القائمة الرئيسية

الصفحات

تعليق على قرار قضائي صادر عن محكمة التمييز الاتحادية - العراق

تعليق على قرار قضائي صادر عن محكمة التمييز الاتحادية - العراق


تعليق على قرار قضائي صادر عن محكمة التمييز الاتحادية ذي العدد 195/ الهيأة العامة/ 2008 في 29/6/2009


د. حيدر ادهم الطائي

المبدأ:

تختص المحاكم بالنظر في الدعوى المتعلقة بالعقار ان كان هذا العقار واقعاً في العراق أما اذا كان العقار واقعاً خارج العراق فان الاختصاص في هذه الحالة لا ينعقد للمحاكم العراقية وإنما لمحاكم الدولة التي يقع فيها العقار.

مضمون الدعوى:

ادعى وكلاء المدعين ( ون ع وجماعتها ) لدى محكمة بداءة الكرخ ان المدعين شركاء مع المدعى عليه في الشقة التي يستغلها والموجودة في لندن(شقة كنكستن) حيث آل اليهم ربعها ارثاً من مورثتهم المرحومة ن ض والمتوفاة بتاريخ 18/11/1988 وقد وضع المدعى عليه (ع ع أ) اليد على حصة المدعين غصباً وحرمهم الانتفاع بها واستغلالها اما بالسكن فيها على وجه الاستقلال او بالاستفادة من ربعها ولم يدفع لهم شيئاً كاجر من حصتهم رغم المطالبة به طلبوا دعوة المدعى عليه للمرافعة والزامه بدفع اجر المثل لما يعادل سهامهم المذكورة في القسام الشرعي للشقة المذكورة من تاريخ وفاة مورثتهم في 18/11/1988 ولحين رفع هذه الدعوى محتفظين بحقهم باقامة دعوى للفترة اللاحقة وقدروا اجر المثل بمبلغ (180000000) مائة وثمانون مليون دينار عراقي مع الاحتفاظ بحقهم في الزيادة بدعوى منظمة او منفردة وتحميله المصاريف القضائية. اصدرت محكمة بداءة الكرخ الثاني بتاريخ 27/3/2006 وبعدد 2434/ب/2004 حكماً حضورياً يقضي برد الدعوى لعدم الاختصاص القضائي ...


وتحميل المدعين الرسوم والمصاريف. طعن وكيلا المدعين بالحكم طالبين نقضه للاسباب الواردة بعريضتهما التمييزية المؤرخة في 26/4/2996 اعيد الحكم الى محكمته منقوضاً بقرار محكمة التمييز ذي العدد 1082/ الهيأة المدنية الثانية/ 2006 بتاريخ 28/6/2006 واتباعاً اصدرت محكمة بداءة الكرخ بتاريخ 5/2/2007 وبعدد 2435/ب/2006 حكماً حضورياً يقضي برد دعوى المدعين وتحميلهم الرسوم والمصاريف. ولعدم قناعة المدعين بالحكم المذكورفقد طعنوا به تمييزاً للاسباب الواردة بلائحتهم المؤرخة في 4/3/2007.

القرار:

لدى التدقيق والمداولة مع الهيأة العامة في محكمة التمييز الاتحادية تبين ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية فقرر قبوله شكلاً وعند عطف النظر على الحكم المميز فقد وجد بانه صحيح وموافق للقانون من حيث النتيجة ذلك لان موضوع الدعوى المقامة من المدعين ضد المدعى عليه هو مطالبتهم له باجر المثل عن الشقة التي يدعي المدعون انه استغلها وهي واقعة في لندن عاصمة المملكة المتحدة والتي آل اليهم ربعها ارثاً من مورثتهم المتوفاة (ن) متابع حسب ماورد في عريضة الدعوى أي ان الدعوى تخص عقاراً واقعاً خارج العراق ولما كان من ضمن اختصاص المحاكم العراقية النظر في الدعاوى المتعلقة بالعقار ان كان هذا العقار واقعاً في العراق حسب احكام المواد 29 و 36 من قانون المرافعات المدنية لسنة 1969 و 14/ب من القانون المدني


 اما اذا كان العقار واقعاً خارج العراق فان الاختصاص في هذه الحالة لا ينعقد للمحاكم العراقية وانما لمحاكم الدولة التي يقع فيها العقار وهذا هو مفهوم المخالفة لاحكام النصوص آنفة الذكر اضافة الى ان الفقرة (أ) من المادة السابعة من قانون تنفيذ احكام المحاكم الاجنبية في العراق رقم (30) لسنة 1982 نصت على اختصاص المحكمة الاجنبية اذا كانت الاموال غير المنقولة كائنة في البلاد الاجنبية وهذا يعني ان وجود العقار خارج العراق يخرج هذا العقار من اختصاص المحاكم العراقية ولو كان المدعى عليه عراقياً او اجنبياً مقيماً في العراق او خارجه ..


ويؤسس هذا الاستثناء على مبدأ قوة النفاذ باعتبار ان محكمة موقع العقار هي الاقدر من غيرها على اتخاذ الاجراءات التي تقتضيها طبيعة الدعوى مثل الكشف الموقعي على العقار واستماع البينات الشخصية موقعياً اضافة الى انها الاقدر على كفالة اثار الحكم الذي يصدر في الدعوى لما لها من سلطة قضائية عليه فضلاً عن ان تحديد المال بكونه عقاراً ام لا وتحديد مالكيه وحقوقهم امور تقررها محكمة موقع العقار وبموجب قوانين الدولة التي يقع العقار فيها ويشمل هذا المبدأ المتعلق باختصاص القضاء الاجنبي الدعاوى العقارية كافة سواءاً الدعاوى العينية العقارية او الدعاوى الشخصية العقارية ام الدعاوى المختلطة المتعلقة بعقار ولما كان العقار موضوع الدعوى واقعاً في لندن /المملكة المتحدة لذا فان اختصاص النظر في هذه الدعوى لا ينعقد الى المحكمة العراقية وحيث ان اجراءات المرافعات المدنية المتعلقة باختصاصات المحاكم تعد من النظام العام على احكام المادة (77) من قانون المرافعات المدنية وتحكم المحكمة برد الدعوى في مثل هذه الحالة ومن تلقاء نفسها ولو لم يقدم دفعاً امامها ولما كانت محكمة الموضوع قد ردت الدعوى لهذا السبب ولسبب اخر يخص اقامة دعوى محاسبة بين الطرفين وعليه قرر تصديق الحكم المميز من حيث النتيجة ورد الطعن التمييزي وتحميل المميزين رسم التمييز وصدر القرار بالاكثرية بتاريخ 6/رجب/1430 هـ الموافق 29/6/2009.

المسائل التي يثيرها القرار:

الحالات التي يثبت فيها الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم العراقية.

الأسس التي ادت الى تصديق الحكم المميز من جانب محكمة التمييز الاتحادية.

الحالات التي يثبت فيها الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم العراقية.

يثبت الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم العراقية بموجب نصوص حصرية وردت في القانون المدني العراقي في المادتين 14و15، وقانون الاحوال الشخصية للاجانب لسنة 1931 في مادته الثانية فضلاً عما يمكن ان يرد من نصوص خاصة في اتفاقيات نافذة في العراق، والحقيقة ان النصوص المذكورة قد جاءت قاصرة وفقاً لوجهة نظر فقه القانون الدولي الخاص في العراق قدر تعلق الأمر بتحديد حالات أخرى يثبت فيها الاختصاص القضائي الدولي لمحاكم دول أجنبية في حين لا نجد نصوصاً صريحة تثبت الاختصاص للمحاكم العراقية، ولمعالجة هذه الحالات فقد تصدى الفقه في العراق مرتباً حالات ثبوت الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم العراقية لتكون بالشكل التالي:

اذا كان المدعى عليه عراقي الجنسية وقت اقامة الدعوى.

اذا كان المدعى عليه أجنبياً موجوداً في العراق وقت رفع الدعوى سواء كان هذا الاجنبي شخصاً طبيعياً أم شخصاً معنوياً.

اذا كانت الدعوى متعلقة بعقار موجود في العراق أو بمنقول موجود فيه وقت رفع الدعوى.

اذا كان موضوع الدعوى عقداً تم ابرامه في العراق او كان واجب التنفيذ فيه او كان التقاضي عن حادثة وقعت في العراق.

اختصاص المحاكم العراقية بسبب الخضوع الارادي نتيجة قبول الاجنبي صراحةً او ضمناً لهذا الاختصاص.

اختصاص المحاكم العراقية بالمسائل الاولية والطلبات العارضة والاجراءات المستعجلة.

وفي ضوء ما قرره الفقه من وجود حالات لم يتم النص عليها صراحة لتثبيت الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم العراقية فجرى منح الاختصاص لهذه المحاكم من باب مفهوم المخالفة او الارتكاز على مبادئ القانون الدولي الخاص الشائعة دولياً طبقاً للمادة (30) من القانون المدني العراقي، فان ذلك يعني وجود نقص في التشريع العراقي في هذه المسألة والمراد به إغفال لفظ في النص التشريعي او اغفال حالة في مجموعة النصوص التشريعية بحيث يكون النص التشريعي غير مستقيم دون اللفظ المذكور، او ان يؤدي هذا النقص في المجموعة التشريعية المعالجة لحالة معينة الى وجود نوع من الفراغ القانوني الذي قد لا يمكن علاجه طبقاً للوسائل القانونية المتاحة خارج الاصلاح التشريعي باضافة نصوص تكمل هذا النقص وتسد هذا الفراغ.

الأسس التي ادت الى تصديق الحكم المميز من جانب محكمة التمييز الاتحادية.

بنت محكمة التمييز الاتحادية قرارها على مفهوم المخالفة للمادة 14/ب من القانون المدني العراقي فاذا كانت المحاكم العراقية مختصة بنظر الدعوى اذا ما كان موضوعها متعلقاً بعقار كائن في العراق فان هذا الاختصاص لن يثبت للمحاكم العراقية اذا كان العقار واقعاً خارج العراق وانما سيتحدد الاختصاص في هذه الحالة لمحاكم الدولة التي يقع العقار ضمن اقليمها، ويؤسس هذا الاختصاص الذي اشارت اليه محكمة التمييز الاتحادية على اساس فكرة قوة النفاذ ذلك ان محكمة موقع العقار هي الأقدر من غيرها على اتخاذ كافة الاجراءات ذات الصلة والتي تقتضيها طبيعة الدعوى مثل الكشف الموقعي على العقار والاستماع الى البينات الشخصية موقعياً، كما ان محكمة موقع العقار هي المحكمة التي تستطيع كفالة آثار الحكم الذي سيصدر في الدعوى فضلاً عن ان قانون دولة موقع العقار هو القانون الأكثر عدالة في تطبيقه على العقار موضوع الدعوى ومن ثم انتهت محكمة التمييز في تصديقها على القرار الصادر من محكمة بداءة الكرخ من حيث النتيجة الى ان الاختصاص لا ينعقد للمحكمة العراقية ذلك ان اجراءات المرافعات المدنية المتعلقة باختصاصات المحاكم تعد من النظام العام طبقاً لاحكام المادة (77) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ ...


وللمحكمة ان تحكم برد الدعوى في مثل هذه الحالة من تلقاء نفسها حتى في حالة عدم تقديم مثل هذا الدفع أمامها، والمراد بفكرة النظام العام المبادئ الاساسية التي تعبر عن الكيان السياسي والاجتماعي والاقتصادي والقانوني للدولة بما يقوم عليه هذا الكيان من معتقدات تتعلق بالامن والحرية والديمقراطية ومعتقدات اجتماعية تتعلق بالمساواة أمام القانون او احترام افكار دينية اساسية معينة او عقائد مذهبية اقتصادية كالاشتراكية والرأسمالية أو نحوها من المذاهب والافكار الاقتصادية كالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وغير ذلك، وكانت المادة 130 من القانون المدني العراقي قد عدت بعض المسائل من النظام العام حيث لا يجوز الاتفاق على خلافها فنصت على ((ويعتبر من النظام العام بوجه خاص الاحكام المتعلقة بالاحوال الشخصية كالاهلية والميراث والاحكام المتعلقة بالانتقال والاجراءات اللازمة للتصرف في الوقف وفي العقار والتصرف في مال المحجور ومال الوقف ومال الدولة وقوانين التسعير الجبري وسائر القوانين التي تصدر لحاجة المستهلكين في الظروف الاستثنائية.

من جانب اخر ربما يدفع ان ثبوت الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم العراقية في هذه الحالة قد يتحقق فيما لو كان المدعى عليه عراقي الجنسية موجوداً في العراق وقت رفع الدعوى، او كان اجنبياً أي المدعى عليه موجوداً في العراق وقت رفع الدعوى حيث يؤسس الاختصاص طبقاً للحالة الأخيرة على مبدأ الولاية القضائية الاقليمية والتي تمتد لتشمل جميع الاشخاص الموجودين فوق الاقليم العراقي، إلا ان الملاحظ ان محكمة التمييز الاتحادية وازنت بين كل هذه العوامل أو الضوابط ذات الصلة بتحديد الاختصاص فرجحت الضابط الذي يقود الى منح الاختصاص للمحكمة الاقدر على اصدار حكم قابل للتنفيذ بسهولة، وبذلك فضلت محكمة التمييز الاتحادية مراعاة هذا الجانب الأكثر ارتباطاً بتحقيق العدالة وانفاذها من العناصر التي ترتبط بمبدأ الولاية القضائية الاقليمية أو تلك المتعلقة بميل القاضي في كل دولة الى توسيع نطاق اختصاصه ليشمل أكبر عدد ممكن من الدعاوى.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. تعليق على قرار صادر من محكمة التميز الاتحادية من ٢٠١٧-الى ٢٠٢٠

    ردحذف

إرسال تعليق

اذا أعجبك الموضوع فلماذا تبخل علينا بالردود المشجعة

التنقل السريع