القائمة الرئيسية

الصفحات

معاملة أهل الذمة والمستأمنين من حيث المسئولية الجنائية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم
معاملة أهل الذمة والمستأمنين من حيث المسئولية
الجنائية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية

معاملة أهل الذمة والمستأمنين من حيث المسئولية الجنائية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية
معاملة أهل الذمة والمستأمنين من حيث المسئولية الجنائية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية

توطئة:
معلوم من القانون بالضرورة أن سريان قانون البلد علي مواطنيه (للمقيمين فيه ) أو من ينتمون اليه بالجنسية أن أقاموا خارج البلد ،يقوم علي مبدأ إقليمية تطبيق القانون ،أو شخصية تطبيق القانون ، وهو مبدأ أساسي من مبادئ فقه القانون 
ومعلوم من الفقه بالضرورة .

ومعلوم أيضا أن القانون الجنائي لسنة 1991م قد أخذ بمبدأ إقليمية القانون ، وفق ما نصت عليه المادة الخامسة منه .(5(1): تسري أحكام هذا القانون على كل جريمة ارتكبت كلها أو بعضها في السودان ) ويقتضي مبدأ الإقليمية أن ينطبق القانون الوطني على كل من أقام في 

الوطن بالجنسية أو المواطنة .ويقتضي مبدأ شخصية القانون أن يلحق القانون مواطنه حيث وجد فلا يرتبط سريان القانون بالإقليم إنما بالشخص .

ومعلوم أيضا أن المادة 5(3)من ذات القانون استثنت الولايات الجنوبية (إقليميا) من أحكام جرائم الحدود ، والقصاص والتعامل في الخمر الميتة ، بحسبانها تقوم كلها على أساس ديني . عقيدة الإسلام . وبحسبان إن الولايات الجنوبية لا يدين أغلب سكانها بدين الإسلام . لذلك فهم غير مطالبين بأحكام الإسلام ، وبالتالي غير مخاطبين بأحكام التكاليف التي تقوم على أساس من الدين . فقد تركهم المشرع وما يدينون .(لكم دينكم ولي دين) الكافرون . (لا إكراه في الدين ) " البقرة 56 : وآخذ بذلك ترك المشرع للسلطة التشريعية في كل ولاية من الولايات الجنوبية خيار أن تقرر تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ووقتها يرتفع الاستثناء وترك للمواطن الجنوبي في جريمة من جرائم القانون الجنائي أ ن يطلب تطبيق الأحكام الشرعية عليه .وينطبق هذا على المسلم الحريص على إعلاء كلمة دينه ، وعلى غير المسلم الذي وجد أن حكم الشريعة الإسلامية حكم عادل ومنصف له .


غير أن السؤال الآن ما موقف غير المسلمين من أحكام الشريعة الإسلامية بما فيهم الأخوة من الولايات الجنوبية ، وقد أقاموا في الشمال ، وقد ارتضي أهل الشمال إنزال أحكام الشريعة الإسلامية على حياتهم تعبدا والتزاما بأحكام الدين ؟.


بمعنى آخر ، ما موقف الشريعة الإسلامية من غير المسلمين ؟ كيف تنظر لمخالفتهم لأحكامها ، هل تأخذ بمبدأ الإقليمية ؟
تطالهم المسئولية الجنائية في كل ما ارتكبوا من مخالفات القانون؟.

هذا الأمر كان الدافع لهذه الوريقات مسعى طيبا إن شاء الله لدراسة موقف غير المسلمين من أحكام القانون ، وقد تضمن جرائم الحدود والقصاص والمحرم من المطعم والمشرب وعلى أساس من الدين .

نأخذ هذا في إطار من الفقه الإسلامي ، وما أورده علماء الإسلام ، متناولين النصوص القانونية (القانون الجنائي 1991م )
بالنظر إليها من هذا المنحى .

تنظر الشريعة الإسلامية بنظرة المساواة لكل الناس مساواة تامة بين الأفراد ، لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى .وذلك بقوله تعالي : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، فالأفضلية أفضلية التقوى ، لا الجنس ولا الجنسية ، ولا العروبة ولا اللون . ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المشهورة : (قد أرسلت للناس كافة – الناس سواسية كأسنان المشط – لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ) .. فالناس في الشريعة متساوون ، في حقوقهم وواجباتهم ، ولا تفوق الشريعة الإسلامية بين رؤساء ومرؤوسين ، ولا ملوك وسوقة ، ولا ممثلي الشعب وأفراد الشعب ، فالكل كأسنان المشط الواحد لا تفاضل إلا بالتقوى .

مع ذلك فإن كانت الشريعة الإسلامية تسوي بين المسلمين والذميين في تطبيق نصوصها عليهم جميعا . فأن هذه المساواة قاصرة على ما كانوا فيه متساويين بمعنى أن لا تساوي بينهم حيث يقوم الاختلاف فلا مساواة مع الاختلاف ، لأن في مساواتهم (الذميين) 
بالمسلمين فيما يختلفون عنهم فيه ، يرتب الظلم عليهم لأنه إن كان من العدالة أن يحتكم المسلمون إلي عقيدتهم ، فإنه من الظلم أن يحتكم غيرهم إلي أحكام الإسلام جبرا عنهم . وبالتعرض لما يعتقدون فيه ، وقد أقر المسلمون وأخذوا بما يعتقدون فيه وغير المسلمين لا يعتقدون به ولا يتدينون وأخذهم به ، إكراه لهم على الدين وهذا يتعارض مع قوله جل وعلا " (لا إكراه في الدين).

على هذا الأساس فلا تساوي الشريعة بين المسلمين وغيرهم في الجرائم القائمة على العقيدة ، فمثلا حرمت الشريعة الإسلامية شرب الخمر ، والتعامل في الميتة ولحم الخنزير ، لأنها محرمة على المسلمين . فكلها حرام على المسلمين ولكن غير المسلم يعتقد (عقيدة) أن الخمر غير محرم مثله مثل الميتة ولحم الخنزير ، فيصبح من الظلم عليهم أخذهم بالتحريم ، وهذا ما تأباه الشريعة الإسلامية أن يعاقبوا على تناول ما يعتقدون في حله . في ذات الوقت فإنهم يعاقبوا علي إتيانهم ما هو محرم في عقيدتهم ، وفي هذا المساواة ن أن يؤخذ كل بما يحل أو يحرم في عقيدته ، وبذلك تكون الشريعة الإسلامية قد ساوت بين المسلمين وغيرهم بأخذ كل منهم بما يتوافق وعقيدته (دينا) .


على ذلك فلا تعاقب الشريعة الإسلامية غير المسلم على مجرد شربه الخمر ، لأن ذلك يخالف عقيدته ، وتعاقب المسلم علي شرب الخمر ، لأنه خالف ما في عقيدته . وسنعرض إلي ذلك في موضعه إن شاء الله تناولا للمادة (78) من القانون الجنائي لسنة 1991م .
من هذا يتضح أن الجرائم في ظل الشريعة الإسلامية إما جرائم عامة يخضع لها الكل ، المسلم وغير المسلم أو جرائم خاصة يعاقب عليها المسلم دون غيره لأنها لا تقع إلا من مسلم .


على أساس من كل ما تقدم تتناول أحكام المسئولية الجنائية عن الجرائم الواردة في القانون الجنائي لسنة 1991م . ما يطال منها المسلم ، وما يطال منها غير المسلم وما يطأ لهما معا ، ولآن جرائم الحدود والقصاص هي القائمة على أساس من الدين ، وأخذت أحكامها من القرآن السنة ، فإنا نتناولها نصا وتطبيقا .
التطبيق : نتناول الآن النصوص القانونية تطبيقا .
نبدأ بجريمة شرب الخمر: 
تنص المادة 78(1) على أنه ( من يشرب خمرا أو يحوزها أو يصنعها يعاقب بالجلد أربعين جلدة إذا كان مسلما ).\
واضح من النص أن عقوبة الجلد أربعين جلدة لا توقع إلا علي المسلم لأنها بالنسبة له جريمة حدية فقد شرب محرما . ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )


المائدة الآية (90)، الخطاب هنا للذين آمنوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً. وقرن فلاحهم وفوزهم برضاء ربهم باجتنابهم شرب الخمر ، لأنها من عمل الشيطان . ولأن المسلم يؤدي الصلاة فرضاً ونفلاً، تقرباً إلي الله سبحانه وتعالى تعبداً ، فإنه لا يؤديها وهو سكران ، لأنه إن أداها سكراناً لا يدري ما يقول ، ولا يعلم ما يقرأ من قرآن ، وتسبيح وتكبير للحق جل وعلا . (يا أيها اللذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) النساء الآية (يا أيها اللذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) النساء الآية 43 . 


وبهذا نقول بأن غير المسلم غير مخاطب بأحكام المادة 78(1) لأنها تخالف عقيدته ، ولم يرد المشرع أن يأخذه بما يخالف عقيدته . وإن كانت المادة 78(1) لا تطال غير المسلم ، لمجرد شرب الخمر ، وهو أمر لا يعاقب عليه إلا أنه حفاظاً على النظام العام ، ومشاعر المسلمين ، وحفاظاً على وحدة المجتمع وتماسكه ، لأن الاستفزاز والمضايقة والإزعاج ، يخل بأمر السلام العام ، ويسبب تفكك المجتمع تخاصماً ، وتباغضاً وهذا يتوافق وشريعة غير المسلمين ، لأنهم يريدون السلام للأرض ، (بالله المسرة وعلى الأرض السلام )، ولا سلام حيث المضايقة والاستفزاز والتخاصم . فجعل المشرع من قام بأي من ذلك بسبب شربه للخمر ، خاضعاً لأحكام المادة 78(1) تعزيزاً لا حداً.ولا أحسب أن أحداً ينكر على المشرع أن يحافظ على سلامة المجتمع وتماسكه وطمأنينته ، لأن في ذلك تحقيق لأمن وأمان واطمئنان كل مواطن مسلماً كان أو غير مسلم وليس في هذا أخذ لغير المسلم بما يخالف عقيدته .. وبه أخذ المشرع منذ القرن الماضي ، بحكم ما له من سلطة في التشريع وولاية عامة ، ويشرع بها لحفظ المجتمع ومقدرات البلاد ، وأمنها وأمانها ، سواء كان المشرع أجنبياً (فرض القانون دون مشورة أحد ، أو وطنيا (في نظام عسكري (شمولي) أو مدني تعددي . ولم يقل أحد بسوء الخضوع والطاعة ، دونما دعاوى أو ادعاءات أخرى لسنا بصدها الآن . وهذا ما أشرنا إليه من عدم المساواة فيما يتعلق بالعقيدة حين تختلف العقيدة والمساواة فيما تتفق فيه العقيدة ، وفي كل مساواة بين المواطنين ن كل المواطنين مسلمين وغير مسلمين حيث أنه إن خضع الجميع للجريمة ، فلا تفاضل في العقوبة ، فالكل يخضع لذات العقوبة ، وهنا تكون المساواة . ولا يؤخذ كل إلا بعقيدته ، وفي إطار العقيدة لا تمايز في العقوبة وبهذا تتحقق المساواة ، وهو أصل في الشريعة الإسلامية (1) .


ومثل ما قلناه في المادة 78(2)يقال عن المادة (79)فهي جريمة عامة مخاطب الجميع . فالمشرع لم يجرم مجرد الحيازة ، ولا مجرد التصنيع أو التخزين أو النقل ، إنما جرم ذلك إذا اقترن بقصد التعامل مع الغير . وكذلك الحال بالنسبة لتقديمها (الخمر) للجمهور ، أو إدخالها في طعام أو شرب أو إي مادة مما يقدم للجمهور . هذا كله سدا للذرائع ، لألا يمتد الأمر إلي المسلم وقد حرم عليه الخمر أن يجد طريقه إليها ، أو تجد طريقها إليه ، وبهذا يبدأ الخلل بالدين ونظام الدولة وبه ينتفي الأمن والأمان لكل البلاد لما في الخمر من مضار تتسع دائرتها ، باتساع دائرة التعامل فيها . فلا تعامل بين صون وحدة المجتمع وأمنه وأمانه ، وحرية عقيدة غير المسلم ، فلا تتنافى عقيدته مع الأمن والأمان والاطمئنان في المجتمع ، ولا حشد طاقات المجتمع الواعي القادر لمزيد من الوفرة والإنتاج والتقدم والنماء . فبمثل ما لم يجرم المشرع شرب غير المسلم للخمر ، لم يجرم حيازته لنفسه إنما جرم أن يمتد بهذه الحيازة لا لمجرد شربه إنما ليشرب الآخرين مسلمون وغير مسلمين وهنا كان لابد أن يتدخل المشرع تعزيزاً{|}.

ومثلما المادة (85) من القانون الجنائي لسنة 1991م ( بيع الميتة) (من يبيع أو يعرض للبيع أو يقدم لحم الميتة ، عالماً بأنه سوف يستعمل غذاء للإنسان يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة أو بالغرامة أو بالعقوبتين ) .

أصل التحريم هنا تحريم الميتة على المسلمين ، لقوله سبحانه وتعالى : (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ..) المائدة الآية (3) .. فالجرم هنا البيع أو العرض للبيع أو تقديم لحم الميتة عالماً بأنه سوف يستعمل إذا للإنسان . فتناول الميتة لم يتعرض له المشرع ، فقد ترك ذلك لتدين المسلمين ، ولأنها تعافها أنفسهم ، ولا يقبلونها غذاء ، ولا تطاوعهم أنفسهم على تناولها إلي جانب العلم بتحريمها تديناً ،ولأن غير المسلم إن تناولها بقناعة عدم تحريمها فلا تحريم ، فالتناول قاصر أثره على المتناول ، ولا يشبع به أثر تناول الميتة طعاماً ويظل أثرها الضار قاصر عليه وحده .

عرض طعام أو شراب محرم

لم يكتف المشرع بيع الميتة ، أو عرضها للبيع ، بل حرم عرض إي طعام أو شراب محرماً ديناً ، سواء كان دين العارض أو المعروض عليه ، وبل ومجرد العرض للجمهور مع العلم بالتحريم في دين العارض أو بعض من يعرض عليهم دون أن يبين ذلك للمعروض عليه يعد مخالفاً لأحكام المادة 86 من القانون الجنائي فالفقرة الأولى من النص تجرم مطلق العرض لطعام محرم ، مع العلم بتحريمه ،وهي تشمل الطعام أو الشراب المحرم بذاته ، وهو أمر واضح للمعروض عليه لا يحتاج لأن يبين له أنه محرم ، غير أن الفقرة الثانية المعروض يحتوي على مادة محرمة ، وربما لا يكون المعروض عليه على علم بهذه المادة ، ويتناولها دون علم منه ، هنا ألزم المشرع العارض العالم بأن هذا الطعام يحتوي على مادة محرمة أن يبين ذلك للمعروض عليه ، وإلا فإنه خالف المادة (86). فإن كان المعروض عليه وبعد علمه بالتحريم يعتقد أنها في دينه لست حراماً، فله أن يتناولها غذاء ، وكذلك الحال بعد أن يبين له أن الغذاء تضمن مادة محرمة ، وقد قصد المشرع هنا ألا يتناول المواطن الغذاء المحرم ، وقد عرض عليه دون بيان ، وحتى يأكل المواطن غذاءً حلالاً ، حرم المشرع العرض وهذا لا يتعارض ودين أي مواطن أياً كان ، مع ملاحظة أن الجريمة جريمة تعزيزيه وإن كان أساسها ديني . هذا ما كان من أمر الأطعمة شراباً أو غذاءً ، على ضوء تحريمه ديناً ، وما تعلق به من حيث تعارضه نصاً أو روحاً ، مع حقوق غير المسلمين وواضح أنه لا مساس بحق من حقوق غير المسلمين . 


القيمة الأخرى التي تخصها المشرع بالحماية ، هي النفس البشرية ، وقد حرم المشرع قتل النفس ، مطلق النفس وعاقب القاتل ، مطلق القاتل بالإعدام جزاء لما ارتكبه من إزهاق نفس بشرية (130(2) من القانون الجنائي 1991م) ومهم أن نلفت النظر إلي أنها لست من المواد المستثنأة في الولايات الجنوبية وفق المادة (5) من ذات القانون ذلك لأن القتل محرم في كل الديانات ، وعقوبته الإعدام في كل الأديان ، قال تعالى : (إن أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استُحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون * وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن وبالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون * وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا ً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل في هدى ونور مصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين) الآيات43-46 من سورة المائدة . وإن كان الفقه الإسلامي قد اختلف حول ما إذا كان يقتص من المسلم إذا قتل غير مسلم إلا أن المشرع أخذ برأي الأحناف حيث قالوا يقتل المسلم بالذمي ، لأن الله تعالى قال : ( الحر بالحر والعبد بالعبد ، والأنثى بالأنثى) وقوله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ..) وقتل المسلم بالذمي نفس بنفس . وإن قتل الذمي بالذمي ، دليل على أن كفر الذمي لا يورث الشبهة ،" وإلا لما جرى القصاص بينهما ".{|} أما أن سقط القصاص صلحاً فالصلح عقد ، والدية تعويض ، مقابل التنازل عن القصاص ولا شيء في هذا يعارض أي دين من الأديان وأن لم يسمها باسمها فهي متحققة بصفتها .


أما القصاص فيما دون النفس فقد استثنى المشرع الولايات الجنوبية من أحكام المادة 139(1) أما في الولايات الشمالية ، فالنص منطبق من حيث التجريم ، ويحكم بالقصاص إذا توافرت شروطه وللمحكوم له بالقصاص أن يعفو ويتنازل عن حقه في القصاص ، فإن يقبل التعويض فلا حكم بالقصاص ، وإلا فإن القصاص لا يتعارض مع أي دين لأهل الذمة ، وقد أشرنا إلي هذا فليس الأمر بفرض لحكم ليس في دينهم . وأما وأنهم فيما بينهم لا يعتقدون في ذلك أو لا يلتزمون به ، فلا يحكم إلا بما يعتقدون فيه ، وإن لم يكن هو ليس صحيح الدين . أما القيمة الثالثة فهي قيمة العرض ، وقد حماها المشرع بتحريم الزنا ، وقد حرمه الله تعالى : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا)وحكم مشروعيته هو الزجر عما يتضرر له العباد ، من إفساد للفراش ، واختلاط للأنساب ، واستباحة الأعراض ، بل وإزهاق الأرواح ، وليس بعيد عن ذلك إهدار الأموال وهي جريمة من أبشع الجرائم ، وهي جريمة في كل دين {2} وقد ذهب أبو حنيفة ومحمد وزيد بن علي ، والناصر والإمام يحي أن رجم الرسول صلى الله عليه وسلم لليهوديين إنما كان بحكم التوراة التي يدين بها اليهود والتوراة حجة على النصارى إذ لم يكن في الإنجيل ما يخالفها ، ولم يأتي في الإنجيل ما يعارضه {3} . على ذلك فأن جريمة الزنا تقع من المسلم وغير المسلم فكما يجب الحد على المسلم إذا ثبت عنه الزنا ، فإنه يجب على الذمي والمرتد لأن الذمي قد التزم بالأحكام التي تجري على المسلمين وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديان زنيا . فإن وطئ رجل من أهل دار الإسلام امرأة محرمة عليه وجب عليه الحد . ودار الإسلام يقصد بها دار العدل ، التي تنعقد فيها الولاية لولي الأمر ، لست دار حرب ولا بغي {4} . وإن كان من خلاف ففي أساس الحكم هل هو دينهم أم الإسلام . لا في ذات الحكم أي من حيث التجريم ، على هذا نتناول الحكم في القانون .


نصت المادة (145) من القانون الجنائي 91 على جريمة الزنا (145(1) يعد مرتكباً جريمة الزنا :
رجل وطئ امرأة دون رباط شرعي .
كل امرأة مكنت رجل أن يطأها دون رباط شرعي .
يتم الوطء بدخول الحشفة كلها أو ما يعادلها في القبل
لا يعتبر النكاح المجمع على بطلانه رباطاً شرعياً .
واضح من النص أن الوطء الذي يشكل زنا هو الوطء دون رباط شرعي ولم يقل المشرع رباط مشروع . أياً كان أساس مشروعيته الشريعة أو القانون أو العرف .


إلي جانب أنه حدد الرباط الشرعي بألا يكون مجمع على بطلانه قد استعمل مصطلح النكاح وهو مصطلح شرعي ( إسلامي) . 



وبهذا أمكن القول أن المشرع قصد أن هذه الجريمة لا تقع إلا من مسلم ، ولذلك أورد كل شروطها الشرعية ، غير أن هذا يجعل في الأمر فراغاً تشريعياً ، لا بد أن يستدركه المشرع ، وكنت قد أشرت إليه في المادة في إصداره شرح القانون الجنائي 1991م الطبعتين الثالثة والرابعة ، والاقتراح أن تضاف للفقرة (4) من ذات النص (146) من يرتكب جريمة الزنا في الولايات الجنوبية ، أو في الولايات الشمالية من غير المسلمين يعاقب بالسجن مدة ......) 

تشمل المادة عقوبة من يزني في الولايات الجنوبية أو من يزني في الولايات الشمالية من غير المسلمين وهنا يرد ما قال به بعض علماء الإسلام بشأن أهل الذمة يحكم عليهم بحكم الله تعالى على المسلمين إن تحاكموا إلينا {|} . فالأمر إذن يتوقف على ما إذا رفعوا أمرهم إلينا . أي بلغة القانون الآن إن تقدم أحدهم بشكوى ، وبالتالي يكون تحريك الإجراءات الجنائية تحت المادة 44(|) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م أو من المادة (47) منه أياً كان الحال باعتبار أنها مما يجوز القبض فيه بدون أمر وإن كان هذا تنطبق المادة (145) ويحكم على الجاني حداً على النحو الوارد في المادة 146 (|) من القانون الجنائي لسنة 1991م مستصحبين أن الإمام أبو حنيفة يعتبر الإسلام شرط من شروط الإحصان ، بالتالي غير المسلم ليس محصناً عنده ، وبالتالي يعاقب عقوبة البكر وكذا الإمام مالك (2) . وقد أورد ذلك صاحب المغنى


 ( وإذا تحاكم إلينا أهل الذمة إن استعدى بعضهم على بعض فالحاكم يخير بين إحضارهم والحكم بينهم وبين تركهم سواء كانوا من أهل دين واحد أو من أهل أديان ، هذا المنصوص عن أحمد وهو قول النخعي ، وأحد تولي الشافعي ، حكى أبو خطاب عن أحمد رواية أخرى أنه يجب الحكم بينهم وهذا القول الثاني للشافعي ، واختيار المزني لقوله تعالى ( وان أحكم بينهم بما أنزل الله ) ولأنه يلزمه دفع من قصد واحداً منهما بغير حق فألزمه الحكم بينهما كالمسلمين ) المغني ص 214 ج8. 


وراجع الفقه الإسلامي وأدلته فقد أورد مثله (شروط حد الزنا) .. الثاني أن يكون مسلماً ، ورأى المالكية فلا يحد الكافر أن زنى بكافرة ، ولكنه يؤدب ، ولكنه يؤدب إن أظهره ، وان استكره مسلمة على الزنا قتل وإن زنا بها طائعة نكل بها وعزر – وقال الجمهور – ويحد الكافر حد الزنا ، لكن لا يرجم المحصن عند الحنفية ، وإنما يجلد ولا حد للزنا وشرب الخمر عند الشافعية والحنابلة على المستأمن لأنه حق الله تعالى ولم يلتزم بالعهد حقوق الله تعالي ، (والمستأمن هو من دخل دار العدل (دار السلام) وبقى على دينه طالباً الأمان ، فيحرم دمه وماله وعرضه بعقد الأمان ، دائما كان أو مؤقتا ). 


على ذلك حتى إن أخذ بأنهم تحاكموا إلينا فإنه لا رجم ، بل يعاقب معاقبة البكر لأنه غير محصن ، ولأن المشرع نص على تعريف الإحصان ويقصد بالإحصان قيام الزوجية الصحيحة وقت ارتكاب الزنا على أن يكون قد فيها الدخول ) وهذا يعني إن المشرع إنما استصعب أن الجاني مسلم أصلاً ولا معنى أن يشترط الإسلام في الإحصان ، عملاً برأي الإمام مالك وأبي حنيفة ، بعدم إقامة الحد على غير المسلم ، وعلى ذلك نجد المشرع قد أورد شبهتين فقط في المادة (147) الرجوع عن الإقرار أو رجوع الشهود عن شهاداتهم بما ينقص النصاب .


ولما كان المشرع قد نص على أن يكون الرباط الشرعي الذي تقدم معه الجريمة الحدية ( رباطاً شرعياً ) وبالتالي لا رباط شرعي في النكاح المجمع على بطلانه ، وهذا يعني أنه إن لم يكن مجمعاَ على بطلانه فهو رباطاً شرعياً . ولما كان كل ذلك بشأن زواج المسلم فإنه لا مجال لمناقشة الرباط الشرعي لغير المسلم . وما عزز هذا الاتجاه أن المشرع استثنى الولايات الجنوبية ( إقليمياً ) من تطبيق الحدود باعتبارها دار حرب لأن الاستثناء شمل حتى المسلمين ، وفق ما أشرنا إليه من مرجعيات ، أو لأنهم غير مخاطبين بأحكام الشريعة الإسلامية بدليل أن الولايات ولاية مسلمة ، والمحاكم التي توقع العقوبات التعزيرية فإنما هي محاكم الوالي المسلم (ولي الأمر- صاحب السلطة – الدولة ) وهذا هو الأرجح ، لأنها كيف تكون دار حرب ، والولاية فيها إسلامية . (راجع في تعريف دار الحرب عودة ج1 ص 275 ) (فيدخل في دار الإسلام كل بلد سكانه كلهم أو أغلبهم مسلمون . وكل بلد يتسلط عليه غير المسلمين ما دام فيه سكان مسلمون يظهرون أحكام الإسلام أو لا يوجد لديهم ما يمنعهم من إظهار أحكام الإسلام ) . 


ويقول على ص 276 ( والأمان المؤبد هو ما ليس له أجل ينتهي به ، ولا يكون إلا بعقد الذمة ولا يتمتع به إلا الذين يقيمون إقامة دائمة بأرض الإسلام ، وعليهم في مقابل هذا الأمان الدائم بالتزام أحكام الإسلام ) .
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع