القائمة الرئيسية

الصفحات

الفكاهة الساخرة في ظل حرية التعبير عن الرأي الدكتور حيدر أدهم الطائي



الفكاهة الساخرة في ظل حرية التعبير عن الرأي الدكتور حيدر أدهم الطائي



الفكاهة الساخرة في ظل حرية التعبير عن الرأي
 الدكتور حيدر أدهم الطائي استاذ محاضر في معهد العلمين للدراسات العليا


كنت قد نشرت "بحثاً" أو صفحات إتخذت شكل البحث القانوني بمضمون يعبر عن الفكاهة الساخرة في مجلة التشريع والقضاء العراقية قبل أكثر من سنة مضت تطرقت فيه الى بعض الجوانب ذات الصلة بالفكاهة الساخرة, وأنا اليوم أحاول أن أقدم شيئاً آخر لكن باتجاه محدد هذه المرة, فمن المعروف إن المعارضة السياسية التي تعبر عن نفسها بالأسلوب المتقدم تنشط في أوقات التضييق على حرية التعبيرعن الرأي, ولن تعالج هذه السطور هذا الجانب من جهة ما سوف نورده على الأغلب من أمثلة للفكاهة الساخرة ولكننا سنطرح الموضوع من خلال معالجة الفكرة المتقدمة في ظل أنظمة سياسية تتيح مجالاً لا يمكن إنكاره للتعبير عن الرأي.
أيتها السيدات أيها السادة نحن الآن, وعلى ضوء ما تقدم, أمام صورتين: الأولى تتطرق للفكاهة الساخرة وما يعبر عنه هذا الأسلوب الذي يلجأ إليه الناس للتعبير عن رأيهم في أوقات التضييق عليهم من جانب الأنظمة السياسية الحاكمة حيث إرادة القائد أو الزعيم التي تختصر كل شيئ, وتتضمن كل شيئ, وتعبر عن كل شيئ, وبهذا المعنى يقول إمام عبد الفتاح إمام:(الترجمة الحقيقية للديمقراطية في المذهب الشمولي هي إن إرادة القائد أو الزعيم هي إرادة الشعب, أو كما ذهب بعض المنظرين عندنا في العهد الناصري هي ديمقراطية التحسس. بمعنى إن القائد الزعيم الملهم يتحسس مطالب الجماهير ويصدر بها قرارات وقوانين. ولما كان الشعب دائماً على حق, فان الزعيم المعبر عن إرادة الشعب هو أيضاً دائماً على حق ! ولكي يثبت القادة الشموليون إن إرادتهم هي إرادة الشعب فانهم يلجأون الى أسلوب الاستفتاء العام, والتصويت التهليلي وبهذه الطريقة يستخرج الزعيم الملهم, والقائد الساحر من قبعة الديكتاتورية أرنباً إسمه الديمقراطية) وأرجو هنا ملاحظة مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لي مضمونها أنني لا أقيم أية شخصية سياسية من خلال إيراد هذا الاقتباس.
الصورة الثانية للفكاهة الساخرة نتصورها في الأنظمة التي تدعي الديمقراطية, فالتوافق وغياب "المحاسبة" لن يعني إلا تكريس الفساد وضياع الحقوق بحيث يصبح مصير الشعب في خطر حقيقي, وتكون مقدرات الناس ومستقبل الدولة في مهب الريح, وإذا كانت الصورة الأولى قد تم التطرق اليها نتيجة معاناة الانسان العربي من الديكتاتورية والفشل في بناء دولة المؤسسات فان الصورة الثانية ترتبط بأوضاع العالم العربي بعد "ربيع العرب" الذي لم يجني منه هؤلاء حتى الآن سوى المآسي, فكيف سخر العرب إذن من هذا الواقع حيث لم يتغير شيئ "وتيتي تيتي مثل ما رحتي أجيتي".
أيتها السيدات أيها السادة سرقة المال العام, وغنى البعض في مقابل فقر مدقع يضرب الغالبية من الناس ليست بالظاهرة الحديثة العهد لكنها قديمة قدم المجتمعات الانسانية, وهذا أبو العتاهية الشاعر العباسي ينظم قصيدة يتوجه بها الى الخليفة العباسي الشهير هارون الرشيد يبين له فيها على نحو خفي, سوء الحالة الاقتصادية للناس وإستياءهم, ويدعوه فيها الى معالجة هذه المشكلة قائلاً:
من  مبلغ  عني  الامام   نصائحاً     متوالية
إني  أرى الأسعار, أسعار   الرعية     غالية
وأرى المكاسب نزرة وأرى الضرورة غاشية
وأرى  غموم  الدهر   رائحة  تمر    وغادية
وأرى اليتامى والأرامل في  البيوت   الخالية
من  بين  راج لم  يزل  يسمو  إليك  وراجية
يشكون   مجهدة  بأصوات   ضعاف   عالية
يرجون  رفدك  كي  يروا  مما  لقوه العافيه
...............        ...........     ..........
من  يرتجى  لدفاع  كرب  ملمة  هي ماهي
من  للبطون  الجائعات  وللجسوم   العارية
..............      .............    ............
ألقيت  أخباراً  اليك  من  الرعية     شافية
إن اللجوء الى الفكاهة الساخرة في العالم العربي يعبر بصورة واضحة عن عمق الاحساس بالمرارة مما آلت اليه أوضاع الناس, ففي لبنان على سبيل المثال يلاحظ وجود العديد من البرامج التلفزيونية التي تتخذ من الفكاهة الساخرة أداةً لها عند نقد الأوضاع السياسية أو ما يتصل بها بصورة أو بأخرى, وهو إتجاه إعلامي بدأ يظهر في قنوات عربية متعددة بما في ذلك قنوات عراقية تتطرق للشأن العراقي بتفاصيله المتنوعة.
أما في العراق الذي يعاني من ضعف أداء مؤسسات الدولة, وبصورة خاصة منذ العام 2003 حيث بداية الاحتلال الأمريكي الذي جاءت معه مفردات لم تكن مطروقة في آذان المواطنين العراقيين, كالفيدرالية , والشفافية, والديمقراطية مع ملاحظة إن النتيجة التي آلت اليها أمور الناس تسير باتجاه معاكس للمفاهيم المذكورة فقد نشطت الفكاهة الساخرة فيه بعد العام 2003 فشر البلية ما يضحك كما هو معروف في المأثورات العربية, ومن النكات التي تداولها أبناء الرافدين في ظل أبطال الفساد حكام الدولة العراقية الثانية النكتة الآتية: (سأل وزير عراقي وزيراً أمريكياً: إنتو شلون تبوكون "تسرقون" من الشعب ؟ الوزير الأمريكي: شايف المشروع الي كدامك ؟ الوزير العراقي: اي شايفه. الوزير الأمريكي: هذه المشروع كلف مليار دولار ضبطناها من هنا الى هنا, وكلنه كلف مليار ونص. وانتو شلون تبوكون ؟.الوزير العراقي: شايف المشروع إلي هناك ؟؟؟؟ الوزير الأمريكي: لا ما شايف شي!!!!!. الوزير العراقي: إصم الله عليك هذه المشروع كلف خمس مليارات).
واضح جداً إن هذا الحوار بين الوزيرين العراقي والأمريكي ربما جرى عن طريق الاستعانة بجهاز حاسوب (لأنه ممعقوله واحد إيكول للثاني شايف هذه المشروع الي هناك وهمه واكفين بمكان واحد).
نكتة أخرى تداولها العراقيون في ظل العراق الديمقراطي الفيدرالي توضح الدور الذي بدأ يلعبه من يدعي  أنه من رجال الدين حيث وجه السؤال الآتي لأحد معممي ما بعد العام 2003 ما هي مواصفات العروس التي تبحث عنها ؟ فقال: تكون شبه.......(ذكر إسم إحدى الفنانات الجميلات جداً) والعياذ بالله. وأكرر هنا أيضاً إنني لا أقيم أي رجل دين مع تأكيدي على أن من يؤدي دوره في الحياة بالشكل الصحيح , سواء كان هؤلاء من رجال الدين أو من غيرهم, لا يمكن أن يحظى إلا بالاحترام والتقدير الكبيرين.
لقد شهدت الصحافة العراقية في الفترة ما قبل العام 2003 كتاب مقالات عبروا عن توجهات متنوعة من عدة مسائل بطريقة الفكاهة الساخرة, والحقيقة إنني كنت أقرأ في صحيفتي "الجمهورية" و"العراق" العراقيتين على وجه التحديد شيئاً مما تقدم, لكن الأمر أصبح مختلفاً للغاية بعد سقوط الدولة العراقية الأولى.
إن ما أشرنا إليه يعني وجود دور للفكاهة السياسية الساخرة في ظل أنظمة تضيق من المساحة المتروكة للناس للتعبير عن آرائهم من القضايا التي تتعلق بالشأن العام كما إن ذات الدور يمكن تصور قيامه في ظل أنظمة سياسية تسمح بمساحة مقبولة من آليات اللجوء الى التعبير الحر عن الرأي ولكن هذه الأنظمة بحاجة الى مراجعة طبيب ماهر يعالج أمراض الأذن, والحالة الأخيرة يعد العراق خير مثال لها, فالى أين المنتهى يا عراق الرافدين ؟




هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع