القائمة الرئيسية

الصفحات

استبعاد الأدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة - القانون الجنائي

استبعاد الأدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة 

استبعاد الأدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة
استبعاد الأدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة 


(بقلم الاستاذالحقوقي: ستار مزعل فرحان) 


وجد مبدأ استبعاد الأدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة في الميدان القانوني والقضائي لمحاربة التحصيل غير المشروع او غير القانوني لمختلف الأدلة المقدمة من طرف جهة الاتهام في مواجهة المشتبه فيهم عبر مختلف مراحل الدعوى الجزائية ، حماية لمبدأ الشرعية الإجرائية الذي يحرس مختلف الحقوق والحريات الفردية المقررة دستوراً والمضمونة بموجب القانون الجزائي الإجرائي ، ولمحاربة أي تعسف وأي ممارسة غير مشروعة للقائم بالإجراء أثناء ذلك، وانطلاقاً من كل هذا فأنَّ معظم دول العالم الحديث عرفت علاجات خاصة بمسألة الاستبعاد لما يتم تحصيله من أدلة بطرق غير مشروعة في مواجهة المشتبه فيهم لعدم قانونية طريقة هذا التحصيل إما بموجب دساتير هذه الدول او بموجب قوانينها الإجرائية. 


وتتلخص أسباب استبعاد الأدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة بالحالات التالية : 


أ :عدم مشروعية الوسيلة المستخدمة في الحصول على الدليل: 


إنَّ استخدام الأساليب الحديثة للحصول على دليل يحمل بين طياته نوعا من الوسائل التي تشكل اعتداء على الحياة الخاصة ونوعاً آخر من الوسائل التي تشكل انتهاكاً واعتداءً على سلامة الفرد الجسدية وفي الحقيقة ان معيار قبول أية وسيلة علمية مستخدمة في مجال الإثبات الجنائي لإظهار الحقيقة يرتكز أساساً على عدم إهدارها لحرية الفرد او كرامته الإنسانية ، الأمر الذي قد يزيد من الضغط على قدرة القاضي الجنائي كي يوازن بين ما هو مشروع وما هو غير مشروع.


وبما أنّ الدليل المستمد من الوسائل الحديثة يعد أكثر الأدلة اقتحاما وتعديا على حرمة الحياة الخاصة لذلك فأنَّ هذا الدليل لا يكون مقبولا في العملية الاثباتية ، إلاإذا تم الحصول عليه ضمنإطار احكام القانون واحترام قيم العدالة وأخلاقياتها ، وبالرغم من حرية القاضي الجنائي في الإثباتإلا انه لا يستطيع ان يقبل دليلا متحصلا من إجراء غير مشروع ليس فقط لأنَّ ذلك يتعارض مع قيم العدالة ، وانما لأنه كذلك يمس بحق المتهم في الدفاع عن نفسه ، وإذا كان مفهوم المشروعية ضمن إطار القوانين العقابية يقصد منه مدى مطابقة الإجراءأو التصرف للنصوص القانونية التي تنظمه فأنه في مجال إجراءات جمع الأدلة والحصول عليها يشبهه البعض بمثلث ذي ثلاثة أضلاع تدور في فلكه إجراءات جمع الأدلة وإثباتهاإلىأن تصبح صالحة لإنتاج أثارها القانونية.


وهذه الأضلاع هي: أن تكون الأدلة وليدة إجراءات قانونية سليمة، وان تقوم هذه الإجراءات على أسس علمية ثابتة ومستقرة ، وان تتم وفق إجراءات تتفق مع قواعد الأخلاق ومبادئ حقوق الإنسان. 

لذلك فأنَّ دور القاضي الجنائي هنا هو التأكد من الأدلة المعروضة أمامه قد تم الحصول عليها بطريقة مشروعة ، إلا انه يمكن إن يكون الدليل المستمد من هذه الوسائل كان نتيجـــة لإجراءات غير مشروعة فيستبعدها القاضي ، لذلك فأن قبول القاضي للدليل المستمد من أجهزة المراقبة يتوقف على عدة ضوابط لشرعية الإجراءات الماسة بالحرية.

ب: عدم صدور الدليل عن إرادة حرة 


يقصد بصدور الدليل عن إرادة حرة هو الحصول عليه دون أي اعتداء على إرادة المتهم او إرادة الغير ، بحيث تكون طريقة العثور عليه خالية من أي عيب قد يشوب تلك الإرادة ، ومن ثم يبطل ذلك الدليل اذا كان الحصول عليه قد تم نتيجة أكراه سواء مادياً أم معنوياً ، او حدث نوع من الغلط في سبيل ذلك.

على انّ ذلك لايقتصر بالطبع على مرحلة الحصول على الدليل وتقديمه ، بل يمتد ايضاً الى مرحلة تقديره التي يكثر فيها إمكان وقوع القاضي في الغلط إثناء فحصه وتمحيصه لعناصــــــــرالدليل وما يتضمنه من قيمة اثباتية ، او وقوع قدر من التدليس او التضليل او الخداع أثناء مراحلالحصول عليه ، فمثلا بالنسبة للاعتراف فأن المعول عليه ضرورة صدوره عن ارادة حرة ، ولذلك يجب استبعاد وسائل التأثير المختلفة على المتهم لحمله على الاعتراف ، ومن ثم فأنَّ أي تأثير يقع على المتهم سواء كان عنفا ام تهديداً أم وعداً يعيب إرادته وبالتالي يفسد اعترافه.

ويمثل هذا الشرط مبدأ عاما في كل الأنظمة القانونية ، ولا يقتصر على النظام اللاتيني ، بل يأخذ به وبنفس القدر أيضا النظام الانجلو امريكي الذي يشترط ان يكون الاعتراف ارادياً ، بل يتشدد كل من القضاء الانجليزي والأمريكي في الاقتناع بالاعتراف الإرادي ويفترضان صدوره دائما عن غير ارادة ، إذ أنَّ اعتراف شخص باختياره بارتكاب جريمة أمر غير مألوف ، ومن ثم يتعين نفي هذه القرينة قبل قبول الاعتراف كدليل ، وبالتالي لايقدم للمحلفين مالم يقرر القاضي أولاً قبوله كدليل إثباتي في الدعوى.

لذلك فأنّ القضاء وفي سبيل الوصول الى هذه الحقيقة يجد نفسه بين مصالح متعارضة، مصلحة المجتمع في الردع او العقاب ومن جهة أخرى مصلحة الحفاظ على الحقوق الأساسية للمتهم ، فاذا كانت القاعدة الأولى تفسح المجال للقائمين بالتحقيق اختيار وسيلة الإثبات بكل حرية فانه في المقابل ينبغي مراعاة عملية البحث عن الأدلة وتقديمها للقضاء ويجب ان تباشر طبقا لأحكام القانون ، وكل اثبات تم الحصول عليه بطريقة غير مشروعة ينبغي استبعاده ولا ينبني الاقتناع عليه ، ولا يتوقف الامر عند هذا الحد فحسب بل يجب كذلك مراعاة قواعد النزاهة.

وبما أنّ هذه الوسائل فيها اعتداء على الحرية الشخصية للإنسان فان القاضي الجنائي يرفض الاستناد الى الدليل المستمد من هذه الوسائل لأنه لا قيمة لدليل يخالف الحقوق الدستورية ، لأنه بقدر حرصه على كشف الحقيقة ، فأنه يحرص على حماية حقوق الأفراد والمحافظة على حرياتهم.

إذن فمشروعية الأدلة تعد حدا لايمكن للقاضي أن يتجاوزه نظراُ لما تقوم عليه الخصومة الجنائية من مبدأ حرية المتهم وتعزيز قرينة براءته ، وليس فقط أطلاق حرية القاضي في الإثبات ممثلا سلطة الدولة في العقاب وهذا ما ذهب اليه المشرع الدستوري العراقي في نص المادة/19 من دستور عام 2005 لضمان حرية التقاضي.

ج: عدم توفر القناعة لدى القاضي في الأدلة المطروحة 


يعد مبدأ القناعة الوجدانية من أهم مبادئ نظرية الاثبات الجنائي لأنه يتفق مع أسلوب التفكير العادي والمنطقي في الحياة العادية وفي البحث العلمي ، اذ يحكم القاضي حسب اقتناعه بالأدلة التي قدمت في الدعوى ، وان سلطته واسعة ومطلعة في تحري الحقيقة حسبما يملي عليه ضميره ووجدانه ، وله الحق في استبعاد أي دليل لا يطمئن إليه ، وان سلطته التقديرية كاملة في وزن الأدلة وتحديد قيمتها ، وله الحرية التامة في التنسيق بين الأدلة المعروضة أمامه وان يستخلص منها نتيجة منطقية يمكنه الاعتماد عليها في تقرير براءة او إدانة المتهم.

فالقاضي حر في تكوين عقيدته ، فلا يهم ان يكون مصدر الإقناع دليل تقدمه جهة الاتهام او يقدمه الدفاع ، الاّ أنّ الدليل يجب ان يحمل بين طياته معالم قوته في الإقناع ؛ لأنَّ جوهر دليل الإدانة هو صلاحيته بمفرده لحسم القضية وذلك من خلال وجود علاقة بين الجريمة وبين شخص معين يسند اليه ارتكابها ، فلابد وان تكون الأدلة صالحة حتى تدعو الى الاقتناع التام وان قبولها يكون طبقاً للعقل والمنطق. 

ولكي تكون قناعة القاضي سليمة في تقديرها للأدلة ، يجب ان تكون النتيجة التي توصل اليها تتفق مع العقل والمنطق أيضا، وتكون مطابقة للنموذج المنصوص عليه في القانون وهو ما يطلق عليه بالحقيقة القضائية ، والتي يشترط فيها ان تتفق مع الحقيقة الواقعية

وعلى القاضي الجنائي ان يستقي قناعته في الحكم من خلال أدلة مشروعة ، أما الأدلة التي جاءت وليدة إجراءات غير قانونية او باطلة فلا يجوز الاعتماد عليها ويجب طرحها نهائيا لان ما بني على الباطل فهو باطل ، وإذا كان الدليل معيبا وجب استبعاده من بين الأدلة ، فإذا لم تفعل المحكمة ذلك كان حكمها باطلاً وان استندت في إصدارهإلىأدلة مشروعة الى جانب الدليل الباطل.

والحكمة في ذلك أنَّ الأدلة في الاثبات الجنائي متساندة ويشد بعضها بعضاً ، وتكون المحكمة قناعاتها منها مجتمعة وليس في المستطاع الوقوف على الاثر الذي يتركه هذا الدليل او ذاك في نتيجة الرأي الذي تذهب اليه فيما لو استبعد من مجموع الأدلة.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع