ؟ . هذا فيما إذا كان المريض بالغاً وعاقلاً وكاملاً .

وأما إذا كان صبياً أو مجنوناً ( أي مولى عليه ) فلا خلاف في أنَّ المبرئ لا بد وأن يكون الولي لا المريض .

ومهما يكن فقد قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة - بعد نقل عدم الضمان في صورة الاستبراء عن جماعة - : ( . . . وهذا منهم على اختلاف كلامهم في المبرئ أهو الولي ، أم المريض ، أم هما . . . ) . وممن صرح بلزوم إذن المريض صاحب الجواهر حيث قال : 

( والظاهر اعتبار إذن المريض في ذلك مع فرض كونه كامل العقل ، ولا يكفي إذن الولي ، إذ لا ولي له في هذا الحال ، وإنما هو أولى بنفسه ، وكون الولي هو المطالب بعد ذلك لا يرفع سلطنته الآن على نفسه . وما في الخبر المزبور محمول على إرادة الولي في ذلك ، الشامل للمريض ورب المال .

وقول الشهيد في غاية المراد وغيره باعتبار إذن الولي أو المريض ، محمول على التفصيل الذي ذكرناه ، لا أنَّ المراد الاكتفاء بإذن الولي مع كمال عقل المريض . . .) .

ومع ذلك فقد قال السيد اليزدي في العروة :
( إذا تبرأ الطبيب من الضمان وقَبِلَ المريض أو وليه ولم يقصّر في الاجتهاد والاحتياط برئ على الأقوى . . . ) . ولم يعلق صاحبا المستمسك و المستند على هذا الترديد ، فلا بد من حمل ذلك إما على ما قاله صاحب الجواهر ، أو على التخيير . وللسيد الخميني - في تحرير الوسيلة - تفصيل آخر، قال :

( الظاهر براءة الطبيب ونحوه من البيطار والختان بالإبراء قبل العلاج ، والظاهر اعتبار إبراء المريض إذا كان بالغاً عاقلاً فيما لا ينتهي إلى القتل ، والولي فيما ينتهي إليه ، وصاحب المال في البيطار ، والولي في القاصر ، ولا يبعد كفاية إبراء المريض الكامل العقل حتى فيما ينتهي إلى القتل ، والأحوط الاستبراء منهما ) . وللكلام تتمة تاتي بوقت لاحق
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع