القائمة الرئيسية

الصفحات

ألقاب أهل القضاء بين الغلو والاعتدال

ألقاب أهل القضاء بين الغلو والاعتدال:

ألقاب أهل القضاء بين الغلو والاعتدال:
ألقاب أهل القضاء بين الغلو والاعتدال:

( ما بين مولانا، وصاحب الفضيلة،وسعادة المستشار)

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،

تختلف بعض مسميات القضاة والألقاب القانونية التي تطلق عليهم بإختلاف المدارس القانونية وتباينها، فالدول التي تطبق الشريعة الإسلامية أو ما يسمى بمدرسة الفقه الإسلامي، تختار لقب "صاحب الفضيلة" أو "فضيلة الشيخ" كلقب تشريف لمن يتولى وظيفة القضاء وذلك في المخاطبات الر سمية أوالتي في أروقة مجالس القضاء، وإن كان هذا اللقب هو مختص بعلماء وفقهاء الشريعة الإسلامية، إلا أنه يطلق على عموم القضاة ، وذلك لأن القضاة في الأصل هم العلماء بأحكام الشريعة الغراء، فلا غروا أن يتم تشريفهم بهذا اللقب و جرت العادة في السابق، أن لا يتم تعيين أي شخص قاضياً، مالم يكن على علم بالشريعة الإسلامية وعلومها كالفقه وغيره، ولكن في الأزمان المتأخرة أصبح يتقلد القضاء من هم أقل علماً وفقهاً وذلك لقلة العلماء في هذه الأزمان،ويقصد بالفَضِيلة : الدَّرجة الرفيعة في حسن الخلق، وصاحب الفضيلة : أي ياصاحب الفضل، أو من سمته الفضل، أي صاحب فضائل ومحاسن من جهة مكانته ومنزلته العلمية،وفضيلة الشيءِ : مزيَّته أو وظيفته التي قُصِدَت منه، و يقال ( أمّهاتُ الفَضَائل ) وهي :(الحكمة والعفّة ، والشجاعة، والعدل).


 وتطلق بعض الدول التي تتبنى المدرسة اللاتينية كمصر مثلا لقب المستشار لمن يعمل بالقضاء فالقاضي في مصر هو مستشار، وفي تقديري أن لقب المستشار ليس تشريفا بالمعنى المقصود ، وإن أريد منه أن يكون درجة عالية لدارس القانون، بل إن لفظ قاضي أرفع وأسمى من المستشار لما عُرف عن القضاء من الهيبة والعلم والوقار.

أما لقب القاضي في السودان فهو "مولانا"، ولا أدري ما المقصود من هذا اللقب الذي يحتمل أكثر من معنى، فمولانا قد تكون من الولاية العامة التي يكتسبها القاضي من ولي الأمر، فالقاضي ولي من لا ولي له، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإنه دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ). رواه أحمد وأبو داود.

وقد يكون معنى لقب "مولانا" مأخوذ من مولانا - ذلك اللقب الديني الذي اشتهر استخدامه لأسماء كبار علماء الدين المسلمين في شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى سابقًا، و كذلك في كلا من تركيا و إيران أي ما يماثل لقب فضيلة الشيخ ، أو سماحة الشيخ ، أو معالي الشيخ، أي هو لقب يطلق على الإنسان المتخصص بالعلوم الشرعية، الشخص المؤهل تأهيلاً علمياً شرعياً.

وقد يكون لقب مولانا مأخوذ من " اللغة السواحلية" وهي لغة سواحل أفريقيا الشرقية، وهي لغة كلا من كينيا وتانزانيا الرسمية، حيث تستخدم كلقب تبجيل يرادف كلمة "السيد"، ويستخدم لرجال الدين المتخصصين بالعلوم الشرعية ولغيرهم.

وفي تقديري أياً كان المراد من اللقب مولانا - صاحب الفضل والعلم المؤهل تأهيلاً علمياً شرعياً، أو معنى أخر، فإن هذا اللقب على وجه التحديد لا يليق بالقضاة الدارسين للقوانين الوضعية، وإنما هو خاص بالقضاة المتخصصين بالعلوم الشرعية، "القضاة الشرعيين"، لكونها القاب تطلق غالبا على من بلغ منزلة معينة من العلم في الشريعة وأصبح من أهل الفقه في العلوم الشرعية، فهو تشريفاً لحملة العلم الشرعي لكونه أشرف العلوم وأجلّها، وأرفعها منزلة ،وأعلاها قدراً، فلكل علم فضل على اختلاف اهله، ولكل منزلة فضل، ولا شك أن فضل العلماء الراسخون على بقية الخلق كفضل القمر على سائر الكواكب،فهم أهل المنزلة العالية الرفيعة فاستحقوا بذلك ألقاب التشريف أمثال { مولانا – صاحب الفضيلة – فضيلة الشيخ – سماحة الشيخ}ونحو ذلك ، وهذا التشريف لشرف العلم الذي حملوه، العلم الموروث عن الأنبياء، هذا العلم الذي قال فيه نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه:( من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سهل الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بخط وافر) . رواه أحمد.

كذلك لا يليق أو بتعبير أدق لا يجوز إطلاق لقب مولانا على من كان على غير ملة الإسلام يهوديا كان أم نصرانيا، لأنه على خلاف الشرع، فالكافر الذمي محترم النفس والمال، لكن ورد النهي بعدم تشريف أهل الكفر والنفاق عن عبد اللَّهِ بن بُريدة ، عن أَبِيه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّداً فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ )) . وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة - صحيح.ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة " فصل: لا يخاطب الذمي بسيدنا ونحوه، فمخاطبة المنافق بسيدنا ومولانا ونحو ذلك فحرام قطعاً.

فالولي والمولى اسمان من أسماء الله عز وجل ، لقوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) الشورى، وقوله تبارك وتعالى : (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) البقرة، وقوله عز من قائل : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الأنفال، وقوله : (وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) البقرة، فالأصل عدم جواز لما ذكره أهل العلم قال النووي : " قال الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه " صناعة الكتاب " : أما المولى فلا نعلم اختلافاً بين العلماء أنه لا ينبغي لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين : وكذا قال النحاس : يقال سيد لغير الفاسق ولا يقال السيد بالألف واللام لغير اللّه تعالى. وبالرغم من وجود رأي فقهي أخر يقول بجواز إطلاق لفظ مولانا للمخلوق إذا كان مسلما ، ولا يجوز أن يقال هذا للكافر،لما ورد في السنة، وقد قال النبي لزيد بن حارثة : ( أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا ) رواه البخاري. وجوز بعض أهل العلم إطلاق (المولى) بالتعريف على المسلم الفاضل بعلم أو صلاح ، الشاهد مما تقدم أنه حتى لو أخذنا بالرأي الفقهي الذي يقول بجواز يقال للمخلوق : مولانا، نجد أن ذلك ليس على إطلاقه بل بشرط أن يكون صاحب اللقب مسلما، والشرط الثاني أن يكون فاضلا بعلم أو صلاح.

فإن لم تتحقق في الشخص هذه الصفات فهو ليس أهلاً لحمل هذا اللقب، لأن هذا اللقب تشريفا يعكس تقدير المجتمع للشخص المؤهل تأهيلاً شرعياً ،والله جل جلاله قد أعطى كل ذي فضل فضله،فقال عز من قائل: (يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات)

كذلك قد يكون المدعو بهذا اللقب من الفساق، فهل يسوغ أن يطلق على الفاسق، وليس طعنا في عدالة من يلي القضاء في بلادنا لكن المشهود بالتجربة أن من بين هؤلاء القضاة من يتعاطى المحرم بمختلف انواعه وينتهك المحارم – فهل هو أجدر بهذا اللقب وهذا التشريف ...؟.

خلاصة القول لما كان العرف الجاري عند أهل العلم أنه لا يطلق مثل هذه الألقاب إلا على علماء الشريعة الذين تميزوا بالعلم والتعليم والدعوة والقضاء،فإنه من غير المنصف أن يطلق على غيرهم ممن لم يتأهلوا في الشريعة وعلومها، مهما بلغوا من العلم ومهما نالوا من شهادات القانون والدرجات العليا فيه، فهذا اللقب تشريف لشرف العلم الذي نهلوا منه، فالعلم المحمود المُثنى عليه وعلى أهله في الكتاب والسّنّة هو علم الشريعة التي بعث الله بها رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم،قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( العلم الممدوح الذي دل عليه الكتاب والسنة هو العلم الذي ورثته الأنبياء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر). اهـ. وقال الصنعاني في سبل السلام عند قوله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. مفهوم الشرط أن من لم يتفقه في الدين لم يرد الله به خيرا. وفي الحديث دليل ظاهر على شرف الفقه في الدين والمتفقهين فيه على سائر العلوم والعلماء، والمراد به معرفة الكتاب والسنة. اهـ.

فمن تعلم الشريعة فهو أولى بالشرف والكرم لأن الله شرف أهل العلم ورفع أقدارهم وعظم مقدارهم، وقد اتفق العقلاء على فضيلة العلم وأهله، وأنهم المستحقون أشرف المنازل دون غيرهم، وهو مما لا ينازع فيه عاقل، وإن استسهال اطلاق الالقاب على كل من حمل شهادة أو درجة علمية دون أن يكون مستحقا له أو أهلاً لحمله، مما يتعارض مع تفاوت مراتب الناس فاللقب وفق ما يعرّفه أهل اللغة هو اسم وضع بعد الاسم الأول للتعريف أو التشريف أو على المدح دون غيره. ولا شك أن مدح غير المستحق للمدح ذماً له في الحقيقة،واستخفافا به وتسفيها له، وتشريف من لا يستحق هذا الشرف من أوجه ظلم ووضع للشيئ في غير محله، بل وتجني على أهله، ومن وصف الشخص بما ليس فيه، ومدحه بما ليس أهلا له.

وقد عُرف عند أهل العقل، وثبت بالتجربة والبرهان - جواز الثناء على الناس لكن بما هو فيهم، على وجه الإعلام بصفاتهم، لتُعرف لهم سابقتُهم وتقدمُهم في الفضل، فينزلوا منازلهم، ويُقدَّموا على من لا يساويهم، وتلك من الحِكم البليغة.


أبوأيوب.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع