القائمة الرئيسية

الصفحات

بحث قاعدة عدم رجعية القانون الجزائي - مبدا عدم رجعية القوانين

قاعدة عدم رجعية القانون الجزائي

قاعدة عدم رجعية القانون الجزائي - مبدا عدم رجعية القوانين
قاعدة عدم رجعية القانون الجزائي - مبدا عدم رجعية القوانين 
ملتقى الفكر القانوني 
تعني قاعدة عدم رجعية القانون الجزائي, أن القانون الجزائي لا يجوز أن يكون له أثر رجعي , فيطبق على الفترة السابقة تاريخ صدوره. وهذه القاعدة هي نتيجة لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات . فإذا صدر قانون جديد يجرّم فعلاً كان مباحاً قبل صدروه, أو يزيد في مقدار عقوبة نص القانون القديم عليها, أو يغير نوعها بعقوبة أخرى , وطبقنا النص الجديد على الأفعال التي وقعت قبل صدوره , فإننا نكون قد خرقنا قاعدة لا جريمة ولا عقوبة بلا نص , وطبقنا القانون الجديد على فترة زمنية لم يكن موجوداً فيها, أو بمعنى آخر , لم يكن التجريم والعقاب معروفين فيها.
وقد تبنى دستور الجمهورية العربية السورية لعام 1973 قاعدة عدم رجعية القوانين الجزائية بنص قاطع في المادة 30 , التي جاء فيها:
((لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي , ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك)).
كما تبنى قانون العقوبات السوري قاعدة عدم رجعية القوانين الجزائية , فنصت المادة الأولى منه على ما يلي:
((1- لا تفرض عقوبة ولا تدبير احترازي أو إصلاحي من أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه.
2- لا تؤخذ على المدعى عليه الأفعال التي تؤلف الجرم وأعمال الاشتراك الأصلي أو الفرعي التي أتاها قبل أن ينص القانون على هذا الجرم)).
ونصت الفقرة الأولى من المادة السادسة من قانون العقوبات السوري على ما يلي:
((لا يقضى بأية عقوبة لم ينص عليها حين اقتراف الجرم)).
ونصت الفقرة الأولى من المادة التاسعة من هذا القانون على ما يلي:
((كل قانون جديد يقضي بعقوبات أشد لا يطبق على الجرائم المقترفة قبل نفاذه)).
وأمام هذه النصوص القاطعة , لا يثير تطبيق قاعدة عدم رجعية القوانين الجزائية سوى صعوبة واحدة, تتعلق بتحديد زمن ارتكاب الجريمة, لأن الفعل يقع أحياناً على مراحل متعاقبة , أو يقع في وقت واحد , ولكن النتيجة تتخلف عنه أياماً أو أسابيع , كما لو أعطى الفاعل للمجنى عليه سماً على عدة جرعات, وكان بين كل واحدة منها والأخرى فاصل زمني ولم تحدث الوفاة إلا بعد مرور مدة من الزمن على آخر فعل جرمي.
وقد حسم المشرع السوري هذا الخلاف بنص الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون العقوبات , التي جاء فيها ما يلي: (( يعد الجرم مقترفاً عندما تتم أفعال تنفيذه , دون النظر إلى وقت حصول النتيجة)).
وواضح من هذا النص أن معيار تحديد زمن ارتكاب الجريمة, هو الوقت الذي تتم فيه الأفعال التنفيذية المكونة للفعل , وليس وقت حصول النتيجة , مهما تراخى الوقت.
استثناءات قاعدة عدم رجعية القانون الجزائي
رجعية التشريعات الجزائية الموضوعية الأصلح للمتهم:
جاء نص المادة 30 من الدستور السوري قاطعاً في عدم رجعية القوانين الجزائية. ولكن هذا النص لا يمنع من رجعية القانون الجزائي الموضوعي إذا كان أصلح أو أرحم للمتهم. فالقانون الجزائي الذي يلغي جريمة , أو يعدل في شروطها , أو يخفف عقوبة , ليس في حقيقة الأمر إلا ثمرة جهود المشرع في جعل القوانين منسجمة مع الواقع الاجتماعي , وبالتالي إلغاء أو تعديل ما أقر المجتمع فساده أو تخلفه أو عدم كفايته منها. فإذا تبين للشارع مثلاً, أن فعلاً لا مبرر للاستمرار في اعتباره جريمة , فأباحه بقانون جديد, فإن أساس تجريم هذا الفعل ينتفي , وبالتالي فإن عقاب الأشخاص الذين اقترفوه في ظل القانون القديم يخالف العقل والمنطق. أو لو اتضح للمشرع أن العقوبة المفروضة على فعل من الأفعال شديدة , وأنه لا مسوغ لمثل هذه القسوة , فخفف منها بقانون جديد, فإنه لا يعود مقبولاً عندئذ الحكم بعقوبة كانت السلطة التشريعية قد رفضت قسوتها.
ولا ريب في أن هذا الاتجاه ينسجم مع أهداف الدستور السوري في الماد 30 المشار إليها من قبل, والتي ترمي إلى معاقبة المجرم بما يتفق مع قواعد العدل والمنطق. وقد كرسه قانون العقوبات في المواد 2و3و4و5و8و10و11 منه.
متى يكون القانون الجديد أصلح للمتهم؟
إن الصعوبة الأساسية التي نواجهها في تطبيق القانون الجديد الأصلح للمتهم على الجرائم المقترفة قبل نفاذه , هي في معرفة أي القانونين- القديم أو الجديد- أصلح للمتهم. وقد وضع قانون العقوبات قواعد عامة لتحديد القانون الأصلح للمتهم , ومن هذه القواعد نستخلص ما يلي:

أولاً: يكون القانون الجديد أصلح للمتهم إذا ألغى نص التجريم (م2,ف1,ق.ع)

ويطبق القانون الجديد الذي يلغي نص التجريم على الجرائم على الجرائم المقترفة قبل نفاذه, حتى لو صدر فيها حكم مبرم, حيث لا يبقى لهذا الحكم أي مفعول (م2, ف1 عقوبات). فإذا كان المحكوم عليه مسجوناً يجب الإفراج عنه , وإذا كان مجرداً مدنياً يعود إليه كامل اعتباره , وإذا كان محكوماً عليه بغرامة تتوقف الدولة عن مطالبته بها .. الخ.

وهذه القاعدة تمليها مقتضيات العدالة, لأن إلغاء نص التجريم يعني العودة بالفعل الذي كان يشكل جرماً في القانون القديم إلى الأصل , وهو الإباحة. ومن غير المقبول الاستمرار في حبس شخص, أو في تجريده مدنياً , أو في مطالبته بالغرامة , من أجل فعل قرر المشرع إباحته , وأجاز للكافة القيام به.

ثانياً: ويكون القانون الجديد أصلح للمتهم إذا عدّل شروط التجريم تعديلاً ينفع المتهم (م3 ق.ع):


ويعدل القانون الجديد شروط التجريم تعديلاً ينفع المتهم , إذا أضاف شرطاً أو عنصراً جديداً يتناول الفعل , أو القصد الإجرامي , أو المسؤولية الجزائية.

ثالثاً: ويكون القانون الجديد أصلح للمتهم إذا ألغى العقوبة المنصوص عليها في القانون القديم أو خففها (م.8ق.ع).


ويعد القانون الجديد أصلح للمتهم نتيجة لذلك , إذا اوجد سبباً للفعل سبب تبرير , أو مانعاً للعقاب, أو عذراً محلاً , أو عذراً مخففاً, أو سبباً مخففاً تقديرياً, أو إذا خفف العقوبة المنصوص عليها في القانون القديم , أو استبدل التدبير الأصلي أو الاحترازي بالعقوبة.
والمشـــكلة الوحيـــــدة التي تثــــار هنـــا هـــي : متى تكون العقوبة الجديدة أخف؟

لم يجب قانون العقوبات على هذا السؤال, ولكن الفقه والقضاء بيّنا متى تكون العقوبة أخف وأشد , واستخلصا من النصوص التشريعية القواعد التالية:

1- عقوبات الجنايات أشد العقوبات كافة, تليها عقوبات الجنـــــح, ثم المخالفات.

2- تتدرج العقوبات في الشدة وق الترتيب التنازلي الوارد في المواد 37-41 من قانون العقوبات. ففي العقوبات الجنائية يكون الإعدام أشد العقوبات, تليه الأشغال الشاقة المؤبدة, فالاعتقال المؤبد , فالأشغال الشاقة المؤقتة , فالاعتقال المؤقت . وفي العقوبات الجنحية يكون الحبس مع التشغيل اشد العقوبات , يليه الحبس البسيط فالغرامة . وفي المخالفات يكون الحبس التكديري أشد من الغرامة. ويؤخذ بهذا الترتيب النوعي , بغض النظر عن المدة المحددة للعقوبة . فالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات مثلاً تعتبر أشد من الاعتقال المؤقت لمدة سبع سنوات. والحبس مع التشغيل لمدة سنة واحدة , يعتبر أشد من الحبس البسيط لمدة سنتين.

3- إذا كانت العقوبتان من نوع واحد, فأخفهما العقوبة التي تكون مدتها أقل.

ولا تثير هذه المسألة أية صعوبة إذا خفض القانون الجديد الحد الأدنى أو الحد الأعلى للعقوبة, أو خفضهما معاً. ولكن تثور الصعوبة إذا خفض القانون الجديد الحد الأدنى للعقوبة , ورفع الحد الأعلى , أو على العكس من ذلك, إذا ارتفع بالحد الأدنى وانخفض بالحد الأعلى.
وفي حل هذه المسألة هناك خمسة آراء:
  • الرأي الأول:ويقول بالمزج بين القانونين, والأخذ من كل واحد منهما ما هو أصلح للمتهم. وهذا الرأي مرفوض, لأن القاضي سيخرج من مزج القانونين بوضع ثالث, أي بعقوبة لم يرد عليها نص في القانون.


  • الرأي الثاني:ويقول بترك الأمر للمتهم لكي يختار القانون الذي يناسبه. وهذا الرأي غير مقبول, لأن القضاء يتعلق بالقاضي وليس بالمتهم.


  • الرأيالثالث:ويقول بأن القانون الأصلح للمتهم هو الذي أنقص الحد الأدنى , حتى لو رفع الحد الأعلى. هذا الرأي معيب, لأنه يخشى من أن يقرر القاضي رفع العقوبة إلى حدها الأقصى.


  • الرأي الرابع:ويقول بأن القانون الأصلح للمتهم هو الذي يخفض الحد الأعلى . وهذا الرأي أفضل من الآراء التي سبقته, ولكن عيبه هو في إلحاقه الضرر بالمتهم, فيما إذا وجد القاضي مبرراً للنزول بالعقوبة إلى الحد الأدنى.


  • الرأي الخامس:وهو الرأي الراجح, ويقول بأن على القاضي أن يحدد موقفه من المتهم سلفاً , فإذا كان متجهاً إلى تخفيف العقوبة بحقه , وجب عليه أن يأخذ بالقانون الذي هبط بالحد الأدنى , أما إذا كان متجهاً إلى تشديد العقوبة , تعين عليه عندئذ أن يأخذ بالقانون الذي هبط بالحد الأعلى, فهو سيكون أصلح له في هذه الحالة.


4- إذا كان القانون الجديد يقرر عقوبة واحدة, كعقوبة الحبس, في حين يقرر القانون القديم عقوبتين على سبيل الوجوب, كعقوبة الحبس والغرامة, فالقانون الجديد أصلح للمتهم. ولكن عندما يقرر القانون القديم العقوبتين على سبيل الجواز , فإنه يكون أصلح للمتهم , إذا كانت إحدى العقوبتين أخف من العقوبة الوحيدة التي نص عليها القانون الجديد.

5- إذا تساوت العقوبات في القانونين –القديم والجديد- من حيث النوع والمقدار, فأشدهما هو الذي يلحق بالعقوبة الأصلية عقوبات فرعية أو إضافية , أو يعدل الأحكام المتعلقة بالعقوبة في غير صالح المتهم . فإذا نص القانونان على الاعتقال المؤقت, وأضاف أحدهما على هذه العقوبة عقوبة المصادرة, فهذا القانون هو الأشد.

وإذا نص القانون على الحبس لمدة سنة , وحظر أحدهما على القاضي وقف تنفيذ العقوبة, فهذا القانون هو الأشد.
رابعاً – ويكون القانون الجديد أصلح للمتهم, إذا عدل طريقة تنفيذ إحدى العقوبات تعديلاً يغير ماهيتها , وفيه مراعاة للمدعى عليه أو المحكوم عليه(المادة 10ق.ع).

وتعديل طريقة تنفيذ إحدى العقوبات يغير ماهيتها (أي يغير نظامها القانوني), في حالة ما إذا عدل القانون الجديد مثلاً طريقة تنفيذ عقوبة الأشغال الشاقة وجعلها عقوبة أشغال عادية, أو عدل طريقة تنفيذ عقوبة الحبس البسيط وجعلها عقوبة إقامة جبرية في مكان معين, أو عدل طريقة تنفيذ عقوبة التجريد المدني وجعلها عقوبة منع من الحقوق المدنية. ومن الجدير بالقول , بأنه لا يكون لهذا التعديل مفعول رجعي إلا إذا كان في مصلحة المتهم.

ولكن إذا غير القانون الجديد أصول تنفيذ العقوبة فقط , ولم يغير ماهيتها , فإنه يعد في هذه الحالة من القوانين الشكلية , التي يجب تطبيقها فوراً , حتى لو كانت أشد على المتهم. ومن ذلك على سبيل المثال تشغيل المساجين داخل السجن بدلاً من تشغيلهم خارجه , ووضع المحكوم عليهم بعقوبات جنائية في سجن واحد على مستوى المحافظة أو القطر, وعزل المحكوم عليهم بالإعدام في أماكن خاصة قبل تنفيذ الحكم.
خامساً- ويكون القانون الجديد أصلح للمتهم , إذا عدل حق الملاحقة بما يتفق مع مصلحة المدعى عليه (م4, ف1 ق.ع).

والملاحقة هي الإجراء الذي تقوم به النيابة العامة أو المجني عليه لتحريك الدعوى العامة ومتابعتها . ومثال تعديل حق الملاحقة , أن يجعل القانون الجديد حق النيابة العامة في إقامة الدعوى العامة مرهوناً بطلب أو بشكوى أو بإدعاء شخصي يقدمه المجني عليه.

وإذا عين القانون الجديد مهلة لممارسة حق الملاحقة , فلا تجري هذه المهلة إلا من يوم نفاذ القانون. أما إذا عدل القانون مهلة موضوعة من قبل, فتجري هذه المهلة وفاقاً للقانون القديم, على ان لا يتجاوز مداها المدة التي عينها القانون الجديد محسوبة من يوم نفاذه (م4, ف2 من قانون العقوبات).

سادساً- وضع المشرع في المادتين 5 و11 من قانون العقوبات قواعد خاصة بالتقادم, يضمن فيها مصلحة المجتمع والمدعى عليه معاً. وقد جاء في هاتين المادتين أنه إذا عدل القانون ميعاد التقادم على جرم أو عقوبة, سرى هذا الميعاد وفاقاً للقانون القديم, على أن لا يتجاوز مداه الميعاد الذي عينه القانون الجديد, محسوباً من يوم نفاذه.

فإذا كانت مدة التقادم في القانون القديم 7 سنوات مثلاً, وجاء القانون الجديد فجعلها 5 سنوات , توجب في هذه الحالة أن تمر على ارتكاب الفعل 5سنوات , محسوبة من يوم نفاذ القانون الجديد. ويشترط في جميع الأحوال , أن لا يتجاوز التقادم الـ 7 سنوات التي نص عليها القانون القديم , محسوبةً من تاريخ وقوع الجريمة, وعلى العكس من ذلك , إذا كانت مدة التقادم في القانون القديم هي 5 سنوات , وجاء القانون الجديد وجعلها 7 سنوات , وجب أن تتقادم الجريمة بمرور 5سنوات , محسوبة من تاريخ وقوعها.

تعدد القوانين:

لا يقع النزاع دائماً بين قانونين, وإنما يمكن أن يقع بين ثلاثة قوانين أو أربعة . كأن يعاقب النص على جريمة يرتكبها الجاني في ظله , بالحبس ثلاث سنوات , ثم يصدر قانون ثان ينزل بالعقوبة إلى سنة واحدة , ويأتي قانون ثالث يرفعها إلى سنتين , كل ذلك قبل أن يصدر في الجريمة حكم مبرم. فأي القوانين الثلاثة واجب التطبيق؟

يرى بعض الشراح أنه لا يجوز الأخذ بالقانون الأوسط حتى لو كان أصلح للمتهم . ويرى البعض الآخر , وهذا هو الرأي الراجح , أنه يجب الأخذ بالقانون الأصلح للمتهم , حتى لو كان القانون الأوسط , ما دام لم يصدر بحق المتهم حكم مبرم.

شرط نفاذ القانون الجديد قبل صدور حكم مبرم في الجريمة:

لا يستفيد المتهم من القانون الجديد الأصلح له , إلا إذا صار نافذاً قبل أن يصدر بحقه حكم مبرم. وقد ورد هذا الشرط صراحة في المادتين الثالثة والثامنة من قانون العقوبات . وهو شرط تفرضه قاعدة استقرار التعامل , لأن الحكم المبرم له قوة القضية المقضية , وهو عنوان الحقيقة , ومن الواجب احترامه. ولكن المشرع السوري يخرج على هذا الشرط في حالة إلغاء القانون الجديد لنص التجريم . فالمتهم يستفيد من القانون الجديد الأصلح له. في هذه الحالة, حتى لو كان نفاذه بعد صدور الحكم المبرم. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاستثناء لا يطبق إذا لم يلغ القانون الجديد الصفة الجرمية للفعل , واكتفى بمنع العقوبة أو الإعفاء منها. ففي هاتين الحالتين لا أثر للقانون الجديد على القضايا التي صدر فيها حكم مبرم .

القوانين المؤقتة:

القوانين المؤقتة هي التي تسن لمواجهة ظروف خاصة وطارئة, وينتهي العمل بها بمجرد زوال هذه الظروف.

والقوانين المؤقتة على نوعين: النوع الأول قوانين مؤقتة بحكم النص, أي قوانين يحدد الشارع صراحة فيها تاريخ انتهاء العمل بها, كالقانون الذي يحظر على سكان منطقة ما مغادرتها لمدة ستة أشهر لانتشار وباء فيها, أو القانون الذي يمنع تداول الذهب لمدة سنة واحدة, لحل مشكلة اقتصادية. والنوع الثاني قوانين مؤقتة بحكم طبيعتها , أي قوانين سنت لمواجهة ظروف طارئة لا يعرف على وجه التحديد زمن زوالها, كالحرب أو الدمار أو الأزمة الاقتصادية, التي تتطلب إصدار قوانين تتعلق بالتموين أو التسعير أو الاستيراد أو التصدير , أو التعامل بالذهب والنقد الأجنبي. وكثيراً ما يطلق على هذه القوانين اسم ((قوانين الطوارئ)).

والمفروض في هذه القوانين أن يزول مفعولها بمجرد انتهاء مدتها , أو زوال سبب وجودها , أي أن يتوقف تطبيقها على الماضي فور انقضائها, ما دام الفعل الذي تعاقب عليه , أصبح مباحاً , وبالتالي أصبح أصلح للمتهم . وكلن المشرع السوري اتجه إلى خلاف ذلك ونص صراحة في المادة 2 من قانون العقوبات ((على أن كل جرم اقترف خرقاً لقانون مؤقت في خلال مدة تطبيقه لا تقف ملاحقته وقمعه بعد انقضاء هذه المدة)).
وتفسير هذا الموقف , هو أن زوال القانون المؤقت, لا يتشابه في العلة مع إلغاء القانون الدائم.

فعلة إلغاء القانون الدائم, هي ثبوت فساده أو ثبوت عدم فائدته. أما علة انقضاء القانون المؤقت , فهي استنفاد أغراضه . وفضلاً عن ذلك , فإن زمن انقضاء القانون المؤقت معروف, وهذا يغري بعض الأشخاص بمخالفة أحكامه قبل انقضائه بمدة قصيرة, حيث يستحيل أن تتم محاكمتهم ويصدر حكم مبرم بحقهم خلالها. لهذا احتاط المشرع السوري, في المادة الثانية من قانون العقوبات, لهذه الأمور, واستثنى القوانين المؤقتة من قاعدة رجعية القوانين الجزائية الموضوعية الأصلح للمتهم.

القوانين التفسيرية

تستثنى القوانين التفسيرية من قاعدة عدم رجعية القوانين الجزائية. وعلة هذا الاستثناء , أن القانون المفسِّر , يشكل جزءاً لا يتجزأ من القانون المفسَّر ويتضمن في حقيقته توضيحاً وتحديداً لإرادة المشرع التي كانت غامضة في النص القديم . وينبني على هذا , أن أحكام القانون التفسيري , تنسحب على الماضي , حتى لو كان التفسير في غير صالح المتهم . شريطة أن لا يتضمن القانون التفسيري أحكاماً جديدة لم ينص عليها القانون المفسَّر.

التدابير الاحترازية والإصلاحية

تستثنى التدابير الاحترازية والإصلاحية من قاعدة عدم رجعية القوانين الجزائية. وقد نصت على ذلك المادتان 13 و14 من قانون العقوبات.
فهذه التدابير ليست عقوبة, وإنما هي إجراءات لا بد منها لمواجهة خطورة الجاني أو لإصلاحه. ومؤدى ذلك أن القانون الجديد , الذي يتضمن تدابير جديدة, يجب أن يطبق على الماضي , لأن المشرع رأي فيه, استناداً لتطور الأساليب العلاجية وتقدمها, نفعاً للمجرم وللمجتمع.

ولكن القانون السوري لم يترك هذه القاعدة على إطلاقها , فقد فرضها فقط في الجرائم التي لم تفصل بها آخر محكمة أساس . أما إذا كانت محكمة الأساس قد فصلت بها, وطعن بحكمها أمام محكمة النقض (وهي محكمة قانون), فلا تطبق هذه القاعدة, حرصاً على الاستقرار القانوني (م13 ق.ع).

هذا بالنسبة للتدابير الجديدة. أما إذا ألغى القانون الجديد التدبير المنصوص عليه في القانون القديم , أو أبدل منه تدبيراً آخر , فإنه لا يبقى للتدبير السابق أي مفعول . وفي هذه الحالة تطبق المحكمة التي تنظر في الدعوى نص القانون الجديد. أما إذا كانت الدعوى قد فصلت (أي صدر فيها حكم مبرم), فتعاد المحاكمة لتطبيق التدبير الجديد (م14 ق.ع).

الجرائم المتمادية والمستمرة والمتعاقبة وجرائم العادة
يستثنى من قاعدة عدم رجعية القوانين الجزائية القانون الجديد ولو كان أشد , إذا كان متعلقاً بالجرائم المتمادية أو المستمرة أو المتعاقبة أو جرائم العادة, التي ثوبر على تنفيذها تحت سلطانه (م7 ق.ع).

كما يطبق القانون الجديد الذي يعدل قواعد اجتماع الجرائم والتكرار, عند قمع فعل تم تحت سلطانه , على الجرائم التي اقترفت والعقوبات التي قضي بها قبل نفاذه (م9,ف2 من قانون العقوبات).

رجعية قواعد الإجراءات الجزائية

يقصد بقواعد الإجراءات الجزائية , أو أصول المحاكمات الجزائية, القواعد المتعلقة بالشكل , التي تنظم إجراءات التقاضي , وطرق سير الدعوى الجزائية. وتتضمن هذه القواعد عادة تنظيم أجهزة العدالة الجزائية, من نيابة عامة, ودوائر تحقيق ومحاكم, وتحديد اختصاصاتها, وسير الإجراءات أمامها, وطرق الطعن بها.

والقاعدة بالنسبة لنصوص أصول المحاكمات الجزائية, أنها ذات أثر فوري مباشر على جميع الدعاوى التي لا تزال قائمة أمام الدوائر القضائية , ولم يصدر بها حكم مبرم. وعلة هذه القاعدة , أن الغاية من تعديل القوانين المتعلقة بالشكل , هو تأمين أحسن السبل وأيسرها لتحقيق العدالة الجزائية . ونظراً لأن غاية المتهم هي الوصول إلى الحقيقة , فإنه لا يعقل أن يضار من القانون الجزائي الجديد. ونستطيع القول بعبارة أخرى, أن جميع قوانين الأصول الجزائية تهدف إلى ضمان مصلحة المتهم , طالما أن الغاية منها هي إدانة المجرم , وبراءة البريء.
المصدر: قانون العقوبات العام للدكتور عبود السراج
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع