القائمة الرئيسية

الصفحات

الموروث الشعبي العراقي في بعض التوجهات القانونية الدولية الدكتور حيدر أدهم الطائي

الموروث الشعبي العراقي في بعض التوجهات القانونية الدولية

الموروث الشعبي العراقي في بعض التوجهات القانونية الدولية الدكتور حيدر أدهم الطائي
الموروث الشعبي العراقي في بعض التوجهات القانونية الدولية الدكتور حيدر أدهم الطائي

الدكتور حيدر أدهم الطائي

كنت قد نشرت مقالة في فترة سابقة بصحيفة الزمان تطرقت فيها الى أصول بعض المفاهيم القانونية والتوجهات الأخرى ذات الصلة, بالموروث الشعبي العراقي, وأنا الان في سياق هذه السطور سأطرح أمثلة أخرى تشمل الموضوع ذاته لكن هذه المرة في التوجهات القانونية على مستوى القانون الدولي والهيئات التي تعنى بتطبيقه, وذلك يعني وجود أرضية مشتركة تجمع كافة البشر ضمن حدودها وان اختلفت ألوانهم وأديانهم وانتماءهم العرقي, فالقانون بالنتيجة هو وليد حياة الانسان في المجتمع الذي وجد قبل الاف السنين على سطح المعمورة, وطبقت فيه مجموعة من العادات والأعراف مثلت البذور الأولى لما نطلق عليه اليوم "علم القانون" وهو علم ينتمي الى عائلة العلوم الانسانية نجده في كل مجتمع, وفي كل دولة ككيان قائم بذاته, وبصرف النظر عن مدى الاحترام الذي يحظى به من جانب الانسان, وهو المخاطب بأحكامه, واليكم سادتي الكرام الأدلة على ما تقدم. 


1.في الموروث الشعبي العراقي يوجد مثل متداول على نطاق واسع يقول:(أني وأخوي على ابن عمي وأني وابن عمي على الغريب) وقد وجدت شيئا يتعلق بالمعنى المتقدم استغربت له كثيرا, وأعتقد أن من سيقدر له خالق هذا الكون قراءة هذه السطور – وبشكل خاص اذا كان حقوقيا نظيفا – سيجد ما سأذكره غريبا حقا فقد ألحق القاضي "أودا" تصريحا بالأمر الصادر بتأريخ 8 كانون الأول 2000 عن محكمة العدل الدولية والمتعلق بمذكرة الاعتقال الصادرة في 11 نيسان 2000 (جمهورية الكونغو الديمقراطية ضد بلجيكا / تدابير مؤقتة) جاء فيه انه صوت بشيئ من التردد بتأييد الفقرة 78/1 وما فعل ذلك الا بدافع التضامن القضائي فهو ما زال يعتقد أنه كان يجب شطب هذه القضية من جدول المحكمة العام, لأنه لا يوجد في - رأيه – نزاع قانوني في هذه الحالة يقع تحت ولاية المحكمة. فمجرد الخوف البسيط, الذي لا أساس له, من أن يتعرض السيد يروديا ندومباسي, نتيجة لاصدار مذكرة الاعتقال هذه, للاعتقال من قبل أية دولة ثالثة لا يعطي الحق للكونغو في تقديم ادعاء الى المحكمة بانتهاك حقوقها ومصالحها). 


ان مبعث الغرابة التي أجدها في تصويت القاضي المذكور مع باقي أعضاء المحكمة في الاتجاه الذي أشرت اليه مرده تبريره لتوجهه بفكرة أو بدافع "التضامن القضائي" فاذا كان هذا التبرير صالحا من الناحية القانونية منظورا اليه من زاوية عملية صرفة (حيث تم التصويت على الفقرة 78/1 من جانب المحكمة باجماع أراء القضاة وبضمنهم القاضي أودا) فانه لا يصلح مطلقا من الناحية الأخلاقية طالما كانت محكمة العدل الدولية تسمح بموجب قواعدها الداخلية الأخذ بفكرة الرأي المخالف. اذن يبقى أن نقول ان القاضي "أودا" أعمل مضمون المثل الشعبي العراقي الذي أشرنا اليه في أعلاه, والقائل "أني وأخوي على ابن عمي وأني وابن عمي على الغريب" لكن بصياغة مختلفة تمثلت باستخدامه عبارة "التضامن القضائي". 


2.قول عراقي مأثور أخر, وهو متداول على المستوى الشعبي أيضا يقول:(الشين الي تعرفه أحسن من الزين الي ما تعرفه). يبدو أنه يعبر عن توجهات محافظة ترفض التغيير, وهو قول يبرر من جهة المضمون قاعدة اقليمية التطبيق جرى العمل بموجبها في نطاق منازعات الحدود الدولية, نشأت هذه القاعدة أول الأمر في قارة أمريكا اللاتينية, وتحديدا في النصف الأول من القرن التاسع عشر, تعرف بقاعدة أو مبدأ"بقاء الحدود الموروثة عن الاستعمار" وهي قاعدة يطلق عليها الفقه القانوني العربي مصطلح "مبدأ قدسية الحدود" في حين يطلق عليها بالانكليزية "مبدأ كل ما بحوزته" "As you possess" تستهدف المحافظة على ملكية الأراضي التي تقع تحت سيطرة الأطراف المتحاربة كحل واقعي بعد نهاية العمليات العسكرية, وطبقا للمبدأالمذكورأيضا ستتحول الحدود الادارية, وهي حدود داخلية, والمرسومة من جانب الدول القائمة بالاستعمار الى حدود دولية بعد استقلال الدول الجديدة عنها مباشرة. 


ان المبدأ المذكور يرجع في أصوله البعيدة الى قاعدة رومانية تفيد بقاء الممتلكات العقارية المتنازع عليها بين طرفين بحوزة الطرف الذي يملكها بحكم الواقع بصرف النظر عن امتلاكه لوثيقة اثبات الملكية للمحافظة على الوضع الراهن, وقد أكدت محكمة العدل الدولية الهدف من المبدأ المذكور في القضية المتعلقة بنزاع الحدود بين بوركينا فاسوومالي, والتي صدر فيهاحكم المحكمة بتأريخ 10 كانون الثاني 1986 عندما ذكرت الأتي:( فمبدأ "لكل ما بيده" يعطي أسبقية مطلقة للحق القانوني في الملكية الفعلية كأساس للسيادة, وهدفه الأول هو ضمان احترام الحدود الاقليمية التي كانت قائمة في الوقت الذي نالت فيه هذه الدول استقلالها. وحين لم تعد تلك الحدود مجرد خطوط فاصلة بين تقسيمات ادارية مختلفة أو مستعمرات تخضع كلها لنفس السيادة, أسفر تطبيق هذا المبدأ عن تحويلها الى حدود دولية....... ويبدو إن مبدأ "لكل ما بيده" يتعارض مباشرة مع حق الشعوب في تقرير المصير. غير أن المحافظة على الوضع الاقليمي القائم في افريقيا ينظر اليها في الغالب على انها أحكم سبيل أنتهج. فقد حدا المطلب الأساسي المتمثل في تحقيق الاستقرار من أجل البقاء والتنمية وتوطيد أركان الاستقلال تدريجيا بالدول الافريقية أن تحافظ على الحدود الاستعمارية. وأن تأخذ هذا بعين الاعتبار لدى تفسير مبدأ تقرير مصير الشعوب. وان كان مبدأ "لكل ما بيده" قد احتفظ بمكانته بين أهم المبادئ القانونية, فما ذلك الا باختيار مدروس من قبل الدول الافريقية). 


3.يلعب عامل القوة بمظاهرها المتنوعة السياسية والاقتصادية والعسكرية دوراً جوهرياً في ميدان العلاقات الدولية حتى إذا نظرنا الى هذا الجانب من الزاوية القانونية – أي من زاوية دور عامل القوة في صناعة قواعد القانون الدولي – ولنا في مجال التدليل على وجهة النظر المتقدمة أكثر من مثال سبق وأن أشرنا اليها في مناسبات سابقة, وفي الموروث الشعبي العراقي يقال:(الامام إلي ما يشور يكولوله أبو الخرك) 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع