القائمة الرئيسية

الصفحات

فشل أخلاقي دولي ذريع !!

فشل أخلاقي دولي ذريع !!


ينتاب المرء شعور عارم بالذهول عندما يعرف تاريخ المادة 519 من قانون العقوبات السوري التي تعاقب من أقدم على: 
((صنع أو تصدير أو توريد أو اقتناء كتابات أو رسوم أو صور يدوية أو شمسية أو أفلام أو إشارات أو غير ذلك من "الأشياء المخلة بالحياء" بقصد الاتجار بها أو توزيعها أو أعلن أو أعلم عن طريقة الحصول عليها))


فمنذ حوالي قرن وربع من الزمان، وقبل اكتساح الإعلام المرئي والفضائي للكرة الأرضية، وحينما كانت وسائل الإعلام ماتزال في المهد تحبو تقتصر على مطبوعات بدائية محدودة كالكتاب والجريدة، تنبه العالم لخطورة انتشار الرسوم والصور المنافية للآداب العامة والمفسدة للأخلاق والمثيرة للشهوات والغرائز في هذه الوسائل، 
حيث أضحت التجارة بهذه الأشياء تدر الربح الوفير، قامت عليها هيئات قوية بأموالها ووسائلها تستثمرها على نطاق واسع حتى أمست وباءً عاماً من الوجهة الأخلاقية، 

مما دعا الكثير من علماء الاجتماع والقانون إلى التنادي لمعالجة هذا الداء الوبيل الذي أخذ يفتك بالمجتمع.

فانعقد مؤتمر في العام 1893 في لوزان (سويسرا) لمكافحة المطبوعات المنافية للأخلاق أنشأ مكتباً دولياً في جنيف أناط به العمل على مقاومة انتشار تلك المطبوعات.

ثم انعقد مؤتمر دولي آخر سنة 1904 في كولونيا، 

ثم مؤتمر ثالث في باريس سنة 1908، تم به إنشاء اتحاد يضم كل الجمعيات والهيئات التي تقوم بمكافحة المطبوعات والصور المنافية للأخلاق.

وفي 18 نيسان 1910 عقد مؤتمر باريس الدولي الذي اشتركت فيه أكثر الدول الأوربية والولايات المتحدة والبرازيل، وأسفر هذا المؤتمر عن اتفاق يحث الدول على فرض عقوبة على من:

(يصنع أو يحرز بقصد الاتجار أو التوزيع أو يستورد أو ينقل أو يضع في التداول أو يعلن عن كتابات أو رسوم أو صور منافية للأخلاق)،

وجعلت هذه الاتفاقية من هذه الجرائم، "جريمة دولية" تختص كل دولة بمعاقبة مرتكبها حتى لو وقعت خارج أرضها ومن غير رعاياها.

وفي 12 أيلول 1923 عقدت اتفاقية دولية في جنيف تتفق في جوهرها مع اتفاقية باريس السابقة.
وبالفعل بدأت الدول بتبني هذه الجريمة والنص عليها في قوانين العقوبات المختلفة ومنهم المشرع الفرنسي الذي تشدد بالعقوبة إذا كانت المطبوعات موجهة للأحداث،

وهكذا وصلت هذه الجريمة لقانون العقوبات السوري.

فإذا كان هذا هو المهد التشريعي للنص الذي يعاقب على الاتجار بمختلف أشكاله بالمطبوعات المفسدة للأخلاق والمخلّة بالحياء، فإن السؤال العريض الذي يطرح نفسه بعد مرور قرن من الزمان على هذه الحركة التشريعية، 

وبعد هذه الثورة في الإعلام والاتصالات والتواصل الاجتماعي، 

وبعد هذا الانفجار الواسع في المواد الإباحية التي اكتسحت كل الميديا، 

وبعد أن باتت النصوص التشريعية الزاجرة لهذه الفعالية كسيحة وبائسة لا حول لها ولا قوة:
ماذا الذي حصل في تلك الدول حتى انقلبت مائة وثمانون درجة، وانتقلت بقدرة عجيبة من مكافحة وزجر انتشار الوسائل المخلة بالحياء والأخلاق، إلى كبار المصدِّرين لها، تجني من وراء تجارتها المليارات؟؟

هل تبدل الحياء في تلك الدول؟ 
أم أن المال أهم من الأخلاق؟؟

ماذا الذي حصل؟؟

بقلم المحامي / عارف الشعال
مصدر المادة العلمي:
(الدكتور عدنان الخطيب – الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة – طبعة 1954 – ص358)
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع