القائمة الرئيسية

الصفحات

كان نهار المحامي الشاب طويلاً ولذيذاً ومرهقاً معاً !!

كان نهار المحامي الشاب طويلاً ولذيذاً ومرهقاً معاً !!

# حكاية ساندويتش:


كان نهار المحامي الشاب طويلاً ولذيذاً ومرهقاً معاً. فلقد انتصف النهار وما زال ظهر مكتبه الواقع في مبنى السارولا في شارع الحمرا في بيروت محمّلاً بنصف دزينة من المراجع والكتب القانونية المفتوحة. فهو في صدد إعداد لائحة جوابية في قضية يعتبر أنها في غاية الأهمية. كيف لا؟ وكلُّ قضية هي عنده مهمّة، مثلما هو كلّ زبونٍ محترم.

عضّه الجوع بشدّة. فتشوّش نظره، وشعر بنقص السكّر في دماغه. كانت زوجته قد نسيت تزويده بسندويتش الزيت والصعتر المعتادة. وليس في جيبه من النقود سوى ما يكفي لشراء ساندويتش شاورما واحد.


ومع أنه يعرف أن سيارته مركونة في موقف للسيارات واقع في الشارع المقابل، وهي المدفوعة أجرة الوقوف شهرياً وسلفاً، إلاّ أن فكرة الذهاب للغداء في البيت كانت مستبعدة جداً. فالعمل في اللائحة لذيذ ويجب ان ينتهي، والبيت يقع في الجبل على مسافة ثلاثين كيلومتراً. ولا مجال للقيام برحلتين في اليوم الواحد ما بين البيت والمكتب.


ترك مكتبه على حالته وامتطى المصعد نزولاً من الطابق الرابع، حيا البواب الحاج قاسم فيما هو يخرج من باب العمارة قاصداً مطعم الشاورما القريب، على ناصية الشارع. سلّم ما في جيبه من نقود الى الموظف الجالس وراء الصندوق، مبلغ يكفي بالظبط لشراء ساندويتش واحد فقط. ولا مجال للتفكير بالعصير أو المرطبات. دفع بالـقسيمة الى معلم الشاورما ووقف ينتظر ساندويشته بفمٍ متحلّب.
أدار الشاندويتش بعد طول انتظار الى قرب فمه. ثم حانت منه التفاتة سريعة لم يعرف لها سبباً، الى يساره!


 فإذا بطفلة جميلة جائعة بائسة لا تتعدّى السادسة من عمرها! كانت الطفلة ترنو إليه وإلى ساندويشته، بضراعة، بعينين جميلتين حزينتين في نظرةٍ لا يمكن لها أن تُنسى!

تجمدت يده، واستدار نحو الفتاة الجائعة ليعطيها الساندويتش، ثم لينطلق مباشرة نحو السيارة.


مرت الأعوام، وانتقل المحامي الى مكتب جديد خاصّ به، قبل أن يتقاعد من مهنة المحاماة، كما تحوّل المطعم الى محلٍّ للألبسة الجاهزة، وقد تكون الفتاة قد شبّت الى سيدة جميلة انصفتها الأيام بعد طفولةٍ شقية أو لم تنصفها، كما تبدّلت أحوال الشارع والمدينة والدنيا بأسرها. إلا أن شعوراً واحداً لم يتبدّل: فبالرغم من أن صاحبنا لم يعرف مذاق ذلك الساندويتش إلا ان طعمه لا يزال تحت أضراسه، وأمّا رائحته فما زالت تعبق بشهية غير معقولة في تلافيف دماغه. شهية تنسكب في هذه اللحظة على شاشة الحاسوب لتظهر هذه القصة القصيرة! وإني لأرجو أن تكون قد أعجبتكم لأني أشعر الآن كما لو أنه قد صار ما بيني وبينكم خبزٌ وملح كما يقولون! فالمميزون من أمثالكم يا اصدقائي يتذوقون رغفان الحياة بذائقتهم لا بألسنتهم. (جديدة الشوف 12/4/2015).
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع