القائمة الرئيسية

الصفحات

بحث ودراسة الفيدرالية وحق تقرير المصير في ظل قواعد القانون الدولي العام

المحامي/ هاتف الاعرجي

ابتداءً يصنع مبدأ حق تقرير المصير الشعوب في اختيار احدى هاتين الامكانيتين -الحق في الانفصال- او الحق في عدم الانفصال - اي في اقامة وبناء علاقات اتحادية فيدرالية مع الامم الاخرى. واختيار الشعب الكردي الفيدرالية (الاتحاد مع شقيقه الشعب العربي). يشكل قوة للعراق ووحدة لشعبه.
بحث ودراسة الفيدرالية وحق تقرير المصير في ظل قواعد القانون الدولي العام


ويمكن القول إن المجتمع الدولي لم يعرف حق تقرير المصير بإعتباره ذلك الحق الطبيعي للمحكومين في اختيار الحاكمين وفي انفصالهم برقعة من الارض او اتحادهم مع غيرهم، الا عندما بدأ التمييز في الفقه الدولي بين شخص الحاكم وشخصية الاقليم. كان الاقليم يعتبر من الاملاك الخاصة للحاكم، وبالتالي فلم يكن لاية جماعة تسكن في جزء منه المطالبة بإنفصاله او تقرير مصيرهم - بإعتبار ان هذا الاقليم يعد من الحقوق القاصرة على شخص الحاكم. في حين كان يمكن قبول المطالبة ان كانت السيادة العليا على الاقليم هي للشعوب وليست لشخص الحاكم. ومن هنا فإن تقرير المصير ليس بالامر الجديد. فهو يرجع بجذوره الى الثورتين الامريكية والفرنسية (الدكتور عبد المجيد اسماعيل حقي)

 الوضع القانوني لإقليم عربستان كان اعلان الاستقلال الامريكي في 4 / 7 / 1976 من المحاولات الاولى لتحديد مفهوم تقرير المصير فنص الاعلان على انه ( عندما يبدو ضرورياً في مسار الحوادث الانسانية لشعب ما ان يتحلل من الروابط السياسية التي تربطه بشعب آخر ليشارك بين قوى الارض الوضع المتساوي والمنفصل الذي تعطيه اياه قوانين الطبيعة وطبيعة الله. فإن الاحترام اللائق لأفكار البشر يفترض ان يعلن هذا الشعب الاسباب التي اجبرته على الانفصال. ونحن نعلن هذه الحقائق وقائع ثاتبة بأن كل البشر خلقوا متساوين، وان خالقهم منحهم حقوقاً معينة غير قابلة للعدوان عليها، مثل حقهم في الحياة والحرية وطلب السعادة، وانه لتحقيق هذه الاهداف انشئت الحكومات بين الناس مستمدة قوتها العادلة من رضاء المحكومين. وانه اذا اصبح شكل الحكومة مدمراً لهذه الاهداف، فإن من حق الشعب ان يغيرها او يقضي عليها او ينشئ حكومة جديدة تصنع اسسها على هذه المبادئ، وتنظم قوتها بالشكل الذي يراه الشعب ملائماً لتحقيق سلامته وسعادته).


وتبعه اعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسي في 26 / 8 / 1979 ونص هذا الاعلان على (ان الناس خلقوا احراراً وسيبقون احراراً متساوين في الحقوق وان القانون هو تعبير عن الارادة العامة في الدولة وللمواطنين كافة في الاشتراك مباشرة او بواسطة ممثلين في تكوينها، وان هدف جميع المنظمات السياسية المحافظة على الحقوق الطبيعية للانسان). واصدرت الجمعية الوطنية الفرنسية مرسوماً في 19 / 11/ 1792 اعلنت فيه انها ستمنح الاخوة والعون لجميع الشعوب التي ترغب في استعادة حريتها المسلوبة منها. وكان للتأثير المادي والمعنوي لهاتين الثورتين الاثر الملحوظ في التطبيقات الفعلية الاولى لتقرير المصير في المجتمع الدولي. اذ طبق هذا المبدأ منذ الايام الاولى للثورة الفرنسية، كما يبدو من قبول الجمعية الوطنية الفرنسية لمقترحات الانضمام الى فرنسا من (افينون وفيانسان سنة 1791 ومن (ساقوي ونيس سنة 1792 ، على اساس ان الارادة الشعبية المعبر عنها بحرية هي الشيء الوحيد الذي يبرر تغيير السيادة على الاقليم.

كما يبدو ايضاً من قبول الكونجرس الدولي في باريس سنة 1856 اجراء استفتاء شعبي تحت الاشراف الدولي في مولدافيا وفلاشيا لتقرير مصيرهما.

وكانت الحرب العالمية الاولى - وكان نظام الانتداب - ومن الامانة ان تقرر هنا ان حق تقرير المصير قد ظهر وقتها وسيلة سياسية للحصول على مؤازرة الشعوب المستعبدة ومساعدتها الدول المتحالفة في ايلول 1915 صرح ولسن (الرئيس الامريكي) بأن حق الفتح الذي كانت تعترف به القواعد الدولية التقليدية يتعارض مع حق الشعوب في اختيار حكامها .. وهكذا ولد مبدأ تقرير المصير من مخاض الحرب العالمية الاولى. وعلى الرغم من ان عهد عصبة الامم لم يتضمن نصاً واضحاً لمبدأ تقرير المصير الا انه اخذ بمبادئ جديدة يفهم منها تبنيه هذا المبدأ. وقد حرم عهد العصبة (الفتح) بإعتباره لا يتفق مع حق الشعوب في السيادة على اقاليمها. وانشأ نظام حماية الاقليات الذي اوجب المساواة في الحقوق والحريات بين الاقلية والاغلبية في الدولة الواحدة.

كما انشأ نظام الانتداب الذي يتولى بموجبه بعض الدول تحت اشراف عصبة الامم مسؤولية تطوير الاقاليم غير المستقلة بهدف مساعدتها لكي تكون قادرة على تحمل اعباء ومسؤوليات الاستقلال - وتسمي الدكتورة عائشة راتب في كتابها (مشروعية المقاومة المسلحة) ان النصوص حول الانتداب والاقليات هو اعتراف بطريق غير مباشر بتقرير المصير. بل ان عصبة الامم طبقت مبدأ تقرير المصير في حالات عديدة. فحصلت بموجبه دول بولندا - وتشيكو سلوفاكيا والنمسا والمجر وايرلندا على استقلالها. واعطيت بمقتضاة الالزاس واللورين الى فرنسا، وشليزويج الى الدنمارك، وترانسلفانيا وبوكوينا الى رومانيا - كما اجريت تغيرات شعبية تطبيقاً لمبدأ تقرير المصير. ولكن العصبة رفضت تطبيق مبدأ تقرير المصير في انضمام النسما الى المانيا. وضم التيرول الالماني الى المانيا، حيث ضم الى ايطاليا بسبب الخوف من ان يؤدي هذا الضم الى اعادة الروح الى القومية الالمانية، كما رفضت العصبة تطبيق مبدأ تقرير المصير في بعض الدول بسبب عدم اقتناعها بأهلية هذه الدول لتحمل اعباء الاستقلال، فقد رفضت طلبات استقلال العراق ومصر والفلبين وكوريا وايرلندا.. الدكتور عبد المجيد اسماعيل حقي المصدر السابق وعلى الرغم من ان معاهدة سيفر في سنة 1920 قد منحت الاكراد والعراقيين والسوريين والحجازيين امماً فمنحها حق اقامة دول بأسمها ولم يرَ هذا القرار النور بالنسبة للشعب الكردي وذلك لأن المصالح هي اعلى من المبادئ لدى المستعمرين.

ويذكر الدكتور حكمت شبر في كتابه (الجوانب القانونية لنضال الشعب العربي من اجل الاستقلال) صفحة 9 وفي الوقت الذي كانت فيه دول الاستعمار مجتمعة في فرنسا عام 1919 لتقسيم المستعمرات بينها وتثبيت نظام الانتداب على شعوب العالم وبضنمها الشعوب العربية، يقول المؤرخ المصري امين سعيد - ان الوفد المصري الذي ذهب لملاقاة ولسن وبحث قضية مصر واستقلالها معه، لم يلق اي اذن صاغية لديه، فقد اعترف ولسن مسبقاً بحق انكلترا في الانتداب على مصر. وبعد المقاومة العنيفة من الدول الاستعمارية الكبرى لمبدأ تقرير المصير في فترة عصبة الامم اضطرت خلال الحرب الثانية وبعد ان استعمرت المانيا الهتلرية معظم اوربا الى ان تعترف بحق تقرير المصير في وثيقة من وثائقها وهي بيان الاطلنطي في 4 آب 1941 الذي جاء في البند الثالث منه ان الولايات المتحدة وانكلترا تحترمان حق جميع الشعوب في اختيارها شكل الحكم الذي ترتضيه (وان الولايات المتحدة وانكلترا) سوف يسعيان لإعادة حقوق السيادة وتقرير المصير للشعوب التي حرمت منها عن طريق القوة.

ويضيف الدكتور حكمت شبر في صفحة 17 من مؤلفه المشار اليه - ان الباحث الموضوعي لايمكنه ان يعترف الا بالحقائق التاريخية، نقول ذلك ونحن نتعرض الى موضوع حق تقرير المصير وكيف ظهر الى الوجود الدولي. فقد كانت اول دولة تتبنى موضوع حق تقرير المصير وتعلنه في سياستها الداخلية بالنسبة الى شعوبها والخارجية فيما يتعلق بشعوب العالم الاخرى، هي اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، فقد ثبت هذا الحق في اول عمل تشريعي تقوم به الدولة الجديدة وهو مرسوم السلام، وكذلك في المرسوم الموجه الى الشعوب الشرقية المسلحة، كذلك ثبت هذا الحق في دساتير الاتحاد السوفيتي لأعوام 1924 و 1936 . وفيما يخص العلاقات الدولية ثبت هذا المبدأ في الاتفاقيات التي عقدت بين افغانستان وتركيا ومنغوليا وايران. فمثلاً والقول للدكتور حكمت شبر - تقول المادة الخامسة عشرة من المعاهدة المعقودة بين روسيا السوفيتية وايران (الطرفين المتعاقدين يعترفان بحق كل شعب ان يقرر مصيره السياسي بحرية ومن دون تدخل من طرف آخر.. وكذلك نجد نصوصاً مشابهة لذلك في معاهدات اخرى.

ويتضح من ذلك ان حق تقرير المصير خرج من كونه مجرد قواعد قانونية لحكومة معينة في سياستها الداخلية، بل اصبح قواعد تعاهدية على الرغم من ان هذه المعاهدات لم تكن عامة بل مقصورة بين دولتين فقط.
التحليل القانوني لتقرير المصير قبل ميثاق الامم المتحدة

كان من بين الفقهاء وفي عهد عصبة الامم المتحدة من يرى ان ليس بالامكان اعتبار تقرير المصير مبدأً قانونياً ملزماً وانما هو منحة من الدول القوية الى الدول الضعيفة التي تقع ضمن دائرة نفوذها. ويقول آخرون لا نستطيع القول أن تقرير المصير كان قبل ميثاق الامم المتحدة يعتبر حقاً قانونياً. ان عدم تضمين عهد عصبة الامم لمادة تنص صراحة على مبدأ تقرير المصير، وتحدد قيمته القانونية السبب الاول في تشكيك الفقهاء في القيمة القانونية لمبدأ تقرير المصير بإعتباره مجرد مبدأ نبيل ومثالي. ودعم هذا التشكيك تقرير لجنة المشرعين في عصبة الامـــــم في 16 / 4 / 1921 بخصوص النزاع بين السويد وفلندا على جزر (اللاند ) Aaland الذي نص على (ان القانون الدولي الوضعي لم يتضمن اعترافاً بمبدأ تقرير المصير للشعوب لفصل نفسها عن الدول التي تتبعها.. وعلى الرغم من ان هذا المبدأ يلعب دوراًَ مهماً في الفكر السياسي المعاصر، وخاصة منذ الحرب العظمى، 

فإنه تجب الاشارة الى عدم النص عليه في عهد العصبة، بحيث ان الاعتراف به في عدد معين من المعاهدات الدولية لا يمكن ان يعد كافياً لكي يصنع اساساًُ له كقاعدة وضعية في القانون الدولي العام). وانكر بعض الفقهاء تطبيقات تقرير المصير سواء منها تلك التي وقعت تنفيذاً لإتفاقيات السلام سنة 1919 و 1920 ام بمقتضى قرارات عصبة الامم يمكن ان ترق بهذا المبدأ الى مستوى القاعدة العرفية الدولية فيقرر (بريجس) انه (لا وجود لتقرير المصير في القانون الدولي العرفي على الرغم من ان هذا الحق قد منح عدة مرات بمقتضى معاهدات او بقوانين داخلية) الدكتور عبد المجيد اسماعيل حقي- المصدر السابق- ، 

ان التحليل القانوني لتقرير المصير في هذه الفترة لا يؤدي الى انكار كل قيمة لهذا المبدأ، واذا كان صحيحاً ان القانون الدولي الوضعي لم يتضمن قاعدة قانونية صريحة تنص على تقرير المصير، الا ان القول بإنكار وجود قاعدة قانونية عرفية يتضمن هذا المبدأ يعد امراً غير صحيح على اطلاقه. ان الاصرار على وجوب تطبيق مبدأ تقرير المصير كان السبب وراء اعلان الحلفاء الحرب العالمية الاولى ضد المانيا وقوات المحور اذ ورد على لسان الناطق الامريكي ان السبب الرئيس لدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الاولى هو لتأكيد قانونية تقرير المصير. ويقول (اعلن الحلفاء انهم يقاتلون من اجل ضمان استقلال وحرية الشعوب من السيطرة الاجنبية. كما استندت الى هذا المبدأ معاهدات السلام التي اعقبت الحرب العالمية وطبقته فعلاً الدكتور عبد المجيد اسماعيل حقي - المصدر السابق صفحة 308.

ان غالبية الدول الاعضاء في المجتمع الدولي في هذه الفترة قبلت مبدأ تقرير المصير واقترن قبولها بالاعتقاد القاطع بضرورة تطبيقه كما يبدو واضحاً في التصريحات والمذكرات الرسمية في ذلك الحين. واذا اضفنا الى تطبيقات عصبة الامم لمبدأ تقرير المصير بإعتبارها تمثل العنصر المادي للعرف، الى الاعتقاد الدولي بأن هذا المبدأ يعد بمثابة قانون واجب الاحترام، فيمكن القول أن تلك التطبيقات قد انشأت قاعدة عرفية دولية، ويجد ما يؤيد ذلك في النص على تقرير المصير في ميثاق الامم المتحدة بصيغة الحاضر، الامر الذي يعني اقرار الميثاق بمبدأ قانوني موجود فعلاً وان وجوده سابق على النص عليه.

واذا كانت عصبة الامم قد قيدت من بعض تطبيقات مبدأ تقرير المصير بسبب الاعتبارات السياسية، فإن ذلك لا يرجع الى ضعف القيمة القانونية لهذا المبدأ في حد ذاته وانما يرجع الى ضعف المنظمة الدولية لكونها وعلى الرغم من اختصاصاتها الواسعة تنظيماً غير فعال وذلك ما اتفق عليه الكثير من الفقهاء وكتاب القانون الدولي.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع