القائمة الرئيسية

الصفحات

التشريعات الذكية بين مهارات المشرعين والممارسات المعيقة حيدر أدهم الطائي



التشريعات الذكية بين مهارات المشرعين والممارسات المعيقة الدكتور حيدر أدهم عبد الهادي الطائي




التشريعات الذكية بين مهارات المشرعين والممارسات المعيقة الدكتور حيدر أدهم عبد الهادي الطائي

قبل أن أبدأ بطرح بعض الأفكار ذات العلاقة بعنوان هذه الورقة لا بد أن أوضح موقفي من العنوان الذي اخترته لها فأنا لا أقصد  بالمشرعين الماهرين أصحاب السيادة!!! من ذوي العضوية في البرلمان العراقي, أو ذوي الدرجات الخاصة ممن أوصلتهم المحاصصة الى أعلى درجات السلم الوظيفي في العراق الديمقراطي الفيدرالي التعددي!!!!!!! متجاهلين كل صرخات الاصلاح في هذا البلد, كما أنني لا أقصد بالادارات المعيقة من يؤدي عمله بروح القانوني الماهر الذي يفهم روح القانون, ويستوعب دوره الايجابي في المجتمع, ولا يستخدمه كأداة لتحقيق مارب شخصية, وهؤلاء قلة من الخيرين بكل تأكيد.
اذن لا بد من القول ان الممارسات السياسية والادارية المعيقة تشكل عقبة كبيرة أمام الأهداف النهائية التي تسعى التشريعات الذكية الى تحقيقها, والمتمثلة جوهريا بالقدرة على خلق نوع من الثقة العميقة بفعالية الأدوات القانونية كوسيلة لاستيفاء الحقوق وأداء الالتزامات في أي مجتمع يرتضي أفراده حكم القانون, فكيف تحقق هذه التشريعات الغاية المتقدمة الى أقصى حد ممكن بحيث لا يكون أمام المعني باعمالها الا التطبيق المباشر للنص دون الحاجة الى الولوج في ميدان التوجهات الفقهية التي تحكم موضوع تفسير النصوص القانونية ؟
 ان محاولة الوصول الى تشريع قوانين تستهدف المساهمة في بناء المجتمع أمر يمكن تحقيقه من خلال صياغات تشريعية ذكية تستجيب للمشاكل والتحديات التي تواجه المجتمع, والصياغة التشريعية على وجه العموم هي الية تحقيق هدف القانون, فهي الوسيلة التي يجري بمقتضاها نقل التفكير القانوني من الحيز الداخلي الى الحيز الخارجي, باعتبارها الأداة التي يتم طبقاً لها التعبير عن فكرة كامنة لتصبح بفضل الصياغة حقيقة إجتماعية وقانونية يجري التعامل على أساسها مساهمة في تقديم الحل الأمثل للفرض الذي تعالجه القاعدة القانونية ذات المصدر التشريعي. والهدف المتقدم المحقق لفكرة التكامل بين النظرية والتصورات  من جهة وبين التطبيق أو الممارسة من جهة أخرى يجري انجازه من خلال صياغة ذكية تستوعب الجانبين المذكورين, والذي يبدو إن إستخدام مصطلح الصياغة التشريعية الذكية يطلق ليدل على معنيين وربما ثلاثة نلخصها بالاتي:
المعنى الأول يراد به عملية الصياغة التي تجري بهدف تشريع قوانين تغطي الممارسات المستحدثة والناشئة عن الجرائم التي ترتكب باستخدام الحاسوب أو العمليات التجارية وغيرها من التصرفات التي تتم – وهي بحاجة الى تنظيم تشريعي -  من خلال إستخدام أجهزة الاتصالات الحديثة بما في ذلك أجهزة الحاسوب, وأعتقد إن إطلاق مصطلح الصياغة الذكية على مثل هذه التشريعات لا يعدو عن كونه إستخدام للمفردة أو المصطلح ليعبر عن مفهوم شكلي أكثر من كونه تعبيرا ًعن مفهوم موضوعي على إعتبار إن هذا الاستخدام يعكس معنى صياغة تتولى توفير إطار قانوني منظم لتصرفات أو تجاوزات حديثة غير معروفة سابقاً, فهذا هو الجديد في الأمر أما عملية الصياغة فلا جديد يحكمها في حد ذاتها أو في جوهرها.
المعنى الثاني للصياغة الذكية يراد به المفهوم التقليدي, وهو معنى يعبر عن جوهر الوصف المتقدم للصياغة, ويتحقق عندما يمتاز التشريع بجملة من المميزات التي تجعل منه ناجحاً على مستوى التطبيق, وهذا المعنى للصياغة يشتمل على البعد الموضوعي والبعد الشكلي عندما نصف التشريع باعتباره تشريعاً ذكيا أو عندما نقول أننا أمام صياغة ذكية.
المعنى الثالث الذي يمكن تصوره لمفهوم الصياغة الذكية يقوم على أساس فكرة مضمونها الى أي مدى يستطيع التشريع أن يغير باتجاه إيجابي المفاهيم والقيم والممارسات الفاسدة السائدة في المجتمع بحيث يستعمل التشريع كأداة لتحقيق مجموعة من الأهداف التي توصلنا الى الاصلاح والتنمية المستدامة, فالتشريع الذكي بهذا المفهوم الذي يعبر عن تصور أو معنى موضوعي يقوم بما يقوم به المعلم الذي تتحدث الأدبيات التربوية عن دور مزدوج له (في التنشئة, فهو من ناحية حامل وناقل للقيم الأساسية والمبادئ العليا التي إرتضاها المجتمع, وهو من ناحية أخرى يبث من خلال الشرح وطريقة التدريس والسلوك قيماً ثقافية قد لا تخلو من دلالات سياسية صريحة أو مضمرة)

صفوة القول بخصوص تحديد المفهوم بطريقة صحيحة - لا كما يتداوله البعض - إن وجود بيئة قانونية تستوعب وتواكب الطفرات التقنية والخدمات الألكترونية الذكية لا يجب أن تمنع عملية تطوير التشريعات بأي شكل من الأشكال في ظل تطور التعامل الألكتروني, ولا شك إن زيادة العمل بموجب تلك المعاملات سيفرز الحاجة لتعديل أو إصدار تشريعات جديدة تغطي التعامل الجديد وأوجهه المستحدثة.
إن مفهوم التشريعات الذكية يجري الحديث عنه بطريقة سطحية, أي هناك تطبيقات ذكية ناتجة عن تطور التكنولوجيا – هواتف ذكية, حواسيب تقوم بعمليات متنوعة....الخ فيقال إن التشريعات التي تنظم المعاملات التي تجري عن طريق هذه الأجهزة الألكترونية المستحدثة هي تشريعات ذكية, وهذا مفهوم ضيق. المفهوم الآخر الموضوعي الذي يبدو وكأنه الأوسع, والاقرب الى الصحة, يقوم على إن التشريعات الذكية هي التي تتصف بهذه الصفة – صفة الذكاء – من خلال حيازتها على مجموعة من المميزات.
إذن مفهوم التشريع الذكي مفهوم قديم من الناحية الموضوعية جديد من جهة التسمية إضافة الى كونه جديداً من جهة الدافع الى القول بوجود مثل هذه التشريعات التي تتمثل بوجود تطبيقات تكنولوجية جديدة تستدعي وجود تشريعات تنظمها وتعالج الاشكالات التي قد تنشأ عنها في المجتمع.
ولكن الى أي مدى أعاقت الممارسة السياسية والادارية في العراق تحقيق أهداف التشريعات الذكية بالمفاهيم المتقدمة كافة ؟
الاجابة التي نتوصل اليها بكل بساطة ان هناك نسب فشل كبيرة جدا ناتجة عن الممارسات الفاسدة على المستويات السياسية والاقتصادية والادارية في كافة مفاصل الدولة العراقية الثانية بحيث أصبحت التشريعات الصادرة عن المؤسسات التشريعية العراقية حبرا على ورق حتى وصلنا وبامتياز الى مرحلة الدولة الفاشلة بدلا من الوصول الى مراحل متقدمة من التنمية فنسبة الفقر في العراق تجاوزت 22% دون أن يلاحظ المتتبع للشأن العراقي أية محاولة جدية للاصلاح تتجاوب مع مستوى التحدي الذي يواجه الانسان العراقي, وهذه هي الحقيقة الوحيدة التي يمكننا الجزم بوجودها في بلاد المليارات المختفية والضائعة تحت مظلة الطروحات القومية والدينية والطائفية وربما الأسرية والشخصية أيضا, فالقانون الجيد يجب أن يكون جيدا بالنسبة الى جميع الناس,كما أن العبارة الصحيحة, تعد صحيحة بالنسبة الى الجميع (الجملة لكوندورسه).








هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع