القائمة الرئيسية

الصفحات

الدبلوماسية في عيون شاعر الدكتور حيدر أدهم الطائي



الدبلوماسية في عيون شاعر الدكتور حيدر أدهم الطائي

الدبلوماسية في عيون شاعر
الدكتور حيدر أدهم الطائي استاذ في معهد العلمين للدراسات العليا


من الجديد في حياتي الأكاديمية منذ بداية السنة الدراسية الماضية أن معهد الخدمة الخارجية التابع لوزارة الخارجية العراقية قد بدأ باشراكي في لجان مناقشة بحوث الترقية لموظفي الوزارة فأنا أحمل شهادة الدكتوراه في القانون الدولي – ومن قلة الخيل شدو على من يخاف الله سروج - وهذا الرأي الذي أعبر عنه صراحة رغم أن الدكتور محمود الداود, رئيس قسم الدراسات السياسية في بيت الحكمة, وهو دبلوماسي عراقي معتق, ورجل ذو حديث ممتع ومثقف أيضا هنئني ذات يوم بعد أن انتهيت من أحدى المناقشات أثناء خروجي من المعهد بصحبة الدكتور علي فوزي المعاون العلمي في كلية القانون بجامعة بغداد, وهو صديق عزيز وأخ كريم قائلا: أنت قانوني متين. وبصراحة أقول لقد فرحت بهذا الكلام لأنه جاء من رجل أحترمه وأقدره للغاية, كما أنني لا أظن أنه كان يجاملني بطريقته الدبلوماسية المميزة بقدر ما كان الرجل معبرا عن قناعة شخصية.
هكذا أيتها السيدات أيها السادة قدر لي الخالق أن أدخل عالم وزارة الخارجية من ثقب الباب لا من أوسع أبوابه بل ولا حتى من النافذة فجاءت المناسبة لكي أكتب شيئا عن هذا العالم أو أستعرض شيئا عن هذا العالم لكن بعيون شاعر ودبلوماسي ورجل مثقف هو نزار قباني الذي يقول:(أدخلني عملي الدبلوماسي الى أعظم القصور فعرفت الملوك والملكات والأمراء والنبلاء ورؤساء الجمهوريات وبعد أن قابلتهم جميعا اكتشفت ان الشعر وحده هو ملك الملوك. كنت أشعر وأنا في حظرتهم أنهم في حضرتي وكنت أحس في كل قاعة عرش دخلتها ان كل ثريات الكريستال وكل سجاد الكوبلان وأواني الأوبالين ومقاعد الريجانس ولويس السادس عشر وملاعق الذهب وشمعدانات الفضة ترحب بي كشاعر لا كدبلوماسي........ كانت الدبلوماسية قناعا من الشمع ألبسه في المناسبات وكنت أذهب في الحفلات الدبلوماسية مضطرا كما يذهب التلميذ الى مدرسة لا يحبها...... ان عالم السفارات متحف من متاحف الشمع كل ما فيه مصطنع ومزور وغير حقيقي وكل المعروضات فيه مطلية بقشرة سميكة من التظاهر والنفاق لا يمكن لأي دبوس أن يخترقها, واللغة الدبلوماسية لغة عائمة ومنفلشة تنمو كالفطر على أطراف القيم وتموت في مكانها انها لا تضيئ شيئا ولا تعني شيئا ولا تأخذ شيئا ولا تعطي شيئا. انها كالزهور الاصطناعية ألوانها فاقعة ولكن لا رائحة لها).
لا أعرف في حقيقة الأمر اذا كانت هذه الكلمات لشاعرنا المحبوب تميل بدرجة أكبر الى عالم الأدب أم أنها تميل الى عالم الدبلوماسية اذا سلمنا طبعا بوجود مسافة فاصلة بين العالمين, ولا أظن أن هذه المسافة موجودة, فلا يمكن أن نتصور وجود أديب دون أن يكون دبلوماسيا, وأعتقد أن نزار قباني كان نموذجا لما تقدم وبأمتياز.
ما يمكن أن نستنتجه أيضا من كلام هذا الدبلوماسي والشاعر أن الدبلوماسية عالم بلا روح ولا أظن أن من يمارس هذا العمل يميل الى تبني هذا الرأي فليس كل من يعمل في السلك الدبلوماسي يتمتع بموهبة نزار قباني الشعرية حتى يجد نفسه في موضع المقارنة بين الشعر من جهة والدبلوماسية من جهة أخرى, وأنا أذكر هذا الكلام متمنيا أن لا يحل سخط العاملين في السلك الدبلوماسي علي لأنني أفضل قطع السكر التي ينثرها الشاعر في قصائده على حسن مظهر الدبلوماسي وأسلوب تعامله معي ابتداء من دخولي الى استعلامات وزارة الخارجية العراقية وانتهاء باخر خطوة أخطوها وأنا أخرج منها.
في معهد الخدمة الخارجية أيضا قدر لي الخالق أن ألتقي بالسفير صباح جميل عمران العميد السابق للمعهد, وهو رجل في منتهى الكياسة والشباب على الرغم من تجاوزه العقد السادس من العمر كما أظن, كما ألتقيت بالدكتور محمد الحاج حمود قبل أيام في احدى مناقشات بحوث الترقية, وهو أحد أساتذتي الذين عملوا في وزارة الخارجية العراقية كما هو الدكتور أكرم الوتري رحمه الله, والدكتور محمد عبدالله الدوري العميد السابق لكلية القانون بجامعة بغداد فهؤلاء الناس كنخيل العراق كلما غربت شمس يوم يمضي زادو تألقا وعلوا.
اذن ايتها السيدات أيها السادة هذا هو أقصى ما استطعت أن أكتشفه في عالم هؤلاء الناس من العاملين في السلك الدبلوماسي - فهل اكتشفت شيئا ؟؟ - اذ انتهيت مناقشا لبحوث ترقيتهم الوظيفية بعد أن كانت البداية لي معهم في كتيب صغير كتبه نجدت فتحي صفوت عنوانه "حكايات دبلوماسية" كنت قد اقتنيته من احدى مكتبات شارع السعدون في ثمانينيات القرن الماضي, ثم قرأت شيئا عن معهد الخدمة الخارجية في تحقيق صحفي نشرته مجلة "ألف باء" العراقية التي كانت تصدر ابتداء من سبعينيات القرن العشرين والتي يبدو أنها فارقت الحياة الى مكان بعيد لا يعلمه الا الله.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع