القائمة الرئيسية

الصفحات

التعزير بالشبهة وما ثار حوله من شبهة

التعزير بالشبهة وما ثار حوله من شبهة: - (الجزء الأول)

التعزير بالشبهة وما ثار حوله من شبهة
التعزير بالشبهة وما ثار حوله من شبهة


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،

التعزير بالشبهة أو ما يعرف فقهيا بضابط التعزير يثبت مع الشبهة، هو ضابط فقهي من الضوابط الفقهية المشتهرة عند الفقهاء الأحناف والشافعية حيث تزخر بها مدوناتهم وكتبهم الفقهية، وقد ذكره من الأحناف العلامة ابن نجيم في [الأشباه والنظائر] بـ (التعزير يثبت مع الشبهة)، وذكره ابن عابدين في [منحة الخالق على البحر الرائق] بـ (التعزير خالص حق العبد وهو لا يندرئ بالشبهة)،أما ألفاظه عند الشافعية فهي غير مختلفة بل في ذات المعنى وقد جاء ذكره في كتاب الأشباه والنظائر للإمام جلال الدين السيوطي بـ (الشبهة لا تسقط التعزير) وذكره الزركشي في [المنثور] بـ (لا تسقط التعزيرات بالشبهة).

والشبهة في اللغة هي الِالتِباس أي مِنَ الْأُمُور المُشكلَاتُ، وهي في الاصطلاح على عدة معاني منها: ما يشبه الثابت وليس بثابت، وقيل أن الشبهة هي: وجود المبيح صورة مع انعدام حكمه أو حقيقته.

والمقصود بهذا الضابط أنه إذا تحقق ما يستوجب التعزير بتوفر الظن الغالب، وكان هناك شك يُلْبِس أمر الثبوت،فإنه لا يسقط التعزير لأجل هذا اللبس ولا يُلتفت لهذا الشك مع وجود الظن الغالب، أي أن الذي يقصده الفقهاء أنه [إذا وجد شك "شبهة" في عدم قيام موجب التعزير يقابله ظناً غالباً في قيام موجب التعزير، فإنه يعمل بالظن الغالب ويثبت التعزير]، لأن الظن الغالب عند الفقهاء يعد يقيناً، و اليقين: لغة: هو العلم الذي لاشك معه، لذلك تجد كلام الفقهاء عن القاعدة الفقهية ( اليقين لا يزول بالشك) تجدهم أدخلوا الظنَّ الغالب في هذه القاعدة فاعتبروه يقيناً وأوجبوا العمل به، ومنه قول الإمام النووي رحمه الله :« واعلم أنهم يطلقون العلم واليقين ويريدون بهما الظن الظاهر لا حقيقة العلم واليقين، فان اليقين هو الاعتقاد الجازم وليس ذلك بشرط». ويقصد بالظن الغالب أي الراجح،لذلك تجد أن معنى قول العلماء: [ ما استوى طرفاه فشك، وما اختلفا فالراجح ظن والمرجوح وهم] يدخل في بيان أن مراتب العلم أربعة: هي (اليقين - الظن - الشك - الوهم)، واليقين هي المرتبة التي يصل فيها علمك بالشيء إلى درجة لا يدخلك فيها أي شك البتة، أما الظن فهو مرتبة أقل من اليقين أي علمك بالشيء مع وجود احتمال ضده بدرجة واحد بالمائة أي الاحتمال فيها ضئيل، فيقال حينئذٍ غالب الظن، أو يقال: الظن، أو يقال: الراجح، وغالب الظن يسمى: ظناً راجحاً. بالتالي فالظن ليس معناه الشك وإن كانا مترادفان عند أهل اللغة – وفق ما جاء في لسان العرب: بأن " الظَّنُّ شك ويقين"، إلا أنه ليس بيقينِ عِيانٍ، إنما يقينُ تَدَبُّرٍ، فأما يقين العِيان فلا يقال فيه إلا علم. أما الشك فهوعلمك بالشيء إثباتاً ونفياً بمرتبة واحدة، أي قول الأصوليون: هو تردُّد الذهن بين أمرين على حدٍ سواء، فالشك كما قال ابن منظور صاحب معجم لسان العرب هو نقيض اليقين.

وأما الوهم فهو المرجوح من الاحتمالات، ومنه قولهم (التَّردُّد بين الطَّرفين إن كان على السَّواء فهو الشَّك، وإلا فالرَّاجح: ظنٌّ، والمرجوح: وهمٌ).

يتبين مما تقدم من إيضاح مختصر أن المراد بالظن الغالب أي الراجح والظن المعتد به في ثبوت التعزير هو الظن المعتبر لا الظن غير المعتبر، والظن الغالب أدنى درجة من اليقين لكنه فوق مرحلة الشك، لذلك عند تعزير متهما بظن غالب فلا يسوغ الاحتجاج بأن التهمة محل التعزير هي من قبيل الإدانة بالشك فالفرق واسع الظن الغالب والشك والبون أوسع في كلا الحالين.

لأن الإدانة تعني أن يتيقن القاضي أو يغلب على ظنه قيام سبب المجازاة في المدعى عليه "المتهم" وإن أحكام شرعنا الحنيف تقرر أنه لا يعاقب أحدٌ حتى يتحقق الموجب للعقاب إما بقطع أي يقين وإما بغلبة الظن.

والجدير بالتنبيه هنا أن ضابط التعزير بالشبهة ليس أجتهادا فقهياً، فقد يِشكل لدى البعض أن هذا الضابط الفقهي لم يقرره إلا فقهاء الأحناف والشافعية، أي دون وجود ذكر له لدى الحنابلة والمالكية،والواقع أن التعزير بالشبهة أمر ثابت في السنة النبوية المطهرة وطبقه النبي صلوات الله وسلامه عليه، والأصل في ذلك ما روي في مسند الأمام أحمد وسنن أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة) وقد نص على ذلك الأئمة، والحديث عمدة في التعزير بالشبهة لغلبة الظن. فإذا اجتمعت على المتهم قرائن يعضد بعضها بعضا تقوي ثبوت التهمة بالقدر الذي يجعل القاضي يصل إلى الظن الغالب،فإنه يجوز تعزيره حينها،لأن الظن الغالب يصح معه طِّرَح أصل البراءة، وتقديم ظاهر الحال عليه للقرائن، ولا أثر لشبهة الشك - تمسكاً بأصل البراءة- في مقابلة الظن الغالب؛ لأن التعزير يثبت مع الشبهة.

وكذلك مما يؤكد صحة التعزير بالشبهة أن التهم التي تقوت بالقرائن القوية يطرح معها أصل البراءة (الأصل براءة الذمة) أو كما في الاصطلاح القانوني (المتهم بريء حتى تقبت إدانته) فقد ثبت في في الصحيحين البخاري ومسلم من حديث العرنيين أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام العقوبة على العرنيين و فعل بهم ما فعل بناء على شاهد الحال ولم يطلب بينة بما فعلوا ولا وقف الأمر على إقرارهم، وذلك لأن أن التهم إذا قوتها القرائن القوية ارتفعت عن منزلة التهمة ولم يعد يصح تسميتها حينئذٍ تهمة.


نواصل ........


أبو أيوب.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع