القائمة الرئيسية

الصفحات

هاني فحص وفكرة التنويري بقلم الباحثة انعام محمد جواد العندليب معهد العلمين للدراسات العليا


هاني فحص ... وفكرة التنويري بقلم الباحثة: انعام محمد جواد العندليب


هاني فحص ...وفكرة التنويري
بقلم الباحثة: انعام محمد جواد العندليب معهد العلمين للدراسات العليا

كان لبيئته الاجتماعية ومقوماتها الفكرية والمعرفية والعلمية وانفتاحها بالغ الأثر في البناء المعرفي والفكري له. أثرت بصورة فاعلة في تكوينه واندفاعة صوب المعرفة والدراسة الحوزوية وصقلَ كل ذلك من خلال دراستهِ الأكاديمية في كلية الفقه واطلاعه على المستجدات الفكرية بمواظبته على قراءة الدوريات العربية.
تميز بشخصية المصلح الذي يرى الاصلاح ليس فعلاً أرادياً أي ليس أرادة شخصية ، هو ثقافة تخوض بكل مفردات الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية .درس قضايا المجتمع من خلال ثقافة تتسامى عن الأفكار الشخصية غير المثمرة ، فخلق بذلك فكراً متفاعلاً وفاعلاً في الوقت ذاته . فهو يأمل في حضارة إنسانية قوامها روح الاسلام وفاعلية وإيجابية الغرب. لذا يمكن تصنيفه ُضمن مُفكري الإسلام الإصلاحين التنويرين، والتنوير عنده فعل تأريخي مستمر وليس حقبة .
تكمن خصوصيته كونه يتسم بجرأة فائقة  في تناول مجمل قضايا الحداثة محاولاً مقاربتها مع قيم الإسلام .فهو موحد توحيد ي بامتياز يقرأ الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة ، وفي ثقافتنا التوحيدية أن العدل هو تمام التوحيد.
عرف بانحيازه الى الفقراء والمهمشين والطامحين الى العدالة والمساواة موصول بانحيازه الى الحرية كشرط أنساني .
وأتسامه بالوسطية في رؤيته للبنان التي جعلته يطل على الاطراف فيرى الحقائق المختلفة في نصاب جامع ومن تجليات هذه الوسطية يرى الاعتدال قوة وحق وحقيقة وغنى.  يرى الدولة ضرورة ، كناظم للاجتماع السياسي فهي متغيرة بتغير الزمان والمكان والحال. وكان خياره على صعيد الدولة والمجتمع هو خيار المؤسسات الفاعلة بتنشيط الحياة السياسية والمدنية .فالحالة اللبنانية يراها لا تنهض إلا على أساس الشراكة المتكافئة ، وهذه الشراكة عليها أن تنتج تدريجيا صيغة المواطنة وصيغة الدولة للمجتمع ،الدولة المدنية لا الطائفية ولا تعني إلغاء الطوائف بل استيعابها من دون أن تستوعب الدولة أي تختزلها   ، وهو يستبعد خيار الدولة الدينية ويرى ضرورة تحويل الفقيه الى رقيب وناظر وان يعود الى  موقعه الارشادي المولوي في ادارة الدولة .
وتكمن أهمية الدستور عنده حيث يوثق فيه ان الأرض التي نقيم عليها تتحول الى وطن ، وان الانسان الذي يعيش ويشارك في صوغ حياتها الى مواطن ، أي مشاركة المواطن الاصيل في صنع القرارات مضافاً إليها نظرة الدولة الى مواطنيها على المساواة في الحقوق والواجبات . فالمواطنة هوية مشتركة تعمل على أدماج جميع المكونات في مجتمع ما ، فهي علاقة تتجاوز الأنتماءات الفرعية ، وهي أيمان بالوطن والمواطن بالعدل والمساواة والحرية لذا فهو يؤكد ان المواطنة لا تستقيم من دون دولة حقيقية جامعة وعادلة تكون قوية بعدالتها ، لايفككها بعض جيرانها أو أصدقائها أو أشقائها بمشاركة بعض ابنائها .
فالسيد هاني فحص لم يكن واقفاً على باب الجنة ، جنة الله ، لاجنة أحد من خلقه ، يطرد منها مؤمنا آخر  على غير مذهبه ، كأنه يرى سعة الجنة عرضها كعرض السماوات والأرض وأبى عليه ذوقه وقلبه وعقله ولسانه أن يتخيل جنة الرحمن الرحيم ،المطلق في جامع أو نادٍ حزبي أو قصر سلطان .
يغضبه تعصبك لأسلاميتك أو قصورك في معرفة الاسلام ،لانه يرى التنوع واقعاً لابد من الاعتراف به بصرف النظر الانتماءات العقدية واللونية واللغوية ، فليس في ساحة الوجود المسلم فحسب بل هوطيف يشرق بكل الالوان ، فالعلاقة مع الآخر علاقة سلام وليست حرب .ولذلك لابد من استبعاد كل مالا يليق بالسلام الاجتماعي ، وكل ما يشكل خطراًعلى فكرة استمرار الحياة وصيانتها من عبث صناع الموت .
فالعلاقة مع المختلف علاقة تأسيس على الذرية والاعتراف المتبادل في اطار الاحترام والحوار .
لذا فالتعددية السياسية أمر طبيعي لان التعدد يعني عنده تعدد رؤى وطرق وأهداف وتباين غايات.  فهو من دعاة المجتمع المدني والاحزاب هي رافعة هذا المجتمع .
يذهب مفكرنا للقول ان الاسلام شوروياً والديمقراطية بديلاً للشورى ولايرى تعارضاً بين الديمقراطية وقيم الاسلام ،فالديمقراطية آلية للأرتقاء الفردي والمجتمعي وهي المناخ الملائم للعدل كونها تقوم على أساس الاعتراف بالأنسان وحقوقه الانسانية من كرامة وأختيار وحرية وأرادة ، ولاتقتصر على معناها السياسي فحسب بل بمدلولها الاجتماعي والاقتصادي الشامل .ويؤكد على عمق العلاقة بين الدستور من جهة والاستبداد من جهة أخرى لذا لابد ان يكون الدستور راسخ وقوي لكي يحقق الحماية والضمان للديمقراطية .
وللحوار أهمية بالغة عند السيد هاني فحص فقد آمن به وكرس العقدين الاخيرين من حياته في العمل الجاد بالحوار، ذلك لانه يراه مجالاً للمكاشفة وأزالة الغبار القائم عن المساحات المشتركة في الايمان والكفر والمصلحة . فهو يرى الحوار ضرورة من ضروراة الحياة بل هو ضرورة لاستمرارها ،أذ ينطلق الحوار من الاعتراف بالآخر كما هو شريكاً  مختلفاً مع أحترام الاختلاف وفهم أسبابة ، وأعتبارها حافزاًللتكامل لاداعياً للافتراق .
وعليه فالحوار لا يدعُ الآخر الى مغادرة موقعه الطبيعي والتخلي عن طلباته المشروعة . وبدى محذراًمن حوار العقيدة لان العقيدة مقدسة عند أهلها .
ولكي لايتحول الحوار الى سجال يعيد انتاج الحساسيات ويزيد الفوارق ويعمقها ويشعبها لابد ان يكون الحوار بين الجماعة المميزة فكرياً أي النخب الموصولة بالناس التي تحمل أسئلتهم وتجيب عليها بشكل علمي .
ويرى في تعطيل الحوار بداية للعنف حيث يصبح كل طرف مقابل الآخر ، لكي يلغي كل منا الآخر . من هنا كانت دعواه لمعرفة الآخر والمعرفة متحركة ، بمعنى كلما ازددنا معرفة بذاتنا ازددنا معرفة بمن نختلف معه بحيث يصبح بعضه جزءاً من معرفتنا بالاسلام .
وبما ان الاختلاف امر كوني ، فأن الحوار أمر كوني ايضاً، وما كان هذا الاختلاف كونياً  الابأرادة ربانية أرادت لهذا الكون وهذا الأنسان ان لايكون ذا بعد واحد ، لان البعد الواحد في الفرد والجماعة والاشياء جميعاً موت ، والحوار هو الحياة ومن أراد ان ينقطع عن الآخر فإنه حتماً سوف ينقطع عن ذاته ، فالآخر ضرورة حتى لانقع في الفصام .
            
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع